طهران تهتف : فليسقط الدكتاتور .. ولتسقط الدكتاتورية
بقلم : الدكتور محمد بسام يوسف
أَوَلَم يسقط، وتسقط.. منذ ثلاثة عقود؟!..
هل كان على (علي أكبر هاشمي رفسنجاني) أن يستغرقَ ثلاثين عاماً، ليكتشف أنّ حكاية (المهدي الشيعيّ المنتَظَر) ليست سوى (خرافةٍ وأوهامٍ لا أساس لها من الصحّة)؟!.. بينما خصمه اللدود (محمود أحمدي نجاد) بدأ (يرى بوضوحٍ يد الإمام المختفي، وهي تُدير شؤون بلاده كلها)!.. وأنه (لم يعد هناك متّسع من الوقت لإعداد إيران لاستقبال المهدي) الغائب منذ أكثر من اثني عشر قرناً، الذي (سيجعل بلاد فارس محور قيادة العالَم)!..
وهل كان على زعيم الثورة على الثورة (مير موسوي)، الانتظار ثلاثة عقود، ليكتشفَ أنّ أموال (الخُمس) التي يدفعها فقراء إيران لأئمّتهم، إنما تزيدهم فقراً، وتزيد الأئمّة ثراءً ونعيماً؟!.. وأنّ هذه الأموال (الطاهرة) ما زادت حسن نصر الله والحوثي والصفّار والمالكي والصدر والحكيم والجعفري وبشار أسد.. وأحزاب الله المزروعة في بلاد العرب والمسلمين.. إلا خساراً وفشلاً على فشل، وما حصدوا من ورائها سوى مزيدٍ من الأعداء والخصوم، ومزيدٍ من الوعي العربيّ والإسلاميّ بمخطّطات (تصدير ثورة ولاية الفقيه)؟!..
أكان على حفيدة الخميني (زهراء إشراقي)، أن تستيقظَ صباح يوم الثاني عشر من حزيران 2009م، فتفرك عينيها، على هدير أبناء جيلها الشباب في وسط طهران: (فليسقط الدكتاتور.. فلتسقط الدكتاتورية)، بعد ثلاثين عاماً من النوم والصمت على الدائرة الضيقة لجدّها، إلى أن يعتقلَها رجال حرس (الثورة على دكتاتورية الشاه)، فتهدّدهم بكشف الملفّات السوداء للوليّ الفقيه وخاصّته من أقرانه أصحاب العمائم السوداء؟!..
أم كان على زوجة موسوي (زهرة رهنورد) أن تمضي حياتها في الدراسات الأكاديمية، لتنال أعلى الشهادات، التي تفتح عليها بصيرتها، فتكتشف أنّ (نكاح المتعة) إهانة للمرأة، وتحويل لها إلى سلعة، وأنّ تحليله من قِبَل أئمّة ولاية الفقيه، قد شوّه المجتمع الإيرانيّ باللقطاء، وملأ حاويات القمامة بالأجنّة الساقطة قسراً؟!.. وها هي ذي نساء إيران تتساءل: لماذا (يتمتّع) أصحاب العمامات السوداء ببنات العامة، ولا يسمحون لبناتهم بهذا النوع من النكاح، الذي يقولون عنه: (إنّ المتعة من ديني ودين آبائي، فالذي يعمل بها يعمل بديننا، والذي يُنكرها ينكر ديننا، بل إنه يَدين بغير ديننا، وولدُ المتعة أفضلُ من ولد الزوجة الدائمة، ومُنكِرُ المتعة كافر مرتدّ)!.. (فتح الله الكاشاني، منهج الصادقين).
أم كان على هؤلاء جميعاً، وأمثالهم، أن ينتظروا ما يقرب من ثلث قرن، ليعرفوا أنّ الوليّ الفقيه ليس معصوماً؟!.. بل يمكن أن يلجأ إلى الكذب والتزوير لتمرير مخطّطاته، وتحقيق مصلحته ومصالح المقرَّبين منه، وأنه رمز للدكتاتورية المنصوص عليها في دستور الجمهورية الخمينية، إذ وُضِعَت بين إصبعيه كل السلطات والصلاحيات: من رسم السياسات العامة وإقرار الحرب والسلام والنفير العام.. إلى تنظيم العلاقة بين السلطات الثلاث.. إلى استئثاره بالقيادة العامة للقوات المسلّحة، إلى حق تنصيب أو عزل رئيس الجمهورية ورئيس أركان القيادة المشتركة والقائد العام لقوات الحرس الثوري والقيادات العليا للقوات المسلّحة وقوى الأمن الداخلي وأعلى مسؤولٍ في السلطة القضائية وفقهاء مجلس صيانة الدستور.. وحتى رئيس مؤسّسة الإذاعة والتلفزيون!..
