بقلم: أ. د. خالد سنداوي
ترجمة: د. حمد العيسى
تقديم المترجم: هنا بحث نادر ومهم للغاية للبروفيسور خالد سنداوي عن التشيع في سوريا. نشر البحث في يونيو 2009 ضمن مشروع «اتجاهات حالية في الفكر الإسلامي» التابع لمؤسسة بحثية أمريكية مرموقة غير حزبية وغير حكومية، ومكرسة للبحوث والدراسات التحليلية المبتكرة التي تعزز الأمن العالمي والازدهار والحرية.
أما المؤلف أ. د. خالد سنداوي فهو باحث وأكاديمي فلسطيني مرموق متخصص في الأدب العربي والدراسات الإسلاميةّ بصورة عامة، أما التخصص الدقيق فهو «أدب الشيعة» والذي يعتبر من التخصصات النادرة في العالم. وهو من مواليد قرية الجـشّ الفلسطينية في منطقة الجليل الأعلى عام 1965.
ويعدّ السنداوي حالياً من دارسي الإسلام الشيعي البارزين والنادرين على الصعيدين العربي والعالمي من حيث عقيدة الشيعة وفكرهم وأدبهم. أصدر عشرة كتب آخرها وأهمها «معجم مصطلحات الشيعة»، كما ألف ما يزيد على 60 مقالة علمية في تخصصه نشرها في مجلات عالمية محكّمة.
وكان قد حصل على شهادة الدكتوراه في عام 1999 عن أطروحته: «مقتل الحسين بن علي في الأدب الشيعي». وقد كتب البروفيسور السنداوي هذا البحث بناء على جولة ميدانية قام بها بنفسه داخل سوريا كما سيلاحظ القراء حيث زار سوريا في أواخر عام 2008 وبداية عام 2009 أي قبل الحرب الأهلية بسنوات حيث تجول في المحافظات التي دخلها التشيع وتحدث مع أعيانها ورصد الأساليب والحكايات ليكتب هذا البحث النادر من قلب الحدث.
وهذا البحث يشكل الفصل الخامس من أصل عشر فصول في كتابي المترجم القادم عن «الصراع الإستراتيجي الجديد في الشرق الأوسط بعد الحرب الباردة» والذي سيصدر خلال عام 2014 بحول الله.
* زيادة النفوذ الإيراني في سوريا:
عندما أصبح بشار الأسد رئيساً، بدأ التوازن الذي وضعه والده بخصوص النشاط الإيراني في التحول لصالح النفوذ الإيراني والتشيع. دشنت حملات بين السوريين السنة العاديين لتشجيعهم على اعتناق المذهب الشيعي.
واتهمت مصادر حكائية عديدة الدكتور أحمد بدر الدين حسون، مفتي سوريا، بأنه تحول سراً إلى المذهب الشيعي. وقد سُمعت الكثير من مثل هذه الاتهامات في أعقاب خطبته في يوم عاشوراء عام [2008]؛ في تلك الخطبة قال العديد من العبارات المتعاطفة مع عقيدة الشيعة، متهماً كل الخلفاء المسلمين، من معاوية ومن تلاه بالكفر، ومشيراً إلى أن علياً (ر) كان معجزة الله لمخلوقاته وأن وجود أسرة النبي (ص) يكفل العدالة والسلام في العالم.
وتجدر الإشارة إلى أن محمد حبش، العضو الإسلامي في البرلمان السوري، ورئيس مركز الدراسات الإسلامية في دمشق، نفى الادعاءات الأخيرة التي ظهرت على مواقع الإنترنت والصحافة العربية عن تشيع المفتي حسون سراً.
وقد جرت تحت حكم بشار الأسد الكثير من التغييرات في الدعاية الرسمية، وانعكست في برامج القنوات التلفزيونية المحلية والفضائية ومحطات الراديو المتاحة في سوريا. السوريون أيضاً يمكنهم رؤية بعض الشبكات الأجنبية مثل قناة المنار التي تبث من لبنان وتعزز التشيع في سوريا وأماكن أخرى.
وهناك أيضاً عدد من القنوات المحلية التي تبث الأفكار الشيعية، والصور والمحاضرات والتفسير القرآني، وتبث علناً المحتوىً التبشيري. التلفزيون السوري يقدم أسبوعياً (على الأقل) برنامجاً لمدة ساعة للمبشر الشيعي عبد الحميد المهاجر.
