فلسطينيو العراق .. غزة .. عاشوراء ؟!!

بواسطة أيمن الشعبان قراءة 1704
فلسطينيو العراق .. غزة .. عاشوراء ؟!!
فلسطينيو العراق .. غزة .. عاشوراء ؟!!

فلسطينيو العراق .. غزة .. عاشوراء ؟!!

 

قبل أكثر من سنتين مرت علينا في بغداد وتحديداً مجمع البلديات تلك المشاهد المأساوية والمناظر المؤلمة لجثث الشهداء بإذن الله والضحايا والجرحى أثر قصف المجمع عدة مرات بقذائف الهاون إيرانية الصنع من قبل عناصر جيش المهدي، وكان آنذاك المجمع أشبه بسجن يعيش فيه قرابة 8000 فلسطيني يعانون الحصار وعدم القدرة على الحركة أو التنقل.

تم في تلك الأوقات نقل الجرحى بسيارات النقل الصغيرة وسيارات خاصة وبعضهم فضل العلاج أو حتى الموت بداخل المجمع خشية قتله من قبل الميليشيات المسيطرة على المستشفيات وحصلت حوادث سابقة من ذلك النوع .

وهذا المشهد له أكثر من خمس سنوات يتكرر على فلسطينيي العراق ما بين قتل وتهجير واضطهاد وخطف وتعذيب وشتات ووعيد وانتقام وتمييز وعنصرية واستهداف على الهوية و... و ... والمناشدات والنداءات والبيانات بضرورة إنقاذ تلك الأقلية لكن لا مجيب!!! وكأن العرب لا علاقة لهم بفلسطين وكأنها شطبت من قاموسهم والموقف العام الإسلامي أيضا ضعيف وركيك وهزيل.

وبينما يترك آلاف الفلسطينيين يذهبون لدول في أوربا وشرق آسيا وأمريكا اللاتينية وفي أحيان أخرى هذه الدول لمقاصد ومغازي معينة هي التي تبادر باستضافتهم والعرب لم يتكلفوا باستضافة فلسطيني نازح أو مهجر من العراق ، وتركونا نواجه مصيرنا وحدنا لكن نقول الله معنا ، وإذا بقيت المواقف على هذه الشاكلة والحالة في كل ما يخص قضايا الأمة المصيرية فلنكبر أربع تكبيرات على تلك الحكومات والمواقف ونقول لله ما أخذ ولله ما أعطى في أمتنا .

ومنذ قرابة أسبوعين والمشهد يتكرر ولفئة أيضاً مستضعفة محاصرة من الفلسطينيين في غزة والمواقف هي ... هي ، فرأينا الدمار والقصف الكثيف للعدو اليهودي والمئات من الشهداء وآلاف الجرحى وأشلاء الضحايا وبرك الدماء والبيوت المهدمة في أعنف وأشرس هجمة بربرية وهمجية وإجرامية عرفها التاريخ بأسره القديم والحديث ، ومهما وصفنا الحال وتكلمنا وعبرنا فلن نصل إلى معشار الحقيقة التي رأيناها بالصور وليس الخبر كالمعاينة .

ويبدو أن أمة لم تحتكم لكتاب الله ولم ترجع لدينه ورضيت بالذل والهوان والخنوع والتبعية للغير ، فهذا حالها وتلك مواقفها وهذا كنا نسمعه منذ أن وطئت أقدامنا الثرى بأن العرب مواقفهم هزيلة وهم السبب الرئيس في ضياع حقوقنا وقضيتنا حتى وصل الحال بأن أصبحوا مشاركين بل جزءا من معاناتنا ، ولم يحركوا ساكنا طالما أن اللئواء والعناء لم يصلهم وليغرق الجميع طالما لم يصلني الطوفان هذا طبعا بلسان الحال .

هذا يذكرنا كيف سقطت الأندلس عندما كان أحدهم جالسا في قصره والغانية ترقص أمامه ويأتيها السهم ويقول لا علاقة لنا طالما الأمر لم يصلنا والغزاة على عتبة داره ، وقد أنشد أبو البقاء الرندي رحمه الله أبيات يرثي بها الأندلس بعد ضياعها قائلا :

دهــى الجـزيــرة  أمر لا عـزاء  له       هـوى له أحـــد و انـهــد ثــهـلان

كم يستغـيـث بنا المستضعفون وهـم       قتلى وأسـرى فـمـا يهتـز إنسـان؟

ألا نــــفــوس أبـيّـــات  لـهــا هــمــم      أمـا على الخـير أنصار و أعوان؟

يــا مـن لذلــة قــوم بـعــد  عـزهــم        أحــال حـولهتم  جــور و طـغـيان

لمثـل هـذا يـذوب  القـلب عـن  كمـد      إن كـان فـي القـلب إسلام و إيمان

المشهد في غزة أفظع مما يوصف ، والخسة وهزالة المواقف أدنى من أن تذكر والحال والواقع أصبح لا يخفى على أحد ، وقد فاحت رائجة الذل والهوان والخذلان والعمالة ، فاليهود كما وصفهم الله عز وجل هم الفجرة الكفرة المجرمون قتلة الأنبياء والرسل أهل الغدر والخيانة ومن لعنهم الله وقوم بهت ومن صفاتهم الكذب والرذيلة وكل ما خطر ببالك من صفات الخسة والنذالة والفساد ، لكن ما الذي دهى أمة العرب والإسلام بتلك المواقف المشينة ؟!! وقد تعودنا عليها للأسف منذ عام 48 ولحد اللحظة هذه .

