الأردن والاستعصاء على الأطماع الإيرانية

بواسطة أسامة شحادة قراءة 2222
الأردن والاستعصاء على الأطماع الإيرانية
الأردن والاستعصاء على الأطماع الإيرانية

 أسامة شحادة

تمهيد:

إن الأطماع الإيرانية بالتوسع والهيمنة لا حدود لها، وهي تشمل الأردن لعدة أسباب منها: الانتقام من دعم الأردن للعراق في حربه ضد إيران (1980 – 1988م)، وإكمال الهلال الشيعي، ومحاصرة دول الخليج من الشمال، وفك ارتباط الأردن بمحور الاعتدال، وزيادة التلاعب بملف القضية الفلسطينية.

ولذلك فالعلاقة الأردنية الإيرانية متوترة غالبا، وهادئة أحياناً، لكنها لم تستقر ولن تزدهر في ظل بقاء نظام الملالي.

مسار العلاقة الأردنية الإيرانية:

منذ زوال حكم الشاه في طهران وظهور نظام الخميني والملالي، والعلاقة الأردنية الإيرانية متوترة، فبسبب شيء من الصداقة الشخصية التي كانت بين الشاه والملك الحسين، وبسبب الوعي المبكر والشخصي للحسين بحقيقة التشيع([1])، انخرط الحسين بقوة في دعم وتأييد الرئيس العراقي صدام حسين في حربه ضد إيران ومشروعها العدواني، لدرجة مشاركة الحسين بنفسه في إطلاق أول قذيفة مدفع من الجبهة العراقية على القوات الإيرانية، مما ترك حقداً شخصياً عليه من قبل الإيرانيين.

من اللافت للنظر أنه برغم وعي الحسين لحقيقة التشيع وسماح الدولة بنشر العديد من الكتب عن الخطر الإيراني وحقيقة التشيع العدواني الذي يتبناه الملالي لم يتكون وعي شعبي بذلك ولا حتى عند منتسبي الدولة المدنيين والعسكريين، وانحصر تأثير هذه الكتب في قطاع بسيط من المجتمع الأردني وهو قطاع المتدينين السلفيين فقط، ولم يتوسع هذا الوعي بخطر المشروع الإيراني والشيعي في الأردن إلا بعد مرور سنتين على الثورة السورية فأصبح هناك وعي أردني عام بخطورة العدوان والإجرام للتمدد الإيراني في المنطقة.

بل وجدنا شريحة من المسؤولين في الدولة وبعض النواب والسياسيين وخاصة من أصحاب الهوى السوري يطالبون بالانفتاح على إيران بل والتحالف معها، لكنهم لم يتمكنوا للآن من قطع شوط كبير في هذا الاتجاه.

بعد تجرع الخميني السم وإعلان وقف الحرب، ومجيء رفسنجاني الذي أعلن التهدئة والانفتاح تحسنت قليلا العلاقات السياسية بين الجانبين، وأغلق الأردن مكتب المعارضة الإيرانية (مجاهدي خلق) في عمان، وإن بقي الهاجس الأمني الأردني قلقا من أطماع إيران وتحركاتها، خاصة أن الأردن لم يكن راضياً عن التدخل الإيراني في لبنان والقضية الفلسطينية وموقف إيران من عملية السلام.

وفعلاً كُشف في سنة 2001 عن ضبط خلية مسلحة لحزب الله اللبناني تسللت للأردن([2])، فتوترت العلاقات حتى امتنع الملك عبد الله الثاني عن حضور القمة العربية في بيروت سنة 2002م بسبب مخاوف أمنية من نية حزب الله تجاه الملك.

وبعد مجيء خاتمي لسدة الحكم وإعلانه سياسة الحوار والانفتاح تحسنت العلاقات بين الجانبين وزار الملك عبد الله طهران سنة 2003م، ولكن مع وقوع الاحتلال الأمريكي للعراق في نفس العام وقيام إيران باستغلال ذلك لمصالحها الطائفية عاد التوتر للعلاقات وتصاعد القلق الأردني من السياسة الإيرانية، وكان الحدث الأبرز في ذلك تصريح الملك عبد الله الثاني وتحذيره من خطورة الهلال الشيعي في سنة 2004م، والذي لقي هجوماً إيرانياً كبيراً.

وبقيت العلاقات بين الجانبين متوترة منذ ذلك الوقت بسب إدراك القيادة الأردنية لتناقض سياسة البلدين، فالأردن يرفض السياسة الإيرانية التوسعية والعدوانية والطائفية، كما أنه ركن أساس في محور الاعتدال العربي.

