د.نبيل العتوم
بالأمس خرج علينا وزير الخارجية الإيرانية د. محمد جواد ظريف بتصريحات لافته عبر مجلة لوبون الفرنسية ، وقد كررها من قبله الرئيس المعمم حسن روحاني ومفادها أن إيران لا تسعى إلى تدمير "إسرائيل" بتاتاً ، معتبراً ذلك دعاية هدامة لتشويه صورة إيران وثورتها ، والسؤال هنا هل هناك عداوة فعلية بين طهران و"تل أبيب" ؟ وكيف تسهم المناهج التعليمية الإيرانية في ترسيخ ثقافة الكراهية والتحريض ضد "إسرائيل" ؟ ويمكن القول إن معركتنا مع المشروعين الإيراني و"الإسرائيلي" معركة حضارية وعلمية ، بعيدة عن لغة الخطابة والوعظ ، خاصة أننا نحن بحاجة اليوم إلى دليل يثبت أن المشروعين الإيراني و"الإسرائيلي" في خندق واحد ، ويتقاسمان الكراهية والتحريض والحقد ضد العرب ، ويعتبران نفسيهما دولتين شرق أوسطية بامتياز ، وليستا جزء من "الإقليم المتخلف وغير المتحضر" .
تعدّ دراسة المناهج والكتب المدرسيّة وتحليلها من الدّراسات المهمة في الميدانين التربوي والسياسي؛ فالكتاب المدرسيّ أحد العناصر المكونة للنظام التعليميّ، وهو أداة المنهاج في تحقيق أهدافه، فالمناهج والكتب المدرسيّة تمثل في حقيقة الأمر رؤية الدولة ومؤسساتها المسؤولة عن تربية النشء فيها وتشكيل شخصياتهم. فللمناهج دور كبير في تشكيل شخصيات الطالب العقليّة والأيدولوجيّة والنفسيّة والاجتماعيّة، وتمثل خط الدفاع الأول عن أمن المجتمع وبقائه وحقوقه.
صورة "إسرائيل" والقضية الفلسطينية في الكتب المدرسية الإيرانية
من خلال القراءة والتعمق في سلسلة الكتب المدرسية الإيرانية ، يكشف الإيرانيين عن نواياهم الحقيقية تجاه "إسرائيل" والقضية الفلسطينية ، وقد انطلقت هذه الكتب, وسعت إلى محاولة ترسيخ قيم مخالفة حتى للإسلام ، و تصل إلى درجة التكذيب في العقيدة الإسلامية من عدة نقاط أساسية تُعتبر جزءاً من الحقائق التي رسخها الإسلام ، إلى جانب تزييف التاريخ والوقائع.
وبالنظر إلى قضية الصراع العربي اليوم في المنطقة نجدها مع مشروعين المشروع "الإسرائيلي" والمشروع الإيراني، فلم تعد قضية صراع قوميّ أو عسكريّ أو أمنيّ أو جغرافيّ أو اقتصاديّ فحسب، بل هي قضية صراع فكريّ وتربويّ وثقافيّ مع الأيديولوجية، التي زيَّفت الحقّ، وأباحت القتل، وسرقت ديارهم، ودمرت المقدسات.
من هنا تأتي أهمية هذه الدراسة في إيقاظ الوعي لدى صناع السياسات التربوية والمنهاجية في الوطن العربي ودول الطوق العربي تحديداً على خطورة المشروعين "الإسرائيلي" والإيراني على المنطقة العربية وضرورة الإعداد القوة للتصدي للتحديات المنبثقة عن المشروعين الخطيرين ونعني هنا بالقوة، القوة التربوية والعلمية، وأداتها الأساسية المناهج الدراسية. وكما قيل العلم أعظم أثراً من السلاح فكل مدرسة وكل جامعة في الوطن العربي هي مدفع موجه إلى قلب هذين المشروعين ، وسيكون هذا العرض نواة لمشروع علمي شامل وواسع كنا قد بدأنا به قبل فترة .
