التغلغل الشيعي في الأردن

بواسطة عبد الله المعايطة قراءة 2947
التغلغل الشيعي في الأردن
التغلغل الشيعي في الأردن

التغلغل الشيعي في الأردن

 

السؤال الشيعي يطرح لأول مرة في الأردن، فثمة تقارير وتصريحات رسمية ومعلومات متعددة تؤكد وجود ظاهرة "محدودة" من "التشيع الديني" في السنوات الأخيرة في مناطق مختلفة، بالإضافة إلى التخوف الرسمي من حالة "التشيع السياسي" من خلال قنوات واسعة كعلاقة قيادة حماس الخارج بإخوان الأردن، ووجود عشرات الآلاف من الشيعة العراقيين المقيمين في الأردن، إلى مرحلة بات يتحدث فيها بعض المسؤولين عن "خلايا شيعية نائمة" في عمان، يتوازى ذلك مع إعجاب شرائح اجتماعية واسعة بأداء حزب الله في الحرب الأخيرة، وكفاءة حسن نصر الله أمينه العام، الذي أصبح بمثابة بطل شعبي في الشارع العربي، والأردني بالتحديد.

العشائر الأردنية الشيعية

قبل الولوج إلى استنطاق ظاهرة "التشيع" في الأردن، يجدر الوقوف عند وجود عشائر أردنية شيعية، في الأصل منذ بدايات تأسيس المملكة، بل تعود جذور بعضها إلى عام 1890، وأصل هذه العشائر من جنوب لبنان، وتحمل الجنسية الأردنية أباً عن جد، مثلها مثل باقي العشائر الأخرى.

ووفقاً لمصدر موثوق، من الشيعة الأردنيين، فإن تعدداهم يبلغ قرابة ثلاثة آلاف شخص، وهو الرقم الذي لا توجد إحصائية دقيقة تنفيه أو تثبته. وتقطن العشائر الشيعية الأردنية في عدة مناطق رئيسة: الرمثا، دير أبو سعيد، اربد وعمان، وأبرزها:

بيضون، سعد، ديباجة، فردوس، جمعة، الشرارة، حرب، برجاوي، البزة. لا تحتفظ هذه العشائر بأية عادات أو تقاليد خاصة، مخالفة للتقاليد الأردنية، وتندمج في المجتمع الأردني بشكل كامل، وتشاركه في مختلف المناسبات، وإن كان بعضها يحتفل رمزياً بالمناسبات الدينية الشيعية.

في منتصف التسعينيات برزت علاقة بين شخصيات من هذه العشائر وبين مؤسسة الخوئي في لندن، بمباركة من سمو الأمير الحسن، وقد كان حريصاً على حوار المذاهب والطوائف المختلفة، وكان ثمة تفكير بتأسيس مؤسسة خاصة بهم تحت اسم "أبو ذر الغفاري" إلاّ أن الدولة عادت وتراجعت عن دعم الفكرة فيما بعد.

يؤكد أحد وجوه الشيعة الأردنيين، عقيل بيضون، أن ولاءهم السياسي للحكم الهاشمي في الأردن، وأنه من "صميم حبهم وولائهم لآل البيت الأطهار"، وفي حال تجذرت سياسة المحاور في المنطقة وبرزت التناقضات بين الأردن وإيران يؤكد الوجه الشيعي أن انحيازهم للأردن وللهاشميين، مع أنه يقر أن ثمة ازدواجية بين عقيدتهم الدينية التي تجعل ارتباطهم السياسي بالإمام الغائب أو من ينوب عنه "الفقيه الولي" وبين انتمائهم الوطني.

وربما يذكرنا هذا الموقف بموقف شيعة العراق، في بداية الحرب العراقية- الإيرانية عندما انحازوا بوضوح للبعد الوطني- القومي على حساب البعد المذهبي.

مصادر رسمية تقر بوجود عشائر أردنية شيعية، وتؤكد على حقوق أفرادها في المواطنة الكاملة، وعلاقتها الجيدة بالدولة، ومع ذلك لا تخفي وجود علامة استفهام حول ولاء بعض الشيعة الأردنيين وارتباطهم بالمؤسسات الدينية الشيعية، خارج الأردن، وعلاقة بعض الأفراد بحزب الله حيث يوجد الشيعة في جنوب لبنان.

التشيع في الأردن

لا يمكن الجزم بأعداد المتشيعين الأردنيين، وإن كان هنالك اتفاق بين مختلف الأطراف الرسمية والقريبة من الشيعة على أنّ الظاهرة محدودة، لكنّها فاعلة في السنوات الأخيرة، وتصل وفق أغلب التقديرات الرسمية وغير الرسمية، ومنها مصادر من القريبين والراصدين لظاهرة التشيع، إلى مئات الأشخاص، سواء من رجال ونساء وعائلات.