ولذلك رفضت إيران مراراً محاولات الأردن لإسناد سنة العراق ومن ثم سنة سوريا، من خلال جمع الفرقاء في مؤتمرات جامعة لمحاولة بناء موقف موحد، ما دعا عددا من المسؤولين الإيرانيين إلى إطلاق التهديدات والوعيد بخطورة هذا المسار، لما له من انعكاسات كبيرة في حالة نجاحه على المخططات الإيرانية الرامية للسيطرة التامة على العراق وسوريا.

كما أن الأردن بحسب تسريبات ويكيلكس لم يكن يعول على مصداقية إيران في المفاوضات النووية وأنها تراوغ، ولذلك كان رأي الملك أن المزاوجة بين المفاوضات والتهديد العسكري والعقوبات هي الوصفة الأنفع في التعامل مع إيران، وقد انعكس هذا في محاولة إيران تأليب الغرب على الأردن في موضع إنشاء مفاعل نووي سلمي للأغراض العلمية!

وبسبب هذا التناقض الدائم في سياسة البلدين والتجاوزات الإيرانية المتكررة سحب الأردن عدة مرات سفراءه من طهران، ولا تتجاوز البعثة الدبلوماسية الأردنية هناك ثلاثة أشخاص غالباً، فيما حجم البعثة الإيرانية الدبلوماسية في عمان كبير وبالطبع نسبة الأمنيين فيهم كبيرة في مؤشر على أهمية الساحة الأردنية للأطماع الإيرانية في الأردن.

ومع قيام الثورة السورية وانخراط حزب الله اللبناني ومن ثم إيران في محاربة الثورة الشعبية، أصبح هناك احتكاك مزعج بين الطرفين، حيث شهدت الحدود الأردنية السورية تجمعا لحشود شيعية لبنانية وعراقية وإيرانية، أقلق الأردن بشدة.

ومع نجاح إيران في عقد صفقة الاتفاق النووي، شعر الأردن أن الظروف الإقليمية أصبحت في صالح إيران، فلذلك خفف من العداء المعلن لها، وأيضاً اتخذ بعض الخطوات للتهدئة، فقام وزير الخارجية الأردني بزيارة مفاجئة لطهران لبحث حقيقة أهداف الحشود الإيرانية والشيعية على حدوده مع سوريا، وهي الزيارة الأولى بعد انقطاع لثماني سنوات.

لكن لم تسفر هذه الزيارة عن تحول كبير في العلاقات البينية، بل سرعان ما انضم الأردن للتحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن ضد الحوثيين وكلاء إيران، وفي سوريا لا تزال السياسة الأردنية لا تصطدم بالسياسة الإيرانية مباشرة لكنها لا تتساوق معها تماماً، وهو ما تجلى في رفض واعتراض إيران على تكليف الأردن بتقديم لائحة بالجماعات المتطرفة في سوريا، لأن إيران تعتبر كل مخالفي الأسد متطرفين، وهو ما لا تقبله عمّان.

عمّان تستشعر الموقف العدائي لها من إيران بشكل مباشر أو غير مباشر عبر حلفائها وشركائها كما في حالة الحكومة العراقية الشيعية التي تثير الكثير من المخاوف والمتاعب للأردن، وذلك عبر التضييق على الصادرات والواردات الأردنية، وتهديدات من بعض الفصائل الشيعية العراقية المرتبطة بإيران، فضلاً عن السياسة الطائفية العدوانية التي تتبناها حكومة العراق تجاه مواطنيها السنة. 

عبث إيران لاختراق الساحة الأردنية:

حاولت إيران العبث بالساحة الأردنية عبر مداخل متعددة، مما يدل على مدى حرص إيران على اختراق الأردن من جهة، وعلى سعة حيلة إيران ومكرها من جهة أخرى، ومن هذه المداخل:

- الحركة الإسلامية: فعلى خلاف العلاقة المتوترة بين الحكومة الأردنية وإيران منذ اللحظة الأولى لقيام جمهورية الخميني، كان موقف الحركة الإسلامية في الأردن مرحبا ومؤيدا للخميني منذ اللحظة الأولى، حيث شارك المراقب العام لجماعة الإخوان في الأردن وفد جماعة الإخوان العالمي بزيارة الخميني وتهنئته بالحكم والجمهورية الجديدة، كما تم إقامة احتفال كبير لنجاح الثورة الإيرانية في المسجد الحسيني وهو أهم مساجد العاصمة عمان، وبقي موقف الحركة الإسلامية مؤيدا لإيران في حربها مع العراق.

