تقرير: حدود دولة حزب الله
المختصر - 21/5/2008م
المصريون / إذا كان لحضور.. أو غياب شخص واحد، أن يغير مسار تاريخ حركة سياسية في بلد ما، فإن هذا يمكن أن ينطبق إلى حد كبير على حضور ثم غياب مؤسس حركة أمل السيد موسى الصدر. تغييب موسى الصدر في أغسطس (اب) عام 1978، أي قبل نحو 6 اشهر من نجاح الثورة الإيرانية لم يكن تغييبا لفرد، بل كان تغييبا لطريقة في التفكير، وطريقة في النظر والرؤية. لم يؤثر غياب الصدر فقط على مصير حركة أمل التي همشت بغيابه وبالتالي على مصير لبنان، بل اثر أيضا على مسار ومآل الثورة الإيرانية التي، وبعد عامين من نجاحها، سيطر عليها رجال الدين بينما تم تهميش الليبراليين والقوميين فيها. في الواقع كان هناك خط ربط دائما بين تحولات الثورة في إيران، وبين ما جرى في لبنان عبر سورية. فالحرب مع العراق، أضعفت التيار الليبرالي والقومي في الثورة الإيرانية لصالح التيار المحافظ ورجال الدين الذين رأوا أن خير وسيلة لحماية الجمهورية الإسلامية من الأعداء هي تصدير أفكار الثورة ونموذجها إلى المنطقة. كان هناك مكانان نموذجيان من حيث المبدأ لتصدير أفكار الثورة الإيرانية، هما العراق ولبنان. فقائد الثورة الإيرانية آية الله الخميني كان في النجف خلال سنوات نفيه من إيران، كما أن إيرانيين من المقربين للخميني نشطوا في لبنان قبل سنوات من نجاح الثورة الإيرانية عام 1979. لكن العراق لم يكن أسهل الأهداف آنذاك لتصدير أفكار الثورة بسبب نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، الذي دخل في حرب مع إيران الثورة، ما عنى أنه لا يمكن لإيران أن تنشر نموذج ثورتها لأنها ببساطة لم تكن تمتلك لا «الممر» ولا «المؤسسات» ولا «الناشطين بالداخل»، وأن كان هناك «متعاطفون» خرجوا أغلبهم من العراق وتوجهوا إلى إيران على أمل إطاحة صدام يوما ما. لبنان كان ساعتها البلد الثاني الذي يمكن أن يكون أرضا خصبة لتقبل أفكار الثورة الإيرانية. فحركة المحرومين الذي قادها موسى الصدر تحركت مبكرا في لبنان تحت عنوان إزالة الحرمان الذي عانت منه الطائفة الشيعية. وخلال سنوات قليلة باتت حركة أمل واسعة النفوذ بسبب المؤسسات الاجتماعية والدينية والسياسية التي أسستها، وبسبب الكاريزما التي تمتع بها الصدر، وشخصيته المنفتحة لبنانيا وعربيا وإقليميا ودوليا. فهو وان كان شيعيا، إلا أنه كان شيعيا لبنانيا عربيا بالأساس. لكن وفيما كانت هذه الصفات هي التي جعلت من موسى الصدر زعيما لا منافس له وسط الشيعة في لبنان، فإن نفس هذه الصفات أثارت شيئا من عدم الثقة به من قبل بعض المقربين من الخميني الذين لم يفهموا أو لم يعجبوا ببعض تحركات الصدر ومن بينهما لقاء الصدر مع شاه إيران في السبعينات طلبا للعفو عن رجال دين حكم عليهم بالإعدام، وعلاقته التنظيمية الوثيقة بحركة «تحرير إيران» الليبرالية المنفتحة التي كان قادتها والناشطون فيها من ابرز المشاركين في ثورة إطاحة الشاه. عندما غيب موسى الصدر وجدت حركة أمل نفسها حائرة في