عـــلاقات قـــديمة!
تؤكد المراجع التاريخية أن العلاقة بين جماعة الإخوان وبين قادة الحركة الشيعية بدأت قبل الثورة بسنوات طويلة، وكانت (دار التقريب بين المذاهب الإسلامية) عنصراً مهماً من عناصر التقارب الفكري بين الجانبين، وكان حسن البنا رحمه الله أحد الناشطين في الدار.
ومما يلفت في علاقة الإخوان المسلمين بالحركة الشيعية الإيرانية المناهضة للشاه في تلك الفترة، تلك الحميمة التي كان يكنها الإخوان لنواب صفوي، وهو أحد القيادات الشيعية الشابة الثورية، والذي كان زعيماً لمنظمة ثورية هي فدائيان إسلام (فدائيو الإسلام).
وقد كان الإخوان يعتبرون نواب صفوي واحداً منهم، ودعوه لزيارة مصر وسوريا في بداية عام 1954، والتقى قيادة الجماعة، وخطب في مهرجاناتها، وعندما اشتكى له زعيم الإخوان في سوريا د. مصطفى السباعي رحمه الله من انضمام شباب الشيعة إلى الأحزاب العلمانية والقومية، دغدغ صفوي عواطف الإخوان، وقال أمام حشد من السنة والشيعة: "من أراد أن يكون جعفريا حقيقياً فلينضم إلى صفوف الإخوان المسلمين".
وكما أسلفنا، فإن هذه العلاقة الحميمة بين الإخوان وإيران تفاوتت وتراوحت لظروف عديدة، من بينها العاقة الطيبة ما بين إيران وسوريا مثلا.
* حماس والعلاقة مع الشيعة!
قبل ذلك ينبغي الخوض في موضوع التشيع في فلسطين كتوطئة لتوضيح حقيقة ما يدور، فقد أثار الإعلان الأخير عن إنشاء مجلس شيعي أعلى في فلسطين، ردود فعل منددة ومستغربة.
أما الاستغراب فيعود إلى علم الجميع بأن فلسطين دولة سنيّة، ولا وجود لأقلية شيعية، فلماذا يقوم تجمع أو مجلس شيعي في دولة أهلها سنة. لكن المهتمين المتابعين للتمدد الشيعي في الدول الإسلامية، لم يجدوا الإعلان عن إنشاء "المجلس الشيعي الأعلى في فلسطين" أمراً مفاجئاً، ذلك أن إيران وبعض الجهات الحليفة لها تبذل جهوداً كبيرة، ومنذ سنوات طويلة، لنشر المذهب الشيعي في جميع دول العالم، وبخاصة في الدول السنيّة.
الحقيقة أن ثمة اختراقا شيعيا لأهل فلسطين من باب دعم الجهاد والمقاومة الفلسطينية، ولا يمكن لأحد أن ينكر ذلك، وقد شهدت فلسطين فيما مضى فترات طرأ فيها التشيع وانتشر، وذلك في القرن الرابع الهجري، خاصة تلك الفترة التي سيطرت فيها الدولة العبيدية الشيعية الإسماعيلية على بلاد الشام.
ومع عهود الضعف والاضطراب ظهرت من جديد جيوب شيعية في فلسطين، ففي عهد أحمد باشا الجزار الوالي العثماني، وقعت بينه وبين الجيوب الشيعية وقائع كثيرة، وتصدى العثمانيون لمحاولات الشيعة المتكررة لنشر وترسيخ مذهبهم في فلسطين، وبعد سقوط الدولة العثمانية ووقوع بلاد الشام تحت الاحتلال الفرنسي والبريطاني وتقسيم المنطقة، تم ضم بعض قرى جنوب لبنان الشيعية في حدود فلسطين حين جرى رسم الحدود عام 1927.
إلا أن الأهم حاضرا، انبهار الكثير من الفلسطينيين بتجربة ثورة الخميني إلى حد الهيام، كما الحال لدى كثير من الفلسطينيين المعجبين بتجربة الزعيم الشيعي حسن نصر الله. ولا يخفى هنا دور الإعلام الشيعي من خلال تلفزيون المنار في السيطرة على العقول قبل القلوب، من خلال خطاب إعلامي قومي وطني موجه يتصدى للقضية الفلسطينية ومحاربة الصهيونية والاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي يذيب جبل الجليد المتمثل في الموقف السني من الشيعة ما دامت نقاط الالتقاء أكثر من أن تحصى، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي يوليها حزب الله اهتماما أكثر من بعض الفصائل الفلسطينية.
هذا كله فضلا عن دعم إيران لبعض الأحزاب والفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها "حركة الجهاد الإسلامي"، مما نتج عنه تشيع عدد من قادة الجهاد
وبعيدا عن تأثر حركة الجهاد الإسلامي بإيران والشيعة وتشيع بعض قادتها مثل الشهيد د. فتحي الشقاقي رحمه الله، مؤسس الحركة وأول أمين عام لها، وقد كان أغلب المؤسسين لحركة الجهاد من المتعاطفين مع الثورة الخمينية، كعبد العزيز عودة. فما يهمنا هنا هو موقف وعلاقة حماس وتأثرها بإيران والشيعة، فقد كانت أولى انعكاسات ظاهرة التشيع على العلاقة بين الجهاد وحركة حماس، إذ كانت بعض أوساط حركة حماس تبدي قلقها من التشيع، وتشن حملة ضد المتشيعين، وتطور ذلك إلى اشتباك بين أنصار الحركتين في سجن "مجدو" الإسرائيلي في فبراير/ شباط 2، وبسبب النزعة السلفية لدى قيادة حماس في الخارج، فإن التشيع أو الاقتراب من الفكر الشيعي ظل بمنأى عن الكثيرين.
لكن الأمر تطور لاحقا إلى محاولات تصدير التشيع إلى حركة حماس، التي تعتبر امتدادا لجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين. وبعد ما مرت به حماس من ظروف أوهنت علاقتها بالدول السنية المعتدلة كالسعودية ومصر والأردن، جعلها تعتمد أكثر على إيران وسوريا، وشكل هذا نقطة ضعف في موقف حماس التي تعلم بالنشاط الشيعي في أوساط المخيمات الفلسطينية في لبنان وسوريا، وتعلم بما يلاقيه الفلسطينيون في منطقة البلديات ببغداد على يد قوات جيش المهدي وفيلق بدر الشيعيين، كما أن حماس لا يخفى عليها حقيقة مواقف حزب الله السياسية خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
وبسبب الاعتماد على إيران وسوريا، ولأن هناك تقاربا وتغاضيا ما بين الإخوان المسلمين وإيران والشيعة عموما، حصل نوع من التساهل أيضا من قبل قيادات حماس تجاه النشاط الشيعي، بل لقد وصل إلى حد التأثر أحياناً، ناهيك عن مشاركة رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل، في طقوس عاشوراء التي يقيمها حزب الله في لبنان بشكل سنوي تقريبا.
وهنا لا نتهم حماس بالتشيع، لكننا ننتقد تقصيرها في مواجهة المد الشيعي القائم على أسس استغلال وتسخير القضية الفلسطينية، ونحن نخاطب حماس الآن بصفتها الحكومية لا التنظيمية، فهي التي تقود الحكومة ومن واجبها ضبط الأمور في هذا الجانب لا التغاضي عنها.
العلاقة إذن بين الأطراف الثلاثة بدأت على أساس تلاقي المصالح، لكنها فقدت معناها عندما تحولت إلى مصلحة طرف واحد فقط.