همسة في قلب حماس على وقع حرية الأسري
قالى تعالى: " إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ....."
والمراد بالقلوب العقول التي بها إدراك المعقولات.
والقلوب مراد بها العقول في كلام العرب لأنّ القلب سبب إمداد العقل بقوّة الإدراك. خواطر الشعراوي (يونس 31).
وقوله تعالى:"إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا".
لقد فرح الكل وكاد قلبه أن يتفطر من شدة الفرحة علي خروج الأسرى من سجون الإحتلال بعد أن إنقطع أملهم بالخروج إلا من الخالق البارئ مدبر أمور الكون, الله سبحانه وتعالى.
وما تم الإفراج عن أسرانا إلا بإرادة الله الكونية القدرية, فلا يقع أمر في هذا الكون إلا بإرادة الله, والبشر وسيلة من وسائل الله يتحقق فيها مراده وما أراده, فلا شئ يقع خارج مراد الله وعلمه وإرادته.
والله إن عِظم الفرحة لا يكاد أن يُصدق وإنه بلغ درجة التفطر من البكاء المصحوب بالفرحة العارمة, لما شاهدناه من تحرر أسرى منعت منهم حرياتهم وكبتت حيويتهم ومعنوياتهم في سجون إنفرادية تصل في كثير من الأحيان لسنوات طوال.
فشائت إرادة الله أن تسبق كل إرادة ويُكتب لهم الخروج من السجون رغم أنوف المحتل وكبرياءه.
من للأمهات الثكالى وفرحتهم, من لتلك الأم التي كانت تسافر كل أسبوع يوم لمدة ثلاث ساعات ذهابا وثلاث ساعات إيابا من أجل تري فلذة كبدها وقرة عينها.
لقد أقر الله عيون الأمهات برؤية أولادهم والتنعم برغد العيش في أحضانهم.
من لفرحة البنات اللواتي من الله عليهن برؤية أمهم محررة من سجون الطغيان, من ومن لفرحة الشباب والرجال والأطفال والشيخ الهَرم, ذالك الشيخ الذي بلغ من العمر 84 عاما وهو مقيد الحرية ومسجون بين الجدران.
إنها بحق فرحة لا تضاهيها فرحة ويوم يحق له أن يكون عرسا لكل المسلمين يبتهجون فيه, وليس محصورا علي الأمهات, لأن المسلم لا يعرف حدودا للنسب ولا تقف فرحته علي بني عرقه ولكن المسلم يفرح بنصر الله فكيف لو كان النصر والإبتهاج علي عدو شرس, محتل ومختل ومحتال وجحود وكفور وقاتل .
إنه حقا ليوم فرحة وسرور ويوم نصر أعز الله فيه المظلومين وكتب لهم الحرية رغم أنوف المحتل, إنه يوم لحري أن يفتخر به كل صاحب قلب حي مازال قلبه ينبض بالحياة ويعيش لحرية أمته من أجل رفعة الله وهدي المصطفي الحبيب.
لقد سعدنا بتحرر الأسري والله نسأل أن يكتب لهم السعادة والحيوية والسؤدد, وأن يمارسوا سياسة الفكر الذي سجنوا من أجله إذا كان لا يعارض الشرع الحنيف بكل حرية وأن يراعوا مصالح الله ثم العباد في حرياتهم وممارساتها, وان لا تتغلب حرياتهم علي حرية الآخرين, وإن كانت محل تبجيل وإحترام وتقدير ونظر لعظم التضحية التي قدموها.
نسأل الله أن يحرر باقي البواسل الأشاوس ممن لم تكتب لهم الحرية والخروج مع إخوانهم في هذا الوقت, وليبق أملهم بالله عز وجل حيث أن حبالهم إنقطعت بالناس جميعا وبقي الحبل المتين الذي لا ينقطع حبل الله الواحد الأحد, الذي يستطيع أن يصله الجميع في كل الأحوال والهيئات, الصغير والكبير والفقير والغني, فهو الحبل الأزلي, حبل الله الواحد الأحد الفرد الصمد, الباقي إلي يوم الأزل.
ما أردناه من مخاطبة قلوب إخواننا في حماس بعد هذه الصفقة المشرفة والتي حرر فيها المأسورين من الواقع الأليم الذي كانوا يعيشونه تحت أكبر قوة متجبرة في العالم, هي أن تنظر لأن تعقد صفقات مشرفة مع الله في كل أحوالها, فالله هو نعم المولي ونعم النصير.
فكم نتمنى أن نرى حماس في قطاع غزة تتشرف بالإفراج عن كبت حريات إخوانهم ممن يحملون هم الدعوة إلي الله ويجاهدون بالكلمة والموعظة الحسنة لنشر دين الله في ذلك القطاع, فمن قال أن دين الله مقصور علي حماس ولا يبلغ إلا من قادة وخطباء ومنابر حماس.