كما يبث برنامجاً تبشيرياً للعراقي عبد الزهراء، وبخاصة خلال شهر رمضان، عندما يفسر الآيات القرآنية ويلي ذلك أناشيد في مديح أهل البيت. مصدر آخر للمواد الشيعية هو محطة راديو «إف إم» ، التي تبث مواد فكرية وسياسية مماثلة لمواد حزب الله في لبنان، و«المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق».
كما يشجع نظام بشار الأسد على ظهور شيوخ موالين لإيران في وسائل الإعلام على حساب رجال الدين السنة. ويستخدم رجال الدين الشيعة وسائل الإعلام الرسمية لإعطاء دروس محتواها جدلي ويثير الخلاف بين السنة والشيعة (مثل: موقفهم تجاه صحابة النبي(ص)).
وقد أدت المواقف التي اتخذها الشيوخ الشيعة لردود فعل حادة جداً، وخصوصا في دمشق وأيضا في مناطق أخرى أيضاً، مثل حلب وضواحيها.
وتشير تقارير إلى أن هناك اليوم أكثر من خمسمائة حسينية قيد الإنشاء في سوريا. ووفقاً لمصادر أخرى، فإن هذا الرقم يتعلق فقط بدمشق.
إضافة إلى ذلك، فإن نظام بشار يمنح بانتظام الجنسية لآلاف الشيعة الايرانيين، وكذلك الشيعة العراقيين الموالين لإيران. ووفقا لبعض المصادر، فقد منحت الجنسية السورية لعشرين ألف إيراني. ولكن هناك من شكك بهذا الرقم من أهل العلم السنة السوريين.
وبينما منح النظام السوري الجنسية السورية لآلاف الإيرانيين، فقد رفض النظام منح الجنسية للمواطنين الأكراد السوريين على الرغم من مطالباتهم المستمرة طوال أربعين عاماً! كما يدعم النظام السوري إيران في قمعها لبدو الأحواز العرب في إيران (على الرغم من أنهم من الشيعة أيضاً).
وأشارت تقارير صحافية في أكتوبر 2007، إلى أن النظام السوري قد سلم إلى حكومة طهران عدداً من الأحوازيين المعارضين للنظام الإيراني.
ويشير مراقبون إلى أن العلاقات الحميمة بين سوريا وإيران، وبخاصة منذ عقد التحالف الاستراتيجي في عام 1980، قد مكنت إيران من العمل بحرية في الأراضي السورية.
وهكذا يحضر كبار المسؤولين السوريين والإيرانيين مختلف الاحتفالات التي تنظمها السفارة الإيرانية في دمشق مثل الأعياد الوطنية الإيرانية، والذكرى السنوية للثورة الإيرانية، والأعياد الدينية، مثل مقتل الحسين في يوم عاشوراء.
ويتلقى رؤساء القبائل وكذلك عدد من أعيان آخرين في سوريا، وبخاصة في منطقة الرقة، دعوات من قبل السفير الإيراني لزيارة إيران مجاناً، بما في ذلك أساتذة الشريعة السُنة في الكليات الدينية.
وقام برحلة إلى إيران مجموعة من زعماء القبائل برئاسة حامد الجربا، شيخ قبيلة شمر، وفيصل العارف، شيخ قبيلة خفاجة، وعواد العواملة، شيخ قبيلة آل وهب من بلدة البويهج. وذكرت مصادر معلوماتية أن هؤلاء الزوار يعودون إلى سوريا محملين بالهدايا وجيوبهم تفيض بالمال.
الإغراءات المالية تؤدي دوراً ملحوظاً في ترويج التشيع الإيراني. الفقراء، على سبيل المثال، يتم إعطاؤهم القروض باسم التضامن الإسلامي، وفي نهاية المطاف يقال لهم إنه لا داعي لإعادتها.
وبالمثل، يتم توفير الرعاية الطبية المجانية في المستشفيات الخيرية الإيرانية في سوريا، مثل مستشفى الإمام الخميني في دمشق ومستشفى الهلال الأحمر والمستشفى الخيري في مدينة حلب.
