الانتخابات العراقية وتهميش السنة
الجمعة 19 من ربيع الأول1431هـ 5-3-2010م
علي صلاح
يتوجه العراقيون إلى صناديق الاقتراع يوم الأحد لاختيار ممثليهم لشغل 325 مقعدا بمجلس النواب, في ثاني انتخابات برلمانية منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق عام 2003، يأتي ذلك في وقت تتصاعد فيه المخاوف من تكريس تهميش أهل السنة لمصلحة الشيعة الذين يسيطرون على مقاليد البلاد بدعوى أنهم يمثلون أغلبية السكان وجاء استبعاد عدد كبير من المرشحين السنة من الانتخابات ليؤكد هذه المخاوف التي تشير أيضا إلى تزايد التدخل الإيراني في شؤون البلاد ودعمها لتيارات شيعية بالمال والسلاح, وهو ما سيؤدي إلى المزيد من التوتر خصوصا مع تنامي انتشار العناصر المقربة لطهران في الجيش والشرطة.
تهميش مستمر:
وكان بعض المحللين قد عول على هذه الانتخابات من أجل إزالة الغبن الشديد الواقع على أهل السنة في البلاد إلا أن هيئة المساءلة التي شكلتها حكومة المالكي الطائفية أبت ذلك وأصرت عل إشعال التوتر الطائفي بعد استبعادها مئات المرشحين بحجة ارتباطهم بحزب البعث الذي تم حظره عقب الغزو, وقد ألمح البرلماني العراقي السني صالح المطلك أن قرار هيئة "العدالة والمساءلة" منعه خوض الانتخابات التشريعية بتهمة الانتماء لحزب البعث المنحل، هدفه تهميش العرب السنة. وقال المطلك خلال مؤتمر صحافي: "من يقفون وراء القرار يريدون أن يهمشوا أناسا عن الانتخابات كانوا قد همشوا بالقوة سابقا واليوم بالإجراءات التعسفية لكنني أقول لنذهب إلى الانتخابات مهما حصل لنغير الأمور".
وأضاف: "أليس غريبا أن يصدر قرارا بحق كتلة سياسية تمتد من الشمال للجنوب من قبل موظف بدرجة مدير عام لا يعرف عنه رئيس الجمهورية ولا نوابه بطريقة غادرة ومستهترة؟". وحول علاقة القرار بضغوط إيرانية قال المطلك: إن قرار استبعاده جاء هدية للنظام الإيراني.
تطهير عرقي:
من جهته, كشف إياد السمرائي أمين عام الحزب الإسلامي العراقي أن هناك (سيناريو) للتطهير العرقي يُمارس في العراق ضد أهل السنة، مؤكدًا على أن سجن "الجنادرية" الذي كُشِف عنه مؤخراً لأبلغ دليل على ذلك، موضحًا أن أهل السنة سيستمرون في نضالهم ضد المحتل حتى يترك المحتل البلاد داعياً كل طوائف العراق للالتحام خلف السنة لطرد المحتل.
وبشأن الانتخابات القادمة أضاف السمرائي: إن الإقصاء الذي فُرض على أهل السنة في الانتخابات السابقة أفرز نتائج سلبية خطيرة وقد لحقت مظالم كثيرة بأهل السنة من جراء ذلك؛ فإذا كنا قد قاطعنا الانتخابات الماضية مضطرين فإننا اليوم أشد حزماً وأكثر اندفاعاً للمشاركة، ولن نسمح لأحد أن يغيّبنا تحت أي ظرف. وتابع: "إن الذين سيتم انتخابهم من أهل السنة هم الذين سيعملون جهدهم لإنهاء الاحتلال، وعلى العراقيين ألاّ يفوتوا الفرصة عليهم، وتابع: إن الذين سيتم انتخابهم من أهل السنة سيتمتعون بحصانة برلمانية يستطيعون من خلالها أن يدافعوا عن المظلومين والمستضعفين، وأن يميطوا اللثام عما يتعرض إليه الناس الأبرياء من سجن وتعذيب وإجراءات تعسفية، ويعملون على تخليصهم من ذلك الجور والأذى، ولا يتم ذلك إلا بالمشاركة في البرلمان، لذلك صارت المشاركة واجبة".
