المفاوضات الأمريكية ـ الإيرانية على أمن الخليج
الثلاثاء24 من شعبان1429هـ 26-8-2008م
مفكرة الإسلام
كتبه / علي صلاح
جاءت تصريحات أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى الأخيرة بشأن تفاوض إيران مع الدول الكبرى بشأن أمن المنطقة، وكشفه عن أن الحوافز المعروضة من هذه الدول على إيران لإيقاف برنامجها النووي تتضمن ترتيبات بشأن الأمن الإقليمي تؤكد من جديد على خطورة الأمر وتجاوزه خانة المخططات إلى خانة الشروع في التنفيذ، بيد أن هناك خلافات بين الطرفين على بعض التفاصيل التي لن تؤثر في جوهر المشروع وخطورته على الدول المجاورة. لقد أكد موسى من جهته على أن التهديدات التي تطلقها أمريكا ضد طهران هي مجرد حملة كلامية، وأن الأمر لن يتجاوز ذلك لانشغال أمريكا بأكثر من جبهة، ملمحًا لاتفاق مصالح بين الطرفين. هذا الكلام سبق وأن عرضه عدد من الباحثين وقوبل بشكل سلبي من البعض بحجة "محاولة تأجيج الفتنة في المنطقة" إلا أن كل المؤشرات أصبحت تصب في هذا الاتجاه.
المشروع النووي الإيراني
يمثل المشروع النووي الإيراني أحد أهم وسائل الضغط التي تستخدمها طهران في معركة توازن القوى وتقسيم المصالح مع الغرب في المنطقة؛ فمنذ أكثر من عشر سنوات وإيران تحاول الحصول على اليورانيوم المخصب من المنشآت النووية التي لا تخضع لرقابة جيدة في بلاد مثل كازاخستان وجورجيا، كما تسعى للحصول على تقنيات معالجة وقود المفاعلات النووية من الأرجنتين، وعلى مفاعلات نووية لأغراض البحث من الصين والهند وروسيا، وعلى مفاعلات نووية لتوليد الطاقة الكهربائية من روسيا والصين، أما تكنولوجيا تخصيب المواد المشعة بأجهزة الطرد المركزي فتسعى للحصول عليها من سويسرا وألمانيا وباكستان، كما تحاول الحصول على مفاعل لتحويل اليورانيوم من الصين، ومفاعل لتكثيف أشعة الليزر من روسيا، ثم حاولت الحصول على المكونات اللازمة لتصنيع السلاح النووي، حيث ألقي القبض عام 1999 على طالب إيراني في السويد وهو يحاول تهريب صمامات إلكترونية ثلاثية إلى إيران؛ وهي تستخدم عادة في تصميم الأسلحة النووية. ولو كان بمقدور إيران الحصول على المواد الانشطارية المخصبة، لربما استطاعت إنتاج سلاح نووي خلال سنة واحدة أو سنتين، لذلك أصبح عليها الاعتماد على نفسها في إنتاج المواد النووية المخصبة الكافية لتصنيع رأس حربي نووي لصواريخها، حيث استطاعت الحصول سرًا على أجهزة طرد مركزي باكستانية، وتعمل حاليًا على تطويرها لزيادة معدلات تخصيب اليورانيوم، بالإضافة إلى تمكنها من تجنيد واستقطاب أهم الخبراء والفنيين العراقيين، وهذه عناصر قد تساعدها على امتلاك الأسلحة النووية.