ومع تحسن العلاقات السياسية بين البلدين بعد وفاة الخميني، أصبحت الحركة الإسلامية ضيفا مركزيا على احتفالات السفارة الإيرانية بعمان في مناسبات مثل أسبوع القدس، وقد ترافق هذا مع تصاعد علاقة حركة حماس بإيران.

ومما ساهم في توطيد هذه العلاقة تلاعب إيران بورقة القضية الفلسطينية من خلال الشعارات البراقة ومناسبة يوم القدس في رمضان، ومعلوم اهتمام الحركة الإسلامية بفلسطين، وجاء تقارب حماس مع إيران -عقب إخراجها من الأردن- ليقوى الصلة بإيران، وذلك أن حماس كانت جزأً من الحركة الإسلامية الأردنية ثم استقلت تنظيمياً.

وهذه العلاقة الوطيدة بين الإخوان وإيران هي ما دعت الحكومة لاتهام الحركة الإسلامية وإيران بالتعاون في تأجيج الشارع الأردني مطلع الربيع العربي، خاصة مع تصريحات القيادة الإيرانية العليا بأن إيران هي ملهمة الربيع العربي!!

وقد نقلت جريدة القبس الكويتية عن وكالة أخبار إيرانية مطلع سنة 2015 عن قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في ندوة بطهران بعنوان "الشباب والوعي الإسلامي" عن قدرة إيران على تحريك الشارع الأردني ضد الحكومة والنظام، وهو ما نفته السفارة الإيرانية بعمان!

ولكن قيام الثورة السورية وانحياز الإخوان وحماس لصالح الثورة السورية ضد الموقف الإيراني الذي دعم إجرام بشار أوجد قطيعة بين الطرفين، كما أوجد حالة وعي عام في المجتمع الأردني تجاه العدوان والأطماع الإيرانية، وتكشف استطلاعات الرأي في الأردن عن تراجع كبير في شعبية إيران وحزب الله بعدما كان لهما معجبون كثر.

- السياحة الدينية: حاولت إيران اختراق الأردن عبر دعوى ترويج السياحة الدينية لقبر جعفر الطيار رضي الله عنه بمنطقة المزار بمحافظة الكرك في جنوب الأردن، وذلك بعد أن أقيمت طقوس عاشوراء عدة مرات من قبل العراقيين الشيعة في حقبة التسعينيات من القرن الماضي، حيث عرضت على الأردن إقامة مطار هناك وتسيير رحلات ثابتة تنقل نصف مليون سائح إيراني سنوياً، وقد تنبهت السلطات الأردنية لحقيقة الغايات الإيرانية خلف هذا العرض السياحي، حيث تهدف إيران لإقامة نوع من المستوطنة الإيرانية لها في المنطقة على غرار ما حدث في دمشق قرب قبر السيدة زينب، حيث تحولت منطقة السيدة زينب إلى منطقة فارسية، وليست منطقة عربية، ورغم المحاولات الإيرانية العديدة والمستمرة لأكثر من عقد ترفض السلطات الأردنية ذلك وتعترض على مفهوم السياحة الدينية التي ترتبط ببقعة محددة دون سائر المناطق السياحية الأردنية، كما أن الأهالي في منطقة المزار أعلنوا عن رفضهم بالسماح للزوار الشيعة بالتوطن بينهم وإقامة الشعائر الشيعية والتأثير على أبنائهم وبيئتهم، ولذلك قام بعض الأهالي بحرق مقر للطائفة الإسماعيلية الشيعية التي حاولت بناء أول شقق فندقية وقاعة لاستخداماتهم الدينية.

- المشاريع الاقتصادية: حاولت إيران التسلل للأردن عبر مدخل المشاريع الاقتصادية، فيروي السفير الأردني السابق في طهران د. بسام العموش أن إيران عرضت إقامة مشروع نقل مياه حوض الديسي للعاصمة عمان، فرحّب الأردن وطلب من الإيرانيين دخول المناقصة الخاصة، ولكنهم اشترطوا إحضار العمالة الخاصة بالمشروع من إيران، وهنا رفض الطلب لأن السلطات أدركت نوعية العمال التي ستحضر وأنها مرتبطة بالحرس الثوري الذي يسيطر على كثير من الشركات في إيران!

