ربّما يكون كتاب "إيران والإخوان المسلمون" للباحث الإيراني عباس خامه يار، من المؤلَّفات النادرة التي تناولت العلاقات، بالتفصيل، بين إيران وجماعة الإخوان المسلمين، ما قبل انتصار ثورة الخميني سنة 1979، وما بعدها.
ويكتسب الكتاب أهميته من كون "الإخوان المسلمين"، أكبر الجماعات "السنيّة" ذات الصلة الطيبة بإيران "الشيعية" ومراجعهم ورموزهم، فضلاً عن تجاوز الخلاف العقدي بين الاثنين، على الأقل من طرف الإخوان.
وليس أدلّ من ذلك؛ مواقف أطراف عديدة من الإخوان من الثورة الخمينية التي وصلت حدّ التغني بها، والعمل على تسويقها أنموذجاً، كما موقف إخوان الأردن، على سبيل المثال؛ حيث ذكر إبراهيم غوشة، الناطق الرسمي السابق لـ"حركة حماس"، في مذكّراته المعنونة بـ "المئذنة الحمراء" عن المظاهرات التي نظّمها الإخوان الأردنيّون بمناسبة انتصار الثورة الإيرانية، وكيف أنّ عبد الله عزام الذي صار- فيما بعد- رمزاً إخوانيّاً جهاديّاً قريباً من الفضاء السَّلفي، كان "أكثر رموز الإخوان اندفاعاً مع الثورة في إيران"، لكنّه تراجع عن موقفه بعد مغادرته إلى أفغانستان، بعد أن تبيّن له "أن البعد الشيعي يطغى على الثورة الإسلامية".
وبالعودة إلى الكتاب الذي صدر العام 1997؛ نجد أنه يوثّق بذكاء العلاقات بين الطرفين وعوامل الالتقاء والافتراق بينهما، وهو أمر تطرّق له كثيرون، لكنّ الجديد في أمر هذا الكتاب هو الإشارة إلى دور "حماس" المفترض في القيام بمهمّة الحفاظ على هذه العلاقات الحميمة بين الطرفين، بالنّظر إلى الدعم الإيراني لـ"حماس"، وعقدها حلفاً متيناً مع حزب الله ودمشق وطهران.
وفي حين سعت "حماس" لاستكمال مشروع الإخوان الرامي لعقد حلف قوي مع إيران ، حاولت طهران الاستفادة من هذا الموقف الإيجابي للإخوان تجاهها، وتوظيفه واستغلاله سياسيّاً ودينيّاً، لتلميع صورتها في المنطقة، سيّما بعد تدخلاتها العديدة في دول المنطقة، ومحاولات تصدير ثورتها.
وأمام هذا، لم نشهد من الإخوان وتفريعاتها أيّ موقف حاسم فيما يتعلق بهذه المسائل؛ بل وجدنا تعتيماً ومواربة لكلّ ما يمت لهذه القضايا بصلة، تحت دعاوى؛ وحدة الأمة، وتجنب الفتنة الطائفية، والموقف السياسي الناضج، وسياسة المصالح، ما يرحل ملفات الخلاف الطائفي والعقدي، ويؤجلها أمام خطر العدو الأوحد والأخطر (إسرائيل)، وهو خطر يتّفق فيه العديد من الأطراف، لكن ذلك لا يبرر إطلاقاً غضّ الطرف عن مخططات أخرى، لا تقلّ خطورة.
صرّح خالد مشعل أنّ "حماس هي الابن الرّوحي للإمام الخميني"
وعلى الرّغم من قدم العلاقة بين الإخوان وإيران، التي بدأت منذ تأسيس الجماعة وقبل اعتلاء الخميني عرش إيران، إلا أنّ علاقة "حماس" بدأت بعد أقل من ثلاث سنوات على تأسيس الحركة؛ حيث كان اتّصالها الأول المعلَن مع إيران العام 1990، في مؤتمر أقامته طهران لدعم الانتفاضة الفلسطينية، وقد مثّل القيادي المؤسّس، خليل القوقا، "حماس" في هذا المؤتمر، ثمّ تطورت العلاقات مع المؤتمر الثاني الذي كان في العام 1991، وقد تُوِّجت هذه العلاقة بفتح مكتب تمثيلي دائم لـ"حماس" في إيران.
