الطابور الإيراني ومذهب "عنز وإن طارت "!
شريف عبد العزيز
مما لاشك فيه أن انتخابات الرئاسة الإيرانية هذه المرة ، والأحداث التي تلت الإعلان عن فوز نجاد بفترة رئاسية ثانية ، قد أحدثت حراكاً و حواراً سياسياً ليس داخل إيران وحدها ، ولكن في المنطقة العربية بأسرها ، فأن المظاهرات الحاشدة ، والاعتراضات الغاضبة ، التي تلت الإعلان عن فوز نجاد ، كانت جديدة علي الشارع الإيراني الذي لا تسمح فيه السلطات المعروفة بشدتها ، بمثل هذا النوع من التعبير عن الرأي ، في بلد يعلم فيه الجميع أن الاعتراض علي الخيارات السياسية فيه ، إنما هو نوع من الاعتراض علي سلطة المرشد الأعلى للثورة الخومينية ، ونظام ولاية الفقيه ، التي قامت عليه الجمهورية الإيرانية الجعفرية .
ولحساسية وخطورة النظام الإيراني في المنطقة ، وعلاقاته المتشابكة مع كل الأطراف ، وإمساكه بالعديد من الملفات الملتهبة التي تتقاطع فيها التوجهات الإعلامية ، مع الحوارات التي تتم خلف الأبواب المغلقة ، وتتضارب فيه الخطب النارية العنترية ، مع المصالح المشتركة والتنسيق في أعلي مستوياته ، في عدة دول مثل العراق وأفغانستان ، لذلك كله كان الحديث عن تقييم نتائج الانتخابات وما ألت إليه هو حديث وسائل الإعلام الإقليمية والدولية ، وذلك من عدة زوايا ، منها أثر فوز نجاد علي الملف النووي والعلاقة مع أمريكا وإسرائيل [مع العلم بأن الجالية اليهودية بإيران قد صوتت لصالح نجاد بالإجماع باعتباره أصلح من غيره!] ، والعلاقات مع دول الجوار ، ومنها أثر الحراك الشعبي والغضب الداخلي من هذا الفوز ، ومنها مستقبل العلاقات مع حزب الله وسوريا ومصر والسعودية ، إلي آخر هذه الزوايا التحليلية لنتيجة الانتخابات لدولة مؤثرة ذات ثقل مثل إيران .
وفي وسط هذا الحراك السياسي والجدل التحليلي ،كان لكتيبة التقريب الإيرانية ، وجوقة التبشير الإيراني داخل دول المنطقة رأي آخر ، يختلف تماماً عن المعايير الموضوعية ، والتوجهات الطبيعية الحيادية نحو تقييم هذه النتائج ، كان للطابور الخامس الإيراني داخل الحياة الثقافية ، والمنتزي علي كثير من المنابر الإعلامية ، والذي يشترك فيه العديد من الأسماء الرنانة ذات الثقل التاريخي والحالي في مجال الإعلام والسياسة ، ولا بأس بذكر بعض أسمائهم ، فمنهم الأستاذ كما يحب تلاميذه أن يسموه محمد حسنين هيكل ، ومنهم الكاتب فهمي هويدى ، ومنهم صاحب القلم المتلون إبراهيم عيسي ، ومنهم دكتور رفعت سيد أحمد ، ومنهم دون ذلك مثل الشنقيطي والغنوشي وخالد حسن وغيرهم ، والأسماء كثيرة ، فنقتصر علي ما ذكرناهم .