ويقدم المبشرون الشيعة السوريون والإيرانيون في بعض الأحيان المال للناس، أو يعرضون مساعدتهم في المعاملات التجارية أو الرسمية.
وعادة ما تقدم مثل هذه الإغراءات إلى وجهاء ورؤساء العشائر، وخصوصاً في المنطقة الواقعة بين نهري دجلة والفرات، حيث تعتبر هذه الطريقة مجرد استمرار للأسلوب العراقي للسيطرة على الناس من خلال رؤساء القبائل والعشائر.
وهناك طريقة أخرى لتشجيع التشيع وهي من خلال تزويجهم أو تزويدهم بالضروريات الأساسية مثل الزيت والسكر والأرز والزبدة.
وقد استورد نظام الأسد أيضاً ميليشيا إيرانية خاصة مهمتها حماية النظام. وتتألف الميليشيا من حوالي 3,000 جندي إيراني، وكذلك عدد من وحدات من الحرس الثوري الإيراني المتخصصة في حرب المدن. هذه القوات تعمل جنباً إلى جنب مع الحرس الجمهوري السوري، برئاسة ماهر الأسد.
ووفقاً لعدد من المصادر المعلوماتية، فإن أولئك الذين يبدون معارضة للنشاطات الدينية والسياسية التبشيرية التي تقوم بها المنظمات الإيرانية -وبخاصة في محافظة الرقة السورية- وأولئك الذين يجرؤون على التعبير عن معارضتهم لتحويل بعض البدو الفقراء والجهلة إلى المذهب الشيعي، يزعمون بأن العديد من القبائل البدوية تحولت إلى المذهب الشيعي بسبب إغراءات مالية.
هؤلاء المعارضون يشهدون أن الحكومة السورية والنشاط التبشيري الإيراني استغل فقر البدو وجهلهم لتحويلهم إلى المذهب الشيعي. في محافظة الرقة، كان المعارضون عرضة للاعتقال من قبل قوات الأمن السورية واتهامهم بأنهم من الوهابيين أو الأصوليين.
* دور التعليم:
التعليم هو أداة أخرى تستخدم من قبل حكومة الأسد لترويج التشيع وتقوية العلاقات مع إيران؛ فعلى سبيل المثال، في بداية العام الدراسي 2006-2007، تم افتتاح كلية دينية شيعية في بلدة الطبقة التحق بها أكثر من مائتي طالب.
لم يجد الشيعة أي صعوبة في الحصول على رخصة لفتح هذه الكلية، بالرغم من أنه لا يوجد في سوريا بأكملها سوى كليتين دينيتين سنيتين، واحدة في دمشق والأخرى في حلب. وكان على الأخيرة الانتظار عدة عقود للحصول على الرخصة، التي جاءت أخيراً في عام 2007.
وتشير مصادر حكومية إلى أن إيران حصلت مؤخرا على رخصة من السلطات السورية لتأسيس جامعة إيرانية كبيرة تحتوي على العديد من الكليات.
وتُقَدَمْ منح دراسية مجانية للدراسة في قم وطهران، وبخاصة لطلاب الدراسات العليا الذين يتم اختيارهم لخلفيتهم الأكاديمية أو الاجتماعية. هذه المؤسسات تمنح معاملة تفضيلية للطلاب الذين يؤيدون السلطات البعثية. يتم إعطاء مثل هؤلاء الطلاب فرص عمل، كما حدث في بدايات مفتي سوريا الحالي، أحمد حسون، وغيره.
ويسمح لبعض الطلاب بالدراسة في الحوزة العلمية لمقام السيدة زينب، حيث لا يدفعون رسوماً دراسية بل يحصلون على راتب شهري من دون قيد أو شرط.
وقد تم فتح مكتبات من قبل الإيرانيين في جميع المراكز الشيعية في سوريا. هذه المكتبات توزع الكتب الإيرانية التبشيرية مجاناً وتعطي جوائز (1,000 ليرة سورية) لكل من يقرأ كتاب شيعي من الناس.
كل هذه التدابير تشجع على دراسة المذهب الشيعي.
ولكن قد تكون وزارة التربية السورية قد بالغت، عندما أصدرت حظراً على التعليم الابتدائي في المؤسسات الدينية السنية التعليمية.
