خفايا الصفقة الكبرى
قصة المفوضات السرية بين طهران وواشنطن وتل أبيب.. ولائحة كاملة بالشروط المتبادلة
رياض علم الدين الوطن العربي ـ 9/6/2006
هل تمهد مبادرة العصا والجزرة والمفاوضات المباشرة التي قدمتها كوندوليزا رايس لإيران لـ "الصفقة الكبرى" أم للانفجار الكبير أم أن وزيرة الخارجية الأميركية أطلقت مفاجآتها هذه للتمويه على الصفقة الحقيقية والشاملة التي تجري في الخفاء بين واشنطن وطهران؟! المعلومات التي حصلت عليها "الوطن العربي" من مصادر استخبارية وتضيف هذه المعلومات أن عدة قنوات اتصال وتفاوض سرية قد فتحت بين الطرفين في أكثر من عاصمة عربية وشرق أوسطية وأوروبية وصولاً إلى واشنطن بالذات مروراً ببغداد وطهران وأنقرة وجنيف وفيينا.
وأكثر من ذلك تؤكد هذه المصادر أن هذه المفاوضات السرية قد تجاوزت في الأيام الأخيرة محور طهران ـ واشنطن لتنضم إلهيا تل أبيب وتتحول إلى مفاوضات إيرانية ـ أميركية ـ إسرائيلية وكشف تقرير غربي قبل أيام أن الزيارة المفاجئة التي قامت بها وزيرة خارجية إسرائيل إلى تركيا لم تكن تتعلق بوساطة تركية مع حماس أو بإقناع أنقرة بالدخول في مخطط المواجهة مع طهران بقدر ما كانت للاطلاع على ما توصلت إليه المفاوضات السرية الدائرة في أنقرة بين وفود أميركية وإيرانية وإسرائيلية حول "الصفقة الكبرى الحقيقية" التي يجري الإعداد لها ووضعت على نار حامية منذ رسالة أحمدي نجاد إلى جورج بوش.
وفي معلومات معدي هذه التقرير أن سلسلة مبادرات سرية حصلت مؤخراً على خط ضم إسرائيل إلى المفاوضات السرية الأميركية ـ الإيرانية وهي مبادرات أسهمت فيها المخابرات الألمانية وكان أبرزها عودة طهران إلى تحريك ملف الدبلوماسيين الأربعة الذين اختفوا في بيروت في الثمانينيات ودخول المخابرات الألمانية مجدداً على خط اتصالات سرية لعقد صفقة جديدة بين إسرائيل وحزب الله حول إعادة الأسرى من إسرائيل.
وتضيف المصادر أن عملية الصواريخ التي أطلقها حزب الله مؤخراً في اتجاه إسرائيل واستئناف تسخين جبهة الحدود اللبنانية ـ الإسرائيلية كانت في إطار عملية مدروسة لإفساح المجال أمام "شرعية" ضم الطرف الإسرائيلي إلى المفاوضات الدائرة ولوحظ أن عدة مصادر استخبارية تعاملت باهتمام شديد مع الشائعات الكاذبة التي تم تسريبها فجأة حول مشروع قانون إيراني بإرغام يهود إيران على ارتداء علامات صفراء. وفي رأي هذه المصادر أن هذه الشائعات قد تكون محاولة من فريق متشدد في تيار المحافظين الجدد في الإدارة الأميركية تهدف إلى إفشال المفاوضات السرية بين الإيرانيين والإسرائيليين في أنقرة وتعبئة اللوبي اليهودي ـ الأميركي ضد إيران.
لكن المفاجأة كانت في الردود الإسرائيلية الهادئة على هذا القانون الخطير الذي يعد له البرلمان الإيراني "رغم عدم صحته" وكان لافتاً أن النائب اليهودي الإيراني وزعيم الجالية هناك موريس معتمد كان من أول الذين نفوا هذه الشائعة، وتشير معلومات "الوطن العربي" إلى أن معتمد يعتبر من الأطراف الفاعلة مجدداً في المفاوضات الإيرانية ـ الإسرائيلية وأنه سبق أن قام قبل أسابيع بزيارة سرية للولايات المتحدة أجرى فيها اتصالات باللوبي اليهودي، ولعب دوراً في إعادة إحياء اللوبيات المؤيدة للتفاوض مع إيران، وللرهان على عقد "الصفقة الكبرى" بدلاً من "الحرب الكبرى"!
