الطموح الإيراني والخطط الأمريكية وموقف المواطنين الشيعة - ح2

بواسطة أحمد الوكيل قراءة 2003

الطموح الإيراني والخطط الأمريكية وموقف المواطنين الشيعة

الحلقة الثانية


بقلم: أحمد الوكيل.


تحدثنا في الحلقة السابقة حول، تقاطع المصالح بين الخطط الأمريكية في العدوان على الأمة، وبين مصالح الشيعة، حسب الاستراتيجية الإيرانية، وأشرنا إلى أن ذلك هو ما يفسر الموقف الإيراني من العدوان الأمريكي على أفغانستان والعراق، لكن الأهم الآن وفي هذه الحلقة، أن نشير إلى أن القضية أبعد من مجرد التقاء في هذا الموقف أو ذاك، في هذا العدوان أو ذاك.

ذلك أن الولايات المتحدة، تنظر لِلطموح الإيراني لِبناء دولة الشيعة الكبرى - نشدد هنا على كلمة الطموح - تنظر له باعتباره أهم عامل في الالتقاء مع الخطة الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، خطة تفتيت الأمة الإسلامية، أو تفتيت كياناتها " الوطنية " الراهنة...

 بل يمكن القول بكل ضمير راض، أن الالتقاء بين الخطة الأمريكية ومخطط الدولة الشيعية الكبرى حسب الاستراتيجية الإيرانية، في وقائع العدوان على العراق وأفغانستان، ليست إلا مؤشرات أولية، بينما الأخطر ما يزال قادماً في الطريق! تفكيك " الدول الإسلامية "؟

تقوم الفكرة لِدولة الشيعة الكبرى، على تجميع الشيعة تحت راية دولة واحدة، أو لِنقل أنها تقوم على فكرة "استراتيجية موحدة لِلشيعة " يتحرك في ظلها وضمن خطوطها، كل الشيعة في الدول العربية والإسلامية، والنظر لإيران على أنها الدولة الأم والمحور الاستراتيجي في قيام هذه الدولة وبناء استراتيجية قيامها، وهو ما يعني تفتيت الدول الإسلامية الحالية سواء ظل الإطار الخارجي [ الوطن - الحدود - الجغرافيا ] كما هو أو تغير، حيث أن ولاء الشيعة في أية دولة من الدول الإسلامية إلى دولة إيران ومرجعياتها الدينية والسياسية واعتبارها هي الدولة المرجع والدولة الوطن والدولة القائد وإنما يحدث باختصار انقساماً داخلياً خطيراً داخل كل دولة من الدول العربية والإسلامية.

وللتوضيح ببعض من الأمثلة، فإن حزب الله في لبنان ألغى مرجعيته المعتمدة لمدة ليست بالقصيرة إلى الشيخ محمد حسين فضل الله، بتحويل مرجعيته بعد ذلك، إلى خامنئي في إيران، الذي صار هو المرجع لِحزب الله، وحيث أصبح الشيخ حسن نصر الله هو " الوكيل الشرعي " لخامنئي في لبنان. كما تحولت استراتيجية الحزب إلى استراتيجية شاملة الارتباط بإيران الدولة وليس لإيران المرجعية الدينية فقط. وأصبح من يزور ضواحي الشيعة في لبنان، يشعر وكأنه في قطعة من طهران حيث صور الخميني وخامنئي... الخ. بل يمكن القول، وربما كان ذلك مفهوماً لدى البعض، أن المعركة التي جرت في مرحلة من تاريخ الشيعة في لبنان، بين حركة أمل الشيعية بقيادة نبيه بري، وحزب الله الوليد، المرتبط بإيران، كانت في جوهرها، صراعاً على المرجعية... وعلى الارتباط بالعروبة والعلاقات بالسنة، أو الاستقلال منها. والارتباط بإيران والدخول ضمن إطار دولة الشيعة الكبرى... هذا كله حدث بينما كانت ظاهرة التشيع أساساً نتاجاً من نتاجات جبل عامر في لبنان.