وأعلن علماء الدين السنة، وبخاصة «رابطة العلماء السوريين»، أن هذا الحظر يشكل خطوة قمعية؛ ففي البداية.
وبالرغم من التوترات الأولية التي أثارتها هذه الخطوة داخل مجلس الوزراء السوري، إلا أن النظام لم يفعل شيئاً لتخفيف حالة التوتر، لا بل التقت رابطة العلماء مع الرئيس بشار الأسد نفسه لمناقشة الوضع، ولكنه رفض إلغاء قرار وزيره.
ولكن في نهاية المطاف بعد الاضطرابات الداخلية الأخيرة في سوريا ووصول النزاع بين القيادات السنية السورية والمؤسسات الإيرانية إلى ذروته، قرر النظام السوري التراجع عن قرار إلغاء التعليم الابتدائي في المؤسسات الدينية السنية التعليمية.
* تأثير حرب لبنان عام 2006، على التشيع في سوريا:
عند تأمل عملية التشيع في سوريا حالياً، من المستحيل تجاهل دور حزب الله، المنظمة الشيعية اللبنانية مع العلاقات الأيديولوجية والإستراتيجية لإيران. عندما كانت سوريا تسيطر على لبنان قدمت لحزب الله الدعم السياسي والعسكري، وأصبح حزب الله بالتالي حليف سوريا الرئيس في لبنان.
أدت حرب الأيام الـ 33 بين إسرائيل ولبنان في صيف عام 2006، إلى موجة من الإعجاب بين السوريين لزعيم حزب الله السيد حسن نصر الله، ومنظمته، بسبب مقاومتهم الباسلة ضد إسرائيل.
ونتيجة لذلك، أصبح التشيع ينظر إليه بصورة أكثر إيجابية، وتحول عدد أكثر من السنة السوريين إلى المذهب الشيعي.
وأدت إنجازات وانتصارات حزب الله «المُتَوَهمة» و«الدعائية» أيضاً إلى زيادة في النشاط الإيراني. ويقول رجل الدين السوري الشيعي الشاب مصطفى السادة، الذي يملك اتصالات عديدة مع السنة: «لقد خدم جورج بوش العرب ووحدهم».
وأخبرني السادة، أنه يعرف 75 شخصاً سنياً في دمشق اعتنقوا المذهب الشيعي منذ بداية الأعمال العدائية في لبنان في يوليو 2006، وأن الحرب أعطت زخماً إضافياً إلى الاتجاه المتزايد في السنوات الأخيرة للتشيع.
فعلى سبيل المثال قال لي "وائل خليل"، وهو طالب في الحادية والعشرين يدرس القانون الدولي في جامعة دمشق: «لأول مرة في حياتي أشاهد حرباً ينتصر فيها العرب». ولاحقا بدأ خليل، وهو سني، يؤدي الصلاة بحسب الطريقة الشيعية، وقال إنه يخطط ليتحول تماماً إلى المذهب الشيعي.
ومنذ تلك الحرب، أصبحت صور حسن نصر الله وخامنئي الأكثر عرضاً في سوريا من بين الزعماء السياسيين الآخرين في المنطقة. وسيشاهد أي شخص يمشي في شوارع دمشق اليوم صوراً للرئيس بشار الأسد وإلى جانبها صور لزعيم حزب الله. يتم عرض هذه الصور على واجهات المتاجر والسيارات الخاصة والحافلات والجدران.
وقال لي بعض المثقفين السوريين المحليين أن هذه الصور ترمز للوطنية وليس لمشاعر دينية طائفية، لأن حسن نصر الله أصبح رمزاً وطنياً أكثر منه رمزاً دينياً!!
* اتهامات واتهامات مضادة:
وفي رد فعل على الوتيرة المتزايدة للتشيع وعدم اكتراث الحكومة السورية بذلك، أطلق الداعية السعودي البارز سلمان العودة، رئيس مؤسسة «الإسلام اليوم»، تحذيراً في 22 أكتوبر 2006. أشار العودة إلى أن «التوسع الشيعي بين السنة يعتبر مثل اللعب بالنار».