طريقة التعامل مع الثورة الإيرانية وقائدها آية الله الخميني. وكما يقول المفكر اللبناني هاني فحص الذي كان خلال تلك السنوات ضابط ارتباط بين فتح وبين الثورة الإيرانية لـ«الشرق الأوسط»: «غيب الإمام الصدر، وترك وراءه المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الذي كان حائرا في علاقته بالثورة، لا يريد المغامرة وعلاقته غير وثيقة بالإمام الخميني، ومن هنا كان إصراره على استجلاء موقف السيد الخوئي من الثورة (علاقة حركة أمل مع الخميني كانت محصورة بأشخاص في لبنان، وعندما غاب موسى الصدر توجه قادة أمل الذين لم تكن لهم علاقة مع الخميني، إلى الخوئي ليسألوا رأيه في الثورة الإيرانية والخميني وكان هذا موقفا طبيعيا لان الخوئي كان هو المرجع الشيعي)، خاصة بعد تعرض الخوئي لمضايقات من النظام العراقي وإجباره له على استقبال فرح ديبا، ما ظهر معه وكأن الإمام الخوئي معاد للثورة وللإمام الخميني، واضطر للتصريح بأنه كان وما زال ضد نظام الشاه الفاسد.. ونحن نذكر إن السيد الخوئي قد رحب بمجيء السيد الخميني إلى النجف بعد ما شكا نظام الشاه من إن الدولة التركية لم تستطع إلزام الخميني بعدم ممارسة نشاطه ضد النظام الإيراني وطلب إعادة نفيه إلى النجف ليكون جزءا من الحوزة وانشغالاتها العلمية بعيدا عن السياسة. وترك الصدر وراءه كذلك حركة أمل التي كان من المفترض أن تندفع نحو الثورة.. وقد اندفعت إلا أن هناك سدا وقف في وجهها وعقد علاقتها بإيران». أما الأسباب التي أدت إلى تصعيب العلاقات بين حركة أمل والخميني فيمكن تلخيصها، كما قال السيد على الأمين مفتي صور وجبل عامل لـ«الشرق الأوسط»، في الإحباط داخل أمل من الطريقة التي تعاملت بها إيران مع قضيتين حساستين بالنسبة لحركة أمل، وهما مسألة اختفاء السيد موسى الصدر، والخلافات بين أمل والتنظيمات الفلسطينية في لبنان. ويتابع الأمين: «كان لديهم (حركة أمل) آمال كبيرة في أن القيادة الجديدة في إيران ستعمل على إنقاذ الإمام الصدر وإعادته إلى لبنان من ليبيا، خصوصا أن قضية اختطافه وتغييبه كانت لا تزال حاضرة بقوة على الساحة اللبنانية، ولم يكن قد مضى عليها سوى بضعة أشهر، وقد توقعت حركة أمل أن تكون إيران الجديدة إلى جانبها في الصراع الدائر بينها وبين التنظيمات الفلسطينية والأحزاب اليسارية اللبنانية التي كانت تسيطر على الجنوب وكثير من المناطق اللبنانية، وكانت حركة أمل وقتذاك تحمل لواء الدفاع عن الشرعية اللبنانية داعية إلى بسط سلطة الدولة على كامل تراب الوطن اللبناني. ولكن الذي جرى من القيادة الإيرانية الجديدة كان مخالفا لكل تلك التوقعات والآمال التي عقدتها عليها حركة أمل وقواعدها الشعبية فبدأت تلك العلاقة العاطفية تتبدل وتراجع التأييد الشيعي لإيران، فهي لم تعمل شيئا لقضية الإمام الصدر ووقفت إلى جانب التنظيمات الفلسطينية في لبنان وبدأ الخلاف السياسي والثقافي يظهر بين ما نشأت عليه حركة أمل والطائفة الشيعية اللبنانية من ثقافة وسياسة قائمتين على