مرفت عبدالجبار
بلمحة عامة لواقع المرأة في ظل الإسلام نجد العناية الكاملة بكل ما يتعلق بها من حقوق وواجبات، وعبادات وآداب وسلوكيات، وصون للكرامة، وعديد من المزايا التي حظيت بها في ظله؛ بل وتكريم الله تعالى لها بالذِّكرِ في كتابه الكريم، وتشريف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لها، وهو خير من امتثل المحامد وأرقى الصفات في كافة تعاملاته بما في مع المرأة، ووتوصيته بها خيراً حيث قال صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)، رواه الترمذي. كما قد جاء الخطاب لها في الأحكام والتكاليف الشرعية تماماً كخطاب الرجل، فهي تصلي وتصوم وتزكي، وتنال من الله تعالى ذات الثواب، بلا تفاضل بينهما إلا بما فضل الله تعالى به بعضهما على بعض سواء في أصل التكوين، أو التكاليف الخاصة. قال تعالى: ((إِنَّ الـمُسلِمِينَ والـمُسلِمَاتِ والـمُؤمِنِينَ والـمُؤمِنَاتِ والقَانِتِينَ والقَانِتَاتِ والصَّادِقِينَ والصَّادِقَاتِ والصَّابِرِينَ والصَّابِرَاتِ والخَاشِعِينَ والخَاشِعَاتِ والمـُتَصَدِّقِينَ والـمُتَصَدِّقَاتِ والصَّائِمِينَ والصَّائِمَاتِ والحَافِظِينَ فُرُوجَهُم والحَافِظَاتِ والذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا والذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا))، الأحزاب: 35. وقال جل شأنه: ((الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعضَهُم عَلَى بَعضٍ وبِمَا أَنفَقُوا مِن أَموَالِهِم))، النساء: 34.
وهي مزايا قد لا يجد المسلم والمسلمة من الأسباب ما يجعله يعددها أو يستحضرها إلا لعرضها لغير المسلمين، أو رد شبهة ما، وغيرها من الأسباب؛ وذلك لكونها واقعاً تعيش فيه المسلمات في ظل الإسلام، وحق لا يناقش فيه أحد.
لكن هذه الحقوق الشرعية التي منحها الله تعالى للمرأة، والمكانة العظيمة التي حظيت بها في ظل الإسلام، شذ عنها الشيعة الإمامية الاثنا عشرية في تعاملهم مع المرأة، الذين ينتسبون للإسلام ويدعون اتباعهم لمنهج أهل البيت، بينما الواقع يثبت مخالفتهم الصريحة لأهل البيت عقيدة وتطبيقاً.
فالناظر في واقع المرأة لدى الشيعة الإمامية، يجد فيه من الأعاجيب ما ليس له صلة بالإسلام جملةً وتفصيلاً، كما يجد أقوالا لا تقرها الشريعة إن لم تجرمها وتشنعها؛ وذلك لما فيها من مخالفة صريحة للدين والشريعة.
إن ما تعيشه المرأة الشيعية هو التطبيق الحرفي لما في كتبهم من ضلال وخرافة نادى بها كبار علمائهم، بعد أن اخترعها أسلافهم باقتباس كبير من أديان شتّى -تتقدمها اليهودية بطبيعة الحال، والتي زاد معاصروهم عليها من الضلال ضلالاً كظلمات بعضها فوق بعض.
فلو نظرنا لبعض صور التملك المالي للمرأة لوجدنا من الظلم والبخس ما يخالف الشريعة الربانية العادلة. مثال ذلك ما بوب به الكليني في الكافي (إنّ النساء لا يرثن من العقار شيئاً)، وروى فيه عن أبي جعفر قوله: "إنّ النساء لا يرثن من الأرض والعقار شيئاً"[1]. كما روى الطوسي: "سألت أبا عبدالله (ع) عن النساء ما لهن من الميراث، فقال: لهن قيمة الطوب والبناء والخشب والقصب، فأما الأرض والعقار فلا ميراث لهن فيهما"[2]. وجاء في الكافي أيضاً: "عن أبي جعفر (ع) قال: النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً"([3])([4]). وهكذا فإنهم يكيفون نصوص أئمتهم الوجهة التي يريدون -كشريعة إلهية، فيمنعون المرأة من الميراث[5].
