خطة واشنطن لاستيعاب شيعة الخليج
الوطن العربي 27/8/2008
ينطبق على الإدارة الأميركية الحالية القول المأثور "زرعت ريحّا فحصدت عاصفة"، هذا الرأي لدبلوماسي يمثل عاصمة غربية كبرى في مقر الحلف الأطلسي في بروكسل، وقاله في معرض تعليقه على مجريات الأمور في العراق، حيث أدت المعالجة الأميركية إلى تحويل هذا البلد العربي إلى ساحة مفتوحة للنفوذ الإيراني، الذي تمدد في المنطقة، وتحول إلى تيار منذر بالخطر في دول مثل الكويت والبحرين.
كان هذا المدخل إلى معلومات كشفت عن عقد اجتماعات على مراحل بين ممثلين عن حركات معارضة شيعية خليجية، خاصة من الكويت والبحرين، وبين ممثلين عن منظمات غير حكومية أميركية.
ورغم أن المعلومات كانت شحيحة حول ظروف عقد هذه الاجتماعات ومكانها والشخصيات الخليجية المعارضة فيها، إلا أن المصادر في بروكسل ترجح أن تكون قد عقدت في أحد معسكرات الجيش الكويتي في الصحراء الشمالية، بعيداً عن الأعين، ووسط سرية تامة، وأن ممثلي المنظمات غير الحكومية يحظون بدعم من إدارة بوش التي طلبت منهم عقد هذه الاجتماعات بهدف إعداد تصور لكيفية التوصل إلى صيغة تبعد شيعة الخليج عن إيران، وفي الوقت نفسه تمنحهم الحقوق السياسية والمدنية التي تتلاءم مع حجمهم في مجتمعاتهم وفق نظرية "الديمقراطية المذهبية" التي جربتها الإدارة الأميركية في العراق، ولكن بشكل منقوص استفاد منه نظام الملالي في طهران لمد نفوذه إلى الضفة الغربية للخليج.
ووفق مصدر غربي فإن الإدارة الأميركية استفادت من دروس العراق، ولذلك رأت أنه من الأفضل فتح قنوات اتصال مع حركات المعارضة الشيعية في الخليج، بدلاً من اتخاذ موقف عدائي مسبق منها، انحيازاً إلى أصدقائهم التقليديين.
ويقول المصدر: إلى هذه الاجتماعات ما زالت غير رسمية، رغم التسهيلات التي قدمتها لها الإدارة الأميركية للتنظيمات غير الحكومية حتى تتمكن من الاجتماع بممثلي الحركات المعارضة الشيعية الخليجية.
وعود بالدعم
ويضيف المصدر أن التقارير التي قدمت إلى الجهات المعنية عن نتائج هذه الاجتماعات، أشارت إلى أن ممثلي التنظيمات في الحكومية قدموا للحركات الخليجية، وخاصة في البحرين والكويت، وعوداً بدعمهم من أجل حقهم الديمقراطي وحقهم في حرية التعبير بطريقة مدنية، عن طريق المدونات مثلاً، ويستفاد من هذه التقارير أن ممثلي شيعة البحرين قالوا خلال الاجتماعات إنهم يمثلون 80% من سكان المملكة ومع ذلك فإن مشاركتهم السياسية محدودة، وطالبوا بأن يكون منصب رئيس الوزراء على الأقل من حقهم، بالإضافة إلى فتح أبواب المناصب الكبرى أمامهم، وقد تلقوا وعداً بدعم مطالبهم إذا ظلت تحركاتهم في الإطار المدني السلمي.
كما طالب الشيعة الكويتيون بنيل حصة عادلة في الحكومة والمناصب الكبرى وعدم إغلاق قطاعات معينة، منها الجيش وقوى الأمن، أمامهم، وتلقوا وعوداً مماثلة.