ومرة أخرى صرح السفير الإيراني في مقابلة مع فضائية أردنية عن استعداد بلاده بتوريد النفط للأردن مجاناً لثلاثين سنة، ولقي العرض ترحيبا من الصحافة الموالية لإيران وفرح الشارع الأردني بالعرض، لكن في الحقيقة لم يقدم السفير عرضاً رسمياً للحكومة، وإنما حملة دعائية أطلقها في إحدى الفضائيات وسرعان ما تنصل منها ببيان من السفارة قال فيه: لم تفهموا علي!

كما أن إيران تعمل على الإيحاء لأردن بقدرتها على الضغط على حكومة العراق الشيعية الموالية/التابعة لها لمد أنبوب نفط للأردن وللتصدير عبر ميناء العقبة، وهي اغراءات توريطية في الحقيقة ولا جدية فيها.

- نشاطات السفير المزعجة: السفير السابق مصطفى زادة، كانت له نشاطات مريبة وتحركات مشبوهة، فعقب التقائه ببعض الشخصيات من محافظة معان ودعوته لهم لزيارة طهران، فضلا عن تصريحاته الاستفزازية تجاه الأردن، وكان مركز دراسات تابع للخارجية الإيرانية أصدر دراسة أوصت باستغلال الأوضاع الاقتصادية الصعبة لعدد من الدول العربية منها الأردن لزيادة نفوذها فيها.

ومما يتصل بهذا تجاوزات حليف إيران السفير السوري السابق بهجت سليمان رئيس المخابرات السورية سابقاً، والتي كانت تشمل تحريض الشارع الأردني على الحكومة والإساءة للأردن واستقطاب كثير من الشخصيات الموالية لبشار في الأردن والذين أصبحوا أيضاً انصار طهران في الأردن، حتى طلبت الأردن مغادرته لها خلال ساعات بعد إنذاره عدة مرات.

- القوى اليسارية: كانت إيران من خلال العزف على وتر القضية الفلسطينية تستقطب تعاطف الجمهور الفلسطيني وتنظيماته اليسارية غالباً، وأكمل حزب الله وحسن نصر الله المهمة من خلال تصريحاته والاشتباكات التي خاضها مع اليهود، بحيث أصبحت شعبية إيران وحزب الله كبيرة بين الأردنيين وخاصة في المخيمات الفلسطينية، وقد تأثر بذلك عدد محدود جداً من الأفراد وتبنى التشيع دينياً في بعض المخيمات.

وبعد القطيعة مع الحركة الإسلامية بسبب الثورة السورية، لجأت إيران للتركيز على القوى اليسارية في اختراق الساحة الأردنية، فأصبح بعض المنظرين اليساريين المسيحيين هم أبواق الدعاية لإيران في الأردن، وأصبح التيار اليساري التابع والموالي لنظام بشار الأسد في الأردن هو حامل راية الدعاية والأجندة الإيرانية في الأردن.

ولجأت إيران لتشجيع هؤلاء على تكوين هيئات شعبية غير مرخصة تحمل عناوين ضخمة ولكن ليس لها واقع على الأرض على غرار "اللقاء الشعبي الإيراني الأردني" و"التجمع الأردني لدعم خيار المقاومة"، وتم خداع بعض المتقاعدين العسكريين للمشاركة فيهما، ثم تنصلوا منه، وهذا يكشف العقلية الاحترافية التي تدير اللعبة في الأردن، ومن ذلك نشاط السفير الإيراني في زيارة بعض الشخصيات والهيئات مما أزعج السلطات الأردنية التي تخشى إعادة سياسة السفير السابق. 

كما تم استضافة عدد من الأردنيين اليساريين غالباً في طهران في زيارات دعائية لاستقطاب ولائهم لصالح إيران، وهي آلية معروفة في السياسة الإيرانية لصناعة لوبيات لها في الدول الأخرى.

- الاعمال العسكرية الإرهابية: تم القبض سنة 2013 على مجموعة مرتبطة بحزب الله لمهاجمة القوات الأمريكية في الأردن، وفي بداية سنة 2015 تم القبض على عراقي مرتبط بالحرس الثوري الإيراني يتفقد 45 كغم من المتفجرات خبئت سابقاً في الأردن منذ سنوات طويلة!