* * *
بتاريخ 28/6/1980م، وجّه الخميني خطابه إلى شعبه بمناسبة ذكرى مولد الإمام المنتَظَر –كما يزعمون- معتبراً أنّ المهدي الشيعيّ هو الشخص الوحيد الذي سينجح في تحقيق العدالة، التي لم يستطع حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم –على حدّ زعمه- أن يحقّقها: (.. فكل نبيٍ من الأنبياء إنما جاء لإقامة العدل، لكنه لم ينجح، حتى خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم الذي جاء لإصلاح البشر وتهذيبهم وتحقيق العدالة.. لم يوفَّق في ذلك أيضاً.. فالذي سينجح بتحقيق العدالة في كل أرجاء العالَم هو المهديّ المنتَظَر)!.. (مختارات من أحاديث وخطابات الإمام الخميني).. فما مصير هذه العقيدة الخمينية، حين يكون الإمام المنتَظَر -حسب آخر اكتشافات رفسنجاني- خرافةً من خرافات الإمامية الإثنا عشرية؟!.. وما مصير الدولة التي ينصّ دستورها في المادة الثانية عشرة منه، على أنّ (الدين الرسميّ لإيران هو: الإسلام، والمذهب الجعفريّ الإثنا عشريّ، وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير)؟!..
عندما سعى رئيس الاتحاد السوفييتي الزائل (غورباتشوف)، لإصلاح ما أفسدته عقيدة مَن سبقوه وممارساتهم في بناء الدولة العظمى، باستخدام ما عُرف بالبيروسترويكا.. وما إن استلّ أول لبنةٍ من البناء العظيم لإصلاحها.. حتى انهار البناء كله دفعةً واحدة، لأنه لا يملك أدنى شروط الاستمرار: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (هود:102).
فإذا كان الشعب الإيرانيّ بملايينه –بقيادة زعماء الثورة على الثورة الذين ذكرناهم- قد اكتشف أنّ المهدي الشيعيّ المنتَظَر مجرّد خرافة، وأنّ الوليّ الفقيه –وكيل المهدي- هو وكيل بموجب خرافة، وأنّ عصمة هذا الوليّ الفقيه قد تهاوت باقترافه التزوير والكذب والانحياز، وأنّ (الخُمس) الذي يجمعه الأئمة ليس سوى عمليات سَلْبٍ مقنّنة، وأنّ (نكاح المتعة) ليس سوى خطيئةٍ بحق المرأة والمجتمع.. فهل بدأ المشروع الإيرانيّ الشيعيّ الفارسيّ التوسّعيّ بالانهيار، لانهيار أهمّ الأسس التي يقوم عليها؟!.. وما مصير أجنحة هذا المشروع المشبوه (مشروع تصدير الثورة الخمينية) في بلاد العرب والمسلمين؟!..
لقد قالها –قبل ألفٍ وأربع مئة سنةٍ- الخليفةُ الراشدُ عمر بن الخطاب رضوان الله عليه للهرمزان: (كذبتَ يا عدوّ الله، بل أقطعُ الرأسَ يهون الجناحان)!.. واليوم، مهما آلت إليه الصراعات الداخلية الإيرانية، فإنها كشفت عن صراعٍ عميقٍ مريرٍ يتناول الأسس العقدية والفكرية والسياسية الأساسية للخمينية ومشروعها الإيرانيّ التصديريّ التوسّعيّ، وإنّ انهيارها سيأتي على المشروع كله، بضربةٍ إلهيةٍ قاصمةٍ لرأس هذا المشروع!.. وبعدها، لا تقلقوا من أجنحته المتغلغلة في بلاد العرب والمسلمين.. هكذا قال الخليفة الفاروق عمر رضي الله عنه.. وقالها ربّ العزة في كتابه العظيم: (وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَار) (إبراهيم:26).
* * *
فليسقط الدكتاتور.. ولتسقط الدكتاتورية!.. هتاف هتف به الخميني وخامنئي ورفسنجاني وموسوي ونجاد وخاتمي.. وغيرهم.. منذ ثلاثين عاماً.. فسقط شاه إيران، الذي قال عنه الثعلب الأميركي (هنري كيسنجر) آنذاك: (إنّ عرش الشاه لن يهتزّ، فهو حليف أميركة)!.. واليوم يخرج أبناء ذلك الجيل الأول الذي أسقط الدكتاتور (محمد رضا بهلوي) وأحفادهم، ليملؤوا فضاءات طهران وما حولها بنفس الهتاف: فليسقط الدكتاتور.. ولتسقط الدكتاتورية!.. فهل سيشفع للمنظومة الحاكمة في إيران، تحالفها بل تواطؤها مع أميركة، على احتلال العراق العربيّ المسلم، وأفغانستان المسلمة؟!..
25 من حزيران 2009م