وفي تصريحات للصحافة، أعلن العودة أن «التشيع ينتشر على قدم وساق وخاصة في سوريا، وكذلك في عدد من البلدان الأخرى في العالم الإسلامي، وأن جزءا من هذا الاتجاه قد يرجع إلى دوافع سياسية، وبعبارة أخرى إظهار الدعم للوجود السياسي الإيراني. ولكن هذا لا يعني أن الآخرين لا يخلطون بين الجوانب السياسية والأيديولوجية».
وأشار العودة إلى الطرق المختلفة لنشر العقيدة الشيعية في سوريا: «يتم استخدام الإغراءات المادية لإقناع الناس بالتشيع. ونتيجة لذلك انتشرت الحسينيات، وحوربت كل المحاولات المعارضة لهذا الاتجاه». وجاءت تصريحات العودة بعد قيام عدد من المنظمات الإيرانية ببناء اثنين من الأضرحة، الأول على قبر الصحابي عمار بن ياسر، والثاني على قبر التابعي أويس القرني في محافظة الرقة الشمال شرقية، حيث تم افتتاح مكاتب ثقافية إيرانية كذلك.
رجال الدين الشيعة في سوريا فندوا اتهامات العودة. ونفى اثنان من أبرز القيادات الدينية الشيعية السورية في سوريا، عبد الله نظام ونبيل الحلباوي، وجود أي «حملة تبشيرية شيعية» بين السنة وطالبوا المُدعين بأدلة على ادعاءاتهم.
ونفى أيضاً رجل دين بارز من الطائفة العلوية، ذو الفقار غزال، أية جهود لتحويل العلويين إلى المذهب الشيعي. وفي حديث مطول على «العربية نت»، تحدث عن الاختلافات بين العلويين والشيعة وشدد على أن النظام السوري لا يحكم باعتباره نظاماً علوياً، وأكد أن العلويين حققوا مكاسب سياسية بسبب محبة الناس.
وأضاف أن السوريين يتعايشون بشكل جيد مع بعضهم البعض وأن الطائفة العلوية أكثر انفتاحا وعلمانية من معظم الطوائف الأخرى، وأنهم على استعداد لمواصلة الحوار مع أولئك الذين يختلفون معهم.
وبعث رجل الدين الشيعي الشيخ عبد الله نظام، المشرف على المؤسسات والمزارات الشيعية في سوريا والمدرس في حوزة السيدة زينب، رسالة توبيخ إلى سلمان العودة قال فيها: «نتمنى أن نريح عقل العودة؛ فليس هناك خطر على العقيدة السنية هنا، ونحن نعارض الأشخاص الذين يبيعون دينهم».
ومثل العودة، اتهم نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام، الذي انشق على النظام السوري وأصبح معارضاً، السفير الإيراني في دمشق بالانخراط في العمل التبشيري في سوريا. وزعم خدام أن «السفير الإيراني في دمشق يتحرك في سوريا بحرية أكبر من رئيس الوزراء السوري».
وفي مقابلة مع وكالة يو بي آي، أعلن خدام، أن السفير الإيراني استغل الفقر في البلاد وقام ببناء أضرحة في أماكن يُظَنْ أن صحابة النبي (ص) عاشوا فيها ويقوم كذلك بتوزيع المال على الفقراء، وذلك بهدف بناء «حزب إيراني» في سوريا عن طريق تحويل الناس إلى المذهب الشيعي.
كما اتهمت شخصيات سورية سنية بارزة، الملحقية الثقافية الإيرانية في دمشق، بتقديم أنشطة لا تتفق مع أهدافها الرسمية المعلنة، وأنها تعزز جهود التحول إلى المذهب الشيعي في سوريا، وأنها في الحقيقة تعمل فعلياً ومباشرة تحت قيادة المرشد الأعلى الإيراني والزعيم الروحي علي خامنئي، على الرغم من الصفة الدبلوماسية الرسمية كجزء من السفارة الإيرانية.
كما اتهم العالم السوري السني الشهير الدكتور وهبة الزحيلي، وهو عالم ومفكر إسلامي سوري مرموق، الملحقية الثقافية، بتقديم إغراءات بشكل نقود كاش، ومنازل وسيارات لجذب الناس إلى التشيع. وأشار الزحيلي إلى أن «مئات من السوريين في دير الزور والرقة ودرعا ومنطقة الغوطة قرب دمشق، قد أذعنوا واستسلموا لإغراءات الملحقية وتحولوا إلى المذهب الشيعي» (وفقاً لتقرير صحافي نشر في 31 أكتوبر، 2006 في لندن).