وتجلّت متانة هذه العلاقة بوثيقة تمّ الكشف عنها في تونس العام 1993، وكانت وثيقة تعترف فيها إيران بوحدانية تمثيل "حماس" للشعب الفلسطيني وشرعيّته، وبعد ذلك بثلاث سنوات، صرّح ممثّل "حماس" في طهران آنذاك، عماد العلمي، بأنّ "حماس" تعدّ إيران "حليفاً إستراتيجيّاً".
"الابن الروحي للخميني"
واستمرّ التقارب بين الطرفين إلى حدّ التّغني به من قبل "حماس" ، وليس أدلّ على ذلك تصريح رئيس مكتبها السياسي السابق خالد مشعل، خلال لقائه نجل الإمام الخميني في القاهرة العام 2007، ونشرته عدّة وكالات أنباء وصحف إيرانية: "إنّ "حماس" هي الابن الرّوحي للإمام الخميني"، وربما ليس من قبيل المصادفة أن يسبق كلام مشعل بأشهر عدة، تأسيس مجلس أعلى للشيعة في فلسطين، يقول مؤسّسه محمد غوانمة في حوار صحفيّ: "إنّ المجلس الشيعي أُسّس في فلسطين بعد أن تبنت إيران حماس، وتعمل إيران على مساعدة الشعب الفلسطيني، ويتعرّض حزب الله في لبنان لمؤامرة فوجدنا أن الوقت مناسب".
ووصلت العلاقة إلى ذروتها بعد الانتخابات التشريعية الفلسطينية في العام ٢٠٠٦ التي فازت فيها "حماس" ، ودعم إيران للمسار السياسي الجديد في فلسطين ماليّاً وسياسيّاً.
بداية الفتور
إلا أنّ ربيع العلاقة لم يدم طويلاً؛ بسبب ظروف إيران الداخلية أوّلاً، فبخلاف ما يعتقده كثيرون من أنّ الدعم المالي الإيراني لغزة و"حماس" توقف مع بداية الأزمة السورية، فإنّ مسار العلاقة يظهر أنّها تأثرت ماليّاً في العام ٢٠١٠؛ أي قبل عام على أحداث الربيع العربي، حين واجهت إيران عزلة دولية، وخضعت لأقسى عقوبات اقتصادية في تاريخها بسبب نشاطها في بناء برنامج نووي، وهي الفترة التي شغر فيها مكتب ممثّل حماس في طهران لقرابة عام تقريباً.
شاب البرود العلاقة بين "حماس" وطهران مع بدء الأزمة السورية وخروج الحركة من دمشق
وليس أدل على ذلك من كلام نائب رئيس المكتب السياسي لـ"حركة حماس"، موسى أبو مرزوق، في تسجيل مسرّب، نشرته صحيفة "الشرق الأوسط"؛ حيث هاجم إيران بقوّة، ونفى أن تكون طهران قد قدّمت الدعم للمقاومة الفلسطينية، خاصّة منذ العام 2009، قائلاً: "القصّة ليست كما يذكرون، وهؤلاء من أكثر الناس باطنيّة، وتلاعباً بالألفاظ، وحذراً في السياسة؛ من 2009 تقريباً لم يصل منهم أيّ شيء، وكل الكلام الذي يقولونه كذب، وكل ما وصل أحباءنا لم يكن من قبلهم؛ جزء من طرف صديق وأطراف أخرى بسبب الأوضاع في المنطقة، وكله بجهد الأنفس.. لم يقدّموا شيئاً في هذا المجال، وكل ما يقولونه كذب"، وأوضح أن إيران كانت تشترط لدعم "حماس" أن تتدخل هذه الأخيرة لتحسين علاقات طهران مع دول مثل السودان وغيرها.
وأشار إلى ما وصفها بأكاذيب الإيرانيين، حول إرسال السفن إلى المقاومة في غزة بالقول: "من 2011 كلّ سفينة تضيع منهم يقولوا كانت رايحة إلكم، في سفينة ضاعت بنيجيريا قالوا كانت إلكم رايحة، قلت لهم هو إحنا فش ولا سفينة بتغلط وبتيجينا كل السفن اللي بتنمسك هي إلنا".
