الإستراتيجيات الإيرانية وتنوعها للوصول للأهداف

بواسطة علي صلاح قراءة 659

الإستراتيجيات الإيرانية وتنوعها للوصول للأهداف

 

كتبه / علي صلاح

 

لا تسلك إيران طريقًا واحدًا للوصول لغاياتها وهي في ذلك تستفيد من النهج الغربي الذي لم يكتف بالقوة العسكرية للسيطرة على أراضي عدد كبير من الدول في إفريقيا وآسيا لنهب ثرواتها في الحقبة الاستعمارية, ولكنه كان يسعى للتغلغل في ثقافات هذه الشعوب ومحاولة فرض أفكاره ولغته وقيمه عليها, كما كان يسعى من جهة أخرى لتربية عدد من أبناء هذه الشعوب على عينيه ويرسلهم في  بعثات خارجية ثم يوليهم أرفع المناصب بعد رجوعهم, والنتيجة  أن الاستعمار بعد زواله من هذه البلدان لا زالت قيمه وأفكاره تسيطر على عدد كبير منها خصوصًا على أولي المسئولية والمكانة السياسية والاجتماعية.

 

إيران لا تكتفي بتنمية قدراتها العسكرية يومًا بعد يوم سواءً التقليدية أوغير التقليدية.. فمنذ أيام قليلة أعلن وزير الدفاع الإيراني "مصطفى محمد نجار" أن بلاده  صنعت صاروخًا بالستيًا جديدًا يبلغ مداه ألفي كيلومتر، وأطلقت عليه اسم "عاشوراء". وكانت قد أعلنت قبل ذلك  أنها زادت مدى صاروخها "شهاب-3" ليبلغ ألفي كيلومتر, كما أشارت طهران إلى أنها صنعت مدمرة وغواصات صغرى، وأنها تعمل الآن على غواصة كبرى. وقال قائد المنطقة الأولى للقوة البحرية للجيش الإيراني الأدميرال "إبراهيم أشكان علي": إن المدمرة "جماران" ستكون جاهزة للإبحار إلى جانب القطعات البحرية المسلحة الأخرى قريبًا، مشيرًا إلى أن بناء هذه المدمرة يشكل ما أسماه "مشروعاً وطنيًا".

 

من جهة أخرى, أكدت طهران مرارًا وتكرارًا إصرارها على استكمال برنامجها النووي, وذكرت في وقت سابق أنها  تمكنت من إنتاج رقائق الوقود النووي بنفسها لتشغيل مفاعلها قيد الإنشاء في آراك بوسط البلاد. وقال غلام رضا آغازاده نائب الرئيس الإيراني: إنه تم إنتاج قضبان من الوقود ستستخدم لتشغيل المفاعل الاختباري الذي يعمل بالماء الثقيل. وأضاف: إن مصنعًا بمدينة أصفهان سيستخدم الوقود لتغذية مفاعل آراك بحلول سبتمبر 2008. يأتي ذلك مع رفض  قاطع لكل وسائل التوصل لحلول وسطى بشأن تخصيب اليورانيوم ومن ذلك رفضها للاقتراح السعودي الداعي لقيام  "كونسورتيوم" لكل مستخدمي اليورانيوم المخصب في الشرق الأوسط وتنقيذه بأسلوب جماعي, على أن يضمن توزيع اليورانيوم طبقًا للاحتياجات ويعطي كل محطة نووية الكمية اللازمة لها ويضمن عدم استخدام هذا اليورانيوم المخصب في الأسلحة الذرية.

 

إيران إذن تلوح بالقوة بشكل واضح في الخليج وهي منطقة تعيش على صفيح ساخن منذ سنوات طويلة وتتصارع فيها مصالح القوى الكبرى مع مصالح دول المنطقة التي تتحكم في المخزون الرئيس للطاقة.