وقد أغضبت هذه التحولات إلى المذهب الشيعي أيضاً تيار الإسلام السياسي السني؛ فقد قاسعلي صدر الدين البيانوني، رئيس جماعة الإخوان المسلمين في سوريا لوكالة قدس بريس، إن «نشاط التشيع في سوريا هو مجرد محاولة لإثارة البلبلة وذلك لإحداث تغيير في التكوين الاجتماعي للمجتمع السوري».
* التشيع في دير الزور:
يمكن أن تعزى موجة التحولات إلى المذهب الشيعي في منطقة دير الزور إلى بلدة حطلة، حيث اعتنق 10 في المائة من مجموع السكان البالغ 30,000 المذهب الشيعي. بدأت التحولات مع عمر الحمادي، وهو رقيب أول في الجيش عمل في غرب وجنوب سوريا وتحول إلى المذهب الشيعي في عام 1979، بينما كان يقيم في درعا.
وأشارت مصادر معلوماتية إلى أنه يعمل بشكل وثيق مع الإيرانيين، وفي العام نفسه اقنع أيضاً ابن عمه وصهره، ياسين معيوف، بالتشيع. في ذلك الوقت كان هؤلاء الاثنين يشكلان جميع المتحولين إلى المذهب الشيعي.
في عام 1982، دعت جمعية المرتضى، التي أسسها جميل الأسد شقيق حافظ الأسد الأوسط، وجهاء وشيوخ العشائر السورية إلى مقر الجمعية في مدينة القرداحة، وطلبت تعاونهم مع أنشطتها التبشيرية. وعُين ياسين معيوف، رئيساً لفرع الجمعية في قرية حطلة.
وكانت الجمعية نشطة جداً وأنفقت بسخاء مبالغ كبيرة من المال على عملية التشيع، حتى تم إغلاقها من قبل حافظ الأسد في منتصف الثمانينيات.
لكن قبل حلها، كان ياسين معيوف قد تواصل مع إيران، وأصبح واحداً من الطلاب المرسلين إلى ذلك البلد. واستمر هو وآخرون، من بينهم إبراهيم ساير، في تلقي الأموال من الملحقية الثقافية الإيرانية في دمشق، وحوزة السيدة زينب، ومن عدد من التجار العرب الشيعة من دول الخليج «الفارسي».
وبعد عودة معيوف من إيران في بداية التسعينيات، بدأ يُشعر بالنفوذ الشيعي في الأماكن العامة في قرية حطلة السنية. وحتى نداء الصلاة في مسجد حطلة الكبير أصبح يشمل الآن عبارة «أشهد أن علياً ولي الله» الشيعية.
واستخدم معيوف، الذي أصبح ثرياً جداً بفضل الدعم الإيراني، أمواله لحث الناس على اعتناق المذهب الشيعي، إما عن طريق الإغراء المالي المباشر، أو عن طريق تأجير المحلات التي أصبح يملكها في السوق مقابل مبلغ تافه. وبنى معيوف بجانب منزله قاعة تجري فيها مراسم الاحتفال بعاشوراء.
كما أصبح أيضاً حسين آل رجا، وهو قريب لمعيوف والمشرف على هيئة التبشير الشيعية في منطقة دير الزور، رجلاً ثرياً. وعلمتُ من مصادر معلوماتية محلية إنه يقيم ولائم كبيرة يستضيف فيها وجهاء القبائل وكثير من فقراء القرية. وحكى لي بعض معارفه بأنه قام ذات مرة بتصوير تلك الولائم وإرسال شريط الفيديو إلى الملحقية الثقافية الإيرانية زاعماً أنه قد حوّل أولئك الضيوف إلى المذهب الشيعي. ولهذا فهو يتلقى مبالغ كبيرة من الملحقية.
ويُحكى أيضاً أنه يصور احتفالات القرية مثل حفلات الزفاف والمهرجانات الشعبية، ويرسل أشرطة الفيديو إلى الملحقية الثقافية الإيرانية بالذريعة نفسها. ويقول أحد خصومه إنه أرسل أحد رجاله لتصوير قافلة سيارات على الطريق السريع بين الرقة ودير الزور، زاعماً أنها قافلة تحتفل بالتشيع. وفي الوقت الحاضر يلقي الرجا موعظة أسبوعية في الرقة.