أما اعتقادهم تجاه دور المرأة وأثرها في الحياة فهو يشابه عقيدة اليهود الذين جعلوها أصل كل الشرور ومنبت الخطايا؛ لكونها -كما يزعمون- السبب في خروج آدم -عليه السلام- من الجنة. والرافضة قالوا: "لولا النساء لعُبد الله حقًّا حقًّا"[6]! ممّا يوحي بأن سبب ضلال الناس أو الرجال -في دينهم- هو وجود النساء!
ولا أدري كيف توصلوا لهذا الفهم؛ والله تعالى قد جعل للمرأة مكانة موازية للرجل في ميدان العبادة، والتي ربما فاقته فيها في بعض الأحيان. فتلك مريم ابنة عمران، وآسيا امرأة فرعون، وزوجات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبناته، والصحابيات -رضي الله تعالى عنهن، وبقية صالحات الأمة حتى يومنا هذا، قال تعالى: ((إِنَّ الـمُسلِمِينَ والـمُسلِمَاتِ والـمُؤمِنِينَ والـمُؤمِنَاتِ والقَانِتِينَ والقَانِتَاتِ والصَّادِقِينَ والصَّادِقَاتِ والصَّابِرِينَ والصَّابِرَاتِ والخَاشِعِينَ والخَاشِعَاتِ والمـُتَصَدِّقِينَ والـمُتَصَدِّقَاتِ والصَّائِمِينَ والصَّائِمَاتِ والحَافِظِينَ فُرُوجَهُم والحَافِظَاتِ والذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا والذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا))، الأحزاب: 35. وقال -صلى الله عليه وسلم- قال: (الدُّنيَا مَتَاعٌ وخَيرُ مَتَاعِ الدُّنيَا المرأَةُ الصَّالِحَةُ)، رواه مسلم.
إن هذه الأقوال تدل على احتقار المرأة، واعتقاد نقص صلاحها، لدى هذه الطائفة. وهو ما يعزز لدى المرأة الشيعية شعوراً بالنقص والدونية، لأن ما يدعونه ما هو إلا إرادة الله تعالى في خلقها!
وفي تعاملهم مع النصوص المتعلقة بعلاقة الرجل بالمرأة هدم الشيعة الاثنى عشرية التهذيب اللفظي القرآني، والذي يعبر عن العلاقة الحنسية بين الزوجين بمفردات منتقاة، تحيطها البلاغة والعفة والطهر، فيكني بها في أدق صورها مراعاة للحياء والذائقة اللغوية والأخلاقية والفكرية. كما أعمل الشيعة معاولهم في سوء توظيفهم لتلك النصوص، وتوسعوا فيها توسعاً أهوج؛ لا يتسق وذائقة المسلم المهذبة شرعاً.
وأحالوا العلاقة بين الجنسين إلى "متعة" مطلوبة لذاتها، فأخرجوا العلاقة الشرعية من إطارها الشرعي المقدس، للإطار المشبوه أو المحرم. وهذا يهدم قيم الإسلام وأخلاقياته في سلوك الفرد الشيعي، حيث ترتبط هذه الصور بالدين وهو منها براء. ففي وسائل الشيعة: "عن ميسر قال: قلت لأبي عبدالله (ع): ألقى المرأة بالفلاة التي ليس فيها أحد، فأقول لها: لك زوج؟ فتقول: لا فأتزوجها؟ قال: نعم، هي المصدقة على نفسها"[7].
وكل ذلك يبعث على التساؤل: من أي شريعة جاءوا بهذا؟! بل وأين سلوك الاحتشام في التعامل مع النساء، والغيرة الإسلامية والحرص على نساء المسلمين؟!
إن هذه النصوص تهدم المثل في نفس المرأة التي أَنبَتَ الله تعالى في فطرتها الحياء! ومن التناقض أن يتحدث مراجعهم عن آداب اللباس الشرعي للمرأة الشيعية، والبعد عن التشبه بالغرب، بينما هم -في المقابل- يهدمون أصول دينها وحياءها بهذه الفتاوى المرذولة.. ويدفعونها للفتن التي يحذرون منها في منابرهم دفعاً -شرعاً ونصاً وعرفاً!