وعلى ضوء المعلومات الأولية عن هذه المفاوضات لم يتفاجأ المراقبون بتراجع لهجة التهديدات الإسرائيلية لإيران في الأيام الأخيرة وهدوء حملة اللوبي اليهودي في أميركا الداعية إلى حسم الملف النووي الإيراني عسكرياً.
وفي مقابل ذلك بدأت عدة تنظيمات يهودية وجماعات ضغط مؤيدة لإسرائيل تدعو الإدارة الأميركية علنا إلى فتح حوار دبلوماسي مع إيران! وفي موازاة النشاط "الهادئ" للوبي اليهودي بدأت الساحة الأميركية تشهد فجأة عودة بروز "لوبيات" دعم لإيران أو لفتح حوار معها، كان لافتاً عدد الشخصيات الأميركية المهمة التي دخلت هذا الخط التفاوضي من هنري إلى زبغنيو بريجنسكي ومادلين أولبرايت مروراً بعدد كبير من الأكاديميين وخبراء مراكز الدراسات وانضم إلى هؤلاء تنظيمات إيرانية ـ أميركية فاعلة وشخصيات في الكونجرس تعتبر ممثلة للوبي صناعة الأسلحة وشركات النفط الكبرى.
وتقول المعلومات: إن هؤلاء نجحوا في إعادة تحريك لوبي الحوار مع إيران في الخارجية وعلى رأسه مساعد رايس للشؤون السياسية نيكولاس بيرنز إلى درجة أن خلافاً حاداً نشب بين تيارين داخل الإدارة الأميركية حول الحوار مع إيران، تيار الخارجية في مواجهة تيار تشيني ـ رامسفيلد. لكن التقارير التي أعدت عن قنوات التفاوض السرية التي فتحت بين طهران وواشنطن راحت تقلل من أهمية هذه الخلافات ووضعها بعضهم في إطار توزيع الأدوار والاستراتيجية التفاوضية. وفي معلومات هذه التقارير أن أسماء الأطراف الأميركية المشاركة في جولات المفاوضات السرية تدحض المزاعم بأن صقور المحافظين الجدد وغالبيتهم من مكتب تشيني هم من معارضي أي حوار أو تفاوض مع طهران ومن أنصار الحرب العسكرية لتغيير نظام الملالي.
ويقال إن محمد نهونديان مستشار على لاريجاني الأمين العام لمجلس الأمن القومي الإيراني المكلف بالإشراف على المفاوضات مع الأميركيين قد التقى خلال زيارته لواشنطن قبل شهرين مسؤولين أميركيين كان بينهم ستيفن هادلي مستشار بوش للأمن القومي، وهادلي يعتبر من صقور الإدارة مثله مثل السفير الأميركي في العراق خليل زادة الذي يتولى الاتصالات السرية مع الإيرانيين في بغداد.
وتضيف التقارير أن أحد أبرز المشاركين في الاتصالات السرية هو ريتشارد أرميتاج، وأرميتاج الذي كان يعمل مساعداً لكولن باول في عهد بوش الأول يعتبر خبيراً في إيران، حيث عمل لعدة أشهر في آخر عهد "الشاه" وهو من دعاة فتح حوار شامل مع طهران والبحث عن صفقة معها تطال كل المسائل والمشاكل دفعة واحدة.
وبعد مغادرته الخارجية بات أرميتاج يعتبر من أبرز عناصر اللوبي النفطي، حيث قام الرجل الثاني سابقاً في الخارجية بإنشاء شركة استشارات دولية واختير قبل أسابيع عضواً في مجلس إدارة شركة كونوكو النفطية الضخمة.