هذه الكتيبة الإيرانية في حياتنا الثقافية كان رد فعلها تجاه نتائج الانتخابات وما تلاها من مظاهرات دامية في إيران ، كان أقرب من منطق العربي القديم الذي يصر علي عناده وخطئه ، فيتمادي به حتى ينكر ما تراه العين المجردة ولا يحتاج لتعريف أو تبين ، منطق " عنز وإن طارت "، فلقد مارست هذه الكتيبة أشبه ما يكون بالدجل الإعلامي ، والتحايل التحليلي لنتيجة الانتخابات ، وصرف الناس عن حقيقة ما جري بإيران ، فكانوا ملكيين أقصد خامنئيين نجاديين أكثر من الملك ، وتراوحت تحليلاتهم ما بين نفي جريمة التزوير الثابتة عن هذه الانتخابات ، والدفاع المستميت عن نجاد وحكومته ، والترويج لمبادئ الديمقراطية والنزاهة والحرية والشفافية الإيرانية ، والتي هوت بكل قسوة مع الإعلان عن فوز نجاد ، فالأستاذ فهمي هويدي في مقالته في الجزيرة ، وأنا أعرف سلفاً الكلمات التي ستكون مثل اللكمات والطلقات التي ستنهال علي رأسي ، ورأس كل من يجاوز المحظور الإعلامي في هذه القضية ، الأستاذ هويدي ، تناسي أو تغافل تماماً المظاهرات الغاضبة والقتلى الذين سقطوا أثنائها ، وبدا كأنه أحد مساعدي نجاد في حملته الانتخابية ، وراح يكيل المدح والثناء لشخصية الرئيس ، ونزاهة الرئيس ، وبساطته وتواضعه وانجازاته ، وانحيازه للفقراء واهتمامه بقضاياهم ، في دندنة مكررة لما دأب نجاد وبطانته علي ترديدها طوال الحملة الإنتخابية ، ولو حذف اسم الأستاذ هويدي من علي المقالة التي كتبها دفاعاً عن نجاد ، لن يتخيل أحد قط أن كاتب المقال سوي نجاد نفسه أو أحد أقرب أعوانه ، من شدة الحمية والأنفة لتهمة التزوير التي أجمع عليه المراقبون في الداخل الإيراني وخارجه .
ونحن لنا أن نسأل الأستاذ هويدي بكل موضوعية وبراءة خالية من أي خلفيات سياسية أو ايدلوجية ، أين ذهبت عائدات البترول الضخمة والتي تضاعفت خمس مرات في عهد نجاد ، والتي كان يفترض أن يواكبها ارتفاع في مستوي معيشة الفقراء الذين يدعي الأستاذ هويدي أن مثاله الراقي نجاد ! واحد منهم ؟ وبالطبع الأستاذ يعرف أين ذهبت ، ولكنه يؤثر الصمت ، ولا أدري لماذا رغبة أم رهبة أم قناعة ؟
ونحن نجيب الأستاذ بما يعرفه ولا يقوله ، أن هذه العائدات الضخمة تذهب لدعم الاضطرابات والفتن والقلاقل التي يثيرها الشيعة في كل مكان يتواجدوا به ،تذهب لشيعة لبنان وحزبهم المسمي بحزب الله ، لا لقتال اليهود كما يروجوا فتلك لعبة قد انكشفت ، وبان عوارها في الأحداث الأخيرة ،ولكن لقتال أهل السنة والضغط علي الحكومات الهزيلة هناك، و تذهب للحوثيين باليمن، لتشطير اليمن ، ونشر الفوضى في هذه البقعة الحساسة من العالم، وللصدريين في العراق، للمذابح الدورية بحق أهل السنة والفتك بالمعارضين، والاستحواذ علي الحكم، ولشيعة البحرين والسعودية ومصر والمغرب العربي ، لإثارة الزوابع وتكوين الخلايا وبث الفرقة ،والتبشير الشيعي بتلبيس الأمر علي الناس وصرفهم عن عقائدهم، واستجلاب العدو الخارجي باسم حماية الأقليات , وهذا غيض من فيض يعرفه جيداً الأستاذ هويدي بما له من علاقات قوية ووثيقة بالنظام الإيراني الذي يعتبر الأستاذ هويدي أحد حراسه ، ومن أشد الناس دفاعاً عنه .
وغير الأستاذ هويدي الذي له مكانة خاصة في قلبي وقلوب كثير من الناس بمواقفه المشرفة إزاء أعداء الأمة ، والصراع الإسلامي الصهيوني علي أرض الرباط ، وآخرها موقفه الرافض لحضور مؤتمر صحفي مع أوباما بسبب حضور صحفي صهيوني ، هذه المواقف التي نجلها ونثمنها ، تتقاطع تماماً مع مواقفه المريبة والغريبة تجاه التهديدات الإيرانية للمنطقة بأسرها ، مما يجعل المرء يشعر بالأسى و الحزن لمثل هذه التناقضات التي لا يسع المرء أن يسكت عنها مهما كانت محبتنا مكانة صاحبها ومحبتنا له .