مع ذلك نرى أن حرية الدعاة الغير منتسبين إلى حماس مقيدة, مصادرة في كثير من الأحيان, ونري جهودهم محاصرة من قبل كل الأجهزة التابعة لسيطرة حماس.
فكم من الأشخاص ممنوعين من ممارسة الدعوة إلي الله ومصادرة حتي حرية الدرس والمحاضرة في المسجد, وكم من الإسلاميين الفاعلين علي مستوي القطاع محرومين من أبسط حرياتهم في تدريس كتاب الله, ويمارس في حقهم كل أنواع المصادرة والمطاردة, فلماذا تتحدثون عن الحريات وتحرير الأسري وأنتم تمارسون الأسر, وتسرقون الحريات من أبناء الإسلام بإسم الإسلام في القطاع.
هل مات القلب الذي يحرك المشاعر في قلوب حماس ويجعلهم يتقون الله في إخوانهم في قطاع غزة ويتركوا لهم حرية الدعوة إلي الله, وتعليم الناس دين الله عز وجل , ينبغي لحماس أن لا تضيق على الدعاة الطرق الدعوية التي يرونها هم وليس طرق حماس في الدعوة.
فضوابط الحرية أن لا تسلب الكلمة الطيبة وكلمة الحق من أفواه الدعاة ويحاسب عليها من منظور حزبي بغيض قاصر, ومن الحرية ألا تنشروا سياسة الترهيب والقهر ليس لأبناء التيارات العلمانية فحسب بل لأبناء أصحاب منهج خير البرية, نجد غرابة في أن ترخص وتلوح في الأفق حريات من حكم على منهجياتهم بالضلال وتسلب حريات من يشاركونهم الهم والمنهج والمعتقد.
سؤال يطرح نفسه: ما هو معيار الحرية التي تريدها حماس وما هو مقياسه وحجمه؟
متي ستعي حماس والقائمين علي غزة حقيقة الحرية التي يجب أن تكون سائدة بين أفراد المجتمع دون قهر ولا ترهيب ولا ممانعات.
لماذا يمنع كثير من الدعاة حقهم في حرية الحركة والكلمة والحديث للصحافة وعمل اللقاءات, ويضيق عليهم في كثير من الأحيان في الحصول علي التراخيص اللازمة,فتعطي في حدود ضيقة وترفض في أحيان كثر.
وهل حرية إشهار السلاح والجمهرة بالقسام فوق رؤوس المصلين في ساحات مصليات العيد, نوع جديد من أنواع الحرية عندكم.
والله لقد عجزنا عن رصد حرياتكم ومحاولة فهمها وممارساتكم مع الغير وسياساتكم المتلونة في أغلب أحوالكم.
لقد فقدنا صوابنا في معرفة معيار الحرية عندكم, ولكن يبدوا أن معيار ومقياس وحجم الحرية عندكم لا حدود له, ما دام يصب في مصالحكم ويضيق علي الآخرين.
والآخرين محكومون بالقوة لكل معايير ومفاهيم الحرية التي تنادون بها وكأنها حرية أشباح تفرض وتطبق بدون أي نقاش ولا جدال, حتي ولو كان الثمن, تغيير اللوائح والنظم والقوانين وفرض التغيير علي الأخرين لتتوافق مع حاجة في نفوسكم, ولتكون السبيل الأنجع في بسط نفوذ الحرية التي تنشدون.
فهل الحرية تفرض عليكم إراقة الدماء في أقدس البقاع وأطهر الأماكن.
فأنتم تملكون من الحرية الكافية في قنواتكم الإعلامية لأن تفرضوا حرية الكلمة المؤثرة علي الناس وتملكون طمس الحقائق بحريتكم, وتملكون لجم أفواه المخالفين حسب رؤيتكم الحزبية البغيظة.
وهل منح الحرية منوط بأولئك الداعمين لكم من بني فارس وأذنابهم في القطاع, ويحق لهم أن يحصلوا علي التراخيص اللازمة بكل سهولة ويسر متي شاؤوا كيفما شاؤوا وبالوقت والزمان الذي يريدون, وحريتهم لا حدود لها فيكتبوا ما يريدون من شعارات ويافطات بإسم القدس وتحريره وحقوق المستضعفين وينشر بقطع كبيرة وتعلق في المحلات والشوارع والأزقة. أهذه هي الحرية التي تتحدثون عنها وتدعموها وتسمحوا بها.
أم أن للحرية مفهوم أخر عندكم أو مفاهيم متعددة تفصلوها كما تشاؤون بما يتناسب مع مصالحكم وأطماعكم.
