هل تكون حرب العصابات أملنا في هزيمة بني صهيون؟
الاثنين 27 رجب 1427هـ – 21 أغسطس 2006م
د. علي عبد الباقي
مفكرة الإسلام: قد كنا نتمنى أن يترك لنا الشيعة فرصة لمدح موقفهم في لبنان تجاه إسرائيل ، ولكن واضح للعيان أن المرجعيات الشيعية، ومعهم قادة الشيعة السياسيين، وبتوجيه من إيران، قد اتخذوا الموقف الخطأ، فأعلنوا الحرب ونصبوا المجازر ضد السنة في العراق، وأخرجوا المخططات الإيرانية فيما يسمى بـ'الهلال الشيعي' إلى حيز التنفيذ.
فلا يستطيع أحد أن ينكر الدور الذي لعبته إيران في مساعدة أمريكا لاحتلال أفغانستان، والقضاء على حكومة طالبان السنية، ولا يستطيع أحد أن ينكر هذه المساعدة الإيرانية عند الاحتلال الأمريكي للعراق، بدعوى إزاحة صدام عن الحكم، وهو الذي تسبب في حرب ضروس مع إيران، إلا أن السبب الحقيقي كان إزالة الدولة العراقية السنية وتأسيس لدولة شيعية تمثل امتداداً وعمقاً لإيران، وتمثل رأس حربة في مشروع 'الهلال الشيعي المنتظر'.
ونحن اليوم نتحدث عن الدروس والعبر من الحرب الأخيرة بين الجيش الصهيوني وحزب الله، وإذا رصدنا أي إيجابيات فليس ذلك من قبيل الإعجاب بحزب الله الشيعي ، ولكن من قبيل أن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق الناس بها.
نريد أن نضع أيدينا عما يمكن اكتشافه من طرق حرب وأساليب ناجعة في التعامل مع الجيش الصهيوني، المسلح بأحدث ترسانة عسكرية في العالم.
ونحن هنا نؤكد أن ما فعله حزب الله ليس عبقرية، ولا إعجازاً، وإنما متى تم اختيار المقاومة كإستراتيجية ووسيلة، ومتى تم الاستعداد والتدريب على أساليب حرب العصابات، مع وجود التمويل الكافي، والإمداد بالأسلحة والصواريخ المناسبة، ووجود عقيدة دينية تكون بمثابة المحفز للمقاتلين، فإنه من المؤكد إن شاء الله أن أية جماعة مقاومة عربية تستخدم هذه الإستراتيجية ستحقق النصر على الصهاينة.
وهذه دعوة للدول العربية أن تتبنى أسلوب حرب العصابات، بعد أن تفتح المجال للشباب المجاهد لمنازلة الصهاينة وتحقيق النصر عليهم.
الأمل في حرب العصابات:
إن هناك نوعين من الحروب، وهما الحروب النظامية والحروب غير النظامية، والأخيرة تعتبر ملجأ يلوذ به المعتدي عليه الضعيف نسبيا كما يحدث في العراق وأفغانستان، والحرب المعلنة في هذه المناطق هي حرب غير متماثلة ولها معايير أخري. وحرب العصابات ليست حرباً عشوائية، ولكنها علم من العلوم العسكرية، إلا أنها ليست من مهام القوات النظامية، ولذلك فإن هذا الأسلوب من الحرب بما يقوم عليه من تفجيرات وكمائن تؤدي إلي إرهاب العدو، وبالتالي استنزافه وتكبيده خسائر متوالية.
وتعرف حرب العصابات بأنها شكل خاص من أشكال القتال يدور بين قوات نظامية، وبين تشكيلات مسلحة تعمل في سبيل مبدأ أو عقيدة بالاعتماد على الشعب أو جانب منه، وتستهدف تهيئة الظروف الكفيلة بإظهار هذا المبدأ أو هذه العقيدة إلى حيز التطبيق.
وقد بدأ تبلور حرب العصابات بهذا المعنى على يد الأسبان الذين شكلوا من بينهم عصابات مسلحة لمقاومة نابليون وإزعاجه وإنهاكه بعد هزيمة قواتهم النظامية على يديه. وقد ساهمت هذه العصابات الإسبانية فيما بعد مساهمة ملموسة في معاونة ويلنجتون حين دخل بقواته النظامية ضد نابليون في المعركة المعروفة باسم معركة واترلو عام 1815.
ويعتبر ماوتسي تونج أول من وضع قوانين حرب العصابات الإستراتيجية في العصر الحديث، بحيث صارت بهذه القوانين ظاهرة من ظواهر الحرب تعادل في أهميتها وخطورتها أنواع الحروب الأخرى.