من جهتهم، وحسب التقرير أيضاً، فإن ممثلي التنظيمات الأميركية سعوا إلى إقناع محاوريهم الخليجيين بأن اعتمادهم على الدعم الإيراني يضر بقضيتهم، وشرحوا لهم مكامن التباين بينهم وبين إيران، حيث أن نظام الملالي يسعى إلى تحقيق مصالحه فقط باستخدام شيعة الدول الخليجية، وليس من باب الحرص على الشيعة.
وقال ممثلو هذه التنظيمات، إن العمل المدني السلمي يمكن أن يؤدي إلى نتائج. وأشادوا بالتصرف الحضاري لملك البحرين في تعامله مع الحركية الشيعية، وتعهدوا بأن يعملوا على حشد دعم رسمي أميركي لمطالب الشيعة، طالما بقيت في أطرها العادلة مثل إتاحة الفرصة للشباب حتى يشتركوا في الواقع السياسي لهذه الأمة حتى يعبروا عن آرائهم ويشاركوا فيما يرتبط بالشأن السياسي، وهذا يتم عن طريق فتح المجال لوجود مدارس وأحزاب وحركات سياسية، والكلام على مستوى العالم الإسلامي ككل، وإيجاد مجال للعمل الفكري والمعرفي، ليس فقط على الصعيد الديني والنظري وإنما على الصعيد العملي وجود ورش عمل في مجالات الصناعة وفي مجالات التكنولوجيا، ودفع الشباب لهذا الاتجاه هذا أمر مطلوب، وفي الإطار الاجتماعي، إيجاد منظمات وأطر اجتماعية تستوعب هؤلاء الشباب وتوجههم للتطوع في خدمة مجتمعاتهم وأممهم.
نفوذ الشيعة
ولاحظ التقرير أن الشيعة في الخليج لعبوا دوراً مهماً وغير معلن في الاستحواذ على مشاريع اقتصادية وتكنولوجية غاية في الأهمية داخل مجتمعاتهم، وهناك الكثير من النشاطات الاقتصادية التي يتحكمون فيها، بعضها معروف من قبل الناس، وأكثرها غير معروفة، بالإضافة إلى ذلك يلاحظ كثرة التوجه التحصيلي لدى شبابهم فيما يتعلق بالدراسة في الجامعات الخليجية، فبالإضافة إلى الأعداد الكبيرة من المدارس التعليمية في مناطق الشيعة، فإن الكثير منهم يتابعون دراساتهم وتحصيلهم العلمي في الجامعات والمعاهد، كما يلاحظ توجههم في دراسة التكنولوجيا الحديثة وتطبيقاتها، والفروع الخاصة بالبتروكيماويات واستخراج النفط والمعاهد التقنية والتكنولوجيا.
كما يحتل تجار الشيعة مكانة كبيرة ومهمة في تجارة بعض أنواع البضائع في المنطقة، منها الذهب والمواد الغذائية، ولا يقتصر الأمر على الاهتمام بالنواحي الاقتصادية، حيث يبدو أن لهم سياسة اجتماعية تتمثل في محاولة زيادة أعدادهم عن طريق تشجيع الزواج والتناسل فيما بينهم، وللحث على الزواج لمبكر، وتعدد الزوجات، ولذلك فإن من الملفت للنظر إقامتهم لمهرجانات الزواج الجماعية والتي يتزوج فيها بليلة واحدة العشرات منهم.
كما أنهم يسعون إلى توزيع كتبهم الشيعية لعامة الناس، ونشر معتقداتهم وأفكارهم، والترويج لشيوخهم وأئمتهم، كما يطالبون ببناء الأضرحة وإقامة الحوزات العلمية لهم، وما إلى ذلك من محاولات لتضخيم مكانة الشيعة في الخليج عموماً والحصول على مكاسب سياسية واجتماعية واقتصادية لهم.
وقال التقرير إن تطلعات الشيعة في منطقة الخليج تتراوح حسب الدولة التي ينتمون إليها، ففي حين بدأت تطالب في دولة خليجية بمطالب ومكتسبات قدمت لحكومة البلد، حصلت في بلد آخر على تمثيل برلماني ونيابي، وهم في جميع الأحوال يتطلعون إلى المستقبل القريب للاستفادة من الأوضاع التي خلفها سقوط العراق بيد الأميركيين.
