معارك "حزب الله" القادمة

بواسطة محمد الزواوي قراءة 591

معارك "حزب الله" القادمة

الخميس14 من رجب1429هـ 17-7-2008م

 

محمد الزواوي

 

 مفكرة الإسلام: طالما كانت لبنان مرتعًا خصبًا للعديد من الأطراف الخارجية والداخلية بسبب هشاشة الدولة وتركيبتها العرقية والدينية الفسيفسائية التي تظل دومًا قنبلة موقوتة تهدد بتفجر الأوضاع الطائفية في البلاد، وطالما كانت لبنان ساحة مفتوحة لأجهزة المخابرات العربية والغربية والصهيونية بسبب تلك التركيبة التي تمثل خطرًا على جميع الدول من حولها وليس على شعبها فقط، فهذا الفراغ للسلطة المركزية القوية بالبلاد جعلها بمثابة الدوامة التي تدور لتسحب إليها كل من يقترب منها، كما أنها ظلت ولعقود طويلة محل شد وجذب لمختلف الأطراف الخارجية التي تحاول كل منها أن تزيد رقعة نفوذها داخل الدولة اللبنانية.

ومنذ أيام تم الإعلان عن تشكيلة الحكومة اللبنانية الجديدة، والتي قوبلت بترحاب عربي ودولي بسبب تعثر عملية اختيار التشكيلة المناسبة، وبعد أن واجه اختيار الرئيس الصعوبات ذاتها لأكثر من عام ونصف العام، وفور إعلان تشكيل الحكومة اللبنانية خرجت علينا الأنباء من الجانب "الإسرائيلي" تفيد بأن حكومة أولمرت وافقت على عقد صفقة لتبادل الأسرى مع حزب الله، وعلى رأسهم سمير القنطار عميد الأسرى في السجون الصهيونية، في خطوة تفاجأ لها الكثير من المحللين؛ حيث إن "إسرائيل" سوف تستبدل جنودًا موتى بخمسة أحياء وبرفات ما يقارب المائتين.

والمفاجأة ليست في أن الأسرى من العيار الثقيل فحسب، كما أن المفاجأة ليست بتبادل أحياء بأموات، ولكن المفاجأة جاءت في التوقيت وفي الظرف ذاته؛ فقد جاءت عملية التبادل في خضم استعداد الحكومة اللبنانية الجديدة الإعلان عن نفسها وسياساتها وتنفيذها لاتفاق الدوحة ـ والذي يقضي بسيطرة الدولة على "المنظمات" ـ وبوجود مشكلات سياسية تهدد الحكومة "الإسرائيلية" التي لا تحتمل المزيد من الإخفاقات، وبوجود أسير آخر لدى حركة حماس وهو جلعاد شاليط، وهو أسير حي؛ فإذا كان بضعة رفات للصهاينة تم مبادلتهم بأسرى بحجم القنطار وغيره من المقاومين ورفاتهم، فكم يا ترى عدد الأسرى الذين ستطلب حماس فك أسرهم؟

ولابد أن نؤكد على أنه من حق الجميع المطالبة باستعادة الأسرى، وحزب الله ليس استثناء بالطبع، كما أن حزب الله ليس مطالبًا بأن يرفض كرمًا "إسرائيليًا" مثل ذلك، ولكن الذي يثير التساؤلات هو أن الجانب الصهيوني له باع طويل في التفاوض وطالما أذاق العرب والفلسطينيين الأمرين على طاولات المفاوضات؛ حيث عرف عنه أنه لا يلقى سوى بالفتات مقابل ابتلاع الأرض بمن عليها، وأن سياسته التفاوضية تقوم على دراسات متأنية ومحاولة الحصول على أكبر المكاسب، وكم دار عرفات في أركان الأرض الأربعة من أجل التوصل إلى الاعتراف به فقط وبمنظمته، أما اليوم ومع هذا الكرم "الإسرائيلي"، فإن حزب الله استطاع أن يجتذب إليه أنظار الجميع، وأصبح في بؤرة الأضواء بالرغم من أن عملية أسر الجنديين أدت إلى تحطيم لبنان فوق رؤوس ساكنيها، وكان يمكن للكيان الصهيوني أن يمارس هوايته القديمة في المماطلة؛ خاصة أن ما لدى حزب الله هم أموات، ولن يزيدهم مرور الوقت موتًا على موت! بل إن حزب الله هو الخاسر في لعبة الوقت والمماطلة، لأن أسراه أحياء والوقت سيف مسلط على رقابهم داخل السجون.

