الطابور الإيراني ومذهب "عنز وإن طارت "!

بواسطة شريف عبد العزيز قراءة 587

الطابور الإيراني ومذهب "عنز وإن طارت "!

 

 شريف عبد العزيز

 

مما لاشك فيه أن انتخابات الرئاسة الإيرانية هذه المرة ، والأحداث التي تلت الإعلان عن فوز نجاد  بفترة رئاسية ثانية ، قد أحدثت حراكاً و حواراً سياسياً ليس داخل إيران وحدها ، ولكن في المنطقة العربية بأسرها ، فأن المظاهرات الحاشدة ، والاعتراضات الغاضبة ، التي تلت الإعلان عن فوز نجاد ، كانت جديدة علي الشارع الإيراني الذي لا تسمح فيه السلطات المعروفة بشدتها ، بمثل هذا النوع من التعبير عن الرأي ، في بلد يعلم فيه الجميع أن الاعتراض علي الخيارات السياسية فيه ، إنما هو نوع من الاعتراض علي سلطة المرشد الأعلى للثورة الخومينية ، ونظام ولاية الفقيه ، التي قامت عليه الجمهورية الإيرانية الجعفرية .

ولحساسية وخطورة النظام الإيراني في المنطقة ، وعلاقاته المتشابكة مع كل الأطراف ، وإمساكه بالعديد من الملفات الملتهبة التي تتقاطع فيها التوجهات الإعلامية ، مع الحوارات التي تتم خلف الأبواب المغلقة ، وتتضارب فيه الخطب النارية العنترية ، مع المصالح المشتركة والتنسيق في أعلي مستوياته ، في عدة دول مثل العراق وأفغانستان ، لذلك كله كان الحديث عن تقييم نتائج الانتخابات وما ألت إليه هو حديث وسائل الإعلام الإقليمية والدولية ، وذلك من عدة زوايا ، منها أثر فوز نجاد علي الملف النووي والعلاقة مع أمريكا وإسرائيل [مع العلم بأن الجالية اليهودية بإيران قد صوتت لصالح نجاد بالإجماع باعتباره أصلح من غيره!] ، والعلاقات مع دول الجوار ، ومنها أثر الحراك الشعبي والغضب الداخلي من هذا الفوز ، ومنها مستقبل العلاقات مع حزب الله وسوريا ومصر والسعودية ، إلي آخر هذه الزوايا التحليلية لنتيجة الانتخابات لدولة مؤثرة ذات ثقل مثل إيران .

وفي وسط هذا الحراك السياسي والجدل التحليلي ،كان لكتيبة التقريب الإيرانية ، وجوقة التبشير الإيراني داخل دول المنطقة رأي آخر ، يختلف تماماً عن المعايير الموضوعية ، والتوجهات الطبيعية الحيادية نحو تقييم هذه النتائج ، كان للطابور الخامس الإيراني داخل الحياة الثقافية ، والمنتزي علي كثير من المنابر الإعلامية ، والذي يشترك فيه العديد من الأسماء الرنانة  ذات الثقل التاريخي والحالي في مجال الإعلام والسياسة ، ولا بأس بذكر بعض أسمائهم ، فمنهم الأستاذ كما يحب تلاميذه أن يسموه محمد حسنين هيكل ، ومنهم الكاتب فهمي هويدى ، ومنهم صاحب القلم المتلون إبراهيم عيسي ، ومنهم دكتور رفعت سيد أحمد ، ومنهم دون ذلك مثل الشنقيطي والغنوشي وخالد حسن وغيرهم ، والأسماء كثيرة ، فنقتصر علي ما ذكرناهم .