إنكار الكتب المدرسية الإيرانية لوجود المسجد الأقصى في فلسطين :
تقول الكتب المدرسية الإيرانية أن المسجد الأقصى ، قد رفع إلى السماء الرابعة ، وهذا يمهد الأرضية إلى نفي صفة القدسية عن فلسطين من ناحية ، وهذا الموضوع يعزز من عملية نفي فكرة الصراع الديني بين العرب واليهود ، ومعنى هذا أن المسجد الأقصى الذي يجاهد المسلمون اليوم لأجل تحريره ليس إلا مسجدا مزيفاً لا قيمة له في المناهج الإيرانية ، وبالتالي لا ضير في قيام اليهود في هدم المسجد الأقصى ، هذا البناء المزيف ، على حسب ما تدعيه الكتب المدرسية الإيرانية .
على هذا الأساس تجهد الكتب المدرسية الإيرانية في تبين عدة حقائق بخصوص المسجد الأقصى ، حيث تحسم أنه ليس الذي بفلسطين. وتحاول أن تورد الكثير من أقوال الأئمة، وروايات الشيعة التي تحاول أن تدلل على أن المسجد الأقصى مسجد بات في السماء،دون تقديم تبرير لذلك ، وليس هو مسجد بيت المقدس في فلسطين ، و الذي يعرفه عموم المسلمين ويسعون إلى فك أسره وتحريره من براثن اليهود .
أفضلية مسجد الكوفة على المسجد الأقصى وغيره من المساجد :
الهدف الأعمق للكتب المدرسية الإيرانية يريد فض عرى القدسية بين المساجد الثلاث : المسجد الحرام والمسجد الأقصى والمسجد النبوي الشريف ، حيث ركزت الكتب المدرسية الإيرانية على أفضلية وأشرفية مسجد الكوفة .
أكدت الدراسة على الكتب المدرسية الإيرانية تقلل من قيمة المساجد الثلاث التي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا تشد الرحال إلا إليها، ويستعيض عن ذلك إلى التأكيد على قدسية قبور أئمتهم والأضرحة كقبر الحسين :
من زار قبر ” الحسين ” يوم عرفة كتب الله له ألف ألف حجة مع القائم عليه السلام وألف ألف عمرة مع رسول الله، وعتق ألف نسمة وحملان ألف فرس في سبيل الله، وسماه الله عز وجل عبدي الصديق آمن بموعدي وقالت الملائكة : فلان صديق زكاه الله من فوق عرشه، وتقول الكتب المدرسية الإيرانية : لقد جعل رب العالمين لطفاً بعباده قبر الحسين عليه السلام بدلاً من حج بيت الله الحرام ليتمسك به من لم يوفق إلى الحج بل إن ثوابه لبعض المؤمنين وهم الذين يراعون شرائط الزيارة أكثر من ثواب الحج …
لا شك بأن إنكار الكتب المدرسية الإيرانية لقدسية فلسطين وأرضها ومقدساتها يضر بالقضية الفلسطينية والصراع مع "إسرائيل" ، ويصب في مصلحة اليهود، فإذا كانت إيران الدولة والثورة والمذهب لا تعترف بوجود بالمسجد الأقصى الموجود في فلسطين، ومن ثم فإن الاعتداء الراهن لليهود على المسجد الأقصى لا يعني إيران في شيء، وعليه فإن التعبئة الإيرانية لمواجهة” الشيطان الأصغر ” ” إسرائيل ” لا يوجد له مبرر ومحفز عقدي عند الشيعة ، وهو ما تحاول الكتب المدرسية غرسه وتعزيزه ، ثانيا : تحاول الكتب المدرسية الإيرانية غرس فكرة جهنمية حول فلسطين ، أولها يقوم على ترسيخ حقيقة نزع فكرة قدسية فلسطين من ناحية ، ومحاولة تصوير الصراع العربي "الإسرائيلي" صراع سياسي بالدرجة الأولى ، وإسقاط فكرة تحرير المسجد الأقصى الذي أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إليه، والذي بارك الله حوله ؛ والذي عندهم في السماء وليس في فلسطين ولا في بيت المقدس ، دون تقديم مبررات أو مسوغات حول أسباب رفع المسجد إلى السماء ، وما دام مسجد الكوفة أكثر قدسية عندهم من مسجد بيت المقدس الذي لا يعترفون وجوده أصلاً .