ومن مظاهر بخسهم من حقوق المرأة تلاعبهم في حق تعلمها أمور دينها، خاصة تعلمها خير العلوم وأجلها: كتاب الله تعالى. فتجدهم يمارسون في الحث على تعليمها الانتقائية والهوى، وذلك من خلال حض المرأة على تعلم بعض سور القرآن ورفض بعضها، كتدارس وفهم سورة يوسف -عليه السلام، تلك السورة الممتلئة بالكثير من الآداب والأخلاق، فادَّعوا أنَّ علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- قال: "لا تعلموا نساءكم سورة يوسف، ولا تقرئوهن إياها، فإن فيها الفتن، وعلموهن سورة النور فإنَّ فيها المواعظ"[8]. والله تعالى يقول عن كتابه الكريم في حثه للمسلمات على تلاوته وتعلمه بلا تبعيض أو تخصيص: ((واذكُرنَ مَا يُتلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِن آيَاتِ اللَّهِ والحِكمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا))، الأحزاب: 34.
ولنا أن نتخيل بعد فرض الكثير من هذه التعاليم المغلوطة والمخالفة للشرع على النساء في الدين الشيعي: ما الشخصية المتوقعة لهن في ظل (تطبيقهن) لدينهن الرافضي؟!
وفي حين نجد في مجال التربية أنَّ نساء أهل السنة يتسابقن في تعليم بناتهن سير أمهات المؤمنين –رضي الله عنهن، وبناته، والصحابيات الجليلات –رضي الله عن الجميع، ويقدمن لهن من خلال سير هؤلاء النسوة القدوة والمثال والنموذج على الإيمان والعبادة والأخلاق والوظيفة الطبيعية للمرأة في المجتمع المسلم، ويشرفن بناتهن بتسميتهن على أسمائهن، وحب التكني بهذه الأسماء، نرى الشيعة يربون بناتهم على كراهيتهن وبغضهن، والطعن فيهن! والتقرب إلى الله تعالى بسبهن والنيل من أعراضهن! وهن يدخلن في قوله –صلى الله عليه وسلم: (لا تَسُبُّوا أَصحَابِي؛ فَإِنَّ أَحَدَكُم لَو أَنفَقَ مِثلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدرَكَ مُدَّ أَحَدِهِم ولا نَصِيفَهُ)، رواه البخاري ومسلم.
وإذا كان رجال الشيعة يفقدون أي حيز لإبداء الرأي ونقد آراء مرجعياتهم، كونهم يعتبرون أن الردَّ عليهم ردا على الله تعالى! كما نقَلَ المجلسي عن الكاظم قوله: "ألا وإن الرادّ علينا كالرادِّ على رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن رد على رسول الله (ص) فقد رد على الله"، فإن المرأة لا تملك أن تعترض على هذا الظلم والتعسف.
إن هذه الصورة من التحجر والتبعية المطلقة لا يقرها الإسلام، فالإنسان في الإسلام له حرية التفكير بعد اتباعه لكتاب الله تعالى وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم، وله حرية النقاش والاستفسار عمَّا أشكل عليه -خاصة في أمور دينه، بل والردُّ حتى على العالم إذا جاء بما يخالف الشرع أو أخطأ؛ لأن الحقَّ عند أهل السنة يكون حيثما وجد الدليل الشرعي لا في الشخوص والذوات، كما قال الإمام مالك -رحمه الله تعالى: "كل يُؤخذ من كلامه ويُرد إلا صاحب هذا القبر".
أما حرية تعبير المرأة عند الاثنى عشرية فهي أن تكون في كثير من الأحيان "إمعة"، تردد بلا استيعاب أو استيضاح لما جاء في دينها وتطبيقاته السلوكية؛ بل نجدها في عاشوراء -على سبيل المثال- أول من تزف فلذة كبدها لألوان الأذى الجسدي باسم عزاء الحسين، بكثير من التعصب المقيت!
وفي المجال الاجتماعي تُقاد المرأة عند الشيعة بـ"اسم الدين" إلى الرذائل (حرفياً)، تحت شعار "المتعة"، ولا يستطيع المرء أن يفهم كيف تتربى المرأة زوجة وابنة وطفلة على فتاوى مخالفة كفتوى الخميني المشؤومة في تحرير الوسيلة، والتي لم يستثنِ منها حتى الرضيعة؟! وهي معاملة مرذولة عامة تشمل نساء العامة في الطائفة الشيعية، بينما نجد مراجعهم بالمقابل لا يرضون تطبيق هذه الفتاوى على بناتهن!! ولا شيء أعظم من أن تهدر وتمتهن كرامة المرأة باسم الدين.
