نخيل الأحواز ومخططات الاحتلال الصفوي

بواسطة صباح الموسوي قراءة 698

نخيل الأحواز ومخططات الاحتلال الصفوي

 

صباح الموسوي

 

للزيتون كما للنخيل مكانة طيبة في نفوس الشعبين العربيين المحتلين الفلسطيني والأحوازي؛ وذلك لكون كل من الشجرتين لهما ارتباط مباشر بحضارة وهوية الشعبين الشقيقين. كما أن كلا الشجرتين قد ورد ذكرهما في القرآن الكريم بذكر طيب، وقد أقسم الله تعالى بشجرة الزيتون {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ(1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ} [التين: ١ – ٣]، وأورد ذكرها أربع مرات. ولهذا فقد صبت العصابات الصهيونية حقدًا كبيرًا على شجرة الزيتون وذلك لمكانتها شبه المقدسة في نفوس الفلسطينيين أولاً، وثانيًا لكونها أصبحت عنوانًا لتمسك الفلسطيني بأرضه التي لم يتخلّ عنها أبدًا. فخلال الستين عامًا الماضية من عمر النكبة تعرضت شجرة الزيتون إلى نفس المأساة التي تعرض لها الفلسطينيون على يد الصهاينة الغاصبين. فما قتل فلسطيني إلا واقتلعت معه شجرة زيتون أوالعكس من ذلك، فما اقتلعت شجرة زيتون إلا ودفن محلها جثمان شهيد فلسطيني. فحرب اقتلاع أشجار الزيتون كانت ولا تزال تهدف إلى اقتلاع الفلسطيني من أرضه وجذوره.

وهكذا هو الأمر اليوم في الأحواز، فقد عرف عن الصلة بين العربي والنخلة بأنها صلة حميمة مؤكدة حتى لكأن الأحوازي يحس أن بينه وبينها وشائج قربى، كذلك يعرف عن الأحوازي كما أي عربي آخر أنسه بالنخلة وحبه لها. فالنخلة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم لفظًا مفردًا مرتين، والنخل والنخيل ورد ثماني عشرة مرة، ومن ذلك قوله تعالى: { أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ } [البقرة: 266]، {وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ} [الأنعام: 99]، {أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ} [الحاقة: 7] {أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القمر: 20]، {فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23) فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا} [مريم: 23-26]، هذه النخلة هي اليوم كما كانت في الأمس عنوانًا لهوية الشعب الأحوازي، هذه الهوية العربية الإسلامية التي يسعى المحتل الإيراني بوتقتها بالثقافة الفارسية الصفوية بكل الطرق والوسائل.

فبعد اغتصاب الأرض وإسقاط السيادة الأحوازية، عَمَدَ الغاصب الإيراني طوال العقود الثمانية الماضية إلى تفريس أسماء جميع المدن والمواقع الأحوازية حتى بلغ به الأمر في ظل نظام الملالي إلى تفريس أسماء المواليد الجدد من أبناء الأحواز، إلا أن ذلك كله لم يؤثر على تمسك الأحوازي بهويته العربية الإسلامية والحفاظ عليها.

فمنذ عام 2000م وبعد أن قرر النظام الإيراني إقامة قاعدة بحرية كبيرة عند مصب شط العرب في الخليج العربي وتحديدًا في منطقة القصبة في مدينة عبادان جنوب الأحواز، وإقامة منطقة اقتصادية حرة شمال عبادان، بدأت السلطات الإيرانية بإجراءات تهجير سكان القرى الواقعة ضمن حدود هذين المشروعين (القاعدة البحرية والمنطقة الاقتصادية الحرة)، ولكن أصحاب القرى وأغلبهم مزارعون وصيادو أسماك، رفضوا الهجرة من مناطقهم التي كانوا قد هجروها سابقًا بسبب حرب الثماني سنوات مع العراق وذاقوا خلالها مرارة الغربة واضطهاد سكان المدن الإيرانية التي هاجروا إليها مكرهين.

وبعد أن فشل النظام الإيراني في إقناع العرب بترك مناطقهم فقد لجأ إلى أسلوب نظيره الإسرائيلي الذي مارس اقتلاع أشجار الزيتون كأسلوب لتهجير الفلسطينيين من أرضهم. ولهذا فقد عمد هذا النظام الغاصب إلى إحراق أشجار النخيل في مناطق وقرى عبادان كأسلوب لإجبار السكان على الهجرة حتى يتمكن من بناء قواعده العسكرية ومؤسساته الاستيطانية.

 وخلال السنوات الثمانية الماضية تعرضت بساتين نخيل القرى الواقعة ضمن حدود المشاريع الإيرانية المذكورة إلى عشرات الحرائق المفتعلة أسفرت عن إتلاف عشرات الآلاف من النخيل المثمرة وغير المثمرة، ألقت السلطات الإيرانية بالمسئولية فيها على العوامل البيئية حسب زعمها. علمًا أن أهالي القرى وأصحاب البساتين المتضررين كثيرًا ما تقدموا بشكاوى أكدوا فيها مشاهدتهم لدوريات من الشرطة وعناصر مليشيا البسيج التابعة للحرس الثوري الإيراني وهي تقوم بإشعال تلك الحرائق، ولكن السلطات الإيرانية بقيت ترفض بيانات الشهود.