معلومات رسمية، يؤكدها بعض المتشيعين، أنّ هنالك قرابة الثلاثين عائلة في مخيم البقعة تشيّعت في الآونة الأخيرة، كما أن هنالك ظاهرة محدودة للتشيع في مدينة السلط، بالإضافة إلى عائلة أو أكثر في مخيم مادبا وحالات في إربد والزرقاء وجرش والكرك، والانتشار الأبرز للظاهرة في عمان في ضواحي مختلفة منها.

هنالك اتفاق على أنّ المتشيعين يمتازون بمستوى ثقافي جيد، وأكثرهم من المتعلمين والدارسين. ويلفت أحد المسؤولين الانتباه إلى أنّ ذلك مدعاة للقلق، مقارنة بجماعات التكفير والقاعدة التي يتسم أفرادها بضعف التحصيل العلمي والمعرفي، ويتسمون في الأغلب الأعم بقلة الاطلاع والدراسة وضحالة الجدل والمحاججة.

ازدهرت ظاهرة التشيع في السنوات الأخيرة، بعد احتلال بغداد، ووفود مئات الآلاف من العراقيين إلى الأردن، وفق تقديرات غير رسمية هنالك عشرات الآلاف من الشيعة، شريحة واسعة منهم من الأثرياء والمثقفين.

ينشط الشيعة العراقيون بإقامة احتفالاتهم الدينية وإحياء المناسبات الشيعية، وقد حوّل عدد منهم منازلهم إلى حسينيات، يجتمعون فيها ويحضرها متشيعون أردنيون ويقرأون فيها سيرة الحسين وينشدون الأناشيد الدينية، إحدى هذه الحسينيات المعروفة كانت في جبل الجوفة، قبل أن تعتقل الأجهزة الرسمية إمام هذه الحسينية السيد علي السغبري، وتقوم باستجوابه ثم بترحيله.

وتؤكد مصادر متعددة أن عائلة شيعية- عراقية ثرية حاولت في آواخر العام المنصرم الحصول على ترخيص في بناء مسجد ملحق به حسينية، في ضاحية عبدون، المعروفة بأنها أرقى وأغنى أحياء عمان، وتأسيس جمعية تحمل اسم الإمام الحسين.

ورغم أن مصادر في وزارة الأوقاف تنفي أن هذا الطلب قد قدم بالفعل، تذكر مصادر رسمية ومقربون من الشيعة أن المؤسسة الرسمية استشيرت في الطلب وتم رفضه.

كما تذكر تقارير أخرى وجود مكتبة في وسط البلد، تبيع كتب الشيعة، ككتاب "المراجعات"، وهو من أكثر الكتب، التي تدعو إلى التشيع، رواجاً. في حين تذكر تقارير إعلامية أن عراقيين شيعة يسكنون الأحياء الفقيرة في عمان (المحطة، الهاشمي الشمالي) يحيون المناسبات الدينية الشيعية في منازلهم، ويتأثر بهم أصدقاؤهم من الأردنيين.

كما تحولت بعض المطاعم الشعبية العراقية في وسط البلد إلى ملتقيات للشيعة العراقيين، وأصبحت تحفل، بصيغة غير مباشرة، بكثير من مظاهر التشيع.

قصة تشيع السقّاف

ارتفعت وتيرة الجدل حول تشيع السيد حسن السقاف، وهو أحد أبرز شيوخ"الأشاعرة"، وأصبح يشغل موقعاً أكاديمياً مرموقاً، وكررت مصادر متعددة دعوى تأثره بالمذهب الجعفري الشيعي، وتبنيه شيئاً من عقيدة الشيعة، بخاصة الموقف من آل البيت ومن الصحابة الكرام، وتبني أقوال في قضية جدلية خلافية بين الفرق الإسلامية متعلقة بـ"تنزيه الله عز وجل"، ومسألة النظر إليه يوم القيامة، مخالفا للأشاعرة. ولم يمض تحول السقاف، ودعوته وتصوراته دون جدل عنيف في أوساط الأشاعرة، وقد تولى الرد عليه أبرز الناشطين الاشاعرة معروف وله مريدون وأتباع، وهو سعيد فودة، في عدة كتب ومساجلات فكرية ومعرفية على موقع كل منهما على شبكة الانترنت.

في لقاء خاص مع السقاف يرد بالنفي القاطع على مزاعم تشيعه، رغم أنه يؤكد أنه يعطي نفسه حق الاجتهاد والنظر في قضايا العقيدة والفقه، قائلاً: "أنا عالم حرّ لست مقلّداً متمسكا بالمذهب الشافعي، وأعتقد أنني وصلت إلى مرحلة يحق لي فيها الاجتهاد بالنظر في أدلة الكتاب والسنة".