ولاشك أننا نسعد بالإفراج عن كل أسير مؤمن خصوصا أولئك الذين قد ثبت بالفعل أنهم قاوموا العدو ودافعوا عن دينهم وأوطانهم،

إلا أن تلك البادرة من الكيان الصهيوني تؤكد على أن هناك تحولاً استراتيجيًا باتجاه مزيد من زرع الفتنة الطائفية، ليس في لبنان وحدها ولكن في العالم العربي كله؛ فالعالم العربي ذو الغالبية السنية سوف يزداد انكماشًا مع صعود نجم حزب الله والشيعة ومن ورائهم إيران في المنطقة، والهدف ليس قطعًا هو مساعدة الشيعة على الظهور ولكن في تعادل القوتين في المنطقة من أجل أن تصبح المواجهة حتمية في النهاية؛ فحزب الله مهما بلغت قوته فهو حزب له أطماع داخلية أبرزها السيطرة على لبنان وإنشاء دولة شيعية على غرار إيران، فإذا كانت هناك هدنة بين "إسرائيل" وحزب الله فمن المؤكد أن نصر الله سوف يتحول إلى الداخل اللبناني، وهو ما رأينا إرهاصاته في تحول سلاح "المقاومة" إلى صدور السنة في صيدا وفي شمال لبنان في المواجهات الأخيرة التي حصدت أرواح العشرات.

كما أن صعود نجم حزب الله في المنطقة سوف يؤدي إلى انحسار الضوء عن مجاهدي فلسطين وإلى إحداث الكثير من التجاذب وسحب البساط من تحت أقدام حركة حماس، والتي ربما تتوارى عن الأنظار بعد أن يبتلع حزب الله الزخم الإعلامي والشعبي؛ فحزب الله فعليًا لا يمثل أية مخاطر على الكيان الصهيوني، فبعد أن حرر أسراه وبعد أن تحررت معظم الأراضي اللبنانية، فالمرحلة القادمة يمكن أن تمثل لحزب الله مرحلة بناء القوة في الداخل اللبناني، وهو ما سوف يريح الصهاينة وسوف ينظرون من بعيد ويتفرغون للنفخ في نيران الطائفية في المنطقة بأذرعهم الاستخباراتية التي تصل إلى عمق الدولة اللبنانية، وبعملياتها واغتيالاتها تصبح المواجهة بين السنة والشيعة في لبنان مسألة وقت.

والرئيس اللبناني من ناحيته ألمح إلى ذلك في خطبته أثناء تسلم الأسرى؛ حيث اعتبر أن الفتنة الداخلية التي تحاول زرعها "إسرائيل" في الصف اللبناني للحصول على ما عجزت عنه في الحرب، تبقى "أشد خطرا على لبنان من النار والاحتلال"، كما عبر السنيورة هو الآخر عن أمله في حل مشكلات لبنان من خلال الحوار وليس من خلال مواجهات الشوارع، كما أن تصاعد نفوذ حزب الله في المنطقة يعطي "إسرائيل" أكثر من مبرر للاستمرار في استنزاف الولايات المتحدة بأحدث الأسلحة والتقنيات والطائرات، وهو ما يفسر ذلك الكرم الحاتمي من الكيان الصهيوني لحزب الله في صفقة تبادل الأسرى.

كما أن أمام الحكومة الجديدة العديد من المصاعب والمعارك التي قد تهدد بالعودة إلى المربع رقم صفر مرة ثانية،وللمفارقة فإن من أبرز التحديات التي تواجه الحكومة الجديدة هو تعاملها مع سلاح "المنظمات" بحسب اتفاق الدوحة ـ أي سلاح حزب الله ـ، وذلك لضمان سيطرة الدولة على المنظمات، هذا في الوقت الذي تهدي فيه "إسرائيل" لحزب الله أكبر هدية على طبق من ذهب في صفقة تبادل الأسرى، بزخم إعلامي كبير واحتفاء به لتعطيه شرعية أكبر من شرعية الحكومة ذاتها، والتي تقاطر وزراؤها من كل حدب وصوب لتقديم التهاني والتبريكات، وعلى رأسهم رئيس الدولة، لتحية صاحب "الوعد الصادق وسيد المقاومة الذي وعد فأوفى!!".