الارتباط بالمحيط العربي انسجاماً مع أصولهم العربية والتمسك بمشروع الدولة اللبنانية الواحدة والعيش المشترك الذي قام عليه لبنان، وبين ثقافة إيرانية جديدة قائمة على رفض الأنظمة والدول التي لا تقوم على أساس ديني.. وبدأت بعض المجموعات المحسوبة على إيران والمرتبطة بسفارتيها في بيروت والشام ترفع شعار الجمهورية الإسلامية في لبنان». ويقول مفتي صور وجبل عامل أن حركة أمل آنذاك رفضت هذه الشعارات، ورأوا أنه مخالف للثقافة السياسية والدينية في لبنان التي لم تعرف مبدأ ولاية الفقيه، ولم تسمع به من علماء الدين ومراجع الفقه في جبل عامل والنجف بالعراق، ولذلك وقفت حركة أمل والطائفة الشيعية في وجه المشروع الإيراني. أدركت إيران أن حركة أمل، التي كان غالبية الناشطين فيها آنذاك من السياسيين وليس من رجال الدين، لا يمكن أن تكون أداة لها في مشروع تصدير الثورة خارج إيران، فبدأت إيران، كما يقول على الأمين، بالعمل على تشكيل حزب من رجال الدين، وساعدها في ذلك الوقت الاجتياح الإسرائيلي لبيروت عام 1982. فعن طريق ناشطين ورجال دين في الحوزة العلمية في النجف وبعض رجال الدين داخل حركة أمل، من بينهم الشيخان صبحي الطفيلي وعباس الموسوي اللذان خرجا من أمل، تم دعم مشروع إنشاء حزب جديد باسم «حزب الله»، ولم يكن الكثير داخل حركة أمل على علم بهذه التحركات ومن بينهم الشيخ راغب حرب، الذي علم بفكرة إنشاء «حزب الله» عام 1983 عبر صبحي الطفيلي، كما قال فحص لـ«الشرق الأوسط». وساعد إيران على النجاح في إحلال «حزب الله» محل أمل أنها بدأت في الترويج لمفهوم أن الناشطين في أمل غير مؤمنين أو ملتزمين دينيا، وفي هذا الصدد يقول على الأمين: «مهدت إيران لذلك بتعبئة دينية في صفوف رجال الدين والحوزات والمعاهد الدينية التي سيطرت عليها بأن حركة أمل حركة غير دينية، وليس لها من شرعية لعدم ارتباطها بولاية الفقيه وشرعوا في تصنيف أتباعها والمنتسبين إليها الى مؤمنين وفاسقين وعلمانيين واحتكروا الصفة الدينية والشرعية لهم وساعدهم على ذلك إهمال حركة أمل للثقافة الدينية وعدم قيام المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى بتنظيم السلك الديني وعدم احتضانه لرجال الدين فأخذتهم إيران وشكلت منهم النواة الكبرى لولادة حزب الله». لكن بدون «ممر سورية» لم يكن من الممكن لإيران تحويل «حزب الله» من مجرد فكرة إلى كيان سياسي وعسكري واقتصادي وثقافي مستقل بذاته. ويقول عبد الحليم خدام، الذي كان مسؤول ملف لبنان في دمشق طوال سنوات عمله كنائب للرئيس السوري حافظ الأسد لـ«الشرق الأوسط» حول كيف ساهمت العلاقات الخاصة بين طهران ودمشق في توفير هذا «الممر الاستراتيجي»: «مجموعة من الإيرانيين أشرفوا على وضع خطط العمل والتدريب لحزب الله، وكان أيضاً هناك مدربون لبنانيون دربوا في إيران وفي لبنان. فقد كانت هناك قوة عسكرية إيرانية جاءت إلى لبنان عبر سورية، وقسم كان في سورية بعد اجتياح إسرائيل للبنان 1982. الإيرانيون ساهموا في عملية