مجازر الفلسطينيين على أيدي الشيعة في العراق
يمر الفلسطينيون في العراق بأسوأ ظروف، لم يعهدوا مثلها منذ أن وطئت أرجلهم أرض العراق التي قاربت الستين عاماً، تعايشوا خلالها هم وأجيالهم مع شعبها وتصاهروا وتآلفوا، وحالهم اليوم يعجز عن وصفه القلم، واقع مرير من تهجير إلى قتل وتعذيب وتنكيل واعتقالات، وتهديد مستمر لدفعهم للخروج من العراق. بعد أن سلب منهم أي وصف قانوني، فلا هم لاجئون أم مقيمون، ولا هم وافدون أم مهجّرون !!!
مما دفعهم إلى توجيه النداءات تلو النداءات لوقف الاعتداءات عليهم، وتبعها نداءات وجهتها وزارة شؤون اللاجئين الفلسطينية، وكذلك المؤسسات القانونية والمنظمات الإنسانية، لوقف الاعتداءات وتوفير الحماية لهم؛ وللإلقاء الضوء على مأساتهم لا بد من سرد سريع لتاريخ هؤلاء المهجرين، وكيف تطورت قضيتهم وما آلت إليه الأمور منذ ذلك الحين إلى اليوم:
من فلسطين إلى العراق:
فقبل 58 عاما بدأت المأساة وبالتحديد في عام 1948م بسقوط المدن والقرى الفلسطينية بيد اليهود، حيث أخذت أفواج من الفلسطينيين بترك أماكن سكناها قهراً وظلماً وعدواناً متجهة إلى أماكن أخرى تجد فيها الملاذ الآمن، استقر بعضهم في أماكن داخل فلسطين كلاجئين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبعضهم الآخر اتجهوا إلى الدول العربية المجاورة كسوريا ولبنان والأردن.
وانتقل عدد منهم في ذلك العام إلى العراق على الرغم من بعدها الجغرافي، وتم هذا الانتقال بإشراف الجيش العراقي وقدر عددهم آنذاك حوالي 3000 شخص، أما الآن فيبلغ عددهم 23000 شخص وفق آخر إحصائية للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين عام 2003.
وتولت وزارة الدفاع العراقية رعاية وإدارة شؤون الفلسطينيين منذ قدومهم إلى عام 1950م حيث تم إسكانهم أول الأمر في معسكرات الجيش العراقي في البصرة وبعض النوادي في الموصل وفي المحافظات العراقية وبعض المدارس والمباني الحكومية.
وبعد ذلك انتقلت مسؤولية الفلسطينيين إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وأسست مديرية خاصة بهم سميت بمديرية شؤون الفلسطينيين، وكانت تشرف على كافة الشؤون التي تتعلق بالفلسطينيين، وبعد ذلك حولت إلى قسم شؤون الفلسطينيين ضمن مديرية الرعاية الاجتماعية، وجرى ذلك بعد الاتفاق الذي تم بين الحكومة العراقية ووكالة الغوث التابعة للأمم المتحدة (الأنروا) على تكفل الأولى رعاية الفلسطينيين مقابل إعفاء العراق من التزامات مالية مع الأمم المتحدة.
· في بادئ الأمر منح الفلسطيني هوية اللاجئ إلا أن الحكومة آنذاك وبعد فترة استبدلت هذه الهوية بهوية أخرى خاصة بالمقيم - والفرق بين حقوق اللاجئ والمقيم واضح. وكان سكنهم في غاية السوء حيث وصف وزير العمل العراقي عام 1967م في رسالة رفعها إلى مجلس الوزراء آنذاك؛ بأن هذه المساكن أحياء في قبور.
· في بداية السبعينات تم إنشاء مجمع سكني مكون من 16 عمارة فيها 768 شقة في منطقة البلديات شرق بغداد، وهو أكبر مجمع للفلسطينيين في العراق، يسكن هذا المجمع أكثر من 1600 عائلة، وبعض الشقق المكونة من غرفتين أو ثلاث غرف يقطنها ثلاث عوائل وأربعة "الأب والأبناء وأسرهم".
· وخلال السنوات القليلة الأولى تم منح هوية اللاجئين للفلسطيني، ثم بعد ذلك بدأت المعاناة تزداد بتبديل هذه الهوية بهوية أخرى خاصة بالمقيمين. وظل تعامل الموظف الفلسطيني معاملة الأجنبي لغاية عام 1964م، حيث صدر قرار بمعاملته معاملة الموظف العراقي باستثناء كثير من الحقوق الوظيفية، واستمر هذا لغاية 1969م وبعدها عدّل بقرار آخر فيه شيء من الأفضلية. وفي هذه الأثناء لا يحق للفلسطيني أن يتملك عقاراً أو أي مشروع تجاري آخر.
· وفي عام 1981م صدر قرار يحق للفلسطيني أن يتمتع بحقوق عقارية ولكن غير كاملة.
· وفي عام 1984م تقرر السماح للفلسطيني بتملك دار سكن واحدة على نفقته الخاصة.
· وفي عام 1989م أوقف العمل بكل القرارات بحق الفلسطيني لمدة خمس سنوات. وفي هذه الفترات كان لا يسمح للفلسطيني بالسفر إلا مرة واحدة بالسنة ولدول محدودة.
