لا يمكن ان تفهم طبيعة ما يجري من توتر بين ايران و"اسرائيل" إلا إذا تيقنا بأن هذا الصراع هو فقط على النفوذ كما سبق واشرنا في اكثر من مقال ، وكما تقول كل القراءات الحديثة ، فإن هذا التوتر يعود لانحسار دور "اسرائيل" مقابل تعاظم الدور الايراني ووعي الغرب باستثناء المحافظين الجدد في امريكا ومن لف لفهم ، أن بإمكان أيران القيام بدور الكيان كمربط جديد أقوى واشرس على العرب والمسلمين ، وبالتالي تأمين مصالحه ولو على حساب صنيعته التي بدأ نجمها بالافول ، وهذه القضية قد نقف عندها في مقال لاحق مدرجين كل المعطيات التي تؤكدها وتحسم الجدل فيها وإن كان هذا التشخيص لا يعجب أولئك الذين لا زالوا يعتقدون بأن ايران دولة "ممانعة" وبأنها دولة "قادمة لنصرة الفلسطينيين والقدس وتدمير الكيان المحتل" وفق أحلامهم الساذجة .
وأيا كان الأمر ، فإن الجديد الذي دعانا للحديث مرة اخرى عن العلاقة الايرانية "الإسرائيلية" ، هو إعادة التذكير صهيونيا بالامبراطور الفارسي قورش الذي حمى اليهود قبل 2500 سنة وأعادهم إلى فلسطين المحتلة التي سبق ودخلوها بعد حروب شرسة مع " الجبارين " الفلسطينيين الكنعانيين ، اصحاب الأرض الأصليين قبل مجيء هؤلاء الغزاة بآلاف السنين وبشهادة العهد القديم نفسه .
فتكريما لقورش ، وترامب ، قرر مركز ميكداش الصهيوني صك عملة معدنية منقوش عليها وجه الرئيس الامريكي جنبا الى جنب مع وجه قورش الفارسي ، عرفانا لقرار الأول نقل السفارة الى القدس ، كما فعل الثاني عقب غزوه بابل وتخليصه اليهود من الذل والاسر بعد ان فعل بهم نبوخذ نصر الافاعيل ، حيث أعلن الحاخام مردخاي يوسف بأن "عملة الهيكل" تضم ترامب جنبا إلى جنب مع الملك قورش، الذي سمح قبل 2500 عام لليهود بالعودة إلى القدس من منفاه لدى الكلدانيين.
ولأن "الحرس الثوري" الايراني يكذب ويكذب حتى يصدق كذبته السمجة ، فإن دعاوى ابادة "إسرائيل" وما يخطه الحوثيون على راياتهم في اليمن من قبيل : ( الموت لامريكا ، الموت لـ"إسرائيل" ليس سوى وسيلة ايرانية لتسويق مشروعها الفارسي الصفوي في المنطقة العربية ، مع أن العرب لا يمقتون اليهودية كدين بل يعادون الصهيونية التي احتلت بلادهم وقتلت ابناءهم ، وهي نفسها التي اضطهدت وقتلت اليهود أنفسهم في أكثر من مكان ، لتسويق مشروعها العنصري الاستعماري ، ذلك المشروع الذي أنشأه الغرب وحماه كمربط جديد منتصف القرن الماضي.
ايران ، هذه الدولة المارقة التي نشرت الفساد والافساد في عموم المنطقة ،والتي تريد شطب "إسرائيل" من الخارطة كما تزعم ، فضحها الرئيس العراقي برهم صالح عبر تصريحات ادلى بها السبت ، عندما أكد بأن لا جدية في رفض بقاء القوات الامريكية في العراق ، وهو بذلك ينسف كل تلك التهديدات والعنتريات والتصريحات التي ادلى بها زعماء الميليشيات الايرانية في الحشد الشعبي وغيره ، الذين طالبوا ويطالبون بانسحاب هذه القوات من هذا البلد ، إذ أكد - صالح - بأن هذا غير وارد بما في ذلك مواقف النواب المحسوبين على ايران ، وإن الجميع متفقون على ضرورة بقاء القواعد الامريكية لمحاربة بقايا تنظيم داعش ، وهي فضيحة ساخنة عمرها ساعات فقط سبقتها فضحية أكثر خزيا بطلها هذه المرة جواد ظريف وزير خارجية ايران الذي غرد قبل ايام ليرد على بومبيو الذي قال إن ترامب ارسله الرب لحماية "إسرائيل" من ايران ، حيث رد مغازلا اليهود ومحرضا على الفلسطينيين حينما كتب بالانجليزية : ( انهم يحرفون التوراة لنشر ايران فوبيا ، وان حقيقة ما قالته التوراة هو أن ملك الفرس هو الذي قام بتخليص اليهود من الأسر في بابل ، وقد أنقذهم ملك آخر من الإبادة الجماعية كما أن مخطط إبادة اليهود كان من أهالي صحراء النقب وليس إيران، والملك الفارسي هو الأجنبي الوحيد الذي أشير إليه في التوراة بإسم "المنقذ ) .
وقورش هذا هو الذي احتل بابل وأعاد اليهود ورد اليهم معابدهم ، وهو نفسه الذي يمجده اليهود في صلواتهم.
أوجدتم أرخص من هذا الموقف الصادر عن بلد دمر المنطقة العربية بدعوى محاربة "إسرائيل" ، ولا يزال يزعم بأنه سيبيدها ويمحوها عن الخارطة .
ماذا يقول القومجيون العرب الذين تحولوا إلى فارسيين أكثر من ظريف بعد هذه التغريدة الفاضحة ؟؟ .
هكذا وبكل وضوح يحرض ظريف على الفلسطينيين ، أوبعد هذا التحريض الرخيص والاستخذاء المخزي وسقوط ورقة التوت حديث آخر يُفترى ايها الغارقون في وهم "المقاومة والممانعة" والخداع ؟؟ .
د.فطين البداد
المصدر : jbc الإخبارية
24/7/1440
31/3/2019