ويبدو أن موقع أرميتاج هذا لم يكن من باب المصادفة إذ إن شركة كونوكو والشركات النفظية الأميركية الأخرى مثل يونوكال وهاليبرتون تعتبر حالياً من أبرز مجموعات الضغط الساعية إلى عقد صفقة مع إيران، وفيما يرد اسم أرميتاج كأبرز المفاوضين السريين في الصفقة الكبرى مع طهران تشير مصادر أخرى إلى أن أحد كبار المسؤولين في هاليبرتون قد انتقل مؤخراً إلى طهران لفتح قناة سرية أخرى للتفاوض.
وتقود هذه المعلومات إلى التأكيد أن نائب الرئيس الأميركي والرئيس السابق لهاليبرتون قد أعطى الضوء الأخضر، وبالتالي فإن الحديث عن معارضة تشيني للتفاوض والصفقة مع إيران مبالغ فيه وغير صحيح، وكذلك معارضة المحافظين الجدد.
أكثر من ذلك تؤكد التقارير المخصصة للقنوات السرية التي فتحت منذ أكثر من شهرين بين واشنطن وطهران أن هذه المفاوضات تجري في شكل خاص مع تيار المحافظين الجدد.
وتشير إلى أن هذه المجموعة تملك علاقات مميزة بشخصيات مهمة في النظام الإيراني قامت ببنائها منذ المفاوضات التي قادت إلى "إيران غيت" ويقول المطلعون على الصفقة إنها قد أعدت على خلفية عدة عوامل مشتركة بين ملالي طهران وصقور البيت الأبيض.
فبالإضافة إلى العلاقة السابقة يدرك قادة إيران أن هؤلاء الصقور ما زالوا يتمتعون بنفوذ واسع داخل الإدارة بما يسمح لهم بتحقيق مشروعهم في تغيير النظام الإيراني وتوجيه ضربة عسكرية مدمرة لإيران.
وفي المقابل يدرك الإيرانيون أن هؤلاء الصقور هم الذين كانوا وراء قرار إطاحة صدام حسين وتحطيم قدرات العراق العسكرية باسم خدمة مصالح إسرائيل، وخصوصاً أنهم في الوقت نفسه منظرو مشروع "ضرب الهيمنة السُّنية وإطلاق القوى الشيعية وإعادة رسم موازين القوى بين الطائفتين".
وعلى هذه الخلفية لجأت إيران إلى التعامل والتحاور مع هذه الأطراف في أفغانستان، ثم في العراق تمهيداً للتخلص من صدام حسين وهي التي طلبت من جماعاتها العراقية ومن المجلس الأعلى للثورة الإسلامية إلى أحمد الجلبي التعاون معهم في مثل هذه المرحلة.
وتشير آخر المعلومات إلى أن أحمد الجلبي قد عاد إلى لعب دور مهم على خطر المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة إلى جانب خليل زادة كما تجاه أصدقائه من المحافظين الجدد في واشنطن وهو يعتبر من ناشطي إحدى القنوات السرية الحالية.
الصفقة الكبرى
أما بالنسبة للصفقة الكبرى التي يجري التفاوض عليها على أكثر من خط فإن التقارير السرية تؤكد أنها معدة لتكون صفقة شاملة ليس فقط على خط العلاقات الأميركية ـ الإيرانية، بل أيضاً بالنسبة لإسرائيل.
وتشير التقارير إلى أن إيران تبدو حريصة على شمولية الصفقة وعلى تعزيز فرص نجاحها بحيث سارعت إلى تضمينها عرضاً بالاعراف بإسرائيل.
وفي تفاصيل العرض الإيراني السري الشامل أنه يلحظ حل كل النقاط الحساسة والأساسية مثل:
ـ الاستعداد للاعتراف بإسرائيل سواء عبر دعم المبادرة العربية ومقولة الدولتين وحدود 1967.
ـ وقف دعم حماس والجهاد وتشجيعهما على قبول حل الدولتين.
ـ وقف دعم حزب الله ودفعه إلى تسليم سلاحه والقبول بحل عناصره ودمجها بالجيش اللبناني ودخول اللعبة السياسية مقابل تحسين موقع الطائفة الشيعية في المعادلة اللبنانية بما يتناسب مع عددها.
