هل يكون "حزب الله" أتاتورك عصرنا؟
شبكة الراصد الإسلامية – الراصد العدد (37)
المتابع لمواقف الناس تجاه (حرب إسرائيل وحزب الله) يجد أنها تنقسم لفئتين، وهذا الانقسام الحاد في الرأي هو من طبيعة الفتن ، ذلك أنها تلتبس فيها الأمور ولا يرى الناس كل جوانبها، كما أن الناس يتعاملون معها بعواطفهم لا بعقولهم، وتزداد الفتنة إذا كان الذين يتصدرون التوجيه والتحليل السياسي هم "الرويبضة" أو "من لا خلاق لهم" كما هو حاصل في وسائل الإعلام اليوم!!
وهاتان الفئتان هما:
1- المشككون بجدية هذه الحرب و كذلك بنية ومبدأ حزب الله، وذلك بسبب شيعية حزب الله و تبعيته لإيران وسوريا.
2- المؤيدون والمناصرون لحزب الله في هذه الحرب، وهم على درجات من الولاء الكامل إلى التعاون في مواجهة عدو مشترك مع علمهم بطائفية حزب الله.
فتنة حزب الله الجديدة:
لقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن تسارع الفتن في آخر الزمان الذي بتنا نقترب منه فقال: (بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم) و حذرنا من (السنوات الخداعات)، ومن هذه الفتن المتعلقة بالشيعة في هذا العصر، دعوة التقريب بين السنة والشيعة ، وبعدها الثورة الخمينية وما صاحبها من فتنة قطاعات عريضة من أهل السنة بها، وبعدها فتنة (انتصار) حزب الله في سنة 2000م، والآن هذه الفتنة الجديدة لحزب الله، والتي ستفتن كثيرا من الناس من الذين لا يجعلون للعقائد والمناهج وزنا في الحكم على الأفعال، كما أنهم لا يعتبرون بالتاريخ ولا يهتمون للمواقف والتصرفات التي قام بها حزب الله.
لن نقف طويلاً عند مدى جدية هذه الحرب، وهل هي حرب "تحريكية" أم حقيقية، وإن كان ما يطرحه المشككون في غاية القوة، لما يرون من تدمير للبنان وليس لحزب الله، وتلميع لسوريا وإيران وحزب الله من قبل إسرائيل، وذلك عبر أسلوب بسيط في الدعاية وهو: شتم أصدقاء إسرائيل فيحبهم الناس ويثنون عليهم، كما صرحت البروتوكولات الصهيونية بذلك، والثناء على أعداء إسرائيل فيكرههم الناس، وذلك إتباعاً لقاعدة عدو عدوي صديقي، فلو عكس عدوك سياسته لغرقت في شباكه كما هو حاصل اليوم!!!!
لن نقف مع جدية الحرب أو عدمها، ونتجاوز ذلك لبحث ما بعد ذلك وهو ماذا لو كانت تمثيلية أو حقيقية ومُكن أو تمكن بعدها حزب الله في لبنان بشكل أكبر، هل سيكون هذا لمصلحة الإسلام والعروبة والقضية الفلسطينية ؟؟؟؟ نرى أن هذا هو المهم، والذي يجب أن تسلط عليه الأضواء حتى "لا نرى الفتن وهي مدبرة" كحال أهل الجهل وتكون قد عمتنا بفتنتها.
وموقفنا وذلك أن وقوع حرب حقيقية بين اليهود والشيعة ممكن ووارد ، ألم يذكر لنا القرآن الكريم وقوع الصراع بين اليهود أنفسهم! فقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ * ثُمَّ أَنتُمْ هَـؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ} [البقرة84، 85].
ولكن هل هذا الصراع الدموي يعطي أي جهة في الدنيا شهادة حسن سلوك دون توفر حسن المعتقد أولاً وحسن السيرة والتاريخ ثانياً؟؟ هو الدعاء بالهزيمة والكسر لإسرائيل وإبعاد وصرف شر حزب الله عنا.
قصة أتاتورك:
أكثر المسلمين يعرفون أن أتاتورك هو الذي هدم الخلافة العثمانية، وحوّل تركيا إلي العلمانية وحارب الإسلام فيها، ولكن القليل يعرف كيف استطاع أتاتورك ذلك ! وأقل منهم من درس مؤامرة أتاتورك وأخذ العبرة والعظة منها حتى "لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين" وإن كان واقعنا بعكس ذلك!!