وهناك عدد من المثقفين في منطقة دير الزور ينشطون أيضاً في دعم عملية التحول إلى المذهب الشيعي.
أحد هؤلاء هو أمير شبيب، وهو صاحب مكتبة القرآن الكريم الواقعة في ساحة دير الزور الرئيسة. وآخر هو عبد الله حمدان، الذي تشيع والده أولاً، وتبعه ابنه في عام 1990. إنه ابن عم ياسين معيوف.
وفي وقت كتابة هذا التقرير كان يبيع الكتب على جسر الفرات بالقرب من مسجد السرايا. وقيل إنه يوزع كتب الشيعة مجاناً وخاصة للنساء والفتيات. (مثل كتاب محمد جواد مغنية، «الإثنا عشرية وأهل البيت»). كما يبيع كتب منوعة أخرى للتمويه على نشاطه التبشيري وجذب المزيد من الزبائن.
في منطقة دير الزور، وبلدة حطلة والقرى المجاورة لها، تم بناء ما لا يقل عن ست حسينيات مؤخراً. وهناك أيضاً العديد من الحسينيات في القرى المحيطة. ويتم شراء الأرض التي تبنى عليها الحسينية بمبالغ باهظة كحافز لأصحابها ولغيرهم من ملاك الأراضي.
مثل هذه المعاملات تحدث حتى في المدن التي لا يوجد فيها متحولين إلى المذهب الشيعي، وذلك لأجل الحصول على موطئ قدم في المنطقة لنشاطات تبشيرية مستقبلية. أحياناً يتم شراء الأرض بمليون ليرة سورية للدونم الواحد، على الرغم من أن سعرها في السوق لا يزيد على الخمسين ألف ليرة. وتشير مصادر معلوماتية محلية إلى وجود أعداد متزايدة من الحسينيات قيد التخطيط والبناء.
ويشير المواطن السوري محمد الشمري إلى أن بعض الشباب المتشيعين يدخلون في نقاشات جدلية مستعرة لتفنيد أسس المذهب السني أمام أصدقائهم وزملائهم مع تقديم إغراءات مالية لهم ليتحولوا مثلهم. ويتم ترتيب الزيجات للرجل المتشيع حديثاً من امرأة شيعية راغبة بسرعة فائقة وغالباً ما تكون العروس فارسية.
المتشيعون يحاولون أيضاً دعوة القرويين وأبناء القبائل إلى حفلات الأعياد وتزويدهم بالتموينات الغذائية مثل الأرز والدقيق والسكر وما شابه ذلك. في البداية لا يدعون ضيوفهم للتحول، ولكن فقط يسعون إلى مجرد محاولة كسب قلوبهم.
ولاحقاً، في الوليمة الثانية أو الثالثة، قد يحاولون إقناعهم بالتشيع. إضافة إلى ذلك، تشير مصادر معلوماتية محلية إلى أن ياسين المعيوف وحسين الرجا المذكورين آنفاً، جلبا أكياساً كبيرة من المال من الملحقية الثقافية الإيرانية في دمشق إلى دير الزور بعد حرب لبنان في صيف عام 2006، وتم توزيعها بين اللاجئين اللبنانيين غير الشيعة الذين جاءوا إلى منطقة لإغرائهم بالتشيع.
ويستمر وصول المال الكثير إلى المحافظة لنشر التشيع، بالرغم من اختلاف التقارير عن المصادر. وأكدت لي مصادر معلوماتية محلية مطلعة أن رجل عربي من منطقة الخليج «الفارسي» يصل إلى دير الزور مرة واحدة في الشهر.
ووفقاً لبعض التقارير، فإن هذا الرجل الخليجي وليس الملحقية الثقافية الإيرانية في دمشق، هو من يجلب المال، مع وجود احتمال قوي بأن الرجل يعمل بالتعاون مع الملحقية. هذا الرجل يعطي المال للمعيوف والرجا ويحدد لهما كيفية التوزيع على كل المتشيعين. ويقال إن المبلغ المعتاد صرفه هو خمسة آلاف ليرة سورية شهرياً لكل متشيع.
(يتبع)
المصدر : موقع العصر