التزوير وشراء الأصوات:
من أكثر المخاوف التي تحيط بالانتخابات العراقية هو شراء الأصوات من بعض الجهات وتوقع حدوث تزوير لمصلحة بعض النواب؛ فقد كشف عدد من العراقيين المقيمين في سوريا أن حزب ديني على علاقة بطهران قام بالاتصال بالعراقيين في سوريا وعرض عليهم مبالغ مالية كبيرة مقابل التصويت لمرشحيه في الانتخابات, كما حذر محلل سياسي عراقي من تزوير الانتخابات قائلا: "المفوضية العليا للانتخابات خاضعة لأحزاب السلطة ولا يوجد قانون للأحزاب حيث يحل للجميع شراء الأصوات واستخدام أموال الخارج وأموال الدولة وتسخير مؤسسات الدولة للحملة الانتخابية" وفي إشارة للائتلاف الذي يترأسه رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي قال: "من يفوز بالانتخابات سوف لن يكون الأكفأ والأنزه والأحسن والأجدر والأكثر شعبية ولكن من يفوز بها سوف يكون الأكثر كذبا ونفاقا ودجلا والأكثر استلاما للأموال الخارجية والأكثر اختلاسا لأموال الدولة والأكثر استغلالا لمؤسسات الدولة والدين والأكثر تزويراً لبيانات الناخب. من يفوز بالانتخابات سوف يكون الحزب الذي يبيع ضميره ومعه العراق لإحدى دول الجوار. من يفوز بالانتخابات هو الكيان المسيطر على قرارات المفوضية العليا للانتخابات. من يفوز بالانتخابات هو الائتلاف الذي كذب ملايين المرات على الشعب وأغرقهم بوعود لا يمكن تحقيقها حتى إذا امتلك مصباح علاء الدين السحري. من يفوز بالانتخابات هو من وزع البطانيات والخلاطات الكهربائية والمسدسات وكارتات التلفون. من يفوز بالانتخابات هو الائتلاف الذي اغرق جيوب شيوخ العشائر بملايين الدولارات المسروقة من المال العام".
إيران ودورها المشبوه:
أما عن الدور الإيراني في الانتخابات فحدث ولا حرج فقد كشف الجنرال رأى أودييرنو، قائد القوات الأمريكية في العراق في اجتماعاته مع الصحفيين خلال زيارته لواشنطن مؤخرا، الدور الذي يقوم به أحمد الجلبى، الذي ضغط على إدارة بوش لغزو العراق في 2003 وتُنسب إليه الآن صلاته الوثيقة بقوات الحرس الثوري الإيراني. وأشارت مصادر صحفية إلى أن أودييرنو أطلع القادة العراقيين في بغداد على تقارير استخباراتية أمريكية عن التدخلات الإيرانية في الانتخابات ومنها تقديم الأموال ومواد الحملة والتدريب السياسي للعديد من المرشحين والأحزاب السياسية, وتشجيع إقامة تحالفات لا يجمع عليها الساسة في العراق، في مسعى لتعزيز نفوذ الأحزاب التي تدعمها, ومنها دعم إيران جهود اجتثاث البعث التي خطط لها أحمد الجلبى بهدف إزالة العقبات المحتملة أمام النفوذ الإيراني. ووفقا لكل المصادر الاستخباراتية، فقد زار أحمد الجلبى إيران ثلاث مرات على الأقل منذ العام الماضي، بالإضافة إلى لقائه كبار القادة الإيرانيين في العراق في خمس مناسبات على الأقل.
تحذير من تفكيك الدولة:
من جهة أخرى ارتفعت أصوات لبعض أهل السنة محذرة من تفكيك البلاد فقال يحيي الطائي عضو الأمانة العامة لهيئة علماء المسلمين في العراق: إن الكثيرين ينظرون إلى الانتخابات المقبلة في البلاد بمعزل عن علاقتها بالاحتلال. لكن نظرتنا إلى الاحتلال لها أكثر من صفحة, هناك صفحات عسكرية وأخرى سياسية, وتمثلت الصفحات العسكرية بدخول المحتل وتحطيمه البنية التحتية وجميع مرتكزات الدولة التي كانت موجودة في العراق, أما الصفحات السياسية فهي مكملة لصفحات الاحتلال, لأن الاحتلال ما جاء فقط من أجل أن يدخل العراق وينهي أسطورة أو أكذوبة أسلحة الدمار الشامل, وإنما جاء بأجندة مشروع الشرق الأوسط الكبير , وتفكيك العراق إلى دويلات صغيرة ضعيفة . وحسب قوله العملية السياسية في العراق مبنية على أساس المحاصصة الطائفية والعرقية, أي تقسيم العراق إلى طوائف وأعراق , وبالتالي لا يوجد منهج انتخابي لأي حزب أو تكتل سياسي سوى الانتماء إلى هذا العرق أو ذاك , أو الانتماء إلى هذه الطائفة أو تلك, وبالتالي يتم خلق مجموعة من الاصطفافات لتمزيق النسيج الاجتماعي العراقي. وأضاف: إن المحتل أراد أن يكون العراق دويلات, وهذا ما نجده في الدستور شيء راسخ حتى في تشكيل الجيش, أي عندما يتطوع العراقي للدفاع عن بلده يجد أمامه النسب للأكراد كذا وللشيعة كذا , و تنسحب هذه الأمور إلى قواعد الشعب. وزاد الطائي: إن الدستور العراقي يحفل بالكثير من الألغام التي ستنفجر في المستقبل , علماً بأنه لا توجد مصالحة وطنية حقيقية الآن . إن القوى المناهضة للاحتلال تنازلت وجلست مع كل القوى في عام 2005 في مؤتمر عقد في جامعة الدول العربية. وتم هناك الاتفاق على عدة بنود من بينها إعادة النظر في الدستور. وقال الطائي: أيضا إننا لسنا ضد أية عملية سياسية حقيقية مبنية على أسس وطنية وعلى أساس الانتماء للعراق فقط أو الانتماء للأمة والانتماء إلى المحيط العربي".