ـ تعهد بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.
ـ وقف دعم التنظيمات المصنفة إرهابياً والمتطرفة وطرد عناصر "القاعدة" من أراضيها.
ـ المساعدة على استقرار العراق ووقف التدخل في شؤونه وتشجيع الأطراف الشيعية فيه على نزع السلاح.
ـ التخلي عن البرنامج النووي وتخصيب اليورانيوم والتعهد بفتح المفاعلات والمراكز أمام مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتوقيع على البروتوكول الإضافي الذي يسمح بالقيام بعمليات تفتيش مفاجئة في أي مكان من إيران.
أما المطالب الإيرانية التي يجري بحثها في هذه المفاوضات فهي تشمل سلسلة طويلة تعكس طموحات إيران وأهدافها من التنازلات التي عرضت تقديمها.
ومن هذه المطالب:
ـ تعهد أميركي بعدم تغيير النظام وعدم التدخل في شؤون إيران الداخلية وتوقيع اتفاقية عدم اعتداء.
ـ تعهد أميركي ودولي بتوفير برنامج نووي سلمي لإيران ومساعدتها على الحصول على التكنولوجيا النووية لأهداف سلمية.
ـ الاعتراف بدور إيران المحوري في أمن الخليج ومشاركة طهران في أية نظام إقليمي يجري إقامته والاعتراف بضرورة حصول طهران على قدرات دفاعية توازي دورها وموقعها كشرطي للخليج.
ـ اعتذار واشنطن عن تدخلاتها السابقة في إيران وخصوصاً في عملية الانقلاب ضد "مصدق" العام 1953.
ـ دفع تعويضات أميركية عن أضرار القصف الأميركي للمنشآت النفطية العام 1988.
رفع اسم إيران عن لائحة الإرهاب.
ـ رفع أميركي شامل للحصار والعقوبات.
ـ تعهد أميركي بالاستثمار في إيران ومساعدتها على تطوير التنقيب عن النفط وإنتاجه وتوفير المعدات المتطورة اللازمة لذلك.
ـ تعهد بضم إيران إلى منظمة التجارة الدولية واستفادتها من القروض.
ـ إعادة الأموال الإيرانية المجمدة في المصارف الأميركية والتي تقدرها إيران بـ 16 مليار دولار.
ـ إعادة العلاقات الدبلوماسية كاملة بين البلدين ووقف الحملات نهائياً، ويقال إن واشنطن تلح في هذا المجال على إعادة فتح سفارة لها في طهران.
ـ الاعتراف بحقوق طهران في بحر قزوين والمساعدة على بناء أنبوب نفط يمر بإيران.
وتضيف المعلومات أن إيران قدمت سلسلة مطالب تتعلق بالعراق قادت حتى الآن إلى عدم نجاح إي حوار حول هذا البلد رغم المؤشرات الإيجابية الأخيرة التي ظهرت في التوافق على تشكيل حكومة نوري المالكي والأمل بإيجاد حل لتدهور الوضع في البصرة بدفع من إيران وأجهزتها.
وتؤكد التقارير أن مطالب إيران في العراق تركز على قيام حكومة مركزية مؤيدة لها ومنح دور رئيسي للشيعة. لكن الأهم هو إصرار طهران على عدم إنشاء جيش قوي في العراق قادر على تهديدها وعدم عودة حزب البعث إلى السلطة و... وإعدام صدام حسين والحصول على تعويضات بأكثر من مائة مليار دولار بسبب مسؤولية العراق عن الحرب.
ولم يكن مصادفة أن يقوم وزير الخارجية منوشهر متقى بزيارة بغداد مؤخراً حاملاً لائحة الاتهام الإيرانية لصدام حسين ونظامه وتكشف بعض التقارير عن طلب إيراني آخر يتعلق بمنح طهران حصة مهمة من نفط العراق! إضافة إلى جدولة الانسحاب الأميركي وعدم إقامة قواعد عسكرية قريبة من إيران.
وتضيف التقارير أن بعض المطالب الإيرانية تبدو شبه تعجيزية وصعبة التحقيق من قبل الأميركيين وهي تقف وراء تركيز العرض الإيراني على الاعتراف بإسرائيل.
