خامنئي في الصندوق الأسود

بواسطة صباح الموسوي قراءة 726

خامنئي في الصندوق الأسود

صباح الموسوي

التاريخ: 13/2/1432 الموافق 19-01-2011

 

يعتقد العديد من الباحثين والمراقبين ممن تابعوا زيارة مرشد الثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي لمدينة قم مركز الحوزة الدينية في إيران في تشرين الاول الماضي من العام المنصرم والتي عدتها السلطات الإيرانية حدثاً تاريخياً ‘ بأن هذه الزيارة قد عد لها من قبل فرقة الحجتية لإظهار حجم هذه الفرقة ومدى نفوذها في الوسط الحوزوي والساحة الدينية الإيرانية عامة من جهة، و مدى العلاقة الوثيقة التي باتت تربط مرشد الثورة بهذه الفرقة من جهة أخرى .

وحول الصمت الذي لفّ مسؤولي النظام في إيران إزاء ما قامت به " الحجتية" عقب الثورة وخاصة فترة ما بعد الخميني، وما ابتدعته من خرافات مذهبية و مؤامرات سياسية وعمليات إجرامية على أرض الواقع، يشرح عدد من الباحثين وجهات نظرهم قائلين: إن "فرقة الحجتية " اضطرت في بدايات الثورة وتحت ضغط الخميني إلى الإعلان عن حل نفسها صورياً وعزل بعض كوادرها الذين كانوا أعضاء في الحكومة المؤقتة ولكن تبين فيما بعد أنها ليس فقط لم تحل نفسها وتعزل كوادرها الذين كانوا أعضاءً في الحكومة الموقتة ( حكومة بازركان ) من أمثال وزير التربية والتعليم، علي أكبر برورش و سيد حسن سجادي وسيد حسن افتخار زاده سبزواري وغيرهم، بل أنها عملت على إعادة تنظيم نفسها والتحول الى صندوق مغلق وأنشأت لنفسها منظمات بأسماء مختلفة موازية للمنظمات الحكومية من بينها "مؤسسة الغدير" و مؤسسة " نشر أفكار آية الله الخميني" وجميعها في الواقع أفكار فرقة الحجتية لكنها اختارت هذه التسمية لإبعاد الأنظار عنها. فالمؤسسة الأولى يرأسها آية الله أبو القاسم خزعلي، والثانية يرأسها آية الله مصباح يزدي، كما ان رئيس مجلس صيانة الدستور آية الله احمد جنتي هو أيضا من كوادر الحجتية وقد حول المجلس المذكور الى مؤسسة تابعة لهذه الفرقة.
لقد تأسست فرقة الحجتية على يد الشيخ محمود ذاكر زاده تولايي المعروف باسم ( الشيخ محمود الحلبي) الذي توفي عام1997م عن سن 80 عاماً، والذي كان إمام مسجد عزيز الله جنوب مدينة طهران وكان بمثابة القطب لدى مريديه قبل أن ينتقل الى مدينة مشهد ويختفي عن الأنظار هناك لفترة قبل أن يعاود الظهور فجأة في طهران بعد انقلاب عام 1952 ضد حكومة مصدق معلناً عن تأسيس " الجمعية الخيرية الحجتية المهدوية ". ويؤكد الباحثين أن تأسيس فرقة الحجتية جاء بموافقة من الشاه ، لذا ركزت الحجتية ( التي يتمحور فكرها حول شخصية الإمام الثاني عشر لدى الشيعة المسمى المهدي المنتظر و نفي أي ظهور للمهدي في الماضي، والدعوة إلى انتظاره في المستقبل، وربط قيامه بانتشار الفوضى والفساد في الأرض) ركزت جل اهتمامها آنذاك على جذب فئات معينة من المجتمع دون ان تعطي اهتماما للعمل السياسي ضد نظام الشاه.

ويرى هؤلاء الباحثون أن تصريحات وخطابات بعض المسؤولين الإيرانيين الكبار و على رأسهم الرئيس أحمدي نجاد ومدير مكتبه اسفنديار رحيم مشائي و رئيس مجلس صيانة الدستور آية الله احمد جنتي وبعض القيادة الدينية في حوزة قم من أمثال آية الله محمد تقي مصباح يزدي وآية الله خزعلي وغيرهم، حول موضوع المهدي المنتظر، إنما هي في الواقع تكرارا لخطابات مؤسس الحجتية الشيخ محمود تولايي وبعض مساعديه، حيث قامت هذه الفرقة خلال السنوات الأخيرة بإعادة نشر خطب قادتها الأوائل في موقع تابع لها على شبكة الانترنيت ومن يستمع الى تلك الخطب يجدها تتكرر اليوم على لسان احمدي نجاد و كبار المسؤولين في النظام الايراني.