تدريب وإعداد حزب الله، بالإضافة إلى أن قيادة حزب الله أخذت الأسس النظرية والعملية لتأسيس الحزب وتطويره من إيران، لكن قيادات حزب الله استطاعوا بإمكانيتهم الذاتية الخاصة أن ينتشروا وينشروا فكرهم بالأوساط اللبنانية الإسلامية الشيعية.. الإيرانيون استفادوا من طبيعة علاقاتهم مع النظام في سورية، وبصورة خاصة مع الرئيس حافظ الأسد. كانوا يطلبوا منه بشكل دائم وملح أن يفتح ثغرة لمساعدة حزب الله. مثلا يريد الإيرانيون أن يرسلوا سلاحا، يصير هناك عشرون اتصال وكذا رسالة على مستويات مختلفة، وبالتالي كان الرئيس حافظ الأسد يستجيب». وليس من المبالغة القول ان كل المشاريع بين حزب الله وإيران كانت تنطلق عبر دمشق. فمثلا عندما أرادت إيران ان تدعم مطالب حزب الله لبناء محطة المنار، لم تتدخل بشكل مباشر بل عبر دمشق. ويروي عبد الحليم خدام القصة بقوله «كان هناك اتفاق بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحكومة رفيق الحريري رحمه الله على إعطاء عدد من الرخص لإنشاء محطات تلفزيونية، محطة لنبيه بري، ومحطة لرفيق الحريري، محطة ال بي سي، ومحطة للدولة اللبنانية، أي 4 أو 5 محطات، وتم الاتفاق بينهم على أن لا يعطوا حزب الله محطة تلفزيونية، فتم اتصال من الرئيس الإيراني آنذاك هاشمي رفسنجاني مباشرة بالرئيس حافظ الأسد وطلب إنشاء محطة لحزب الله، وبالتالي طلبت سورية من المرحوم رفيق الحريري الموافقة على إعطاء حزب الله الترخيص وتسهيل الموضوع.. بناء المنار كان واحدة من الخطوات التي عززت استقلالية حزب الله على الساحة للبنانية». بناء «أيديولوجية» يقوم عليها «حزب الله» و«الممر السوري» لم يكونا وحدهما كافيين، كان لابد من بناء مؤسسات تتبع للحزب الجديد الناشئ. لم تكن الفكرة أن تعمل هذه المؤسسات للدعم المالي والعسكري والثقافي فقط. هذه المؤسسات كانت مؤسسات ترويج «ايديولوجي» أيضاً. فعبرها ومن خلالها سواء كانت مدارس أو مؤسسات اقتصادية أو عسكرية أو قنوات تلفزيونية أو صحفا، أصبح «حزب الله» صاحب النفوذ الأكبر وسط شيعة لبنان. والى جانب «المنار» لعبت مؤسسات أخرى دورا كبيرا في تعزيز وجود «حزب الله» السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي. من بينها مؤسسة «الشهيد». ومؤسسة «الشهيد» هي بالأساس إيرانية وقد أنشأت لإعالة ومساعدة أسر ضحايا الحرب العراقية ـ الإيرانية. أما مؤسسة «الشهيد» اللبنانية فقد أنشئت على نفس نسق نظيرتها الإيرانية. ومنذ بداية عملها عام 1982، تمكنت مؤسسة «الشهيد» من سد احتياجات نحو 3000 أسرة لبنانية سقط لها قتل أو أكثر. وفي يوليو (تموز) 2007، فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على أصول مؤسسة «الشهيد» الإيرانية، وفروعها في لبنان ومؤسسة «القرض الحسن» و«منظمة النية الحسنة الخيرية» التابعة للأخيرة والعاملة في الولايات المتحدة، كما جمدت أصولها، على أساس أنهم كلهم جزء من شبكة حزب الله. أما «منظمة النية الحسنة الخيرية»، فهي مكتب لجمع الأموال