12-11-2-14
المصطلح السياسي المتعارف عليه عند المحللين بعد ظهور نتائج الانتخابات النصفية للكونجرس الأميركي، والذي يتألف من مجلسي النواب والشيوخ، هو سياسة «البطة العرجاء»، أي أن سياسة الرئيس الأميركي ستتعثر في مشيتها خلال الفترة المتبقية له في الحكم، وهي سنتان.
وبإسقاط المصطلح على الرئيس الأميركي الحالي، باراك أوباما، فقد عاقبه الشعب الأميركي الأسبوع الماضي عندما صوت للجمهوريين، وتسببت سياساته الخارجية «المترددة» في خسارة الديمقراطيين الكثير من شعبيتهم، مع أنه حقق نجاحات في الداخل، مثل استراتيجية الضمان الصحي ومنع حدوث عمليات إرهابية في الولايات المتحدة.
وكوضع طبيعي لأي رئيس أميركي خلال هذه الفترة، حيث يعجز عن تقديم أي جديد خلال الفترة المتبقية له، فمن المتوقع أن يعجز أوباما عن تقديم أي جديد خلال السنتين القادمتين على الأقل، لأن الجمهوريين لن يتركوا له المجال لاتخاذ قراراته بدون تشويش، علماً بأنهم يضغطون عليه كي يأتي بتنازلات أكثر من إيران.
وحسب ما تشير إليه بعض التحليلات، فإن أوباما ربما يتبع استراتيجية إغراق الجمهوريين بملفات فوضوية في العالم، كما حدث مع الرئيس السابق جورج بوش (الابن) الذي ترك إرثاً من الفوضى للديمقراطيين ساهم في إشغالهم.
لا شيء يعد غريباً في نتائج الانتخابات التشريعية الأميركية لدى الكثيرين، بمن فيهم أوباما نفسه، كما أعتقد، وذلك باعتبار أن أغلب المراقبين -تقريباً- قد توقعوا فشل سياسات أوباما الخارجية، سواء في أوكرانيا، أو سوريا، أو مع إيران أو «داعش»، فأوباما، كما يصفه بعض المراقبين، هو «صاحب الوعود الكبيرة» التي يستخدم فيها فصاحته، لكن من دون نتائج على الأرض.
والمشكلة أن المزاجية الأميركية ليست «انعزالية»، كما يعتقد أوباما، بل لديها الرغبة دائماً في أن تكون هي اللافتة بقوتها وبسيطرتها على العالم.
لكن المقلق في الأمر، وربما الغريب هنا، أن يلجأ الرئيس أوباما، في سعيه إلى البحث عن أي «نجاح سياسي»، إلى تقديم تنازلات لإيران باعتبار ذلك وسيلة لإقناعها بتوقيع الاتفاقية النووية، فيحوِّل إخفاقه السياسي إلى مشاكل واضطرابات أكبر في المنطقة، التي تعيش في فوضى أصلاً.
إن الرسالة «السرية» التي أرسلها أوباما للمرشد الأعلى في إيران علي خامنئي مؤخراً، تدل مؤشراتها على عدم الاطمئنان إلى تطورات الملف النووي الإيراني، خاصة بعد تصريحات المسؤولين الإيرانيين بأن نظرتهم تجاه أميركا -الشيطان الأكبر- بدأت تتغير.
فالإيرانيون يدركون «لهفة» أوباما على تحقيق أي انفراج في الملف النووي، والخشية هي من أن يستغلوا هذه اللهفة لزيادة نفوذهم على حساب الدول الأخرى.
فقد تم عقد اجتماع بين محمد جواد ظريف، وزير خارجية إيران ومجموعة (5+1) مع إيران في فيينا الأسبوع الماضي، كما عُقد الاجتماع بين وزيري الخارجية الأميركي جون كيري والإيراني جواد ظريف في سلطنة عمان يومي الأحد والاثنين الماضيين، في محاولة لتحقيق أي نتائج إيجابية قد تنقذ الإدارة الأميركية، التي خسرت الكثير من مصداقيتها مع حلفائها في العالم، ومنهم الخليجيون.
سيناريو «البطة العرجاء» لرد الاعتبار للإدارة الحالية، سيكون حسب ما يصوره البعض هو تقوية العلاقة مع إيران، وربما الضغط على الدول الحليفة للولايات المتحدة بالتعاون مع إيران، خاصة في ملفات إقليمية حساسة ينبغي ألا تتدخل فيها إيران مثل الحرب على «داعش»، وبالتالي استمرار استراتيجية الفوضى.
الكل يدرك أن أوباما كان ضعيفاً، والآن، في ظل سياسة «البطة العرجاء»، ازداد ضعفاً، وبالتالي فإن مشاكل العالم ستزداد تعقداً، وربما سترفع إيران سقف مطالبها استغلالاً لضعفه ولهفته غير المحسوبة النتائج.
وينبغي ألا تفوت علينا ملاحظة أن إيران حرّكت سفناً حربية إلى اليمن، نحو مضيق عدن، مؤخراً، دون أي ردة فعل أميركية، وكأن شيئاً ما يتم الترتيب له.
التحركات الدبلوماسية لإدارة أوباما تثير الانتباه، لأنه يسعى لبناء إرث سياسي شخصي على حساب استقرار العالم.
ومع أن كثيرين يرون صعوبة التوصل إلى «اتفاق نهائي» مع إيران وفق الرغبة الأميركية، يبقى أن الاتفاق المبدئي سيؤدي إلى توتير العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، وكذلك بين إيران ودول المنطقة.
ما أريد قوله هو أن مرحلة ما قبل الاتفاق (24 نوفمبر الحالي) لن تكون كما هي بعده، لا بالنسبة لإيران ولا بالنسبة للمنطقة.
------------------
كاتب إماراتي
الاتحاد