عد إلى رشدِك يا "نصر الله"!.. إلى أين تريد أخذ لبنان؟

بواسطة الطاهر إبراهيم قراءة 2017

عد إلى رشدِك يا "نصر الله"!.. إلى أين تريد أخذ لبنان؟

 الطاهر إبراهيم

 

لا شك أن الذين استمعوا إلى خطاب "حسن نصر الله" عصر يوم الخميس 8 أيار، قد أفزعهم الدّْرك الأسفل الذي وصل إليه الرجل وهو يتكلم عن قطع الأيدي والرؤوس وكأنه قد جاء لتوه من مجزرة للأغنام أو الأبقار قبل أن يظهر على الشاشة! لا نريد أن نعدد السقطات التي أوقع فيها نصر الله نفسه، بقدر ما نريد أن ننبه إلى ملاحظات، كثيرا ما طبعت خطابات نصر الله. في هذه المرة كان الخطاب أوضح وأكثر انحدارا في المستوى، بما لا يليق برجل يحرص خصومه قبل أنصاره أن يسبغوا عليه لقب "السيد" قبل النطق باسمه المجرد.

أولا: لعل أول ما يلاحظه المستمع أن "نصر الله" كان يأتي دائما في خطابه بما يوحي بأن يرسخ في ذهن المستمع أن ما يقوله حقائق، مع أنه ليس هناك أي فرصة للتأكد من صدق ما يقول، بل كأن ما يقوله مسلمات أو بديهيات. للأمانة فإن نصر الله لا تعوزه البديهة الحاضرة، فتراه يلوّن في الصورة ويغير من لهجته بحيث لا يملّ المستمع تكرارها. كما أن أسلوبه ـ رغم لجوئه كثيرا إلى العامية ـ لا يدع مجالا للبسطاء من أنصاره بأن يشكوا في صدق حديثه.

ثانيا: كل الذين تابعوا أحاديث "نصر الله" منذ أن استقال وزراء حزب الله وحركة أمل، أدركوا حجم الضغينة التي يحملها لرئيس الحكومة "فؤاد السنيورة". الأسباب ليست مجهولة لأي لبناني ، مهما كان شأنه وموقعه. فقد استطاع "السنيورة" أن يبني لنفسه مستوى من الاحترام. فلم يكن يسِفّ في أحاديثه كما يفعل بعض المعارضة ومنهم نصر الله نفسه، لاحظ ذلك الذين استمعوا خطابه الأخير. فكثيرا ما اتهم نصر الله وأتباعه بأن حكومة السنيورة هي حكومة "فيلتمان"، أي سفير واشنطن السابق. وأن حكومته تأخذ تعليماتها من واشنطن.

في خطابه الأخير ذكر بأن المقاومة لا تريد أن تفشي أسرار "شبكة الاتصالات السلكية" لحكومة السنيورة، لأنها ستصل في النهاية إلى (ال سي آي إي وال إف بي آي). وأي إنسان يحترم نفسه لا يخوّن حكومة بلاده كما يفعل نصر الله، وهو الذي شارك في اختيار هذه الحكومة عند تشكيلها.

ثالثا: استطراداً، إنه لمن الإسفاف أن يزعم بأن وليدَ جنبلاط هو رئيس الحكومة. وكان بإمكانه أن يلجأ إلى الكناية والمجاز أو التلويح والتلويح، هذا إن أراد أن يزعم أن "السنيورة" غير كفؤ لمنصبه. علما أنما أوغر صدر نصر الله ونبيه بري هو إيقافه المعارضين عند حدودهم.

رابعا: لا تنكر حكومة "السنيورة" بأنها تلجأ إلى الأمم المتحدة، وتنسق مع أمريكا وأوروبا فيما يتعلق في الشئون اللبنانية وبما يتعلق باعتماد المحكمة الدولية التي ستحاكم قتلة الحريري. لكنها في كل مرة تذكر إسرائيل كانت تتكلم عنها على أنها عدوة لبنان، وتؤكد إن لبنان هو آخر دولة عربية تطبع مع إسرائيل.

مع ذلك، فإن نصر الله لا ينسى في كل مرة، فينعم على حكومة السنيورة بأنها تسعى إلى صلح مع إسرائيل. والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا: لماذا يتناسى أن حليفه الرئيس بشار أسد رحب بوساطة "رجب طيب أردوغان" بينه وبين "أولمرت" لعقد صلح منفرد مع إسرائيل لكن سماها مفاوضات؟ أم لعل حليفه من "آل فرفور ذنبه مغفور"؟

خامسا: لو أراد نصر الله ألا يخلق فتنة بين الشيعة والسنة في لبنان لأمر بسحب ميليشياته من الشوارع، حتى ولو كان على حق في ادعائه بأن الحكومة اللبنانية أخطأت في عزل العميد "شقير". على الأقل يعطي للحكومة فرصة لإصلاح الخطأ، أو لتقديم مسوغاتها للعزل!

سادسا: لقد خسر نصر الكثير من احترام أهل السنة في كافة الأقطار العربية. وإذا كان هناك من يقف في وجه واشنطن من أهل السنة، ليس تضامنا معه أو مع حليفه السوري، بل تضامنا مع حركة "حماس" و"الجهاد" في غزة. وقد تأكد ابتعاد أهل السنة عنه وعن إيران بعدما أوضح الزعيم الإيراني "خامنئي" بأن سيحارب واشنطن من على أرض لبنان.

أخيراً، فإن أهل السنة لن ينسوا لإيران أنها قدمت دعما "لوجيستيا" إلى واشنطن أثناء اجتياحها أفغانستان، كما اعترف بذلك الرئيس الإيراني السابق "خاتمي" عندما ذكّر أمريكا بأنها ما كانت تستطيع احتلال أفغانستان لولا أن إيران فتحت أجواءها لها أثناء حربها ضد حكومة "طالبان". كما لن ينسى أهل السنة في العالم العربي أن الميليشيات الشيعية انطلقت من إيران لمساعدة القوات الأمريكية أثناء اجتياحها العراق في نيسان من عام 3. وكيف ينسى أهل السنة ذلك، وقد فتح احتلال العراق على العراقيين السنة جحيم التطهير العرقي الذي كانت تقوم به الميليشيات الشيعية، مثل "بدر" و"جيش المهدي" و"حزب الدعوة".

اتق الله في اللبنانيين يا سيد نصر الله. لا تركب حصان الفتنة. واعلم أن أهل السنة في لبنان يرفضون الفتنة ويكرهون أن تهراق أي قطرة دم من دماء إخوانهم الشيعة، تماما كما يكرهون أن تهراق دماء أهل السنة، في أي فتنة طائفية. لا يغرنك أن لديك صواريخ حيفا وصواريخ ما بعد حيفا. فإنه لا أحدٌ يسلّم عنقَه رخيصةً إذا فرضت عليه الحرب، ولو كان الذي يحاربه هو أخوه.

وكما قال الشاعر: إذا لم تكن إلا الأسنة مركبا *** فما حيلة المضطر إلا ركونها.

عد إلى رشدك يا نصر الله، وإياك أن تلعب على سلاح الفتنة الطائفية، فإنها إن وقعت، -لا سمح الله- فإن الكل خاسر فيها، وإن من يشعل فتيلها سيكون أول من يتلظى بلهيبها:

"وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون"

 



مقالات ذات صلة