وللتدليل على أهمية هذا النوع من الحروب، نذكر بالنتائج التي حققتها العصابات الصينية ضد الغزاة اليابانيين، والسوفيتية ضد الألمانيين، والجزائرية ضد الفرنسيين، والفيتنامية ضد الفرنسيين ثم الأمريكيين. بل إنه ليس أدل على أهمية هذا النوع من الحروب، من أن دولا كالولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا، وفرنسا، قد استفادت من فكرته بإنشاء قوات تنهج أسلوب رجال العصابات بالرغم مما تملكه هذه الدول من إمكانات التعبئة النظامية.
استدراج الصهاينة لأسلوب يكرهونه:
إن الجيش الصهيوني لم يستطع اللجوء للحرب النظامية التي اعتاد عليها في تدريبه ونظام تسليحه، لأن أرض الجنوب اللبناني عبارة عن جبال مزروعة ومناطق آهلة مما يجعل الصراع محسوما لصالح الميليشيا العسكرية.
إن النجاح العربي سيكون مضموناً إن شاء الله، حينما يتم إجبار الصهاينة على مواجهة ظروف صعبة ناتجة عن مفاجأتهم بخلل كبير في ميزان الردع لديهم، فالعناصر التي تواجههم ينبغي أن تتلقى تدريباً عالياً لكي تستطيع أن تمارس ضدهم القتال عن بعد بكفاءة، وكذلك القتال القريب والمتلاحم بكفاءة أعلى، وأن تكون لديها قدرة كبيرة علي إطلاق الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى سواء أرض أرض، أو أرض بحر، أو أرض جو، تؤدي إلي إصابة دباباتهم وطائراتهم وبوارجهم الحديثة.
وهذه كلها دروس يجب أن تستوعبها وتطورها جماعات المقاومة في فلسطين والعراق وأفغانستان والشيشان وغيرها، الذين يمارسون المقاومة والقتال ضد أعداء الأمة.
الحرب الأخيرة أكدت مجدداً أن العدو الصهيوني يمكن التغلب عليه بسهولة شديدة حتى بحسابات موازين القوي التقليدية والعادية وذلك إذا توافرت الإرادة السياسية الحقيقية لدي الأنظمة العربية.
فلو أن الكيان الصهيوني يمتلك من ثلاثة آلاف إلي أربعة آلاف دبابة فإن الدول العربية تمتلك أكثر من 15 ألف دبابة، وإن كان هناك بعض الاختلافات في النوعيات، والصهاينة لا يمتلكون أكثر من 500 طائرة مقاتلة، في حين أن الدول العربية تمتلك من ألفين إلي ثلاثة آلاف، مع ملاحظة أن مصر والسعودية والبحرين تمتلك طائرات إف 16 الأمريكية الحديثة، ومعنى هذا أنه لو اتفقت الدول العربية سياسيا فسوف تقضي علي هذا الكيان الغاصب بسهولة.
إن الدول العربية تنفق ما بين 50 إلي 60 مليار دولار علي الدفاع باستثناء السودان وجيبوتي والصومال، بينما لا يوجد لدي جميع الدول العربية مصنع سيارات واحد. في حين أن دولة الكيان لديها أحدث دبابة علي مستوي العالم [ميركافا] ولديها أحدث صواريخ [أريحا] ونحن نجلس لنتفرج عليهم، في الوقت الذي قامت فيه دول أخرى مثل تركيا وإيران ومعهم الصهاينة بصنع صواريخ متطورة، ولا توجد دولة عربية واحدة أرادت أن تشارك في تصنيع الأسلحة أو التصنيع عموماً.
الحرب الأخيرة ستلقي بظلالها علي مستقبل المواجهات القادمة بين الصهاينة وحركات المقاومة العربية، ذلك أن الجيش الصهيوني بعدما فقد قوة الردع سيصبح بمقدور أي جماعة مقاومة عربية أن تردعه بنفس الطريقة، فأن يتم ضرب العمق الصهيوني بما يتراوح بين100 إلي200 صاروخ يوميا، كابوس لم يتوقعه أشد المتشائمين الصهاينة.