الأمة اليوم بحاجة لقائد قدوة يقوم بدوره كما أراد الله ويفضل إزالة عرشه وملكه مقابل موقف يلقى الله عز وجل به كما فعل السلطان عبد الحميد عندما طرد من جاء ليفاوضه على فلسطين من مجلسه وكلفه ذلك خلافته وصمد صموداً لو صمده الحكام بعده لما ضاعت فلسطين ، لقد ضحى بملكه وبسلطانه العريض، ولو سمح لليهود بإقامة وطن في فلسطين لبقي حكمه وسلطانه، ولكنه آثر الآخرة على الدنيا، والباقية على الفانية، لقد أغرى اليهودُ السلطانَ عبد الحميد مقابل السماح لليهود بإقامة وطن في فلسطين بإغراءات كثيرة، منها :

  1. إقراض الخزينة العثمانية أموال طائلة.

  2. تقديم هدية خاصة للسلطان مقدارها خمسة ملايين ليرة ذهبية.

  3. تحالف سياسي يوقفون بموجبه حملات الدعاية السيئة التي ذاعت ضده في صحف أوروبا وأمريكا.

لكن السلطان ركل كل ذلك، وطرد الوسطاء من مجلسه، وأصدر أمراً بمنع هجرة اليهود إلى فلسطين، وساعتئذ قرروا عزله، والقضاء على الخلافة، ليأتوا ببدائل تمكنهم من تنفيذ هذا المخطط الخبيث الذي أكرم السلطان أن يكون عليه وزر منه.

وقبله صلاح الدين رحمه الله الذي أقسم بأنه لن يضحك أو يبتسم حتى يحرر بيت المقدس وفعلا صدق فيما قال ، وهارون الرشيد الذي كان يكلم السحابة ويقول لها : أمطري حيثما شئت فسوف يأتيني خراجك ؟!! هذا من باب الثقة بالله عز وجل ، وله واقعة أخرى تدل على العز الذي كانوا فيه عندما قال لنقفور ملك الروم : بسم الله الرحمن الرحيم : من هارون أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم ، لقد قرأت كتابك يا ابن الكافرة والجواب ما تراه دون ما تسمعه ، والسلام ،  ثم سار بجيشه وفتح وغنم وأحرق حتى سأله نقفور المصالحة على خراج يحمله معه إلى آخر القصة ، فهل لنا بمثل هذه المواقف التي عزت هذه الأيام ، بأن نسمع من لا يزيد على هذه الكلمات ويقوم بعمل ما لألهنا في غزة فقد سئمنا الشعارات والبيانات والتصريحات والفضائيات واللقاءات وأهلنا في غزة يموتون بالآهات والحسرات وقلة المعونات .

فمن يعيد الحق المغتصب لأهله ؟ ومن يفتح باب الجهاد حتى ترجع للأمة عزتها وكرامتها ؟ :

أيا عـمر الفاروق هل لك من عودة        فـإن جـيـوش الـروم تـنهى وتأمر

رفاقك في الإغوار شدوا سروجهم         وجيـشك في حطين صلوا فكبروا

نســـاء فلسطـيـن تـكحـلن بـالأسـى        وفـي غـــزة قــاصــرات وقـصـر

وليـمـون يـافا يـابــس في حـقـولــه        وهـل شـجر في قبضة الظلم يثمر

ومن يجيب ربنا عز وجل في قوله ( وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر ) بعيدا عن مجرد الأقاويل وإبراز العضلات والتصيد بالماء العكر كما هو الحال لدى كثير ممن يزاودون بدماء أهلنا هناك ويتقمصون المصالح الفئوية خدمة لمصالحهم وعقائدهم الفاسدة ، فأصبح لا يخفى على القاصي والداني المواقف العربية والإسلامية المخزية إلا أن الشعوب حية لكن مغلوب على أمرها ، أما أن يأتي من يدعي نصرة غزة والقضية الفلسطينية وهم على حدود اليهود وآخرين صواريخهم وما يمتلكون من السلاح النووي يصل عقر تل أبيب ، فماذا ينتظرون فما فرقهم عن العملاء والخونة والمتخاذلين إلا أن أولئك قالوا نحن هذا جهدنا وهذه طاقتنا ( وهذا غير مبرر بطبيعة الحال ) لكن أنتم فتدعون النصرة وأنكم المقاومة فما الذي فعلتموه والوقت وقت عمل لا قول .