· وبعد احتلال الكويت وحرب تحريرها عام 1991م ازداد الوضع سوءاً، حيث لا يستطيع الفلسطيني أن يتملك أي شيء ولا حتى رخصة لقيادة السيارة أو عقد إيجار مسكن أو محل تجاري أو .... ومع الحصار الذي فرض ازداد الوضع سوءاً لعدم إمكانية الفلسطيني المغادرة من العراق إلا لأداء مناسك الحج وكانت مكلفة، مع عدم إمكانيته مزاولة حياته بشكل طبيعي.
بعد سقوط بغداد:
وبعد سقوط بغداد ازداد الأمر سوءً ، بحملة منظمة إعلامياً وسياسياً، وصلت لحد الإهانة والإذلال والقتل لبعض العرب والفلسطينيين بدعوى أنهم إرهابيون ؟؟!! وتشرد كثير من الناس عن مساكنهم، بتهمة " فلسطيني "، وبدعوى أن الحكومة السابقة كانت تسكنهم في بيوت وتدفع إيجار رمزي لأصحابها قهراً طبعاً، مما ولد حقد من هؤلاء على الفلسطيني - وهو ليس له ذنب بذلك - علاوة على أن هذه المساكن غير صالحة لسكن الحيوانات – على حد وصف بعض المسؤولين العراقيين.
وتتعامل فئة من العراقيين الطائفيين مع الفلسطينيين بحقد عجيب، وتشاع الشتائم والإهانات في الشوارع والأسواق، وفي الإعلام المقروء والمرئي والمسموع، وكأن الـ (23.000) فلسطيني مقابل الـ (28.000.000) عراقي السبب في الخراب والدمار والحروب التي مر بها البلد. بل البعض ينقل بأن الفلسطينيين في العراق هم سبب أزمة السكن!! وتارة بأنهم سبب الخراب والدمار، وسبب الاضطراب وتردي الوضع الأمني والاقتصادي. وللإعلام العراقي دور فاعل في تأليب الرأي العام في الشارع العراقي وخاصة الشيعة، حتى وصل الحال بالبعض من الفلسطينيين بأن لا يتجرأ على القول بأنه فلسطيني عندما ينتقل من مكان إلى مكان، لأنه قد يعرض للإهانة أو حتى القتل.
وناهيك عن الاعتقال والتوقيف للبعض منهم عندما يمر بنقطة تفتيش، حيث وصل بهم الحال إلى التمني بأن تكون هذه السيطرة من قوات الاحتلال لتفهمهم الحال، أما الآخرون فسرعان ما يصدرون التهم والشتائم.
الحلقة الأضعف:
والفلسطينيون في العراق هم الحلقة الأضعف في مكونات الشعب العراقي، فلا ميليشيات تحميهم ولا قوى سياسية تنادي باسمهم، ولا حضور على الأرض مع غياب شبه كامل لممثليهم دولياً، الأمر الذي يسهل مخطط ذبحهم والاستفراد بهم دون أن ينتصر أحد لدمهم؛ فثمة حاقدون من عدة أطراف عراقية ودولية كالموساد ومن رجال الميليشيات العراقية. ويخشى الآن أن تنفذ مجازر شبيهة بـ"صبرا وشاتيلا" في منطقتي "الحرية والبلديات" في بغداد.
حملة شعوبية:
ففي تصعيد لم يسبق له مثيل في استهداف الفلسطينيين المقيمين في العراق، ضمن الحملة الشعوبية والعنصرية الشرسة، ألقيت فجر الخميس الموافق 23/3/2006م منشورات في منطقة الحرية وتحديداً في أماكن تجمع وتواجد الفلسطينيين، فيها تهديد شديد اللهجة لجميع العوائل الفلسطينية التي تسكن في ما تسمى دور الشؤون من خلال اتهامهم بمعاونة ما يصفونهم بالوهابية والتكفيرية والنواصب والبعثية!! واتهامهم بالخونة!! مطالبين في التهديد بالرحيل من المنطقة خلال عشرة أيام وإلا سيتعرضون لمخاطر القتل والتصفية.
· وعدّت "فلسطينيون بلا حدود "أن ما يحدث اليوم للجالية الفلسطينية بالعراق منافياً لكافة المواثيق والأعراف الدولية وطالبت الأمم المتحدة بالعمل فوراً وسريعاً على تطبيق اتفاقية جنيف الموقعة عام 1951، "وهى الصك الدولي الرئيسي لقانون اللاجئين" وتحديداً الشق الخاص "بالحماية المؤقتة" وحذرت من قرب وقوع مذابح جديدة بحق الإنسان الفلسطيني "لا لشيء سوى لأنه فلسطيني" تضاف إلى سجل المجازر والمذابح التي ارتكبت بحقه على مر التاريخ .
· وترى "فلسطينيون بلا حدود" إنه من العار على العالم الذي يتغنى بالديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان أن يحدث ما يحدث اليوم بحق الفلسطينيين في العراق على مسمع ومرأى منه".
حاولوا النجاة فأعيدوا بالقوة:
لقد دفعت أنباء الخطف والقتل والتمييز ضد اللاجئين الفلسطينيين في العراق الكثير منهم لمحاولة الفرار لكن بالنسبة لمعظمهم لا يوجد مكان آخر يذهبون إليه. وأظهر إغلاق الأردن حدوده مع العراق يوم الأحد لمنع دخول 89 فلسطينياً باحثين عن مهرب من القتل في العراق أن اللاجئين أمامهم فقط خيارات قليلة إما "القتل أو القتل" .