وعلي نفس النسق جاءت مقالة خالد حسن العميقة حول الانتخابات الإيرانية ، والأستاذ كما هو معلوم للجميع من أشد الناس رفضاً لفكرة البعد العقدي في الصراعات والاختلافات ، لعلمه اليقيني أن هذا البعد سينسف كل أفكاره وأطروحاته تجاه الملف الإيراني وأطرافه المتشابكة ، وكذلك مثله الكاتب الشنقيطي ، فالبعد العقدي في الصراع عندهم إقصاء واستعلاء وتحجير وتضييق ، وقصور في التصور ، وضعف في التفكير ، وهرب من الواقع ، وتغييب للأمة ، إلي آخر هذه الأوصاف التنفيرية ، لبعد لم ينشأ أي صراع بين الأمة الإسلامية وغيرها ، إلا علي أساسه ،وكان هو الدافع الأصلي في إثارته ، ومهما يكن فإن خالد في تحليله لمضمون الانتخابات الإيرانية ، ورغم رصانته المعهودة في رص كلماته ، وتشوينها استعداداً لبناء السدود علي عقول قارئيه ، كمسلمات لا يسع الخروج عنها ، راح يتحدث بلسان ولا أفصح عن حيادية المرشد الأعلى خامنئي ، عدم تدخله في نتائج الانتخابات ، وأن إيران هي واحة الديمقراطية في المنطقة [ مثلما تقول أمريكا عن إسرائيل ] أخذ بحرفية عالية يروج للنموذج الإيراني ومبادئ ثورتها التي يستلهم منها الجميع مؤيدون ومعارضون ، لما فيها من قيم وفوائد ، ومن طرف خفي غمز أهل السنة هناك وخطأ موقفهم المعارض لترشيح نجاد ، كأنه لم يسمع ولم يري ما يجري هناك في الشرق [ البلوشستان ] وفي الغرب [ الأهواز ] والتنكيل الرهيب الذي دفع أهل السنة هناك لحمل السلاح دفاعاً عن وجودهم وكيانهم وعقيدتهم ، وكأنه لم يعرف مثلاً أن السنة في إيران وهم يقتربون من نصف سكان إيران ، لا يوجد منهم أي مسئول هام أو وزير أو حتى محافظ للأقاليم السنية ، فأي حرية هذه التي يبشر بها الأستاذ خالد ؟أم أن الكبت والقهر الذي عليه حال البلدان العربية وإرادة الشعوب المسلوبة ، وحريتهم المفقودة ، هي التي دفعته لئن يري في النموذج الإيراني جنة الديمقراطية والحرية المنشودة .
إيران بلد مثل بلاد المنطقة ، يعاني من نفس مشكلاتها ، ويشعر شعبه بما تشعر به سائر شعوب المنطقة ، بل إن إيران بها من نوعية المشاكل التي لا توجد إلا بها ، ولا نظير لها في بلاد المنطقة ، وذلك بسبب سياسات النظام الإيراني المستعلي بفارسيته ، المتعصب لمذهبيته ، المصر وبمنتهي الشدة ، علي تصدير عقيدته الخربة ومبادئ ثورته الجعفرية لسائر شعوب المنطقة ، النظام القائم علي مبادئ التقية السياسية ، النفاق الإعلامي ، وتغيير الوجوه ، والتلون حسب القضية ، الذي يعتبر القائمون عليه أنفسهم حماة الدين ومنقذي القدس ، وأيضا أساتذة المكر والخداع ، النظام الإيراني الأن يحصد ثمار سنواته التي بلغت الثلاثين والتي خاض خلالها الكثير من الحروب الشرسة ، ولكن ضد العالم الإسلامي ، لا كما يروج الطابور الخامس ، وجوقة خامنئي و نجاد في بلادنا .
أحسب أن التحليلات الأخيرة للكتيبة الإيرانية في المنطقة قد جاءت بفضل الله وحده لصالح جهود المخلصين والساعين لفضح المشروع الإيراني في المنطقة ، وهم بالمنسبة ليس عملاء لإسرائيل أو أمريكا ، بل هم ممن يسأل الله عز وجل أن ينال شرف الشهادة علي أعتاب المسجد الأقصى ، كل يوم وليلة ، فقد كشفت هذه التحليلات عن مدي الانحياز المريب والأعمى للمشروع الإيراني في المنطقة ، مهما كانت الدلائل والقرائن التي تدل علي عكس ما ذهبوا إليه .
فهم كما قالت العرب قديما : " عنز وإن طارت "