في فخ الأزمة السورية
ووصل البرود في العلاقة إلى حدّ القطيعة ظاهريّاً، مع بدء الأزمة السورية وخروج "حماس" من سورية، وانقطاع علاقتها بالنظام السوري، الموقف الذي لم يلق قبولاً من حلفاء دمشق في طهران وحزب الله اللبناني.
بالمقابل؛ فإن العديد من فصائل المعارضة السورية لم تكن راضية تماماً عن موقف "حماس" من الأزمة السّورية، لأسباب مختلفة منها؛ العلاقة مع إيران، رغم أنّ البرود الذي شابها طيلة سنوات الأزمة السّت، التي حاولت "حماس" خلالها أن تقوم بعلاقة متوازنة بين الدول العربية، لكنّ حدّة الاستقطاب الأخيرة في المنطقة، والتحالفات الجديدة، سيّما تدخّلات إيران وتصلّب مواقفها في قضايا عديدة في اليمن وسورية، والعراق، وقطر مؤخّراً، جعلت من غير الممكن أن تنجح حماس في إقامة علاقة متوازنة بين الأطراف، فكان عليها الاختيار، سيّما أن الآمال التي بنتها الحركة على "الثورات" العربية انهارت سريعاً، وقد ظهر أنها كانت مستعجلة، ونمّ ذلك عن ضعف في قراءة تحوّلات المشهد في المنطقة.
نجح قائد "حماس" الجديد بغزة يحيى السنوار بإعادة العلاقة مع إيران ولعب دوراً مهمّاً في تحسينها
وفي حين جرت محاولات لإعادة العلاقة بين "حركة حماس" وكل من إيران و"حزب الله" إلى ما كانت عليه سابقاً قبل الأزمة السورية؛ حيث افتعلت هذه الخطوة حالة جدلية كبيرة، لاسيّما من الناحية الأخلاقية والمبدئية، بالنّظر إلى القضية التي تتبنّى "حماس" الدفاع عنها، المتعلّقة بمقاومة المحتلّ والمستوطن، وعلى اعتبار أنّ ما يفعله النظام الإيرانيّ في عدد من الدول العربية لا يقلّ عما تفعله الدولة المحتلة.
العودة إلى الحضن الإيراني
لتأتي الانتخابات الداخلية لـ"حماس" في بدايات العام 2017، التي منحت التيّار المطالب فيها بالتقارب مع إيران، الذي يقوده السنوار، دفعة جديدة، فبات الطريق معبّداً لاستئناف كامل العلاقات، بما تعنيه من دعم ماليّ وعسكريّ، وهذا ما كشفته صحيفة "الحياة" اللندنية؛ إذ إنّ قائد الحركة الجديد، يحيى السنوار، نجح فعلاً في إعادة العلاقة مع إيران، ولعب دوراً مهمّاً في تحسينها.
وفي أول لقاء له مع الصحفيين، أوضح السنوار أن حركته تواصل تعزيز قدراتها العسكرية من أجل تحرير فلسطين، مؤكّداً أنّ إيران هي "الداعم الأكبر" للجناح العسكري للحركة، وأضاف أن الدعم الإيراني العسكري لـ"حماس" "استراتيجي"، وأن علاقة الحركة مع طهران أصبحت ممتازة جدّاً، وترجع لسابق عهدها "خصوصاً بعد زيارة وفد "حماس" الأخيرة لإيران".
وبرزت متانة علاقة "حماس" بالنظام الإيراني أخيرا بزيارات متكررة لطهران لوفود رفيعة المستوى من "حماس" برئاسة نائب رئيس المكتب السياسي صالح العاروري، وبخاصة تلك الزريارة التي قدمت فيها قيادة "حماس" العزاء لقاسم سليماني بوفاة والده ، مما أثار حفيظة الكثير من المراقبين العرب عماة وبعض مؤيدي حماس خاصة، إذ غالبا ما يوصف سليماني بجنرال إيران في المنطقة العربية ومنفذ سياستها بتصدير "الثورة الإسلامية". والمسؤول المباشر عن كثير من العلمليات التي وصف بالإرهابية.
حفريات
15/5/1441
10/1/2020