هذه الكتيبة الإيرانية في حياتنا الثقافية كان رد فعلها تجاه نتائج الانتخابات وما تلاها من مظاهرات دامية في إيران ، كان أقرب من منطق العربي القديم الذي يصر علي عناده وخطئه ، فيتمادي به حتى ينكر ما تراه العين المجردة ولا يحتاج لتعريف أو تبين ، منطق " عنز وإن طارت "، فلقد مارست هذه الكتيبة أشبه ما يكون بالدجل الإعلامي ، والتحايل التحليلي لنتيجة الانتخابات ، وصرف الناس عن حقيقة ما جري بإيران ، فكانوا ملكيين أقصد خامنئيين نجاديين أكثر من الملك ، وتراوحت تحليلاتهم ما بين نفي جريمة التزوير الثابتة عن هذه الانتخابات ، والدفاع المستميت عن نجاد وحكومته ، والترويج لمبادئ الديمقراطية والنزاهة والحرية والشفافية الإيرانية ، والتي هوت بكل قسوة مع الإعلان عن فوز نجاد ، فالأستاذ فهمي هويدي في مقالته في الجزيرة ، وأنا أعرف سلفاً الكلمات التي ستكون مثل اللكمات والطلقات التي ستنهال علي رأسي ، ورأس كل من يجاوز المحظور الإعلامي في هذه القضية ، الأستاذ هويدي ، تناسي أو تغافل تماماً المظاهرات الغاضبة والقتلى الذين سقطوا أثنائها ، وبدا كأنه أحد مساعدي نجاد في حملته الانتخابية ، وراح يكيل المدح والثناء لشخصية الرئيس ، ونزاهة الرئيس ، وبساطته وتواضعه وانجازاته ، وانحيازه للفقراء واهتمامه بقضاياهم ، في دندنة مكررة لما دأب نجاد وبطانته علي ترديدها طوال الحملة الإنتخابية ، ولو حذف اسم الأستاذ هويدي من علي المقالة التي كتبها دفاعاً عن نجاد ، لن يتخيل أحد قط أن كاتب المقال سوي نجاد نفسه أو أحد أقرب أعوانه ، من شدة الحمية والأنفة لتهمة التزوير التي أجمع عليه المراقبون في الداخل الإيراني وخارجه .

ونحن لنا أن نسأل الأستاذ هويدي بكل موضوعية وبراءة خالية من أي خلفيات سياسية أو ايدلوجية ، أين ذهبت عائدات البترول الضخمة والتي تضاعفت خمس مرات في عهد نجاد ، والتي كان يفترض أن يواكبها ارتفاع في مستوي معيشة الفقراء الذين يدعي الأستاذ هويدي أن مثاله الراقي نجاد ! واحد منهم ؟ وبالطبع الأستاذ يعرف أين ذهبت ، ولكنه يؤثر الصمت ، ولا أدري لماذا رغبة أم رهبة أم قناعة ؟

ونحن نجيب الأستاذ بما يعرفه ولا يقوله ، أن هذه العائدات الضخمة تذهب لدعم الاضطرابات والفتن والقلاقل التي يثيرها الشيعة في كل مكان يتواجدوا به ،تذهب لشيعة لبنان وحزبهم المسمي بحزب الله ، لا لقتال اليهود كما يروجوا فتلك لعبة قد انكشفت ، وبان عوارها في الأحداث الأخيرة ،ولكن لقتال أهل السنة والضغط علي الحكومات الهزيلة هناك، و  تذهب للحوثيين باليمن، لتشطير اليمن ، ونشر الفوضى في هذه البقعة الحساسة من العالم، وللصدريين في العراق، للمذابح الدورية بحق أهل السنة والفتك بالمعارضين، والاستحواذ علي الحكم، ولشيعة البحرين والسعودية ومصر والمغرب العربي ، لإثارة الزوابع وتكوين الخلايا وبث الفرقة ،والتبشير الشيعي بتلبيس الأمر علي الناس وصرفهم عن عقائدهم، واستجلاب العدو الخارجي باسم حماية الأقليات , وهذا غيض من فيض يعرفه جيداً الأستاذ هويدي بما له من علاقات قوية ووثيقة بالنظام الإيراني الذي يعتبر الأستاذ هويدي أحد حراسه ، ومن أشد الناس دفاعاً عنه .

وغير الأستاذ هويدي الذي له مكانة خاصة في قلبي وقلوب كثير من الناس بمواقفه المشرفة إزاء أعداء الأمة ، والصراع الإسلامي الصهيوني علي أرض الرباط ، وآخرها موقفه الرافض لحضور مؤتمر صحفي مع أوباما بسبب حضور صحفي صهيوني ، هذه المواقف التي نجلها ونثمنها ، تتقاطع تماماً مع مواقفه المريبة والغريبة تجاه التهديدات الإيرانية للمنطقة بأسرها ، مما يجعل المرء يشعر بالأسى و الحزن لمثل هذه التناقضات التي لا يسع المرء أن يسكت عنها مهما كانت محبتنا مكانة صاحبها ومحبتنا له .