الطريقة الوحيدة الممكنة:
طريقة حرب العصابات ليست هي الحرب المثلى وإنما هي الطريقة الوحيدة الممكنة، لأنه من الصعب الحرب مع الجيش الصهيوني بالطريقة النظامية، بسبب الدعم غير المحدود من أمريكا سواء بالسلاح وأنواعه أو بالدعم السياسي. فالجيش الصهيوني متفوق في الحرب النظامية، وعندما دخلت مصر حرب 1967 خسرتها لأنها كانت نظامية [بمعني جيش يواجه جيشاً] لأن الجيش الصهيوني يمتلك طيراناً قوياً. وإذا نظرنا إلي حرب الاستنزاف التي خاضها المصريون قبل حرب أكتوبر لوجدنا أنها حرب تشبه حرب العصابات، ولذلك كان الصهاينة يخسرون فيها دائماً. كما أن هذا النوع من الحروب غير النظامية يمكن فيه أسر الكثير من الأعداء. وكان انتصار الجيش المصري في أكتوبر 1973 عن طريق الخديعة، فقد أظهر لهم التهاون والاسترخاء ثم ضربهم في يوم عيدهم، ولكن عندما دخل الجيش المصري الحرب النظامية معهم بدءوا يحققون جزءً بسيطاً من المكاسب كالثغرة التي نجحوا عن طريقها في تطويق وحصار الجيش الثالث.
وهكذا فإن الصهاينة يعلمون تماما أنهم يخسرون أي نوع من حرب العصابات، ودائما يحاربون خارج أرضهم ولا يستطيعون دخول حرب داخل أرضهم.
والمنتظر أن يستفيد الفكر العربي من ذلك، وأن يستغل أقوى ثغرة في جدار العدو الصهيوني وهي عدم استطاعته الصمود أما حرب العصابات، فيتم استخدام هذه الطريقة ضمن الطرق العسكرية في الجيوش العربية.
انهيار نظرية أمنهم:
لقد قامت نظرية الأمن الإسرائيلية علي عدة منطلقات أكدتها تجربة إسرائيل في الحروب العربية الإسرائيلية الخمس السابقة, ولكن هذه المنطلقات تهاوت في هذه الحرب. لقد قامت هذه النظرية علي افتراض أن الخطر الذي تواجهه إسرائيل يأتي أساسا من جيوش عربية نظامية, ولذلك اجتهد العسكريون الصهاينة في وضع قواعد للانتصار في مثل هذه الحروب وذلك بشن حروب سريعة ومفاجئة ضد هذه الجيوش علي نحو يضمن عدم استمرار حالة التعبئة في إسرائيل فترة طويلة وعدم تعرض السكان المدنيين لأخطار هذه المواجهات المسلحة, وكانت الوسائل لتحقيق ذلك تتمثل أولا في تشييد أسطورة الجندي الصهيوني الذي لا يهزم, وجمع معلومات دقيقة عن العدو, ومفاجأته بالهجوم, والتركيز علي استخدام الطيران, وتركيز القوات علي جبهة القتال الأشد خطورة لإنهاء المواجهة المسلحة في حرب خاطفة لم تتجاوز في كل الحروب السابقة ستة عشر يوما, ولكن كل هذه المنظومات قد انهارت في المواجهة الأخيرة في لبنان والتي تجاوزت بالفعل أطول ما استغرقته حرب أكتوبر.
كما أظهرت الحرب الأخيرة في لبنان أيضاً فشلاً ذريعاً لأجهزة المخابرات الصهيونية, فهي لم تكن تعرف بقدرات خصمها, وامتلاكه لصواريخ يمكن أن تضرب العمق الصهيوني, ولو كان من الصحيح أنها تعرف, فما الذي أعدته من عدة لمواجهة هذه الصواريخ, ولماذا خاطرت بشن هذه الحرب إذا كانت تعرف, ويضاف إلى هذا الإخفاق المخابراتي إخفاق آخر، وهو الهرولة في إرسال عملاء إلى لبنان للكشف عن مواقع قيادات الخصم, وهو مجهود ضائع, فإما أنهم قدموا معلومات خاطئة لقياداتهم أدت إلى استهداف مواقع لم يكن فيها لا قيادات ولا أسلحة, ثم أسرت قوات الأمن اللبنانية أربعين من هؤلاء العملاء وقضت على أربعة منهم, كما لم يكن الهجوم الإسرائيلي مفاجئا, فمن الواضح أنه تم توقعه.
ويدرك القادة الصهاينة المدنيون والعسكريون خطورة هذه الدروس, ويدركون أيضا خطرها علي مستقبل كيانهم الغاصب, ولابد أنهم يتخوفون من أن يتعلم الفلسطينيون دروس هذه الحرب, وبهذا فلن ينجح السور العنصري في وقف هجمات منتظرة من صواريخ الكاتيوشا في المستقبل، أو من غيرها من الصواريخ، أو الأساليب التكنولوجية المفاجئة, ولن تبقى دولة الكيان الصهيوني قطبا جاذبا ليهود العالم بعد تجربة الهرولة إلى المخابئ التي مر بها سكان مدن الشمال.