هل تسعى طهران للسلاح النووي؟
ليس بالضرورة أن تنتج طهران السلاح النووي فهي تلوح ببرنامجها النووي لترهيب دول الخليج من جانب ومن جانب آخر تفاوض به أمريكا من أجل منحها دورًا أكبر في المنطقة وإطلاق يدها لتصدير ثورتها بشكل لا يتعارض مع المصالح الأمريكية،أما إذا استطاعت إيران إنتاج السلاح النووي فهذا سيعطيها حرية أكبر في تنفيذ مخططاتها على نطاق واسع ويؤدي إلى خلخلة كبيرة في موازين القوى بالخليج، كما سيعطيها مزية كبرى في التفاوض مع الغرب؛ لذلك وحتى لا تتضخم قائمة المطالب الإيرانية عند الجلوس على مائدة التفاوض الغربية تسعى الدول الكبرى لإجهاض المشروع النووي الإيراني، مع الأخذ في الاعتبار صبر هذه الدول على طهران مقارنة بما حدث مع العراق مما يؤكد وجود توافق سري على عدة قضايا، وإن كان كل طرف يسعى للحصول على أكبر قدر ممكن من المكاسب، من جهة أخرى الصراع الدائر بين الغرب وإيران الآن بشأن البرنامج النووي قد يخرج عن الحسابات، ويرى بعض الأطراف أن إيران تزايد في مطالبها فيصبح خيار استخدام القوة ولو بشكل محدود له الأولوية، وهو ما سيؤثر قطعًا على دول المنطقة سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا خصوصًا مع تهديد إيران بغلق مضيق هرمز، أضف إلى ذلك قدرة طهران على شحن الشيعة في لبنان وعدة دول خليجية قد يزيد من التوتر.
التغلغل الفارسي بالمنطقة:
قد يظن البعض أن التغلغل الإيراني في المنطقة ومخططاتها للسيطرة عليها جاء بعد ثورة الخوميني، والحقيقة أنه أقدم من ذلك ومنذ عهد الشاة، فإيران لم تنس أنها وريثة الإمبراطورية الفارسية، ولم تنس أن العرب بعد الفتح الإسلامي تمكنوا من القضاء على هذه الإمبراطورية؛ لذا فالأنظمة الإيرانية المتتابعة تحلم بعودة هذه الإمبراطورية على أنقاض الدول العربية، وطهران الخوميني التي تدعي الانتماء للإسلام هي من تحتفل بعيد النيروز المجوسي وهي من تطالب بتسمية الخليج العربي بالخليج الفارسي، وتقوم باضطهاد وقتل العرب الذين يعيشون تحت سيطرتها بإقليم الأحواز. لقد قامت إيران في وقت مبكر بتشجيع الهجرة لدول الخليج، وذلك للوصول لمجموعة من الأهداف وقد تحقق الكثير منها وهي:
1ـ إقامة صلات قوية مع بعض حكام الخليج، والدخول معهم في شراكات ومشاريع، ليتم تحقيق مكاسب تجارية للشيعة، إضافة إلى المكاسب السياسية والمذهبية.
2ـ احتكار بعض الأعمال التجارية، والسيطرة على القطاعات الاقتصادية الهامة مثل تجارة الذهب والصيرفة والمواد الغذائية..
3ـ الإقبال على شراء العقارات والمنازل، وتكوين أحياء خاصة بهم.
4ـ الحرص على الانخراط في الأجهزة العسكرية والأمنية، ودوائر الدولة المهمة والحساسة مثل إدارات الجنسية والجوازات، والهيئات الإعلامية، ودوائر الأراضي.
5ـ بناء حسينيات شيعية، واتخاذها مراكز للتوجيه والتحرك، ولنشاطاتهم المشبوهة، والعمل على تأسيس الهيئات الثقافية والاجتماعية والرياضية.
كما كانت طهران تقوم من ناحيتها بدعم الخطوات السابقة بما يلي:
1ـ توسيع الدائرة المتعلقة بدول الخليج في وزارة الخارجية، وضم موظفين لهم خبرة بمنطقة الخليج ومعرفة باللغة العربية.
2ـ إيجاد برامج عربية ترفيهية في الإذاعة الإيرانية موجهة إلى بلدان الخليج.
3ـ إعفاء مواطني دول الخليج من أية رسوم أو تأشيرة عند الدخول والإقامة في إيران.
4ـ إقامة إيران لمشاريع تجارية في الخليج، وإقامة مدارس تقوم بالتدريس باللغة الفارسية.
وقد أسفرت هذه الجهود عن نتائج جيدة للإيرانيين من أهمها:
1ـ نشر التشيع وأفكار الرافضة، من خلال نشر الكتب والأشرطة والمجلات واستغلال كافة المنابر السياسية والإعلامية والثقافية، والتأثير على بعض أهل السنة بحكم القرب والجوار، فقد قام المرجع الشيعي محمد الشيرازي خلال وجوده في الكويت (1971ـ 1980) بطباعة 100 ألف نسخة من كتاب المراجعات الذي ألفه عبد الحسين شرف الدين، وغيره من الكتب والنشرات من أجل نشر عقائد الشيعة وتثبيتها.