من مِن المسلمين يعرف أن أتاتورك لم يستطع إلغاء الخلافة إلا بعد أن أصبح أول رئيس للجمهورية في تركيا، ولم يصل لرئاسة الجمهورية إلا بعد دعاية إعلامية واسعة أظهرته على أنه مجاهد مغوار قاتل بشرف دفاعاً عن الخلافة والسلطنة الإسلامية.
ولم تقتصر هذه الدعاية على تركيا، بل وصلت أرجاء الدولة العثمانية، مع ضعف وسائل الإعلام آنذاك، فدبج أمير الشعراء أحمد شوقي في مدحه القصائد والأشعار، فمرة جعل أتاتورك كسيف الله المسلول حين قال في مطلع قصيدة له:
الله أكبر كم في الفتح من عجب يا خالد الترك جدد خالد العرب
ومرة يجعله قرين صلاح الدين عندما استعاد بيت المقدس:
حذوت حرب الصلاحيين في زمن فيـه القـتال بلا شـرع ولا أدب
بل جعل انتصاراته المزعومة كنصر بدر :
يوم كبدر فخيل الحق راقصــة على الصعيد و خيل الله في السحب
تحـية أيها الغازي وتهـنئـة بآية الـفتح تبـقى آيـة الحقـب
ولم تمض إلا بضع سنوات على هذه الانتصارات المزعومة والقصائد المنمقة، حتى تكشفت الحقائق وظهرت المصائب فأعلن أتاتورك إلغاء الخلافة والحرب على الإسلام، وعندها صدم الكثيرون ووجم المصفقون،
وبدأت تظهر الفضائح (أتاتورك من أصول غير مسلمة وهو ولد زنا على الراجح، ومدمن على الخمر والعربدة من صغره، وعميل للاحتلال من بداية عمله العسكري، وفكره منحرف عن الإسلام من مطلع شبابه إلي غير ذلك من الفضائح التي كشفها كتاب "الرجل الصنم").
ولكن ما فائدة معرفة ذلك وقد سقطت الخلافة، وضاعت قوة المسلمين، وتشتت كلمة العقلاء والعلماء، نعم كانت هذه المعرفة تنفع أعظم النفع لو كانت قبل صعود هذا المحتال الدعي.
وجه الشبه بين "حزب الله" وأتاتورك:
هناك عدة أوجه للشبه بين الطرفين بعضها شكلي وبعضها موضوعي، فمن حيث الشكل: إن بداية ظهور الطرفين كان إبان احتلال الكفار لبلاد المسلمين، وصعود الطرفين كان بعد مشاركتهم في معارك مع المحتل، وبداية سلطتهم السياسية كانت بعد انتشار دعاية جهادهم وبذلهم!! والطرفان تمددا في مرحلة ضعف أهل الإسلام وقلة حيلتهم .
أما عن أوجه الشبه من حيث المضمون فهي: الطرفان لهما فكر خاص مستقل عن عموم المسلمين المخدوعين بهم، وهم في حركتهم وعملهم يسعون لنصرة هذا الفكر، وكلا الطرفين يسعى للسلطة والنفوذ لتطبيق فكرهم، والطرفان على استعداد للتحالف والتعاون مع أعداء الأمة سراً و جهراً لخدمة مصالحهم.
أين تكمن خطورة حزب الله على الأمة:
حزب الله يشكل خطورة بالغة على الأمة الإسلامية من ناحية فكره ومعتقده، ومن ناحية مواقفه وسياساته، ومن ناحية حلفائه وأعوانه.
1- فكر حزب الله ومعتقده:
حزب الله حزب ينتسب للمذهب الشيعي الإمامي الإثنى عشري، ومن المعلوم أن هذا المذهب يقوم على أصل الإمامة بولاية أهل البيت، بمعنى أن هناك (12) رجلا من آل البيت هم حكام المسلمين وخلفائهم، ومن اعتقد بجواز خلافة أو حكم غيرهم كفر!! بالإضافة إلى اعتقادهم بكفر الصحابة سوى نفر يسير، ويرون أن القرآن محرف وناقص. ولا يصح القول أن الحزب لا يتبنى هذه الأفكار والعقائد، ذلك أن الحزب يعلن تبعيته للخميني الذي بث هذه الأفكار في كتبه ورسائله (راجع كتاب "الخمينى الوجه الآخر في ضوء الكتاب والسنة" للدكتور زيد العيص). كما أن الحزب لم يعلن براءته من هذه الأفكار والعقائد الباطلة، فيجب على الحزب إعلان البراءة من هذه العقائد الكفرية وممن يحملها كائناً من كان.
