الحمدلله وبعد : فإن من أهمِّ دعواتِ الماسونيةِ اليومَ والتي تحرصُ على نشرِها والتواصي بها هي دعوةُ وحدةِ الأديان ؛ تلك الدعوة التي مُؤدَّاها مسخُ الدين الحقِّ وتسويتُه بغيره من الأديانِ الباطلةِ وجعلها كلها في بادئِ الأمر سواء ؛ وقلت في بادئ الأمر لأنَّ المُرادَ من هذه الدعوةِ القضاءُ على الإسلام ، لأنه الدينَ الحق الذي لا ينصهر مع غيره من الأديانِ الباطلةِ إذ لا يستوي الحق والباطل ولا النور والظلمات ولا الظل ولا الحرور ، قال تعالى : (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَىٰ وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ ۖ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ)
[سورة فاطر 19 - 22]
وقال جل من قائل : (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَىٰ وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ ۚ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا ۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ)
[سورة هود 24]
وقال سبحانه : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)
[سورة آل عمران 19]
وقال : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)
[سورة آل عمران 85]
فالإسلام هو الدِّين الذي لا يقبل الله ديناً غيره ، وهو دين الحق وما عداه فأديان مبتدعة باطلة ، ولا يمكن أن يلتقي الحق مع الباطل ولا الهدى مع الضلال ..
ففطرة الأطفال والعجائز والعلماء والعامة أن هذا من العبث الذي لا يرضى به الله ولا عباده الموحدين !
ولكن الماسونية جنّدت لتقرير هذه العقيدة الكفرية جنودها ، وهيّأت لها طغمة تنشرها ، واختارت لها مفكرين وسياسيين ومشايخ ومفتين ، وقد جعلوا دعوتهم لهذا الكفر هو الحل في صدِّ الإرهاب والبديل الآمن-بزعمهم- من التطرف !
وازداد تلبيسهم عندما انتحلوا صفة الوسطية وهي اصطلاح مشترك ، لم تُحدَّد ماهيته إلى الآن من قِبل أغلب منتحليه ؛ ولكنه عند أكثرهم تلبيساً ودجلاً هو كالظرف المكاني بين الحق والباطل ، بمعنى أنه خليط بينهما لا يميل إلى الحق بالكلية ولا إلى الباطل بالكلية بل يريد أن يُلفِّق بينهما كالذين قال الله فيهم : ( مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَٰلِكَ لَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ وَلَا إِلَىٰ هَٰؤُلَاءِ ۚ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُبِينًا * إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا)
[سورة النساء 143 - 145]
فهؤلاء هم المنافقون الذين يرغبون في التلفيق بين الحق والباطل فاصطادتهم الماسونية اليوم بشباكها وصاروا من دهاتها ودعاتها .
ومعناها الحقيقي - أي الوسطية - لا يُراد به المكان ؛ بل المكانة ، فالوسَط - بفتح السين - هو أعلى الشيء وأعدلُه وأرفعُه وأخيَرُه ؛ فكيف يقبل الإسلام وهو في القمة أن يكون معه من الدين ما هو في الهُوَّة السحيقة؟!
ولذلك عندما دعا الإسلام أهلَ الكتاب صدّر لهم الخطاب بالعلو بهم من سفولهم ؛ فناداهم للتعالي: قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ ۚ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)
[سورة آل عمران 64]
ولسَائلٍ أن يسألَ ما الذي تحرص عليه الماسونية من الصوفية لتعزيز نظريتها وتقرير عقيدتها الكافرة : وحدة الأديان ؟!
إن الذي تحرص عليه الماسونية من تقرير هذه الكفرية وحدة الأديان لهو أمر معقودٌ عليه عند أقطابِ الصوفيةِ وإليك بعض أدلة ذلك :
قال زنديقهم ابن عربي :
لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي ..
إذا لم يكن ديني إلى دينه داني
لقد صارَ قلـبي قابلاً كلَ صُـورةٍ ..
فـمرعىً لغـــــزلانٍ ودَيرٌ لرُهبـَــــانِ
ِوبيتٌ لأوثــانٍ وكعـــبةُ طـائـــفٍ ..
وألـواحُ تـوراةٍ ومصـحفُ قــــــرآن
أديـنُ بدينِ الحــــبِ أنّى توجّـهـتْ ..
ركـائـبهُ فالحب ديـني وإيـمَاني
فتأمل إلى خلطِه - عامله الله بعدله ! -
كيف جعل الأديان كلَّها موصلةً إلى الله ، وجعل دينَه المحبة فقط دون البغض ، وهي الدعوة التي تقوم عليها الماسونيةُ اليومَ ، ويموه بها دعاتها ودهاتها !
ولذلك تجد دندنة الحبِّ في خطاب الماسونيين يطغى في المحافل السياسية والحزبية !
فما مرادهم من هذا التمويه في استغلال مصطلح الحب ودغدغة العواطف به؟!