إن نفس الأمر جرى، وما يزال يجري في معركة ضارية على شيعة العراق، فبينما كان هناك بعض المرجعيات، التي ترى أن الارتباط الشيعي بالعراق وبالسنة، وداخل إطار الوطن العراقي، أمر مقدم على الارتباط بإيران، وعلى التحول باتجاه دولة الشيعة الكبرى، كانت هناك تيارات ومرجعيات، ترى عكس ذلك، والأخيرة هي التي ارتبطت بإيران تمويلاً وتنظيماً وتسليحاً، وأهمها الحركة التي يرأسها باقر الحكيم... وهذه الحركة، تطور موقفها، بشكل خطير، في الارتباط بإيران على نحو، جعلها ترسم تحالفاتها مع العدوان الأمريكي معتبرة أن مصلحة الشيعة أهم من مصلحة العراق، وان مصلحة إيران مقدمة على مصلحة العراق. وقد ظهرت بطبيعة الحال، مرجعيات وتحركات أخرى، خرجت من هذا الموقف المرتبك وارتبطت بالأمريكان والبريطانيين على نحو لا يقبل " الارتباك "، كما هو حال الخوئي، الذي قتل فور عودته على العراق في ظروف غامضة حتى الآن.

في أفغانستان كان الموقف مروعاً، حيث وصلت درجة الخلاف إلى أن أصبح الشيعة ضمن إطار تحالف الشمال الذي ارتبط كاملاً بالولايات المتحدة والهند وروسيا وإيران! إن الخطر في هذه الأمثلة الصارخة، واضح ومحدد، ، لكن الأخطر، هو ما يجري في دول لم تصل فيها هذه الصراعات إلى الذروة الراهنة، كما هو الحال في السعودية والبحرين وعمان والكويت وغيرها، حيث يتوقع تنامي " الانفصال " الشيعي من " الشعور الوطني "، بزخم ما جرى في العراق، التي يخوض الشيعة فيها صراعاً الآن، حول حقهم في حكم العراق، باعتبارهم الأغلبية السكانية فيه!.

 

الالتقاء مع الخطة الأمريكية: كما هو معلوم فإن الخطة الأمريكية والبريطانية في أمتنا تقوم على عملية التفكيك والتفكيك. وإذا كانت النتائج لِنجاح تلك الاستراتيجية متعددة، تبدأ بأن يصبح الكيان الصهيوني، هو الدولة الوحيدة القوية والمهيمنة على المنطقة، ودون منازع، ولا ينتهي عند حدود التخطيط لِتدمير العقيدة وإنهاء وحدة جسد وتراب الأمة فإن ما يهمنا هنا هو أن فكرة التفتيت لا تقوم على استراتيجية العدوان العسكري المباشر فقط، بل ربما يأتي العدوان العسكري المباشر، كخطوة أخيرة، إذ الأهم هو جعل التفتيت ظاهرة " طبيعية " وموغلة في "القوة" والطبيعية داخل الكيانات العربية والإسلامية. وإذا كان بديهياً الآن أن نشير إلى تحريك الولايات المتحدة لِلأقليات داخل الدول والكيانات العربية والإسلامية، كما هو حادث في قضية الأقباط في مصر، والوثنيين الأفارقة في جنوب السودان، وكما هو حادث بالنسبة للبربر في الجزائر، وللموارنة في لبنان... الخ.


فإن الأهم بالنسبة لِدول الخليج، كما هو بادي وحادث هو، التقسيم المذهبي، بين السنة والشيعة. وهنا، إذا كانت الخطة الإستراتيجية الإيرانية، تقوم في هذه المرحلة، على إيقاظ الحالة الشيعية، وتحويلها إلى تجمعات منفصلة مذهبياً بعمق، وتتحول مشاعرها رويداً رويداً تجاه الولاء لإيران، بعيداً من الولاء لِلدولة المتواجدين في الموطن الشيعي، وإلى دفعها إلى المطالبة السياسية بالحقوق باعتبارهم جماعات أخرى... الخ.

فإن الولايات المتحدة وبريطانيا والكيان الصهيوني بطبيعة الحال، تغذي هذه الفكرة، وتتقاطع مصالحها في هذه المرحلة من الخطة الإيرانية، وترى فيها، تمهيداً متميزاً لِلتفتيت، يمكنها أن تستغله فيما بعد، في إحداث حالات اضطراب شديدة، تمهد لها الأسباب لِلتدخل، والمدهش أنها ستكون في هذه الحالة الممسكة بخيوط العلاقات مع الحكومات " السنية " ومع الأقليات الشيعية، على نفس نمط ما حدث في العراق؟!

 



مقالات ذات صلة