معاوية بن أبي سفيان في ميزان أهل الإيمان (1)

بواسطة د. خالد الخالدي قراءة 2049
معاوية بن أبي سفيان في ميزان أهل الإيمان (1)
معاوية بن أبي سفيان في ميزان أهل الإيمان (1)

د. خالد الخالدي

الذي يدرس تاريخ معاوية بن أبي سفيان، ويتأمل في صفاته ومناقبه وجهاده وإنجازاته وخدماته للإسلام والمسلمين، وثناء النبي (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه عليه ودعائهم له، وثقتهم به؛ لا يملك إلا أن يحبه ويعجب به، ويتمنى لو أنه ظل حاكمًا للمسلمين الدهر كله، يجمع كلمتهم، ويوحد صفهم، ويحلم على مسيئهم، ويقرب محسنهم، ويعدل بينهم، ويطور دولتهم، ويمكر ضد أعدائهم، ويواصل غزوه وفتحه لبلادهم.

ولا عجب ممن تربى بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على هدي كتاب الله وسنة رسوله أن يكون بهذه الخيرية والاستقامة، وإنما العجب من بعض المسلمين الذين لا يقدرون هذا الصحابي الجليل، ولا يحبونه، ولا يعرفون من تاريخه إلا قصة الخلاف بينه وبين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، حتى هذه القصة لا يعرفونها على حقيقتها، بل من خلال رواة جهلة حاقدين شوهت الشعوبية عقولهم، وأغلظت الطائفية قلوبهم، فصاروا لا يكرهون ويلعنون معاوية وبني أمية فحسب، بل أيضًا أبا بكر وعمر وكل من أسهم من الصحابة الكرام في إسقاط دولة أجدادهم المجوسية.

إن الأمة التي تملك رجالًا كعلي ومعاوية وعمر وأبي بكر وعثمان وغيرهم من الصحابة الكرام ينبغي أن تفخر بتاريخهم، وتسطره بماء الذهب، وتعلِّم سيرهم الرائعة للأجيال تلو الأجيال؛ ليظلوا محبين لأجدادهم وقادتهم مقتدين بهم، فتعز الأمة وتسود مثلما عزت وسادت قرونًا من الزمن على أيدي هؤلاء الكرام الكبار، ومن ساروا على دربهم، أما إذا عُرِض تاريخ هؤلاء الأجداد بصورة مشوهة، ورُبِّي الأبناء والأحفاد، ونُشِّئت الأجيال على كرههم ولعنهم، فلن تعز الأمة ولن تعود إلى السيادة التي فقدتها، وستبقى مهينة مغلوبة مقهورة؛ لأن أبناء المسلمين لن يجدوا من يقتدون به إلا مشاهير الغرب العابثين الساقطين الفاقدين للإيمان والأخلاق والقيم.

وتلكم بعض فضائل معاوية التي سجلها له التاريخ في زمن النبي (صلى الله عليه وسلم)، نسجلها من أصح مصادر السنة النبوية والتاريخ:

أولًا: أسلم معاوية في سنة (7هـ = 628م)، أي قبل فتح مكة، وليس في عام الفتح، كما يظن بعضٌ؛ لأنه قال: "أسلمت يوم القضية، ولقيت النبي (صلى الله عليه وسلم) مسلمًا"، وقال: "أسلمت يوم القضية وكتمت إسلامي خوفًا من أبي"، ومعاوية مصدَّق فيما يقول، وأدرى بما في قلبه من الناس الذين لم يعلموا بإسلامه إلا بعد أن أظهره يوم فتح مكة، فظنوا أنه أسلم وقتئذ، وبذلك يكون معاوية من الذين شرفهم الله (تعالى) بالإسلام قبل الفتح.

ثانيًا: شهد مع النبي غزوتي حنين والطائف، وأيضًا غزوة تبوك، وإنه لفضل عظيم لمعاوية أن يقاتل مع النبي وتحت قيادته.

ثالثًا: استأمنه النبي على كتابة الوحي، فقد ثبتت كتابته لرسول الله في الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم، فعن ابن عباس قال: "كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه، فقال للنبي: "يا نبي الله، ثلاث أعطنيهن"، قال: "نعم"، قال: "عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها"، قال: "نعم"، قال: "ومعاوية تجعله كاتبًا بين يديك"، قال: "نعم"، قال: "وتأمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين"، قال: (نعم)".

ولا شك أن اختيار معاوية كاتبًا للوحي ولمراسلات النبي الخاصة شرف رفيع، وفضل عظيم لمعاوية، ومؤشر واضح على الثقة التي نالها من رسول الله، إذ يستحيل أن يكلفه بهذه المهمة لولا تيقنه من صدقه وأمانته وعدالته.

رابعًا: دعا له النبي فقال: "اللهم علم معاوية الكتاب والحساب وقه العذاب"، ولما عزل عمر بن الخطاب عميرًا بن سعد عن حمص ولى معاوية، فقال الناس: "عزل عميرًا وولى معاوية!"، فقال عمير: "لا تذكروا معاوية إلا بخير، فإني سمعت رسول الله يقول: (اللهم اهد به)"، وفي رواية أخرى أنه قال لمعاوية: "اللهم اجعله هاديًا مهديًّا واهد به". وما أعظمه من فضل أن يدعو النبي (عليه الصلاة والسلام) لمعاوية بالهداية والمغفرة!

خامسًا: يعد معاوية بن أبي سفيان خال المؤمنين؛ لأنه أخو أم المؤمنين أم حبيبة، وكان معاوية يفخر بذلك، إذ روي أنه خاطب الحسين بن علي فقال: "سألتك بالله يا أبا عبد الله، أليس أنا خال المؤمنين؟!"، فقال: "إي والذي بعث جدي نبيًّا"، ثم قال: "سألتك بالله يا أبا عبد الله، أليس أنا كاتب الوحي؟!"، فقال: "إي والذي بعث جدي نذيرًا"، وإنه لفضل يحق لمعاوية أن يفخر به، فأم حبيبة أم للمؤمنين في كل زمان ومكان، وبذلك يكون معاوية خالًا للمؤمنين في كل زمان ومكان.

سادسًا: روى معاوية عن النبي 169 حديثًا، أخرج البخاري ومسلم عددًا منها؛ قال محمد بن سيرين: "كان معاوية إذا حدَّث عن رسول الله لم يتهم"، وعلى الرغم من الشروط الدقيقة والصعبة التي وضعها كلٌّ من البخاري ومسلم في الرواة الذين يقبلان روايتهم للحديث النبوي اعتمدا عددًا من الأحاديث التي رواها معاوية في صحيحيهما، وكيف لا يأتمنانه ويعتمدان أحاديثه، وقد استأمنه الرسول (صلى الله عليه وسلم) على كتابة القرآن الكريم الذي ينزل به الوحي من السماء؟!...

يتبع...

فلسطين اون لاين



مقالات ذات صلة