وأبرز هذه المطالب تشديد إيران على الحصول على التزام أميركي بعدم تغيير النظام والاعتراف بإيران كالقوة الإقليمية العظمى، والمطلب الأول يعكس حجم تخوف الإيرانيين من الضربة العسكرية ومخطط تغيير النظام رغم التحديات الانتقامية التي يطلقونها.
وتؤكد مصادر مطلعة على خلفية العرض الإيراني أن القيادة الإيرانية على عكس صدام حسين تبدو مقتنعة كلياً بأن المشروع الأميركي يهدف إلى ضربها وتغيير النظام فيها، وتعرف مسبقاً عدم قدرتها على المواجهة والانتصار وتفادي تدمير البلد وتبخر الطموح بالهيمنة على المنطقة.
وتضيف هذه المصادر أن الصراع الحقيقي بين أميركا وإيران ليس على البرنامج النووي، بل إنه صراع على الهيمنة على المنطقة، وطموحات الهيمنة والدور الأمني الإقليمي هذه تعتبر في نظر القيادة الإيرانية أهم من الأبعاد العقائدية للنظام وهو ما يفسر التنازلات إلى حد الاعتراف بإسرائيل.
وتكشف هذه المصادر أن إيران قد سعت في الآونة الأخيرة إلى تعزيز أوراقها التفاوضية لنيل دور شرطي الخليج وأن لجوءها إلى البرنامج النووي وإلى تعزيز علاقاتها مع التنظيمات مثل حماس والجهاد واختراق الساحة اللبنانية عبر حزب الله وحتى التحالف مع سورية. إضافة إلى اختراق الساحة العراقية كان ضمن مخطط يهدف إلى تقوية الأوراق للحصول على الدور الإقليمي الطليعي.
27 سنة في المفاوضات السرية!
وتلفت المصادر إلى أنها ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها طهران إلى تقديم عروض تفاوض أو فتح قنوات سرية مع الأميركيين لتحقيق طموحاتها هذه.
وعلى عكس المعلومات التي أشارت إلى أن عرض رايس التفاوضي الأخير يمهد لأول مفاوضات أميركية ـ إيرانية منذ أزمة الرهائن وانقطاع العلاقات في العام 1979.
والواقع أن كل الرؤساء الأميركيين تقريباً دخلوا في مفاوضات سرية أو شبه سرية مع الإيرانيين رغم تحريم الجهات الرسمية في طهران وواشنطن ذلك.
ففي عهد جيمي كارتر عقد مستشاره للأمن القومي زبغنيو بريجنسكي لقاءات سرية في الجزائر مع نظيره الإيراني قطب زادة بهدف إطلاق رهائن السفارة الأميركية لكنها انتهت بالفشل واختفاء قطب زادة بسبب خلافات بين أنباء الثورة الإسلامية.
ولعل أهم وأخطر المفاوضات السرية يعود إلى عهد ريغان والأشهر "تشرين الأول" وأدت هذه المفاوضات إلى "تسليم" الرهائن إلى ريغان لا إلى كارتر بهدف فتح علاقات إيرانية مع واشنطن.
وقادت هذه المرحلة إلى ما عرف بفضيحة إيران ـ غيت التي سجلت دخول إيرائيل على الخط ومشاركة الموساد في هذه الصفقة التي قادت إلى بيع إيران أسلحة إسرائيلية في حربها مع العراق.
وشهد عهد ريغان تعاونا سريا ثلاثياً مكثفا وصل إلى حد شراء رهائن حزب الله الأميركيين مقابل أموال وأسلحة إلى إيران.
وبعد سنوات عادت إسرائيل إلى خط المفاوضات السرية بين أميركا وإيران في عهد كلينتون، وتحديداً في أواخر العام 1999 عندما "انفجرت أزمة يهود شيراز" الذين حكموا بالإعدام بتهمة التجسس لإسرائيل.
وقبل ذلك كانت أجواء الانفراج قد بدأت تسود العلاقات الأميركية ـ الإيرانية مع وصول محمد خاتمي إلى الرئاسة ودعوته إلى حوار الحضارات.