 وهنا يمكن ذكر أهم الحرائق التي حدثت خلال السنوات الثلاثة الماضية والتي التهمت آلافًا من النخيل في قرى منطقة القصبة جنوبي عبادان.

لقد تعرضت بساتين النخيل في قرية "النقشة الشمالية" الواقعة في منطقة القصبة وفي غضون عام واحد إلى ثلاثة حرائق متعمدة، كان أكبرها وقع في صباح يوم الاثنين 21 شباط 2006م، وقد أسفرت تلك الحرائق المفتعلة عن إتلاف أكثر من ثلاثة آلاف نخلة.

وحسب ما أكده سكان القرية المذكورة فإن مليشيات الحرس الثوري هي التي تقف وراء هذه الحرائق؛ حيث إنها المرة الثالثة خلال أقل من عام تتعرض فيها بساتينهم لمثل هذه الحرائق المتعمدة. وقد أثبتت التحقيقات التي أجريت من قبل المجلس القروي ومدير الناحية ودائرة الإطفاء في بلدية عبادان أن جميع الحرائق السابقة كانت بفعل فاعل، إلا أن السلطات الإيرانية لم تتخذ أي إجراء يذكر.

أما ثاني أكبر حريق فقد وقع في يوم الخميس 7 حزيران 2007م في ثلاثة من قرى ناحية القصبة وهي: قرية نهر القصر، قرية نهر البلامة، وقرية نهر علي شير. وقد أسفر عن احتراق أكثر من خمسة آلاف نخلة وأجبر أهالي القرى الثلاثة على ترك منازلهم خوفًا على حياتهم من شدة النيران التي كانت قد اتسعت في مساحات واسعة.

وفي منتصف آب أغسطس من نفس العام كان اثنان من بساتين قرية "طرة بخاخ" في ذات المنطقة قد تعرضا للإحراق، وأدى ذلك لتدمير أكثر من مائة وخمسين نخلة. وقد أمسك أهالي القرية بالفاعل إلا أن السلطات الإيرانية ادعت أن الفاعل كان مدمن مخدرات، ورفضت الكشف عن هويته.

وفي هذا الإطار أيضًا فقد شهدت قرية نهر "أبوصدرين" من قرى منطقة القصبة في يوم الأربعاء 2 إبريل نيسان 2008م حادث اشتعال النيران في بساتين القرية أسفر عن احتراق 800 نخلة.

وقد نقل عن مسئول دائرة الإطفاء في ناحية القصبة أن عملية إطفاء الحريق استمرت أكثر من ساعتين ونصف الساعة، شارك فيها أهالي القرية بشكل فعال، وقدرت الخسائرالناجمة عن ذلك الحريق بأكثر من خمسين مليون تومان إيراني. وبحسب ما أكده السكان فإن النيران اشتعلت في بساتين النخيل بعد مغادرة قافلة من السواح الإيرانيين كانوا يقضون عطلة عيد النوروز في بساتين القرية الواقعة على شط العرب.

 أما آخر هذه الحرائق الكبيرة فقد وقع بعد ظهر يوم الثلاثاء 19 حزيران الجاري في قرية "نقشة النصار" وقد أسفر عن احتراق أكثر من 1500 نخلة. وبحسب ما أكده مسئول دائرة الإطفاء في ناحية القصبة، فإن الخسائر الناجمة عن هذا الحريق تقدر بـ "مليار ومائة مليون ريال إيراني"، رافضًا إعطاء أي معلومات عن الأسباب التي كانت وراء نشوب هذا الحريق الهائل.  

وقد جاء هذا الحريق بعد أسبوع واحد فقط من إحراق بساتين قريتي "الفياضية" و"سليج الشرقية" في مدينة عبادان على أيدي مجهولين، والتي أسفرت عن احتراق المئات من النخيل.

وكان عدد من بساتين النخيل في قرى "سليج الغربية" و"الإمام الحسن" وغيرهما من القرى الأخرى قد تعرضت خلال شهر آيار الماضي لحرائق متعمدة أسفرت عن احتراق عشرات من النخيل.

ووفْقَ هذا العرض الموجز يتبين مدى تأثر السلطات الإيرانية بأساليب الصهاينة في فلسطين في تعاملها مع عرب الأحواز. إلا أن السلطات الإيرانية الغاصبة قد تناست أن أسلوب الصهاينة في اقتلاع شجر الزيتون وإن كان قد أدى إلى إفقار الشعب الفلسطيني ماديًا ومعيشيًا؛ إلا أن هذا الأسلوب لم يفلح في اقتلاع الزيتونة من قلوب الفلسطينيين، وأصبح بإزاء كل زيتونة تقتلع يولد طفل فلسطيني، وقد اختلط حب الزيتونة بحب الوطن في قلبه.

وهكذا هم عرب الأحواز، فإذا كانت النيران الصفوية قد أحرقت الآلاف من نخيلهم، وربما سوف تحرق آلافًا أخرى مستقبلاً، إلا أنها لم تستطع اقتلاع حب النخلة من قلب العربي الأحوازي الذي عجزت الجرائم الصفوية طوال الثمانين عامًا من عمر الاحتلال تفريسه وسلخه عن هويته العربية.

 

 

 

في الرابط أدناه مشاهد لما حل بنخيل الأحواز على يد النظام الإيراني.

   http://al-mohamra.nu/Alnakhle.wmv

 



مقالات ذات صلة