ثالثاً…. الرغبة والتعمد من جانب الكتب المدرسية الإيرانية لتشويه صورة وسيرة الخليفه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، حيث تريدالكتب المدرسية الإيرانية نفي حقيقة وجود المسجد الأقصى عند دخول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب بيت المقدس والتي كان الجانب الديني أحد الدوافع لتحريره من براثن الصليبين ، حيث تشير إلى أنه لم يكن هناك مسجد أصلاً، انتقاماً وثأراً من سيرته وطعناً في دوره التاريخي . هذه هي عقيدة "الثورة الإيرانية" ونظرتها إلى المسجد الأقصى حسب المعتقد الشيعي ، وهي عقيدة تفسر عدم صبغ الكتب المدرسية الإيرانية للصراع مع "إسرائيل" بصبغته الدينية ، فلماذا يصر البعض على الرهان على إيران في مواجهة "إسرائيل" ثالثاً… بعض "الحركات والتنظيمات الإسلامية" التي تحاول العزف على وتر "الوحدة الإسلامية والتقارب مع إيران" لمواجهة "إسرائيل" ، يندرج في إطار التعبئة العاطفية، و بمنطق التنازل عن الثوابت وغض الطرف عن التجاوزات الإيرانية التوسعية ، التي أمعنت ذبحاً وتقتيلاً بشعوب المنطقة بذريعة الحفاظ على محور الممانعة ، وتحت عنوان المتاجرة بالقضية الفلسطينية ، وسياسة تخادم الملفات ، وتوظيف إيران لمتغير الصراع العربي "الإسرائيلي" لاستنزاف قدرات المنطقة ، وإضعافها خدمة للمشروع الذي تسعى طهران لتحقيقه للهيمنة والسيطرة وبسط النفوذ ، وبناء المجال الحيوي لإيران .
هذه السياسة التعليمية الإيرانية تعتبر بمثابة الضوء الأخضر من إيران لـ"الإسرائيليين" ؛ كي يستمروا في سعيهم لتهويد القدس ، و هدم المسجد الأقصى ، مما يمهد لبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه .
الانتفاضة الفلسطينية واختزالها في أدب الأطفال مع الابتعاد عن شرح أو توصيف للقضية الفلسطينية والصراع الديني والسياسي مع "إسرائيل" :
يستعرض أحد الدروس قصة الطفل الفلسطيني ” خالد” الشجاع ، الذي يسطر شجاعته وبطولته من خلال مقاومته للاحتلال "الإسرائيلي" ، وعدم هروبه ، حيث بقي يحمل حجرا بيده رغم إحاطة الجنود اليهود به ، إلا أنه لم يخف ، رغم حركات الجنود "الاسرائيلين" لإرهابه ، وتذكر القصة أن أم خالد هرعت لأنقاد طفلها إلا أن الجنود "الإسرائيليين" منعوها ، وطلبوا القبض على محمد قبل الإفراج عن الطفل خالد ، ضحك أبو الطفل خالد ، فقالوا له لماذا تضحك ، قال محمد في البيت ، وهو طفل عمره ثلاثة سنوات ، وهرع الطفل محمد ، هما برجم الجنود "الإسرائيليين" بالحجارة ، وفي هذه اللحظة قام الجندي "الإسرائيلي" بإطلاق النار عليه ، "فأستشهد" . المثير أن الإيرانيين يكرهوا اسم خالد ، ويقفون موقفاً عدائياً من الصحابي الجليل خالد بن الوليد ، ولا مجال لتناول هذا الموضوع الآن . لكن لماذا تُطلق على الفلسطيني اسم خالد .