وتقول التقارير السرية: إن هذا الانفراج لم يشمل فقط تبادل بعض الزيادات والمباريات، بل كاد ينتهي بـ "الصفقة الكبرى" التي يجري الحديث عن مثلها حالياً عبر مفاوضات سرية شاركت وزارة الخارجية بدعم من أولبرايت عبر شروب تالبوث مساعدها ومستشار الأمن القومي أنطوني ليك ولوبيات النفط وجماعات إيرانية ـ أميركية ويهودية ـ أميركية ووسطاء بينهم عدد من الذين ترد أسماؤهم حالياً.
وفي تلك الفترة طُرح مشروع الاعتراف الإيراني بإسرائيل وبلغ الأمر حد التفاوض حول كيفية استعادة ديون إيران من إسرائيل، وهذه الديون التي دخلت مجدداً في المفاوضات الحالية هي عبارة عن خمسة مليارات دولار يقال إن الشاه قد أقرضها للحكومة الإسرائيلية مقابل صفقات أسلحة والمساهمة في تطوير أسلحة واستثمارات نفطية مثل بناء خط أنابيب بين إيلات وعسقلان على المتوسط ومساهمة من إيران في إنقاذ إسرائيل من "ضغط" النفط العربي.
ويبدو أن النسبة الأكبر من الخلاف حول هذه الديوان تتعلق بمساهمة "الشاه" في إنتاج طائرة "لافي" وصاروخ "أريحا2" وتشاء سخرية القدر إن هذا الصاروخ الذي أسهمت إيران في تمويل صنعه مرشح لأن تستخدم إسرائيل نسخته المتطورة "أريحا5" لتدمير إيران!
وفي تلك الفترة أيضاً شملت المفاوضات السرية الإيرانية مع إدارة كلينتون معظم المواضيع المطروحة حالياً باستثناء الملف النووي وركزت على رفع العقوبات وإعادة الأموال الإيرانية المحتجزة في أميركا.
ويقدر الإيرانيون هذه الأموال بحوالي 16 مليار دولار تشمل صفقات أسلحة دفع ثمنها ولم يتم تسليمها واستثمارات وأملاك تعود للشاه وعائلته. لكن يبدو أن الإدارة الأميركية لا تعترف بأكثر من 1.6 مليار دولار تسعى بعض جماعات الضغط الأميركي إلى حجزها لدفعها بدل أحكام حالية صدرت ضد إيران في قضايا احتجاز رهائن.
في أية حال فشلت الصفقة الكبرى في آخر عهد كلينتون، لكن المفاوضات والاتصالات السرية بين إيران وأميركا لم تتوقف بما فيها المفاوضات حول صفقة تشمل الاعتراف بإسرائيل.
وفي هذا المجال يؤكد الخبراء أن إيران تدرك أهمية الورقة الإسرائيلية في صراعها مع أميركا، وهي تنطلق من مقولة إن الصراع مع إسرائيل لم يكن يوماً قضية استراتيجية إيرانية وأن العلاقات بين الفرس واليهود لا تتميز بالعدائية التي تسعى الجمهورية الإسلامية إلى تسويقها والدليل أن عدة أوجه تعاون بين إسرائيل وإيران لم تتوقف وخصوصاً في مجال التعاون الزراعي، حيث ذكرت الصحف قبل أسابيع أن وفدا من المهندسين الزراعيين الإسرائيليين عاد من طهران!
ومن هذا المنطلق وعلى خلفية العلاقات المتميزة بين إسرائيل وإيران الشاه والاتصالات السرية لم يتعامل بعض الخبراء بجدية فائقة مع تهديد أحمدي نجاد بمحو إسرائيل عن الخريطة، وهؤلاء أنفسهم ينظرون إلى الذريعة التي يقدمها بوش بأن البرنامج النووي الإيراني يهدد إسرائيل على أنه مجرد ربط متعمد لأي حل مع إيران باعترافها بإسرائيل.