وحذر التقرير من أنه على الرغم من أن الشيعة في الخليج يحرصون على تقديم أشكال الولاء والطاعة لحكام دولهم، إلا أن هذا لا ينفي تطلعهم نحو إقامة حكم ذاتي شيعي في مناطق تواجدهم كأغلبية، أو حتى قيام حكومة منفصلة شيعية على أبعد تقدير، ذلك أن من سياساتهم الدينية مبدأ "التقية"، حيث يعتبر اتقاء القوي ومجاراته مطلباً دينيا ومبدأ أساسياً لهم.. يقول رئيس تحرير صحيفة خليجية يومية إنه. "مهما تواضعت مطالب الشيعة واندمجت اليوم في إطار المطالب الوطنية العامة. فلا بد من الإقرار بأن شيئاً ما قد تغير بالفعل بعد كل الهزات السياسية والأمنية والثقافية التي عاشتها منطقة الخليج، وليس أقل التغييرات أن يأخذ الشيعة ثقلاً سياسياً جديداً، بعد أن كانت إيران تحتضنهم عن بعد".
في حين أكد رجالات الشيعة أنه "آن الأوان للقيام بمبادرة جريئة وجادة لمعالجة هذه القضية من منطلق الحرص على وحدة الوطن وأمنه بدلاً من تركهم تتفاقم وتتصاعد بصورة خطيرة وتتحول إلى مشكلة اجتماعية لا يمكن السيطرة عليها".
وعلى ضوء هذه المعلومات، استشرنا أحد المسؤولين الغربيين، فقال: "إن الولايات المتحدة، مهما كان، لا بد أن تراعي التركيبة الديموغرافية التي يجب أن تنعكس على التركيبة الديمقراطية، وهي تمشي مع طفلها المدلل إلى درجة معينة، ثم تتحول إلى التعامل مع الواقع، وفي ظل هذه السياسة، من المنطقي أن تدعم مطالب شيعة الخليج، بشرط الابتعاد عن إيران".
نشاط إيراني
ولكن الشق الأخطر في هذا التقرير، تحدث عن دوافع التحرك الأميركي الجديد وحساسية توقيته، وقال التقرير: إن هذا التحرك جاء بعد ورود معلومات استخباراتية مؤكدة عن وصول مئات الشباب من جنسيات عربية إلى معسكرات تدريب إيرانية أقامتها المخابرات الإيرانية في الأحواز، وكلفت بمهمة التدريب إلى مدربين من "حزب الله" اللبناني.
ويشير التقرير إلى أن الشباب الشيعة العرب بدؤوا بالتوجه إلى إيران بعد ما كانوا يرسلون في الفترات السابقة إلى معسكرات "حزب الله" في البقاع وذلك لتفادي الأجهزة الاستخبارية التي رصدت إقبال هؤلاء الشيعة على معسكرات في لبنان.
ويلفت التقرير إلى أن هذه المعسكرات الإيرانية تتولى عملياً التحضير لإعادة تصدير فروع "حزب الله" إلى عدة دول خليجية وعربية وإسلامية ذات تواجد شيعي، وأن أول فرعين انتهى الإعداد لهما هما فرع "حزب الله" البحرين وفرع "حزب الله" الكويت، وذلك بحرفية تامة بالتعاون الوثيق والمباشر مع "حزب الله" اللبناني، وفيما رأى التقرير أن بصمات "حزب الله" البحرين بدأت تظهر في الاضطرابات الأخيرة التي شهدتها المملكة كشفت أن مساعي إنشاء "حزب الله" الكويت وتدريب عناصره على أيدي خبراء "حزب الله " اللبناني قد انتهت وأن دفعتين من "المتخرجين على الأقل تقدر كل مها بما بين 12و16 شخصاً قد عادتا مؤخراً إلى الكويت بعد دورتين تدريبيتين واحدة في البقاع وأخرى في طهران.