أنشئت من قبل مؤسسة «الشهيد» في ديبورن ـ مشيغان بالولايات المتحدة الأميركية، فيما تقول وزارة الخزانة الأميركية أن مؤسسة «القرض الحسن» تعمل كغطاء لإدارة النشاطات المالية لحزب الله. وبحسب مسئولين أميركيين فإن «القرض الحسن» يريدها احمد الشامي، وهو قائد بارز في «حزب الله» وقد خدم كعضو في مجلس شورى «حزب الله» وكرئيس لمنظمات عدة يسيطر عليها «حزب الله». وكان حسين رسلان، مسئول العلاقات والمسئول الاجتماعي المركزي بمؤسسة «الشهيد»، قد قال في 13 أغسطس عام 2006 لموقع «إسلام اون لاين» إن: المؤسسة تقدم الدعم لكل أسرة فقدت أحد أفرادها خلال الهجوم الإسرائيلي الأخير على لبنان بما في ذلك أبناء الطوائف الأخرى، وشدد على أن دور الدولة في هذا الإطار يعد «محدودا»، قياسا بالدور الذي تقوم به المؤسسة. وأكد رسلان أن المؤسسة تجسد فكرة الاكتفاء الذاتي؛ حيث إن لها مدارسها ومستشفياتها ومؤسساتها الاقتصادية والثقافية. وقال رسلان حول مؤسسة «الشهيد»: «انطلقت بفكرة للإمام الخميني، زعيم الثورة الإسلامية بإيران؛ حيث سعى هو في بداية الأمر إلى أن تكون هناك مؤسسة للشهيد بلبنان، وشدد على وجوب رعاية أسر الشهداء، وهو ما أمن لنا جزءا تمويليا من حصيلة الحقوق الشرعية، فالزكاة عندنا تقدر بخمس دخل المسلمين على مذهب آل البيت، والمرجع الإسلامي هو الذي يوزعها، فكان لنا منها نصيب لا بأس به». وحول الأنشطة التعليمية والاستثمارية لمؤسسة الشهيد قال رسلان: «بدأنا بمدرسة واحدة هي الشاهد عام 1988 وكانت في بيروت، ثم تم إنشاء مؤسسة المهدي التعليمية، فقمنا بضم مدرسة الشاهد لها، وتركنا الملف التعليمي لمؤسسة الإمام المهدي، وكان ذلك عام 2002.. فكرنا باستثمار الأموال التي كانت تأتينا، وبدأنا ذلك تقريبا من تسعينيات القرن الماضي؛ حيث أنشأنا عددا من المؤسسات التي تعمل بالأغذية وتتاجر بالقطاع النفطي، ودورا للنشر، وعددا من المطابع، كما أنشأنا عددا من المستشفيات». اما مؤسسة «جهاد البناء»، والتي تعد إلى جانب مؤسسة «الشهيد» من أهم مؤسسات «حزب الله» فإن نشأتها وأهدافها كما جاء على موقعها الانترنتي هي: «بفعل التداعيات الكبرى للعدوان الصهيوني على لبنان عام 1982، والآثار السلبية للحرب الداخلية، استفحل الحرمان في المناطق اللبنانية المنسية تاريخياً لاسيما في البقاع والجنوب والشمال فباتت تفتقر لأدنى مقومات الحياة... فكان لا بد من وقفة محسوبة ومدروسة للحد من الأخطار الناجمة عن تفاقم الفقر والعوز». وعلاقة جهاد البناء بحزب الله واضحة، فإلى جانب التمويل، دائما على رأسها أعضاء في مجلس شورى «حزب الله». وقد فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات في يوليو (تموز) 2007 على قاسم عليق، وهو مدير «جهاد البناء» ومسئول بارز في «حزب الله». في جنوب لبنان اليوم مدارس خاصة لـ«حزب الله»، تسير على النظام التربوي في إيران، ومن هذه المدارس (مدارس الإمام الخميني) و(مدارس الإمام المهدي) و(مدارس شاهد)، كما أن هناك معاهد