بالله عليكم هل مرت على أمة الإسلام في تاريخنا المعاصر لحظات حرجة وصعبة وقاسية كهذه التي نمر بها وأهلنا في غزة يئنون ويبكون ويصرخون ، فمتى يستخدم السلاح النووي أو صواريخ عابرة القارات ، ومتى يتحرك ما يسمى بحزب الله اللبناني بدلا من كثرة الصراخ والشعارات ترويجا للمشروع الصفوي الفارسي في المنطقة ، وهؤلاء ينطبق عليهم المثل ( أسمع جعجعة ولا أرى طحنا ) ووالله وبالله وتالله لا يأتي النصر من قوم يتقربون بشتم صحابة النبي عليه الصلاة والسلام وتكفيرهم أو الطعن بعرض النبي عليه الصلاة والسلام ، أنسيتم من ذبح الفلسطينيين في لبنان عام 1982 ؟!! ومن ذبحنا نحن في العراق وارتكب بحقنا أبشع المجازر والجرائم أليس ميليشيا جيش المهدي وقوات بدر الذين يتظاهرون اليوم ويتباكون على غزة ؟!! وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال في الحديث الصحيح ( سيأتي على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين وينطق فيها الرويبضة قيل : وما الرويبضة ؟ قال : الرجل التافه يتكلم في أمر العامة ) .

ونحن في هذه الأيام نمر بيوم العاشر من محرم الذي له فضل في الصيام كشكر لله عز وجل على ما نجى الله به موسى وقومه من فرعون ، فيسن صيامه لما فيه من تكفير سيئات سنة كاملة ، لكن يأبى أولئك إلا مخالفة أمر النبي عليه الصلاة والسلام وسفك الدماء فيه لا في سبيل الله بل في سبيل بدع وخرافات ابتدعها إسماعيل الصفوي في وقته وكل ما يحدث في هذا اليوم من تطبير وضرب بالزناجيل هو من محدثات الدولة الصفوية وارجعوا لذلك إن شئتم .

كان الأحرى أن تسال هذه الدماء في سبيل الله ودفاعا عن أهلنا في غزة ، وهم قد شبهوا ما يحصل بكربلاء إذا أين نصرة أولئك المستضعفين ؟!!! وأن ( هيهات منا الذلة ؟!!) وإخوانكم كما تدعون في أمس الحاجة لمن يسعفهم وينصرهم ويعينهم ، لكن للأسف نحن في زمن كثرت فيه الشعارات والحملات الدعائية وحقيقة الأمر نريد من يقول ( الأمر ما ترى لا ما تسمع ) .

ولو نظرنا للقضية من زاوية الدعم المعنوي والمادي بحسب الاستطاعة فسوف نجد بأن التقارير والدراسات أثبتت بأن الدولة رقم واحد في ذلك العون والتبرعات والنصرة بالدعاء والإعلام ومختلف الفعاليات هي اليمن أرض الإيمان والحكمة الذين لا يعرفون النفاق ولا المداهنة ، ثم تأتي السودان ثم الأردن ، فأين أنتم يا أتباع أبو لؤلؤة ؟!! وأين هبتكم يا أحفاد ابن العلقمي والطوسي ؟!! وهل سيأتي منكم خيرا لأمتنا يا أتباع الخميني الذي يطعن صراحة بعائشة رضي الله عنها وصحابة النبي عليه الصلاة والسلام .

فصبرا يا أهلنا في غزة ، فالنصر لا يأتي إلا بالعقيدة الصافية والإيمان الصادق والعمل الصالح ومحبة الصحابة والاقتداء بهم والسير على نهجهم ، والصبر على الابتلاء والثبات في المحن ، وحسن الالتجاء إلى الله واليقين بنصره وكثرة الدعاء حيث يقول عليه الصلاة والسلام ( هل تنصرون إلا بضعفائكم ؟ بدعوتهم وإخلاصهم ) .

وسوف يسجل التاريخ ويحاسب أمام الله عز وجل كل من وقف مكتوف الأيدي وخذلكم ولم يقدم شيئا ، وبخل عليكم بأدنى ما يستطيع لأن الرجال يعرفون بالمواقف والمحن والأزمات وحسبنا الله ونعم الوكيل .

أتـسـبـى المـسلمـات بـكـل ثـغــر           وعـيـش المـسلمـون إذآ يـطـيـب

أمـــا والله والإســـــــلام حـــــق           يــدافــع عـنــه شــبــان وشـيــب

فقـل لذوي البـصائر حيـث كانوا           أجـيـبـوا الله ويـحــكـم أجـيــبــوا

 اللهم ثبت أهلنا في غزة وانصرهم على اليهود الغاصبين ...

اللهم انصر من نصر الدين واخذل من خذل الإسلام والمسلمين ...

اللهم تقبل شهدائهم وشافي جرحاهم وعافي مبتلاهم وزلزل الأرض من تحت عدوك وعدوهم ...

ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا ، واغفر لنا ربنا ...

 

8/1/2009

أيمن الشعبان

باحث متخصص بشأن الفلسطينيين في العراق

 

 

 

 

 



مقالات ذات صلة