بل إن الحزب لم يعلن مساندته للمرجع الشيعي محمد حسين فضل الله، الذي يواجه حرباً شيعية طاحنة وصلت حد تكفيره، لنفيه بعض أساطير المذهب الشيعي، رغم أن فضل الله يعد الأب الروحي للحزب!! بل يقول بعض أهل بيروت أن تلفزيون المنار الأرضي التابع لحزب الله يبث مواضيع شيعية طائفية وأن الحزب يوزع أحيانا كتبا شيعية متطرفة. ولم نسمع للحزب إدانة لأي "مجنون" من مجانين الشيعة كياسر حبيب الكويتي الهارب في لندن.
وتتعامل قناة المنار بذكاء خبيث مع السيرة و التاريخ الإسلامي، فهي تسقط من حسابها كل الصحابة فلا تذكرهم أبداً وكأنهم هباء!! ولماذا لم يكن للحزب موقف معلن من المصائب التي أظهرها ممثلو الشيعة في مناظرات المستقلة، إذا كان الحزب شيعياً معتدلاً، لا يقبل هذه الطامات!!
2- مواقف حزب الله وسياساته :
المتابع لمواقف الحزب وسياساته يجد أن الكثير منها لا يصب إلا في المصلحة الشيعية البحتة دون المصلحة الإسلامية العامة، فمن ذلك:
· السكوت عن مواقف إيران السيئة والتي بلغت حد العمالة والتواطؤ مع الأمريكان في أفغانستان والعراق، ولا يزال الناس يذكرون التصريح الشهير لرفسنجانى: "لولا إيران ما سقطت طالبان"، طبعاً هذا لكون الحزب يتنصل من التبعية لإيران ويزعم استقلال قراره!!
· التغاضي عن عمالة إخوانه الشيعة في العراق، وتعاونهم مع عدوه أمريكا!
· التغاضي عن جرائم أصدقائه الشيعة في العراق تجاه سنة العراق، ولو ببيان استنكار.
· منعه وإحباطه لكثير من العمليات تجاه إسرائيل، بل قتل من يحاول ذلك أحياناً، حتى اعتبر صبحي الطفيلي وهو أول أمين عام للحزب، بأن حزب الله تحول لحرس حدود لخدمة إسرائيل.
· لا نجد للحزب وهو يطالب بدور إقليمي في المنطقة، أية مواقف تتبنى المطالب العربية العادلة تجاه احتلال إيران للجزر الإماراتية.
· أما على الصعيد اللبناني فقد كان للحزب أعلى الأصوات في المطالبة ببقاء (الوجود السوري) مع أن الجميع يدرك كم هو سيء هذا الوجود.
· ثم لم يخبرنا هذا الحزب عن موقفه من فضيحة "إيران غيت" المتعلقة بشراء الأسلحة بالمليارات من إسرائيل أثناء قتاله لحزب البعث الاشتراكي في العراق.
· لم نسمع مطالبة لحزب الله بالأسرى والمفقودين اللبنانيين في سجون سوريا (الصمود)؟ فهل يخرج علينا الحزب بمواقف صريحة وواضحة يتراجع فيها عن مواقفه السلبية السابقة ؟؟
3- حلفاء وأعوان حزب الله:
من القضايا التي توجب على المسلم الفطن الحذر من حزب الله وقوته هو حلفائه، وقد قيل: "قل لي من تخالل أقل لك من أنت".