2ـ تسلط الشيعة على سكان البلاد الأصليين من السنة، وتهميشهم، وإيقاع الخلاف بينهم وبين حكام الخليج، ولعلّ ما يحدث في العراق اليوم من اعتداء الشيعة على السنة وممتلكاتهم وإقصائهم عن الحكم، واعتقال أئمتهم لمثال واضح، لكيفية استغلال الشيعة نفوذهم الذي تراكم عبر سنوات عديدة في محاربة أهل السنة وعقيدتهم.
3ـ تحول الشيعة إلى شوكة في حلق بلدانهم، ولاؤهم الأول والأخير لإيران، وقد أصبح الشيعة في الخليج في سنوات الثمانينات مثلاً الأداة التي تعاقب بها إيران هذه الدول نتيجة وقوفها مع العراق في حربه ضد إيران، فقد قام الشيعة في الكويت مثلاً ـ نيابة عن إيران ـ بتفجير العديد من المؤسسات والسفارات الأجنبية، ونشروا الرعب في ربوعها، وحاولوا اغتيال أميرها سنة 1985.
وفي البحرين ظلت إيران تثير شيعتها في سنوات الثمانينات وجزءًا من عقد التسعينات للانقلاب على الحكم، والتخريب في تلك الجزيرة.
4ـ رغم نجاح الشيعة في الحصول على جنسيات دول الخليج، وتمتعهم بحقوق المواطنة الاقتصادية والسياسية، ودخولهم في هيئات الدولة ومجلسها النيابية بشكل واسع، إلاّ أنهم مازالوا يسعون لمزيد من هذه الجنسيات، وقد أثيرت في العراق فضيحة حول قيام أنصار إيران في الحكومة بتوزيع الكثير من جوازات السفر على الإيرانيين من أجل دعم المرشحين الشيعة في الانتخابات، وكي يستطيع هؤلاء الشيعة الذين أرسلتهم إيران للعراق، الوجود والعمل بكل حرية وأمان، كما طالب مجلس محافظة النجف بمنح المرجع الشيعي الإيراني المقيم في العراق علي السيستاني الجنسية العراقية بسبب ما اعتبروه "الخدمات الجليلة التي قدمها للعراق"، وطالب مجلس المحافظة كذلك بمنح مراجع الشيعة الآخرين مثل بشير النجفي الباكستاني، وإسحاق الفياض الأفغاني، الجنسية العراقية.
التخويف بـ "إسرائيل"!
تخوف إيران وأتباعها في المنطقة دول الخليج من الكيان الصهيوني، وتدعي أن قوتها تصب في حماية دول الخليج من "إسرائيل"، وإذا سلمنا جدلاً بوجود خلافات بين إيران و"إسرائيل" فهي خلافات مرحلية على بعض قطع الكعكة وليس خلافات عقائدية؛ فالعلاقات التجارية متواصلة بين الطرفين بشهادة الكيان الصهيوني، وقد تم الكشف مؤخرًا عن صفقات لبيع الفستق الإيراني للكيان الصهيوني بدون علم واشنطن. إيران لم تطلق صاروخًا واحدًا من صواريخها طويلة المدى التي تجربها كل يوم على "إسرائيل" رغم الصخب الإعلامي الذي يقوم به مسئولوها ليل نهار، فلمن يا ترى ستوجه هذه الصواريخ؟! دول الخليج تجاوزت تمامًا مرحلة الانخداع بمعسول الكلام الإيراني، وظهر ذلك جليًا في تعليق أمين عام مجلس التعاون الخليجي على افتتاح طهران لمكاتب تجارية بالجزر الإماراتية المحتلة، وهي خطوة إيجابية تحتاج إلى مزيد من الخطوات العملية لتشكيل منظومة دفاع عربية؛ لمواجهة ما ستسفر عنه المفاوضات الإيرانية الأمريكية بشأن أمن الخليج.