- العراقيين في الأردن: من أوراق العبث الإيراني استغلال بعض العراقيين المقيمين في الأردن، وقبل الاحتلال الأمريكي/الإيراني للعراق كان يتواجد في الأردن حوالي 750 ألف عراقي غالبهم من الشيعة، وقد نشط التشيع بينهم ووصل لبعض الأردنيين، وكان أكبر مظهر لذلك بدء إقامة طقوس عاشوراء قرب قبر جعفر الطيار بالمزار بمحافظة الكرك، وهي الطقوس التي توقفت عقب غضب الأردنيين على اعدام صدام حسين يوم الأضحي سنة 2007م.

وقبر جعفر هو أحد قبور الصحابة رضوان الله عليهم التي تنتشر في الأردن ويلقى احترام من الأردنيين حكومة وشعباً كسواه من الصحابة، ولم يسبق أن خص قبر أحد الصحابة بشيء من الطقوس قبل الشيعة، فهي أمر مستحدث ولا يلقى قبول من الأردنيين.

أما الشيعة العراقيين من رجال الأعمال فقد عمدوا لتكوين لوبي شيعي من خلال جذب بعض المتقاعدين العسكريين الأردنيين لتمثيل رجال الأعمال وتسهيل معاملاتهم في الأردن، وشراء ولاء بعض الساسة والإعلاميين، وقد حاول بعض هؤلاء التجار الحصول على ترخيص لبناء حسينية.

- شيعة الأردن: لم تنجح إيران باستثمار شيعة الأردن لأجندتها وذلك لكونهم أقلية محدودة جدا لا تتجاوز 2-3 ألاف نسمة من 7 ملايين أردني، يتواجدون في شمال الأردن بمدينة الرمثا ودير أبو سعيد، وهم من أصول لبنانية ساهمت الهجرات والتهجير بسبب خلافات عشائرية على نزوحهم للأردن وتكاثرهم، وليس لهم طابع ديني. 

استراتيجية إيران تجاه الأردن:

تدرك إيران أهمية نفوذها في الأردن والهيمنة عليه إذا تمكنت، فهذا يفتت محور الاعتدال العربي المنافس الحقيقي للأطماع الإيرانية، كما أن نفوذ إيران في الأردن يزيد من تلاعب إيران بالقضية الفلسطينية وهذا يزيد من شعبيتها في أوساط العرب والمسلمين، وبذلك تتمكن إيران من تحقيق حلم الهلال الشيعي ونظرية أم القري وتوسع المجال الحيوي لها.

تفتقد إيران حالياً لشعبية واسعة في الأردن بسبب موقفها العدواني في الثورة السورية، لكن هناك خطورة من تلاعب إيران بهذه المواقف الشعبية من خلال التقرب مرة أخرى من حركة حماس والحركة الإسلامية من خلال بوابة القضية الفلسطينية.

لذلك تقوم استراتيجية إيران على سياسة النفس الطويل والقضمة بعد قضمة، سواء على الصعيد الرسمي أو الشعبي.

كما أن إيران تزاوج مع كلا الطرفين سياسة العصا والجزرة، فمرة تهدد الدولة الأردنية عبر وكلائها وخلاياها الإرهابية والتصريحات العنيفة، وبقطع الدعم عن حركة حماس التي لها صلات وثيقة مع جماعة الإخوان والشارع الأردني للخصوصية الفلسطينية الأردنية، وكيل الاتهامات الباطلة لحماس ولجماعة الإخوان، وفي أحيان أخرى تفضل إيران التلويح بالجزرة للحكومة عبر تقديم المساعدات والعروض النفطية وهي نقطة ضعف الأردن، وكذلك تفتح الباب لعودة العلاقات مع الحركة الإسلامية بعد توبتها من دعم الثورة على حليفها بشار، وفي استغلال لحالة التوتر بين السلطة والحركة الإسلامية.

أيضاً تلعب إيران على وتر التوتر بين الحركة الإسلامية والدولة، فإيران تتهم الحركة الإسلامية وحليفتها تركيا بدعم الإرهاب! وفي نفس الوقت ترتاب الدولة بالحركة الإسلامية وقياداتها الحالية وعلاقتها بتركيا! وقد طبقت إيران هذه السياسة في مصر للتقرب من نظام السيسي!

قد يكون هذا مدخل لعلاقة بين إيران والدولة، أو العكس أن تلجأ الحركة الإسلامية لإيران كحليف قوي مستعد للمغامرة!