أ- إيران: إيران ليست حليفا، بل هي الحاضن والمرضع لحزب الله، والحزب إنما نشأ في إيران بمباركة الخميني. يقول نائب الأمين العام لحزب الله، قاسم نعيم: (كان هناك مجموعة من المؤمنين ... تفتحت أذهانهم على قاعدة عملية تركز على مسألة الولي الفقيه والانقياد له كقائد للأمة الإسلامية جمعاء، لا يفصل بين مجموعاتها وبلدانها أي فاصل، ... وذهبت هذه المجموعة المؤلفة من تسعة أشخاص إلى إيران ولقاء الإمام الخميني (قدس) وعرضت عليه وجهة نظرها في تأسيس و تكوين الحزب اللبناني، فأيد هذا الأمر وبارك هذه الخطوات). كتاب "المقاومة في لبنان"،أمين مصطفي، دار الهادي (ص425). وقد تكشف للناس اليوم حقيقة إيران، وأنها تبحث عن مصالحها الشيعية الذاتية ولو كان على حساب الإسلام، ومن آخر مواقف إيران السيئة تجاه المسلمين، إعلانها التبرع بـ 50 مليون دولار لحركة حماس، وبعد 4 أشهر يعلن وزير خارجيتها أن التبرع لا يزال في مرحلة صنع القرار، فعلى من تضحك إيران سوى على المغفلين. وكيف يمكن الوثوق بنصيحة وتوجيه مثل هذا الحليف لحزب، لما فيه خير المسلمين؟؟
ب- سوريا : أما سوريا النظام البعثي الاشتراكي النصيري، الذي أذاق المسلمين المر في سوريا ولبنان، وصاحب مجازر حماة وتل الزعتر، والنظام الذي أصم العالم من صراخه وخطاباته ولكن لم يسمح أو يطلق رصاصة واحدة من الجولان المحتل أو الصحيح "المسلّم"، كما يقول مصطفي خليل ضابط الاستخبارات في الجولان في كتابيه "سقوط الجولان" و"من ملفات الجولان". سوريا الصمود التي لم تحرك ساكنا حين اجتاحت إسرائيل بيروت وهي تتفرج!! ماذا نتوقع من نظام لا زال يحكم بالإعدام على من يثبت انتماءه لجماعة الإخوان المسلمين إذا كان سورياً، ومن ثم يحتضن حماس وهي إخوان فلسطين؟؟ نظام بهذا المستوى هل سيشير على حليفه حزب الله بما يكون فيه نفع للإسلام والمسلمين؟؟
ج- حركة أمل: وهي الحركة التي ولد حزب الله في رحمها، حركة أمل صاحبة مجازر المخيمات الفلسطينية في لبنان، بالرغم من أن حركة فتح هي التي رعتها ودربتها عسكرياً، لكن الشكر كان بالقتل! فنعم المستشار أمل إذاً!
كيف سيكون خطر "حزب الله"؟
الخطورة تنبع من حزب الله إذا خرج قوياً من هذه الفتنة بجهده أو مكره، واستغل اندفاع المغفلين والجاهلين من قيادات الحركات السنية قبل عوام السنة لتنفيذ أجندته الطائفية، فكلنا يعلم أن اجتياح لبنان عام 1982م هو الذي مكن من إنشاء حزب الله!!؟ وهو كذلك الذي وفر الغطاء لدخول إيران للبنان!!؟ والخطورة تنبع أيضا من مطالبة حزب الله لحماس والجهاد بتقليده في المقاومة وذلك بعد خروج إسرائيل من الجنوب ، وبالأمس صرح حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلته مع الجزيرة " أن حزب الله هو القدوة للمقاومة في فلسطين فلو ذهبت مقاومة حزب الله لافتقد أهل فلسطين القدوة " ؟؟؟ والخطورة تنبع من قيام حزب الله باستغلال شعبيته لترويج التشيع كما هو حاصل في فلسطين وسوريا .... وتنبع الخطورة من صفقة تعقد بين محور (حزب الله، إيران، سوريا) مع محور (إسرائيل، أمريكا) على حساب العرب والسنة، سواء الفلسطينيين في لبنان أو الدول السنية المجاورة لإسرائيل أو الخليج والعراق، وذلك عبر تصعيد الوضع إلى أقصى درجة، ليكون النزول لما كان الأمر عليه من قبل ومع تنازلات من (كيس) العرب والسنة في المنطقة!! وفي النهاية إذا كانت هذه الفتنة قد جرت من خلفها الغثاء الكثير من المسلمين بكل بساطة ويسر، فكيف الحال بأمة الإسلام حينما يخرج الدجال الكبير الذي طالما حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (يا عباد الله اثبتوا يا عباد الله اثبتوا)؟؟
وسيبقي السؤال قائماً هل يقوم الحزب بالتخلي الواضح والصريح عن هذه الأفكار والمواقف وإدانتها وتبنى مواقف حقيقة تصب في مصلحة المسلمين؟؟ هذا ما نتمناه. أم سيكون حزب الله أتاتوركاً جديداً، يخدع المسلمين بمعاركه لتنفيذ مشاريع طائفية لخدمة إيران وسوريا؟؟