ولو خرجت المرأة الشيعية على تلك التعاليم وتبين لها خطؤها، أو لم تتقبل بعضها، أو نادت بحقوقها وحريتها الموافقة للشرع الصحيح، لنالت في سبيل ذلك الكثير من صنوف الإذلال والتنكيل. وبالرغم من ذلك هناك الكثير من العاقلات اللاتي ينتسبن للمذهب الشيعي، ممن من الله تعالى عليهن بالنباهة وسلامة الفطرة، ينبذن هذه السلوكيات الخاطئة وبخاصة المرتبطة بامتهان المرأة باسم الدين[9]، لكنهن لا يسلمن من الأذى والتسلط والسجن أو حتى القتل!
واسألوا واقع القمع الإيراني -على سبيل المثال- ضد الشيعيات في المعتقلات، والانتهاك الواقع على إنسانيتهن. كقصة "ريحانة جباري"، التي اعترفت بأنها طعنت بالسكين مسؤولًا سابقًا في وزارة الاستخبارات الإيرانية مرة واحدة في الظهر دفاعًا عن النفس؛ وكان ردها عندما سألها القاضي: لماذا قتلتِه؟! "دفاعاً عن شرفي"، قال لها: ذلك ليس مبرراً! فقالت: لأنك بلا شرف!
هذه هي مكانة المرأة عند الشيعة الإمامية: مذهب يمتهن المرأة بامتياز. وأدق وصف يعبر عن حال المرأة في العقلية والدين الرافضي هو " الاستغلال " بكل ما تعنيه الكلمة، سواء على المستوى الديني أو الفكري أو الاجتماعي.
ولا تعد تعاليمه إلا كوارث لا يقرها دين ولا عقل ولا فطرة ولا سلوك سليم؛ بل لو اطلعت عليها المنظمات الحقوقية -التي لطالما رفعت لواء الاتهام للإسلام بالقسوة في عنايته بالمرأة وموقفه الرافض لكل صور الإسفاف الذي يمتهن كرامتها- لانتحرت جماعياً من بشاعتها!
يقول الشيخ د.ناصر القفاري: "وكنت أظن أن هذا انحراف في واقعهم تنكره أصولهم ولا يقره مذهبهم، وينبذه رجال دينهم، ولكني حينما وقفت على مصادرهم أثناء دراستي للتشيع -في مرحلتي الماجستير والدكتوراه وما بعدها- رأيت أن هذا الابتذال ثمرة مُرّة لما جمعته مصادرهم من نصوص منسوبة كذبًا لبعض آل البيت، تتضمن امتهانًا للمرأة، وظلمًا لها، وانتقاصًا من مكانتها، وانتهاكًا لحقوقها، وأنواعًا من التمييز والاستعلاء الذكوري المقيت ضدها، وحرمانها من أيسر حقوقها التي كفلتها لها شريعة الإسلام كالميراث والحياة الزوجية الآمنة المستقرة، بل تنتهي هذه النصوص إلى أن المرأة مصدر كل الشرور، ووصفها بأوصاف لا تليق بدينها، بل ولا بإنسانيتها"[10].
المصدر : مركز التأصيل للدراسات والبحوث
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] فروع الكافي، للكليني: ج7/127.
[2] التهذيب: ج9/254.
[3] الكافي: ج7/127.
[4] رأى بعضهم إن المقصود بهذه الأدلة "الزوجات فقط"! وهي مغالطة أخرى فيها حرمان للمرأة من حقها الشرعي في الميراث، أياً كان وضعها الاجتماعي؛ بل ويلزم من قولهم هذا أن النصوص هنا تشمل حتى فاطمة -رضي الله تعالى- عنها؛ إذ لو سبقها علي -رضي الله تعالى عنه- بالوفاة لحرم عليها إرثه!
[5] ثم يبتدرون الصحابة بعد ذلك بالشتم واتهام النية، بما في ذلك الصديق –رضي الله عنه، في قولهم أنه منع أرض فدك لفاطمة -رضي الله تعالى عنها!
[6] من لا يحضره الفقيه: ج3/390، وسائل الشيعة: ج20/35.
[7] وسائل الشيعة: ج21/31، باب تصديق المرأة في نفي الزوج.
[8] الكافي: ج5/516، وسائل الشيعة: ج20/177.
[9] هناك كثير من النساء المنتسبات للتشيع يستنكرن هذه العقيدة ويأبينها ويحاربنها فطرة.
[10] مقال "حقوق المرأة في المذهب الشيعي" للشيخ القفاري، مجلة البيان، العدد: 335، رجب 1436هـ، إبريل- مايو 2015م.