وهي من ناحية أخرى لم تكف عن استخدام شعارات تصدير الثورة ذات الطابع الشيعي – خلافًا لبقية بلدان المنطقة ذات المذهب السني- كما أنها تواصل تدخلها السافر في شئون الدول المجاورة؛ فدعمت التمرد الشيعي الذي كان يقوده بدر الدين الحوثي في اليمن وتكبدت فيه البلاد خسائر كبيرة مادية وبشرية, كما تدخلت لدعم المعارضة الشيعية في البحرين لإملاء شروطها على النظام الحاكم؛ بدعوى أنها أغلبية وهي نفس النغمة التي تروجها في العراق مع دعم كبير للمليشيات الشيعية المسلحة والتي تقوم بمذابح بشعة ضد السنة حتى إن بعض المرجعيات الشيعية طالب بعدم تدخل جميع الدول في الشأن العراقي فيما عدا طهران!

 

ومن ذلك أيضًا دعمها لحزب الله الذي أدخل لبنان حربًا غير محسوبة العواقب الصيف الماضي ثم أدخلها هذا العام صراعًا سياسيًا وفراغًا دستوريًا أنذر باشتعال الحرب الأهلية من جديد؛ إثر تمسكه بمرشح رئاسي توافق عليه المعارضة التي يتزعمها مع استمراره في الاعتصام وسط العاصمة؛ مما تسبب في إرباك الوضع الاقتصادي أكثر مما هو عليه.

في نفس الوقت طهران ما زالت تحتل ثلاث جزر إماراتية في الخليج - الذي تصر على أنه خليج فارسي- وذلك منذ عام 1971, رافضةً جميع الجهود والوساطات لحل القضية بشكل سلمي رافعةً شعار القوة .

ومع كل ما سبق فهي لا ترى غضاضة من استخدام أساليب أخرى جنبًا إلى جنب مع الأساليب السابقة لفرض سطوتها والوصول إلى غاياتها التي وقف لها عراق صدام من قبل بدعم بقية دول الخليج... وهذه الأساليب تأخذ الطابع الدبلوماسي والسياسي الذي يتميز بالمراوغة واللعب بالألفاظ وطرح مفاهيم مثل "التعاون المشترك", و" تفعيل العلاقات الاقتصادية والاستثمارية المتبادلة", وإقامة "منظمة للتعاون الأمني".. وهي بعض العبارات التي ساقها الرئيس الإيراني خلال كلمته أمام قمة دول التعاون الخليجي الأخيرة, والتي حضرتها طهران لأول مرة , فيما يبدو أنه محاولة خليجية لاحتواء الخطر الإيراني وتجنيب المنطقة خطر حرب جديدة لا يعلم عواقبها إلا الله.. إلا أن نجاد واصل المراوغة ولم يأت على موضوع المشروع النووي لبلاده في كلمته, وهي من القضايا الجوهرية التي تثير القلق الخليجي.. بل إن موضوع الجزر الثلاث الإماراتية لم يتم التوصل فيه إلى نتيجة, حيث صرح  وزير الخارجية الإماراتي الذي التقى نظيره الإيراني "منوشهر متكي" قائلا للصحافيين: إن اللقاءات بين الطرفين "غلب عليها طابع المجاملة".

البيان الختامي للمؤتمر من جهته خيّر  طهران بين  التفاوض أو التحكيم الدولي لحل أزمة الجزر الثلاث, وطالب إيران بالتعاون مع الوكالة الدولية للوصول لاتفاق سلمي حول برنامجها النووي, كما دعا إلى إخلاء المنطقة من أسلحة الدمار الشامل, وأكد على وحدة واستقلال العراق. 

الأفعى الإيراني إذن يلعب على جميع الحبال كأستاذه الأمريكي, فالعصا في يد والجزرة في اليد الأخرى, وعلى دول الخليج أن تتوخى الحذر فليس من المستبعد أن تتفق مصالح طهران مع واشنطن قريبًا؛ إثر صفقة لتوزيع الكعكة, وعندئذ يتفرغ المشروع الفارسي

لفرض سطوته على المنطقة, ووقتها لن يتحدث مرجع واحد عن "التعاون الأمني" ولا " تفعيل العلاقات الاقتصادية".



مقالات ذات صلة