موقف الدولة الأردنية والحركة الإسلامية من إيران حاليا:

برغم ترسخ إدراك الدولة الأردنية لخطورة الأطماع الإيرانية إلا أنها تشعر بنوع من زيادة الهيمنة والطغيان الإيرانية في المنطقة ولا تشعر بأنها عابرة وسريعة، خاصة مع التخاذل/التعاون الأمريكي تجاه هذه الهيمنة، وتصاعد التحالف الإيراني الروسي، كما أن هناك سببا قد يكون أقل أهمية عما سبق وهو عدم الرضى عن قلة الدعم والإسناد الخليجي للأردن خاصة في المجال المالي مقارنة مع الدعم الذي قدم لنظام السيسي.

ولأن الأردن بحاجة لعلاقات طبيعية مع بعض الجيران الموالين لطهران، تميل السياسة الأردنية حالياً إلى تجنب أي صدام مباشر مع إيران ووكلائها، وتدوير الزوايا الحادة في العلاقة مع إيران، عبر ترك اللوبي اليساري الإيراني يعمل دون معيقات ظاهرة، طالما أنها نشاطات محدودة وغير شعبية، وتبني أي نشاطات تحارب الطائفية وتدعو للتعاون بين السنة والشيعة، مع اليقظة الأمنية لأي اختراقات شيعية وإيرانية للأردن، والعمل على ابعاد إيران وأذرعها عن الحدود الأردنية قدر الإمكان من خلال الحرص على بقاء وتقوية عشائر السنة بالعراق وسوريا على حدود الأردن وفي النظام السياسي فيهما.

لذلك يأمل الأردن أن تنجح هذه المقاربة في صرف الأخطار الإيرانية المباشرة وغير المباشرة عنها، وخاصة المحاولات الدائبة مؤخراً لوصول إيران لحدود الأردن عبر تغيير خريطة المحافظات العراقية، بحيث تتقطع مناطق سنية محاذية للأردن لصالح محافظات شيعية[3]، وبذلك تتواجد إيران أو قوات الحرس الثوري على حدودها، أو عبر حشد قوى الميلشيات الشيعية المساندة لبشار على حدود الأردن السورية بدعوى محاربة الإرهاب وداعش والثوار على بشار.

أما الحركة الإسلامية فهي تقاطع السفارة الإيرانية وأنشطتها وبرامجها من خلال قرار واضح في ذلك، ولكنها لا تزال في منطقة رمادية تجاه مستقبل العلاقة مع نظام الملالي سواء فشل في مواجهة الثورة السورية أو نجح، فالموقف من إيران لا يزال يغلب عليه الموقف البراغماتي بحسب مصلحة الحركة في الأردن وفلسطين، وليس من خلال موقف محدد من طبيعة نظام الملالي  وموقفه الديني والأيدلوجي والسياسي منا ومن بقية الأمة، وحقيقة غايات ملالي إيران من الدعم والتأييد الجزئي لحركة حماس على أساس كونها ورقة تفاوض أو تخدم ملفات كما ثبت في محطات كثيرة جداً.

الخلاصة:

لدى إيران نفس طويل لتحقيق غايتها بالنفوذ والهيمنة على الأردن، ولا توجد مقومات ذاتية رسمية وشعبية قوية للصمود طويل المدى في وجه المخططات الإيرانية، وما لم يتم إسناد الأردن خليجياً وخاصة من المملكة العربية السعودية في تجاوز العقبات المالية من جهة وتأسيس وعي راسخ بالخطر الإيراني لدى السلطة والشارع فالمستقبل مليء بالمفاجآت على غرار مفاجأة عاصفة الحزم ضد الانقلاب الحوثي في اليمن.

[1] - وذلك من خلال الشيخ السلفي محمد إبراهيم شقرة، الذي كان معلماً وزميلاً لبعض كبار الشخصيات السياسية في الأردن، حيث تم الاعتماد عليه في توضيح حقيقة فكر التشيع وفكر الخميني للملك شخصياً، ومن هنا بداية علاقة شقرة بالملك ومن ثم بالرئيس صدام، وقد جلب له ذلك خصومة الحركة الإسلامية في الأردن التي كانت مؤيدة للخميني.

[2] - تم الإفراج عن هذه الخلية عقب وساطة من رئيس الوزراء اللبناني السني رفيق الحريري، والذي قتله حزب الله لاحقاً سنة 2005م!!

[3] - تم حالياً اقتطاع منطقة النخيب من محافظة الأنبار السنية لصالح العمليات العسكرية في محافظة كربلاء الشيعية، وبذلك وصلت المليشيات الشيعية وقوات الحرس الثوري لمشارف الأردن!

المصدر : موقع الراصد



مقالات ذات صلة