ويؤكد الباحثون أن الاغتيالات التي شهدتها إيران طوال العقود الثلاثة الماضية والتي جرى أغلبها على طريقة عمليات المافيا، كان للجماعات المرتبطة بفرقة الحجتية دور كبير فيها فقد عملت فرقة الحجتية على تشكيل مجاميع سرية مسلحة بأسماء وتوجهات سياسية مختلفة كان من بينها جماعة " الفرقان" بقيادة أكبر غودرزي الذي كان تلميذاً عند آية الله ميلاني ، حيث شنت تلك الجماعة سلسلة اغتيالات استهدفت مسؤولين مدنيين وعسكريين و رجال دين كبار من قادة الثورة والنظام. وخشية إفشائه سر ارتباط جماعة الفرقان بالحجتية جرى اعدام اكبر غودرزي وتصفية الأب الروحي للجماعة " الشيخ ميلاني" داخل السجن من قبل الحجتية قبل أن تتمكن السلطات من إجراء التحقيق معه .

كما يعتقد الباحثون أن الحجتية تمكنت من اختراق منظمة "مجاهدي خلق" المعارضة التي شنت هي الأخرى حملة اغتيالات واسعة في الثمانينيات طالت قادة ومسئولين كبار في النظام ما أسهم في إزاحة العديد من الوجوه المخالفة لفرقة الحجتية وفسحت الميدان أمام رجال دين وكوادر تابعة لهذه الفرقة لتبوء مناصب عليا في السلطة .

لقد قامت فرقة الحجتية خلال الثلاثين عاماً الماضية بإرسال العديد من كوادرها في بعثات دراسية خارج البلاد لنيل الشهادات العليا والعودة بهم إلى إيران لشغل مناصب وزارية ومناصب أخرى هامة في الدولة.

وعن علاقة المسؤولين الإيرانيين الكبار من ذوي الأصول اليهودية بالمؤسسات والمحافل السرية المرتبطة بفرقة الحجتية، يقول المراقبون إن ذلك ما ستكشفه الحوادث والهزات التاريخية التي سوف يشهدها نظام الجمهورية الإيرانية مستقبلاً.

ومن المسائل الهامة التي تؤكد عليها فرقة الحجتية هي إلزام أعضائها بتقديم فروض الطاعة و الطاعة الكبيرة للمؤسسين الأوائل وللكوادر القديمة للفرقة والإذعان الكامل لأوامرهم دون أي مناقشة، ويعد هذا الأمر من الواجبات المسلّم بها، والخروج عليها أو تجاوزها يكلف صاحبها ثمنا باهظا . أما بشأن إدارة العلاقات التنظيمية الداخلية لفرقة الحجتية، فهي لا تجري على الطريقة الحزبية العصرية المعمول بها في الأحزاب الإيرانية، فحين يتبوأ العضو منصباً قيادياً في السلك العسكري أو الأمني أو القضائي أو أي منصب كبير آخر في السلطة، فعليه الالتزام بقرارات "الفرقة" قبل كل شيء. ويعتقد الباحثون أن هذا الالتزام هو الذي وفر الانسجام داخل "الحجتية" و مكنها من الهيمنة على بعض المراكز الحكومية والقضائية و الأجهزة الأمنية والعسكرية، وقبل كل ذلك هيمنتها على مرشد الثورة آية الله علي خامنئي.

و تشير بعض الوثائق المتعلقة بلقاءات الخميني أوائل الثورة بالشخصيات والجمعيات الدينية والسياسية الايرانية، أن لقاءً هاما جرى في الأسبوع الأول من انتصار الثورة في إيران بين آية الله الخميني و آية الله خزعلي الرئيس الحالي لمؤسسة الغدير، سلمه الأخير رسالة من زعيم فرقة الحجتية الشيخ محمود الحلبي جاء فيها أن لدى الحجتية ثلاثين ألف كادر وأنه على استعداد لأن يضعهم في خدمة نظام الجمهورية الاسلامية الإيرانية، إلا أن الخميني رفض العرض على الفور وقال إن الثورة ليست بحاجة الى هذه الكوادر. وعندما دبت الخلافات بين مجلس صيانة الدستور ـ الذي تهيمن عليه فرقة الحجتية من خلال آية الله أحمد جنتي و آية الله أبو القاسم خزعلي ـ وبين الحكومة التي كان يرأسها آنذاك السيد مير حسين موسوي حول تفسير القوانيين الحكومية، وجه الخميني رسالة قصيرة إلى مجلس صيانة الدستور تضمنها جملة هامة جداً قال فيها: "احذروا هؤلاء ـ الحجتية ـ فإنهم إن تمكنوا من التسلط فانهم سوف يهدمون كل شيء ".