هل مفهومكم للحرية فرض عليكم وخولكم أن تعطوها لبني فارس ومن سار في فلكهم وتمنعوها عن اتباع كتاب الله وسنة نبيه, أم هي الحرية التي تخولكم بأن تدوسوا مساجد الله بأقدامكم وتجرجروا أمام المسجد وتضعوا السلاح علي رأسه وتوقعوه رهن الإعتقال لأنه يٍُِحفظ الطلبة كتاب الله.
وتتركوا في الوقت نفسه من يسب صحابة رسول الله وتكتفوا بمنعه من الخطابة لأجل مُسمَى عندكم, ولكنه يملك في الوقت نفسه أن يمارس حريته في أماكن أخري بلا حسيب ولا رقيب, ويتطاول علي صحابة رسول الله كيفما شاء.
هل مفهوم الحرية الجديد عندكم يوجب عليكم أن تقارعوا بني أتباع الكتاب والسنة علي حساب اتباع بني فارس, أم أن بني فارس هم من علمكم هذه الحريات.
فما تقتيل بني مسلم على هويته إلا صناعة مستوردة من بني فارس, وما ملاحقة بني مسلم في المساجد وهدمها علي رؤوس العباد إلا بضاعة رخيصة مرجعها إلي بني فارس, وما سياسة الترهيب والتشويه والمطاردة والقتل إلا أيضا من سياسة بني فارس, وممارسات كثيرة ليس هذا المقام لسردها وما هي إلا من صناعة بني فارس.
ومادامت هذه هي الحرية التي لا تملكوا الجراءة علي أن تبوحوا بها, فأنتم تملكون الحرية الكافية لأن تترجموا مفاهيمكم علي الأرض دونما الحاجة للبوح بها, فلديكم القوة الضاربة ولديكم البرق الساطع والنجم الذي لا يتبدد, ومسميات كثر ترمز إلي قوتكم, لأن تكبحوا جماح حرية إخوانكم في المعتقد (إن تاق لكم ذالك المسمي).
قرأت تصريحات قبل عدة أسابيع لشخصية لامعة وتحظي بإحترام في أوساطكم يقول فيها "أن الحرية أعظم أو أهم عنده من تطبيق شرع الله عز وجل" وله فلسفة طويلة ليبرهن أن مقولته منطقية وشرعية.
فأنا لن أخوض في شرعية ما يقول ولكن ما دام الأمر عندكم علي هذا النحو فاتركوا الناس وخصوصا الدعاة إلي الله عز وجل من أصحاب السيرة العطرة لأن يوصلوا رسالة الله بكل حرية بأسلوبهم الذي يؤمنون به وبالطريقة التي شرعها الله لهم.
فهل الحرية التي تنشدون أن يقوم مقامكم السامي, وسموكم ووزيركم بأن يقارع الناس في الحديث في الخطابة في بيوت الأخرين.
أهو حلال لكم وحرام علي غيركم, أترضون بأن يأتيكم ضيفا عنوة عندكم في عقر داركم ويفرض عليكم نفسه مدعوما بالقوة الضاربة ليتحدث في بيوتكم وأنديتكم ومراكزكم ومساجدكم.
ما زلنا نؤكد علي هذه الحتمية الأصيلة ونرجوا أن تكفوا أيديكم عن مقارعة إخوانكم واتركوا لهم حريتهم بالدعوة ولا تضيقوا عليهم.
متي ستعي حماس حقيقة القلب الذي خاطبه الله لتدرك المعقول واللامعقول في حساباتها مع إخوانها من الدعاة من أصحاب منهج خير البرية, لا زلنا في مرحلة مخاطبة العقل والقلب, وتجاوزنا مرحلة السمع والبصر, لأننا علي يقين تام أن السمع والبصر علي علم بما يجري. ونرجوا أن يستوعب إخواننا الدرس ويراجعوا حساباتهم جيدا قبل فوات الأوان, فدوام الحال من المحال ومن يظن أنه قوي لا يقهر مخطئ خطئا كبيرا ومن يعتقد أن الأمور تحت السيطرة ويتحكم بها ولن تخرج عن سيطرته أيضا واهن.
فالحق أحق أن يتبع ولا بد للفجر أن ينجلي يوما ما ولا بد للقيد أن ينكسر.
والحرب علي سحب المساجد يجب أن تتوقف والحرب علي حريات الناس في العبادة والصلاة, وخلف من يصلون لا بد أن يعاد النظر فيها.
والله من وراء القصد
كتبه:
د. مراد البلعاوي (دكتوراة في علوم البيئة, ماجستير دفاع إستراتيجي, ودبلوم عليا في إدارة الأعمال)