رسائل إلى (سيد) المقاومة
زكريا النوايسة
"نعم نحن ضد اسرائيل ولكّننا لسنـا مع إيـران لا نشكُ للحظة أن عداء اسرائيل قضية أزليـة ولكننا لنْ نُغمض العين الأخرى عن عداء إيران لهذه الأمة التي أُبتليتْ بهم دينيا وقوميا "
حتى فترة قريبة لم يكن لهذا المصطلح وجوداً ، فالذي عرفناه وتعلمناه أن للمقاومة رجالها وجنودها الذين ينكرون أنفسهم ويضحون بمجدهم الشخصي، في سبيل هدفهم السامي ، أما أن يكون لها سيداً يملك تفاصيلها وما سـواه تابـع لـه، وليس لـه مـن الأمـر إلا السمع والطاعـة ، فهذه ليست مقاومة ، بل اعتقاد ودين وعصمة صيغت ورسمت لشخص تحت مسمى هذا الشعور النبيل.
سيد المقاومة قال ، سيد المقاومة خطب , سيد المقاومة أفتى ، يا لهذا السيد العجيب ،الذي يفتح عينا واسعة على مقاومة هنا ، ويغمضها عن مقاومة هناك ، يستبسل ويتوعد ويرعد ويبرق هنا ، ويلين ويصبح باحثا عن ضبط النفس هناك.
هو في لبنان مقاوم عنيد لا يترك مناسبة مهما صغُر شأنها، إلا وأمطرنا فيها بخطاب ناري يحرق فيه الاستعمار والاحتلال ، ويضرم النار في عروش المتخاذلين الذين يكيدون للمقاومة وسلاحها وسيدها، وهو في العراق يزدان بالهدوء والوقار، وإن بدرَ منه شيئـا عن مجـزرة اسمهـا العراق ، يأتي الحديث خجولاً ، مكشوفاً ، متكلفاً.
الرسالة الأولى:
المقاومـة العراقيـة التـي أشعلتْ النـارَ من تحت أقـدام الاحتلال الأمريكي ، وجعلته يفكر بالهروب في أقرب فرصة تسنحُ له ، هذه المقاومة الشريفة ماذا قدم لها حزب المقاومة؟ وهل يمكن أن نجد لهذا الحزب موقفاً واضحاً من العراق المقاوم ؟.
وقد يقول قائل : أن حزب الله بدَلَ أن يقوم بالدور الطبيعي له كحزبٍ مقاومٍ ، آثرَ وحبَّذ أن ينحاز إلى جلده الطائفي ، فكان ما كان من تدريب وتهييج لرعاع مقتدى الصدر ليمارسوا نذالاتهم وخستهم الطائفية التي لا يستطيع أحد أن ينكرها ، لأنها أوضح من الشمس في رابعة النهار، فإذا ما تيقنَّا أن هذه حقيقة لا مراء ، فكيف سيقنعنا سيد المقاومة بعد ذلك أن حيلته هذه بريئة من أهدافه المذهبية؟ تلك الأهداف التي أعلن عنها صراحة ، حين تحدث بكل فخر عن كونه أحد جنود ولاية الفقيه، وعن ولاية الفقيه حدِّث ولا حرجْ، فهل هذه هي أخلاق وشمائل الحزب المقاوم؟!!.
الرسالة الثانية:
إن الهدير والوعيد والكلام الذي يشبه الرصاص ، الذي كان عنوانك الوحيد آبان جريمة غزة ، لم نسمع أن رصاصة واحدة رافقته ، وما حملته إلينا وسائل الاعلام عن عدد من القذائف أُطلقت على الكيان الغاصب في تلك الفترة ، أثارت فيك شهية الصمت ، وبدأَتْ تتداعى المقاومة ، لتصبح وادعة مطيعة ، فتعلن وسائل اعلامك تنصلها من هذا الفعل المقاوم، بل يصل الأمر إلى درجة التصريـح بأن جبهة الجنوب اللبناني ستبقى بمنأى عن التصعيــد ، وكلُ ذلك جـاءَ محمـولاً علـى الفتـوى الشهيــرة للولـي الفقيه ، الذي أنت وكيله الشرعي في لبنان ، هذه الفتوى التي منعتْ أي مشاركة للشيعة في التطوع للقتال إلى جانب الفلسطينيين في غزة، فهل بعد صمتكم المريب ، وفتوى مرشدكم وإمامكم ووليكم الفقيه ، ستخدعنا بفكرة الحزب المقاوم ؟!!.
الرسالة الثالثة:
في خطابكم الأخير بمناسبة افتتاح مؤتمر دعم المقاومة، كنت إيرانياً بامتياز فالدفاع عن إيران ليس مستغرباً في كل ما تقـول ، فحزبكـم صنيعـة إيرانيـة سياسيـاً ومذهبيـاً وماليـاً ، ولا يمكن القـول بحقيقـة أخـرى غيــر هذه الحقيقة ، أتفق معك - بلا تردد - بأن اسرائيل دولة ملعونة عدوة، ولكنني لن أصدقك بأن إيران التي أنت ربيبة لها تتحمل كل هذا العناء لأجل طرد الشيطان الأكبر وفتَاتِه المتمردة اسرائيل، نتفق جميعاً على أن اسرائيل عدو واضح نعلمه ونحفظه جيداً فطرنا على العداء لها ، ورضعنا مع القطرة الأولى من حليب أمهاتنا أن هذه الدولة اللقيطة لا بد أن تزول إن كنَّا نريد فلسطين كل فلسطين ، فمنذ اللحظات الأولى للمشروع الصهيـوني والعـداء مستحكـم ويتعاظـم في نفوسنا، ولا نحتاج لمن يبرمجه في ذاكرتنا ، أما العداء الإيراني لنا فهو مغلف بأغلفـة جميلـة براقـة تخدع في كثيـرمن الأحيـان الحريص الممحص، فمرة يأتي هذا العداء سماً مدسوساً في دسم قضية مقدسة اسمها فلسطين ، ويأتي تارة أخرى متلصصاً ليلامس الهاجس الديني عند كثير من العوام الذين تسحرهم الأفكار الطنانة لجمهرة الآيات والسـادة ، تمامـاً كأفاعـي سحــرة فرعون حيـن استولت علـى عقـول الجمـع ، ولكن موسى سيدنا ونبينا الموقـر الذي قال عنـه بعض آياتكـم أن الخميني أفضل شأناً منه ، سيبقى عنواناً لنا بعصاه التي ستلغي زيف سحركم ، وتلقف كل أباطيلكم.