شاهو القر داغي
مستشار مركز العراق الجديد
احتفل النظام الإيراني بـ"الذكرى السنوية الأربعين لانتصار الثورة الإيرانية" التي قادها (خميني) ضد محمد رضا شاه، آخر ملوك السلالة البهلوية التي حكمت إيران منذ عام 1925.
و"تعتبر يوم 11 فبراير 1979 انتصاراً للثورة" عندما أعلن الجيش الإيراني التزامه الحياد مما مهد الطريق لسقوط نظام الشاه و سيطرة (خميني) على سدة الحكم و البدء ببناء "دولة ثورية" تقوم على مبدأ "تصدير الثورة إلى الخارج".
"الثورة الإيرانية" لم تكن لتُكتب لها النجاح لولا مشاركة كافة القوميات و المكونات فيها، فالمواطنون كانوا يريدون التغيير وإصلاح الأوضاع الاقتصادية و السياسية ، و يبحثون عن نظام بديل قادر على معالجة المشاكل الداخلية ، ولكن بعد نجاح "الثورة" بعدة أشهر تشكلت ملامح النظام الجديد الذي أسس لثلاثة أنواع من الظلم ضد المكونات في إيران، كما يذكره احمد مفتي زاده العالم الديني الكردي الذي توفي نتيجة التعذيب في سجون النظام الايراني ، أولا: الظلم المذهبي: عن طريق تحديد المذهب الجعفري الاثنا عشري كمذهب رسمي للدولة كما جاء في المادة 12 من الدستور الإيراني على الرغم من وجود مذاهب و أديان أخرى في إيران ، وهذا ما فتح المجال امام التضييق بحق أصحاب باقي المذاهب وخاصة اتباع المذهب السني على الرغم من مشاركتهم في "الثورة" ضد نظام الشاه .
ثانياً: الظلم القومي: حيث بدأ النظام الإيراني في محاربة القوميات التي تُطالب بحقوقها الثقافية و تسعى لنيل الحرية من العرب و الاكراد و غيرهم من القوميات التي أصبحت مهمشة في مقابل تسيّد الفرس على مؤسسات الدولة ، ويمكن ملاحظة هذا الاختلاف في التعامل عن طريق المناطق التي يسكنها الأقليات القومية حيث تعاني من المشاكل و الفقر و البطالة بسبب تهميش الحكومة وعدم توفيرها الخدمات الضرورية .
ثالثاً: الظلم الطبقي وانعدام التوازن : عن طريق ترسيخ نظام الطبقات في المجتمع ، فأصبح طبقة رجال الدين و المعممين و المُقربين من دائرة الحكم من الطبقات العليا و لديهم كل الامتيازات داخل الدولة ، بينما الطبقات الأخرى مهمشة و تعاني من الفقر، ولم تشعر بأي تغيير بعد "الثورة" بقيادة خميني .
هذه الأسباب دفعت الكثير من المكونات المشاركة في "الثورة" إلى الاعتراض و التمرد ضد النظام الجديد لمحاولة إنقاذ "الثورة" التي شاركوا فيها، ولكن النظام الإيراني كان لهم بالمرصاد عن طريق شن العديد من حملات الإعدام و القتل و الاعتقال بحق المعارضين و التمهيد لبداية النظام الاستبدادي .
في بداية انتصار "الثورة" الإيرانية و انتشار "الشعارات الثورية" في المنطقة ، شكلت "الثورة" أملاً للعديد من الجماعات و الحركات و شعوب المنطقة ، وشعروا بوجود "نموذج ثوري" من الممكن ان يُشكل بداية للتغير في المنطقة نحو الأفضل ، و يساعد شعوب المنطقة للوصول إلى أهدافها و تحقيق العدل و "الإسلام" كما كان يدعو خميني في خطاباته .
في ذكرى الأربعين لـ"الثورة" الإيرانية ، يعاني الإيرانيون من الازمات و المشاكل الاقتصادية بسبب العقوبات الامريكية ، بالإضافة إلى آلاف المعتقلين في السجون ، و حظر مواقع التواصل الاجتماعي ، مع استمرار انفاق ملايين الدولارات على الميليشيات و العصابات المسلحة في دول المنطقة لنشر الفوضى و تحقيق النفوذ السياسي ، وفي "احتفاليات ذكرى انتصار الثورة" ، تم إحراق العلم الأمريكي و ترديد شعارات (الموت لأمريكا، الموت لـ"إسرائيل") ، و افتخر انصار "الثورة" بقدرة طهران على إحراق العلم الأمريكي كما فعلوا عند انتصار "الثورة" في عام 1979 ، وكأن الإنجاز الوحيد للثورة هو إحراق الاعلام و ترديد الشعارات ، في ظل تراكم الازمات الاقتصادية و معاناة المواطنين .
في اليمن و سوريا و لبنان و العراق حيث وصل أنصار "الثورة" الإيرانية إلى الحكم ، أصبحت تعاني من المشاكل السياسية و الاقتصادية و زيادة البطالة و انتشار الميليشيات المسلحة و القتل و الاختطاف ، وبالتالي انخفض عدد المتأثرين بـ"الثورة" الإيرانية ممن جربوا العيش في ظل الميليشيات التابعة لإيران ، و باقي الشعوب شاهدت نتيجة الانتشار الثوري لانصار و اتباع ايران في المنطقة و النتائج الكارثية التي أدت لتدمير عدة دول .
ومع اقتراب ذكرى انتصار الثورة الإيرانية ، نشرت الصفحة الرسمية للسفارة الامريكية في بغداد مقطعاً باللغة العربية في صفحتها الرسمية على موقع الفيس بوك ، تتحدث عن إنجازات "الثورة" الإيرانية خلال أربعين عاماً، وكيف أن وعود "قائد الثورة" (خميني) بتحقيق العدالة الاجتماعية و فرص العمل و توفير الحرية و المساواة للمواطنين، تحولت إلى أوهام، وبعد هذه الأعوام نرى زيادة معدلات البطالة ، و تراجع الاقتصاد الإيراني، مع نسبة عالية من حالات الإعدام، و اعتقال الصحفيين ، و امتلاء السجون بالناشطين .
هذا المنشور من قبل السفارة الامريكية فيها رسالة واضحة و مختصرة إلى العراقيين أولاً ، ثم إلى كافة الشعوب العربية ، بأن "الثورة" الإيرانية جلبت المصائب على رؤوس الإيرانيين، وبعد 40 عام أصبح الإيرانيون أنفسهم يدركون بأن الثورة سُرقت منهم وتحولت لمركز لتصدير الفوضى والمخدرات و الميليشيات الى الخارج أيضاً و علاقات مضطربة مع دول الجوار و العالم، وبالتالي على شعوب المنطقة أن تُدرك أن السير وراء هذا المشروع الإيراني يعني الوصول إلى نفس النتائج التي وصلت إليها النظام الإيراني بعد أربعين عام.
شعوب المنطقة لم تعد تكترث بشعارات "الثورة" الإيرانية من "تحرير القدس" و"تطبيق الإسلام"، بل أصبحت تخشى من هذه "الثورة" وتحاول تحصين نفسها بمساعدة الدول الإقليمية و الدولية لمواجهة هذا الخطر الذي يُهدد بتدمير الدول و تفكيك المجتمعات .
المصدر : مركز العراق الجديد
13/6/1440
18/2/2019