تمريضية ومهنية كلها بدعم من إيران، ومستشفيات خاصة، حتى الأدوية أدوية إيرانية. هناك وسائل إعلام خاصة بـ«حزب الله» مثل قناة «المنار» وراديو «النور» وجريدة «الانتقاد». أما في المجال الاجتماعي فهناك مؤسسات سميت بأسماء نظيرتها الإيرانية مثل مؤسسة «الشهيد» ومؤسسة «الجرحى» و«جهاد البناء» فضلا عن شرطة «حزب الله» أو ما يسمى بانضباط، وهي شرطة مكلفة من قبل «حزب الله» بحفظ النظام والآداب في الشارع. فضلا عن شبكة السلكي، وبنوك خاصة، بالإضافة إلى سلاح «حزب الله». كل هذه المظاهر، هي مظاهر اختلاف وربما استقلال، سياسي واقتصادي، لكن أساساً والاهم ثقافي. فهناك اليوم في لبنان اختلاف ثقافي كبير بين نموذجين. وفي هذا الصدد يقول مفتي صور وجبل عامل لـ«الشرق الأوسط»: «الصراع بدأ بين ثقافة جديدة مدعومة من إيران ومن رجال الدين الموالين لها وبين حركة أمل والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى اللذين كانا يمسكان بالقرار الرسمي الديني والسياسي وأدى ذلك الاختلاف في الرأي والرؤية والتوجه والمنهج فيما بعد إلى صراع مسلح سفكت فيه الدماء الغزيرة باسم الدين وقد حصل ذلك عندما كانت سورية موجودة في لبنان وكانت على علاقة جيدة مع إيران، وفي نهاية المطاف أصبح حزب الله الممثل لإيران موجودا في القرار السياسي والديني وقد تمكن من خلال ذلك أن يبسط نفوذه شيئاً فشيئاً ليصبح الشريك الأقوى داخل الطائفة الشيعية والسلطة اللبنانية وتراجعت حركة أمل والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى على المستويين الثقافي حتى غدا حزب الله مهيمناً على الثقافة الدينية والمسئول السياسي الأول في الطائفة الشيعية، إضافة إلى موقعه العسكري في المقاومة، وهذا ما جعل النفوذ الإيراني يقوى ويتسع في لبنان خصوصاً في المناطق ذات الأغلبية الشيعية في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية في بيروت ومستفيدين من ضعف الدولة اللبنانية ومن عدم بسط سلطتها على أراضيها رغم انتشار الجيش اللبناني في الجنوب وقوات الطوارئ الدولية وبفعل ذلك الغياب للدولة اللبنانية تحوَّل الجنوب إلى ساحة حرب يدفع ثمنها الوطن اللبناني كله كما جرى في حرب تموز وليس ما يمنع من تجدد ذلك مرة أخرى لأن غياب الدولة لا يزال مستمراً رغم حضورها الشكلي وغير الفاعل وعدم امتلاكها قرار الحرب والسلم على أراضيها. ومما زاد الأمور تعقيداً تعطيل المؤسسات الدستورية وعدم انتخاب رئيس للجمهورية من دون حسيب ولا رقيب والكلُّ يعلم أن معظم أسباب التعطيل ناشئة من الارتباطات الخارجية لبعض أطراف المعارضة اللبنانية بإيران التي تقع في رأيي المسؤولية عليها في الدرجة الأولى قبل سورية المستفيدة من النفوذ الإيراني عبر حزب الله». اختلاف النموذجين في لبنان يعني أن هناك قضايا كثيرة يجب أن يتحاور حولها الطرفان، كما يعني أن هناك احتمالا لانفصالهما وتقاسم النفوذ كلا في منطقته. أما الاحتمال الأسوأ فهو أن يزيل القوي الأقل قوة.
لندن: منال لطفي