وفي معلومات "الوطن العربي" أن تقرير كوفي عنان الأخير حول القرار 1559 والذي تحدث عن دور إيراني في لبنان ولجوء رايس إلى الحديث عن هذه العلاقة ضمن شروطها الجديدة للتفاوض مع إيران تصب في خانة "الصفقة الكبرى" التي يجري التفاوض حولها.
وتؤكد المعلومات أن هذه "الصفقة" سبق أن أثيرت في العام 2003 عبر عرض إيراني مفصل حمله السفير السويسري في طهران إلى واشنطن، كون السفارة السويسرية ترعى المصالح الأميركية في إيران.
وقبل هذا العرض كانت قد حصلت عدة جولات من المفاوضات السرية بين إيران والأميركيين منذ أحداث سبتمبر "أيلول" 2001 شملت "القاعدة" والتعاون في أفغانستان والعراق، وشارك في جزء كبير منها خليل زادة.
وتشير معلومات المصادر المطلعة إلى أن فشل المحاولات السابقة لعقد "الصفقة الكبرى" بين طهران وواشنطن "وتل أبيب" لم يكن بسبب ما قيل "ويقال حالياً" عن صراعات أجنحة سواء في طهران أم في واشنطن، بل بسبب سوء تقدير وحساب لموازين القوى ومبالغة في الشروط من هذا الجانب أو ذاك.
ويقول الخبراء المطلعون: إن صقور البيت الأبيض قد رفضوا بين 2001.2003 كل العروض الإيرانية بما فيها مطلب إيران بعدم تغيير النظام إذ أعطى يومها خليل زادة جوباً غامضاً لمفاوضيه الإيرانيين في جنيف.
لكن المعادلة اختلفت حالياً بسبب ورطة الأميركيين في العراق وظهور خطر البرنامج النووي الإيراني ونجاح إيران في تعزيز أوراقها في العراق وسورية ولبنان وفلسطين وداخل المعادلة وإن أسهمت في تحسين أوراق إيران التفاوضية إلا أنها لا تسمح لها بفرض شروطها على الأميركيين أو الرهان على موازين قوى جديدة لصالحها.
ويضيف هؤلاء أن ملالي طهران يدركون جيداً أن قدراتهم على الأذى مهما بلغت لا توازي قدرة الأميركيين على تدمير بلادهم وطموحاتهم وأن أميركا ومعها أوروبا لن تقبلا حصول طهران على القنبلة النووية.
أما صقور البيت الأبيض فإذا كان مشروعهم هو تغيير النظام لخدمة إسرائيل فإنه يشكل سبباً إضافياً لإعادة إحياء "الصفقة الكبرى".
هل تنجح الصفقة هذه المرة وتنقذ إيران نظامها مقابل لعب دور "شرطي الخليج"؟
الأمر الأكيد حسب التقارير المتداولة أن العرض الإيراني قائم وأن المفاوضات السرية قد انطلقت قبل عرض رايس الأخير، وفي رأي البعض أن الخطاب الذي ألقاه المرشد خامنئي في الأسبوع الماضي للإشادة برسالة أحمدي نجاد جاء في إطار هذه الاتصالات السرية التي وصلت إلى حد معرفة مدى مباركة المرشد لفتح القنوات مع أميركا.
وقبل المرشد كان مستشاره أحمد جنتي قد أعلن أن رسالة نجاد "إلهام رباني" ليؤكد بدوره رغبة الملالي المتشددين في التفاوض.
وجاء بعده رئيس المجلس السابق محمدي كروبي أحد أبرز أطراف مفاوضات "إيران ـ غيت" ليدعو إلى الحوار مع أميركا.
لكن التجارب السابقة تشير إلى أن بدء الحوار والتفاوض السري لا يعني التوصل إلى نتائج إيجابية، وثمة من يتوقع أن تشهد الأيام والأسابيع المقبلة مؤشرات متزايدة من التصعيد والتهدئة تكون انعكاسا لما يجري في الكواليس ولقراءة كل طرف لمطالبه وشروط الطرف الآخر وهي حتى الآن بعيدة عن الالتقاء عند حل وسط والتوافق في الصراع بين مشروعين للهيمنة على المنطقة.