القضية الفلسطينية والبعد الإنساني
تركز الكتب المدرسية الإيرانية على القضية الفلسطينية من خلال الزاوية الإنسانية الصرفة ، حيث تستعرض موضوع التهجير "الإسرائيلي" للفلسطينيين ، محاولة استخدام الوسائل والأدوات التوضيحية من خلال صورة جندي "إسرائيلي" يرفع بندقيته تجاه عدد من العائلات الفلسطينية ، ووضعت تحت الصورة تعليقا يقول : التهجير القسري للإنسان : فلسطين . دون الحديث عن حيثيات القضية الفلسطينية والتعريف بها ، وما تقوم به "إسرائيل" من سياسات تعسفية ،ومن تهويد للقدس ، وانتهاك للمقدسات ، ومستقبل الصراع ، ومصادرة الأراضي والبيوت ….
الكتب المدرسية الإيرانية والاعتراف بحق اليهود
تعترف كتب الجغرافيا المدرسية باليهود ، حيث تقول عند حديثها عن القدس : إن بيت المقدس هو مدينة مقدسة لدى المسلمين و"المسيحيين" واليهود على حد سواء ، واستطاع اليهود احتلال القدس، وبسط السيطرة عليها ،دون عرض للقضية الفلسطينية ومحاولة تعريف الطالب بها .
الكتب المدرسية الإيرانية والتحالف بين إمام الزمان واليهود :
تتدرج الكتب المدرسية الإيرانية في ترسيخ فكرة عدم العداء لـ"إسرائيل" ، والهدف يمكن فهمه من خلال تعرض هذه الكتب لأفكار ومفاهيم مذهبية غريبة وجريئة ، مفادها أن الشعب والدولة "الإسرائيلية" سوف تنظم لتكون تحت راية المهدي ” إمام الزمان” القادم من إيران ، بعد أن يُظهر لهم عصا سيدنا موسى خضراء نضرة كيومها ، كدليل على صدق دعوته ، ما يدفعهم في النهاية للقتال تحت راية إمام الزمان ، ليكونوا أحد مصادر قوته ، لإخراج العالم من الظلمات إلى النور ، وربما هذا يفسر ترسيخ إيران وثورتها لقيم الكراهية والتحريض ضد العرب على اعتبار أنهم مخالفي إمام الزمان على عكس اليهود اللذين سيقاتلون إلى جانبه ويدينون له بالطاعة والولاء .
خلاصة الأمر أن إيران وطبقاً لكتبهم المدرسية لا يغرسون فكرة العداء ضد بعضهم البعض ، بل يتقاسمان مشروع غرس قيم الكراهية والتحريض والتمييز والانتقام من العرب فقط ، حيث يجمعان على أنهما العدو الأوحد لهما .
تحاول الكتب المدرسية الإيرانية غرس أفكار خطيرة حول القضية الفلسطينية ، وفي مقدمته تجريد القضية برمتها من قدسيتها ، وترسيخ فكرة مفادها أنه صراع سياسي ذا بعد إنساني ، بل لا يقف الأمر عند هذا الحد ، بل يتجه لرسم مقاربة قائمة على فكرة تحالف بين إيران الثورة والدولة مع "إسرائيل" لتحقيق دولة الخلاص الإلهي على يد إمام الزمان الإيراني الذي سينضوي تحت لوائه الدولة العبرية ، لهذا فإن بقاء "إسرائيل" وتعزيز أسباب قوتها سيكون في نهاية المطاف لصالح إيران ، حسب "نبؤات الهذيان المهدوي".
المصدر : "العراق العربي"
18/4/1440
25/12/2018