فبالرغم من الحرب المعلنة بين الجانبين إلا أن الصهاينة عن عمد أعطوا لحزب الله رصيدًا شعبيًا هائلاً بسبب صفقة تبادل الأسرى التي ظهر فيها حزب الله بأنه المدافع عن الحقوق اللبنانية بل والعربية أيضًا، وبهدية "إسرائيل" أصبح من شبه المستحيل أن يتم نزع سلاح هذا الحزب الذي "حقق الانتصار الأكبر في الحروب مع الصهاينة" بحسب تعبير قادتهم؛ فلا يملك المرء إلا أن يحار من تلك الصفقة التي سوف تستبدل "إسرائيل" مقاتلين أحياء برفات من جنودها، ولو كان للرفات قدسية في شريعتهم اليهودية؛ فكم من مقدسات يهودية داسوها في كيانهم من أجل الوصول إلى أهدافهم وأهداف الحركة الصهيونية.

إنها دلالة واضحة وضوح الشمس بانعكاس كل الضوء على حزب الله فيما يتعلق بالمقاومة في الوقت الذي تقوم فيه الدول العربية بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، كما يظهر التباين الواضح في الصورة ما بين حزب الله وما بين حركة حماس والاستقطاب هاهنا يصبح في صالح حزب الله بلا جدال؛ فالأولى تمتلك صواريخ متطورة والثانية برغم نصاعة تاريخها وبطولة رجالها إلا أنها لا تملك سلاحًا ناجعًا في ظل الحصار المضروب عليها ورفض القريب والبعيد لها، مما يجعل حماس تتوارى خلف أسوار المعابر المغلقة وخلف أصوات البطون الجوعى وخلف صرير صنابير المياه الخاوية، تلك الحركة التي تحكم قطاعًا بلا حتى الوقود!

ومنذ أيام قلائل نشرت الجزيرة الفضائية في برنامج "حوار مفتوح" الذي يقدمه غسان بن جدو فيلمًا يصور أنفاق حزب الله وتجهيزاتها وسلاحها وبطولاتها، بحلقة خاصة عن حزب الله ودعاية مجانية ـ وليس حوارًا مفتوحًا ـ بخبير استراتيجي يكيل المديح لحزب الله؛ مما يجعل حزب الله صاحب "الشعبية" الأولى فيما يتعلق بالمقاومة على الساحة اليوم، وهو ما يدفع إلى مزيد من تقدير حزب الله وصعود نجم أمينه العام، ولكن صعود ذلك النجم يأتي في وقت تتراكم فيه السحب والغيوم، مؤذنة بعهد جديد من المواجهات الطائفية في المنطقة، والعرب "المعتدلون" لن يقفوا مكتوفي الأيدي بطبيعة الحال.

وإذا كان العراق قد زال وسوف يزول معه آجلاً أم عاجلاً مبرر وجود القوات الأمريكية بالمنطقة ـ وهو حماية دول الخليج ـ فإن مبررًا آخر قد جاء لحماية ليس الخليج وحده ولكن الوطن العربي بأسره، ولكن من إيران هذه المرة، ومن حزب الله الذي ـ وياللمصادفة ـ أصبح يحتل شعبية كبيرة في الداخل اللبناني وبات علمه يرفرف فوق علم لبنان ويهيمن عليه، وأصبح أمينه العام صاحب الوعد الصادق الذي رفض أولمرت أن ينكث فيه وكان له خير معين، فيا ترى بعد انتهاء المعارك مع "إسرائيل"، وبعد تسلم رفات القتلى وعميد الأسرى سمير القنطار، ما الذي سيتفرغ له "نصر الله" في الأيام القادمة؟

 



مقالات ذات صلة

عليك ان تقرأ