لقد استطاعت الحجتية ومن خلال أسلوب عملها السري المماثل لاسلوب عمل منظمات المافيا أن تنظم صفوفها وتقوي نفوذها بصمت بعيداً عن الأضواء، واستطاعت أن تنظم وتربي رجال دين خاصين وتضعهم تحت تصرف مرشد الثورة علي خامنئي ليقوم بتعيينهم في مناصب عليا في الكثير من المؤسسات الهامة؛ من بينها الحرس الثوري و مليشيا قوات التعبئة الشعبية ( الباسيج)، وتعين العديد منهم أئمة جمعة وممثلين للمرشد في الأقاليم والمدن الإيرانية. كما استطاعت الحجتية أن تضم الأبناء الثلاثة "لخامنئي" تحت عباءتها وتجعلهم تابعين لها. وعملت أيضا على كسب أعضاء داخل جميع المؤسسات والهيئات الحكومية وتربيتهم وتنظيمهم، وتمكنت كذلك من ضم عدد كبير من قادة الحرس الثوري ووضعهم تحت جناحها، ومن رفض الانضمام منهم إليها أو رفض الانصياع الى أوامرها قامت بتصفيته، وفعلت مثل ذلك مع سائر قادة الأجهزة الأمنية والجيش و قادة مليشيا (الباسيج)، لذا فإن قادة هذه الوحدات يتطابقون في تعبيراتهم، وديباجة تصريحاتهم، ومنطقهم، وتفكيرهم، حتى يخيل للسامع أنه يستمع إلى شريط مسجل مكرر.

إن أغلب الأقطاب الحقيقيين لفرقة الحجتية غير معروفين للعيان، فالمعروف منهم قليل جداً من أمثال آية الله مصباح يزدي (الأب الروحي للرئيس الايراني أحمدي نجاد) الذي يتطلع الى تبوؤ مركز هام جداً في النظام، وآية الله أبو القاسم خزعلي وآخرون. وبما يتعلق بأسلوب العمل "المافياوي" لهذا الصندوق المغلق (الحجتية) فإنه أشد تنظيماً وسرية من عمل المنظمة الماسونية، بحسب رأي هؤلاء المراقبين.

 و عن ارتباط فرقة الحجتية بالدول الأجنبية والأيادي التي تقف وراء تكوينها جاء في بيان نشرته جهات إيرانية مجهولة مؤخرا بعنوان " لا تتركوا فرقة الحجتية تغيب عن أنظاركم " جاء فيه أن فرقة الحجتية أنشئت من قبل جهات بريطانية خاصة لإيجاد نفوذ لها في وسط الطائفة الشيعية والمجتمع الايراني وأن الدكتور علي شريعتي (1933-1977م) كان السباق في كشف حقيقة هذه الفرقة، وكان ذلك سبباً في معاداة جماعات من رجال الدين له. واتهم البيان الحجتية بالوقوف وراء الوفاة الغامضة لشريعتي قائلاً إنه قد دس له نوعا من الحبوب السامة عند ما كان في السجن ثم أطق سراحه ليموت خارج السجن. وتوفى شريعتي في باريس عام 1977م بعد مغادرته السجن بفترة قصيرة، وتستخدم هذه الحبوب اليوم من قبل النظام الإيراني ضد معارضيه داخل السجون حيث تصيب الضحية بأمراض مجهولة تؤدي الى وفاته بعد فترة وجيزة جداً.

وأكد البيان على أن جماعة الفرقان التي اغتالت عدداً من قادة ومفكري الثورة من أمثال آية الله مطهري وآية الله مفتح والجنرال قرني كانت مرتبطة بفرقة الحجتية وأن الخميني حاول بعد انتصار الثورة تدمير هذه الفرقة ( لتعارض مشروعها البريطاني مع مشروعه الأمريكي)، وكثيراً ما حذر الخميني قائلا: "لا تتركوا الثورة تقع بيد هذه الفرقة" لكنه لم يوفق في تحقيق مراده. ومن أجل حماية كوادرها والحفاظ على وجودها فقد احتجبت فرقة الحجتية عن الواجهة مدة من الزمن قلت فيه ظاهرة قراءة دعاء" الندبة " الذي هو من أدبياتها، لكن الفرقة عادت إلى الواجهة من جديد منذ عشرة أعوام عادت من جديد وأخذت ظاهرة قراءة دعاء "الندبة " بالانتشار وأصبح هذا الدعاء يسّوق في كل مكان وفي ذلك دليل على عودة نفوذ الحجتية ونفوذها داخل دوائر السلطة.

وحول الشعارات الإيرانية المعادية للغرب وإسرائيل، أشار البيان: "يجب أن لا تحملوا حرب الشعارات المعادية التي تشنها فرقة الحجتية ضد بريطانيا وأمريكا وإسرائيل على محمل الجد فهي مجرد شعارات لتشتيت أفكار الرأي العام، فهل سألتم أنفسكم كيف يمكن تفسير زيارة وزير الخارجية البريطاني" جاك سترو " الى طهران بعد حادثة 11سبتمبر مباشرة ؟ و إجراءه اللقاءات السرية بأعضاء الحجتية ".

 وتجدر الإشارة هنا الى أن الدكتور مهدي خزعل نجل أحد كبار قادة فرقة الحجتية (آية الله أبو القاسم خزعلي) هو من كشف قبل عامين الأصول اليهودية للرئيس الايراني أحمد نجاد لكن السلطات الإيرانية اعتقلت الدكتور خزعلي وأودعته السجن. ويفسر المراقبون هذا الأمر بأنه نوع من الألاعيب السياسية التي تقوم بها فرقة الحجتية بهدف إرغام الكثير من المسؤولين من ذوي الأصول اليهودية على الانتماء لها أو التعاون معها.


المصدر: المصريون



مقالات ذات صلة