وعلي نفس النسق جاءت مقالة خالد حسن العميقة حول الانتخابات الإيرانية ، والأستاذ كما هو معلوم للجميع من أشد الناس رفضاً لفكرة البعد العقدي في الصراعات والاختلافات ، لعلمه اليقيني أن هذا البعد سينسف كل أفكاره وأطروحاته تجاه الملف الإيراني وأطرافه المتشابكة ، وكذلك مثله الكاتب الشنقيطي ، فالبعد العقدي في الصراع عندهم إقصاء واستعلاء وتحجير وتضييق ، وقصور في التصور ، وضعف في التفكير ، وهرب من الواقع ، وتغييب للأمة ، إلي آخر هذه الأوصاف التنفيرية ، لبعد لم ينشأ أي صراع بين الأمة الإسلامية وغيرها ، إلا علي أساسه ،وكان هو الدافع الأصلي في إثارته ، ومهما يكن فإن خالد في تحليله لمضمون الانتخابات الإيرانية ، ورغم رصانته المعهودة في رص كلماته ، وتشوينها استعداداً لبناء السدود علي عقول قارئيه ، كمسلمات لا يسع الخروج عنها ، راح يتحدث بلسان ولا أفصح عن حيادية المرشد الأعلى خامنئي ، عدم تدخله في نتائج الانتخابات ، وأن إيران هي واحة الديمقراطية في المنطقة [ مثلما تقول أمريكا عن إسرائيل ] أخذ بحرفية عالية يروج للنموذج الإيراني ومبادئ ثورتها التي يستلهم منها الجميع مؤيدون ومعارضون ، لما فيها من قيم وفوائد ، ومن طرف خفي غمز أهل السنة هناك وخطأ موقفهم المعارض لترشيح نجاد ، كأنه لم يسمع ولم يري ما يجري هناك في الشرق [ البلوشستان ] وفي الغرب [ الأهواز ] والتنكيل الرهيب الذي دفع أهل السنة هناك لحمل السلاح دفاعاً عن وجودهم وكيانهم وعقيدتهم ، وكأنه لم يعرف مثلاً أن السنة في إيران وهم يقتربون من نصف سكان إيران ، لا يوجد منهم أي مسئول هام أو وزير أو حتى محافظ للأقاليم السنية ،  فأي حرية هذه التي يبشر بها الأستاذ خالد ؟أم أن الكبت والقهر الذي عليه حال البلدان العربية وإرادة الشعوب المسلوبة ، وحريتهم المفقودة ، هي التي دفعته لئن يري في النموذج الإيراني جنة الديمقراطية والحرية المنشودة .

إيران بلد مثل بلاد المنطقة ، يعاني من نفس مشكلاتها ، ويشعر شعبه بما تشعر به سائر شعوب المنطقة ، بل إن إيران بها من نوعية المشاكل التي لا توجد إلا بها ، ولا نظير لها في بلاد المنطقة ، وذلك بسبب سياسات النظام الإيراني المستعلي بفارسيته ، المتعصب لمذهبيته ، المصر وبمنتهي الشدة ، علي تصدير عقيدته الخربة ومبادئ ثورته الجعفرية لسائر شعوب المنطقة ، النظام القائم علي مبادئ التقية السياسية ، النفاق الإعلامي ، وتغيير الوجوه ، والتلون حسب القضية ، الذي يعتبر القائمون عليه أنفسهم حماة الدين ومنقذي القدس ، وأيضا أساتذة المكر والخداع ، النظام الإيراني الأن يحصد ثمار سنواته التي بلغت الثلاثين  والتي خاض خلالها الكثير من الحروب الشرسة ، ولكن ضد العالم الإسلامي ، لا كما يروج الطابور الخامس ، وجوقة خامنئي  و نجاد في بلادنا .

أحسب أن التحليلات الأخيرة للكتيبة الإيرانية في المنطقة قد جاءت بفضل الله وحده لصالح جهود المخلصين والساعين لفضح المشروع الإيراني في المنطقة ، وهم بالمنسبة ليس عملاء لإسرائيل أو أمريكا ، بل هم ممن يسأل الله عز وجل أن ينال شرف الشهادة علي أعتاب المسجد الأقصى ، كل يوم وليلة ، فقد كشفت هذه التحليلات عن مدي الانحياز المريب والأعمى للمشروع الإيراني في المنطقة ، مهما كانت الدلائل والقرائن التي تدل علي عكس ما ذهبوا إليه .

فهم كما قالت العرب قديما : " عنز وإن طارت "

 



مقالات ذات صلة