قال شيخنا أبو بكر بن سالم الشهال حفظه الله :
[ يستخدم الماسونية لفظ المحبة، ونشر ثقافة الحبّ، لإزالة العوائق بين الحلال والحرام ، فيسهل كل محرم على الناس، ويسهل دمج الكفر مع الإيمان ، والسنة مع البدعة والطاعة مع المعصية، وبذلك يستطيع الماسون واليهود وأذنابُهم السيطرةَ على العقول المنساقةِ في شهواتها، الغارقةِ في بحرٍ لُجِّيٍ من ظلمات جهلها ، وبذلك تنقاد الأعضاء لهذا القلب المسيّر، الذي نزع منه الاختيار ، وتلاشت قواه ،وضعفت إرادته .
قل لي بربك بعد ذلك كيف يستطيع هذا القلب أن يميز بين الضارِ والنافع، والحلال والحرام؟
بل كيف يستطيع أن يدفعَ الضررَ عن نفسه وعن مملكتِه وهو لا يحسن التمييز بينه وبين ما ينفع؟؟
إن الوقوفَ على ما يكيده لنا الأعداء، ويلبسونه لبوساً حسناً: يحفظنا من الوقوع في مصيدة العدو ، ويعصمنا بإذن الله من الاغترار بفخ الدعايات والبهارج.
وذلك أن العدوَّ في سلوكه طريقَ المكر والتضليل ، لا يستخدم أسلوب المواجهة الصريحة لأنه يعلم أن الناس تنبذ هذا الأسلوب، فيلجأ إلى نمط مقبول ، ولكنه حمّال أوجه، فيقبله السُّذَّج من الناس لعدم معرفتهم بمقاصد العدو من هذه الألفاظ الموهمةِ التي ظاهرها فيه الرحمةُ ، وباطنها فيه العذاب..
فنرى كثيراً من الإخوة ينادون بأن تسودَ ثقافة الحب، بدل ثقافة الحرب، وما درى المسكينُ أن الذي ينادي بهذا الشعار هم الذين أشعلوا الحرب علينا، ويريدون أن يخدرونا بهذا الشعار، حتى لا يكونَ هناك مواجهةٌ ولو بالكلام، أو إنكار بالقلب الذي هو أضعف الإيمان، ويريدون بذلك أن يسودَ الكفرُ على الإيمان، والمعصيةُ على الطاعة من غير أن يتألمَ فينا عضو، أو يختلجَ فينا عرق.] هـ
ثم انظر إلى زنديقهم ابنِ عربيٍّ كيف وحّد الأديان الثلاثةَ : دينَ الحق وأديانَ الكفر والضلال!
وهذا مطابق لتمويهات الماسونيةِ التي يبنونها على التمويهات والمشتبهات !
وقد كشفهم شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله منذ ثماثية قرون وردّ عليهم في عدةِ مواضع :
قال : " وأمَّا هؤلاءِ فالواصلُ عندهمْ إلَى العلمِ المطلوبِ قد يبيحون له مَحظُورات الشَّرائِع، حتَّى الفواحش والخمر وغيرها، إذا كانوا ممَّن يعتقدُ تحريمَ الخمر، وإِلَّا فغالبُ هؤلاءِ لا يوجبُونَ شريعةَ الإسلام، بل يجوِّزونَ التَّهوُّدَ والتَّنصُّر، وكلّ من كانَ مِن هؤلاء واصلًا إلى علمهم فهو سعيد
وهكذا تقولُ الاتِّحَاديةُ منهم، كابنِ سبعين، وابن هود، والتّلمساني، ونحوهم، ويدخلون مع النّصارى بِيَعَهُم، ويصلّون معهم إلَى الشّرق ، ويشربُونَ معهم ومعَ اليهود الخمر، ويميلون إلَى دينِ النّصارى أكثر منْ دين المسلمين لما فيهِ من إباحة المحظورات، ولأنهم أقربُ إلى الاتّحادِ والحلول. "
- الفتاوى 165/14
وقال رحمه الله : " كان هؤلاء كابن سبعين ونحوه يجعلون أفضل الخلق " المحقق " عندهم، وهو القائل بالوحدة، وإذا وصل إلى هذا فلا يضره عندهم أن يكون يهودياً أو نصرانياً، بل كان ابن سبعين وابن هود والتلمساني وغيرهم *يسوغون للرجل أن يتمسك باليهودية والنصرانية كما يتمسك بالإســلام، ويجعلون هذه طرقاً إلى الله بمنزلة مذاهب المسلمين . هـ
(الصفدية 268/1)
وقال أيضاً : وكذلك الأكابر من وزرائهم وغيرهم يجعلون دين الإسلام كدين اليهود والنصارى، وأن هذه كلها طرق إلى الله بمنزلة المذاهب الأربعة عند المسلمين .
- هـ الرد على المنطقيين ٢٨٢.
فهذه عقيدة زنادقة الصوفيةِ هؤلاء ، مطابقة لعقيدة الماسونية ، ولذلك تجد مؤسسة راند تحرص على نشر التصوفِ ودعم الزوايا والتكايا وإحياءِ الرقص والهلط ، فدين هؤلاء القوم يتوافق مع الكفرةِ ومشاريعهم ، والواجب على العلماءِ وطلبة العلم التبصر بألاعيبِ القوم وفضحِهم بمعرفة عقائدهم وفضحها والرد عليها .
وبالله التوفيق .
والحمد لله رب العالمين .
كتبه مصباح بن نزيه الحنون.
16/ذي الحجة/1439هـ
27/8/2018