وفي معلومات التقرير أيضاً أن نواة "لحزب الله" قطر هي قيد الإنشاء في معسكرات طهران على الرغم من تعهد إيراني سبق للدوحة بعدم تجنيد قطريين شيعة.
وأورد التقرير نموذجاً عما يجري في الكويت تحديداً، باعتبار أن القوات الأميركية متواجدة بكثافة في هذه الإمارة المحاذية لمحافظة البصرة العراقية الجنوبية ذات الأكثرية الشيعية والتي تعتبر مرتعاً للنفوذ الإيراني بكل أشكاله، فقد أورد التقرير أن هناك معلومات عن استعدادات عناصر شيعية لبدء تحرك مرحلي متدرج، يبدأ بتجمعات شعبية في الحسينيات، ثم ينتقل إلى مستوى عصيان مدني يتمثل في إغلاق المتاجر والمحلات والامتناع عن العمل، إضافة إلى تظاهرات صاخبة، ويحذر التقرير من خطورة هذه الخطوة، لأن التجار الذين ينتمون إلى المذهب الشيعي يسيطرون سيطرة شبه كاملة على سوق المواد الغذائية والقطاعات الخدمية الحيوية في الماء والكهرباء، بحيث إن العصيان المدني سيشل الحياة في الكويت.
وكانت المخابرات الكويتية قد تلقت معلومات مؤخراً من عدة مصادر بعضها من أجهزة مخابرات غربية وأخرى عربية تفيد بمخطط واسع يرعاه الحرس الثوري الإيراني لتحويل الكويت إلى دولة شيعية يكون لحزب الله الكويتي الدور الأساس في تنفيذه، الأمر الذي أحدث هلعاً وضجة في الأوساط الحاكمة بالكويت.
أبعاد المخطط
وتشير المعلومات إلى أن المخطط الذي وضع بطهران وبإشراف مباشر من قائد الحرس الثوري محمد على جعفري يشمل عدة مراحل، بعضها سياسي والأخر عسكري يتكلف عشرات الملايين تعهد الحرس الثوري بتدبيرها من فائض استثماراته وشركاته الضخمة التي تشمل عدة مشروعات إستراتيجية بإيران.
وتفيد المعلومات أن الخطة وضعت بتنسيق مباشر مع قادة "حزب الله" الكويتي وبعضهم من قيادات الداخل والآخرون ممن يقيمون في إيران والعراق.
وحسب المخطط فإن الشق السياسي للمخطط يقوم على تنظيم عدة مظاهرات استغلالاً للأوضاع السياسية غير المستقرة للبلاد خاصة بعد حل البرلمان ودعم عدد من المرشحين الشيعة في الانتخابات المقبلة واللعب على الوتر الديني بالبلاد. كما أنه يقوم على تنظيم حملات دعائية من خلال مواقع إعلامية شيعية على الإنترنت تتحدث عن اضطهاد للشيعة بالبلاد وربط ذلك بما يوصف بالظلم الواقع على شيعة بعض دول الخليج.
وحسب التقرير، فإن هذا المعلومات الخطيرة، ومعلومات أخرى أكثر تفصيلاً لم يتم الكشف عنهما، هي التي دفعت الإدارة الأميركية إلى تشجيع الحوار غير الحكومي في هذه المرحلة مع شيعة الخليج، بدل أسلوب المواجهة، تحقيقاً لمعادلة "الديمقراطية المذهبية"، ولأن دروس التجربة العراقية، أكدت عبثية أسلوب المواجهة، أما الخطوة التالية، فمازالت موضوع دراسة، وربما إذا كانت نتيجة تقييم الاجتماعات السابقة إيجابية. فإن الإدارة الأميركية ستنتقل إلى مرحلة الدعم السياسي العملي لمطالب شيعة الخليج.