وعن السبب في ازدياد الحديث عن تشيعه واعتناقه العقيدة الإمامية الجعفرية يُرجِع ذلك إلى دعاية السلفيين الذين دخل معهم في عراك فكري ومعرفي كبير، وقام بنقد ابن تيمية والألباني، فهم يحاولون إلصاق هذه التهمة به سعياً لتوريطه في العديد من المشكلات والأزمات الأمنية والفكرية، ولا يتوانى السلفيون، كما يذكر السقاف، في تأليب المؤسسة الرسمية عليه والحشد ضده.

وبخصوص تصدي عدد من الأشاعرة له وردهم عليه، فإنّه يُرجع ذلك إلى الحسد والتنافس والانجازات المعرفية والعلمية التي حققها خلال الفترة الماضية.

بخصوص الموقف من الشيعة يقول السقاف إذا كان التشيع هو حب آل البيت وموالاتهم وتوقيرهم ومعاداة من وقف ضدهم فأنا شيعي، أما إذا كان المقصود هو التشيع الإمامي فأنا أختلف مع الشيعة في مسائل جوهرية في العقيدة والفقه، وأهمها أنني لا أقول أصلاً بوجود مهدي منتظر لا على رأي الشيعة ولا السنة، ولا أقول بعصمة الأئمة ومصادر التلقي والتحقق الشرعي عندي مستمدة من علماء ومصادر السنة بالدرجة الرئيسة وأحترم سيدنا أبا بكر الصديق وسيدنا عمر بن الخطاب ولهما في قلبي المنزلة العظيمة، وإن كنت أفضل علي بن أبي طالب عليهما، ولا أقول بزواج المتعة ولا المسح على القدمين، وأرفض "التقية" في العقيدة وفي غيرها وإن كان للآسف يعمل بها مجموعة من علماء السنة.

يبدو أنّ معركة السقاف مع السلفيين تدفعه إلى البحث عن شركاء في الوسط الإسلامي، وهو لا يعارض إن كان هؤلاء الشركاء هم الشيعة أو الإباضية أو الزيدية، ما جلب له الأقاويل عن علاقاته بالشيعة، بالإضافة إلى علاقاته الجيدة مع عدد من علماء الشيعة والزيدية ومشاركته في مؤتمرات التقريب وخروجه على الخط الأشعري في عدة قضايا كانت من أسباب الجدل الكبير حوله.

يذكر أنّ السقاف يتعرّض لهجوم حاد من الوسط السلفي على خلفية بعض مواقفه المحسوبة على التشيع، وقد خصص عدد من السلفيين كتباً في الرد عليه، من أبرز هؤلاء الكُتّاب، الذين توزع كتبهم مجّانا غالب الساقي الذي ألّف كتابين هما "الإسعاف في الكشف عن حقيقة حسن السقاف" و"كشف الغمة في التحذير من تعدي السقاف على علماء الأمة".

في المقابل للسقاف عدة كتب في الرد على السلفيين أبرزها كتابه عن السلفية الوهابية، الذي ترجم إلى اللغة الانجليزية.

الطريق إلى التشيع: "المستبصرون"

ثمة مشكلة كبيرة في رصد ظاهرة التشيع، إذ أنه يمر بمراحل ودرجات مختلفة، وليس بالضرورة حدا صارما واحداً. فمن المتشيعين من يمشي خطوة ومنهم من يمشي أكثر وآخرين يكملون الطريق إلى نهاياته. أحد المقربين من المتشيعين يوضح أن الخطوة الأولى في التشيع تتمثّل بالانحياز لفكرة الإمامة (إمامة أهل البيت) مقابل فكرة الخلافة عند السنة. فالتشيع يعني ابتداءً إعلان الحب والولاء لذرية علي بن أبي طالب والإيمان بأنهم تعرّضوا لاضطهاد وظلم تاريخي كبير، من الصحابة والدول الإسلامية اللاحقة (الأمويين والعباسيين) وأن علي هو الأحق بوراثة الرسول من أبي بكر وعمر وباقي الخلفاء، وأن ذرية علي بن أبي طالب هم قادة الأمة الذين سُلب منهم الحُكم والسلطة، وأن الأئمة الشرعيين هم من ذرية علي بني أبي طالب.

ثم يبدأ من يقتنع بأحقية علي والظلم الذي تعرّضت له ذريته، وابنه الإمام الحسين، بدراسة العقيدة الشيعية والأحكام الفقهية. ويسمى المتشيعيون بالمستبصرين؛ أي الذين اهتدوا إلى الطريق الصحيح، وتبينت لهم مكانة آل البيت واستقر حبهم في قلوبهم. ويدرس المستبصر كتباً في العقيدة، وكتباً في الفقه الشيعي.

الشيعة كل واحد منهم يقلد مرجعاً معيناً، وفي بلاد الشام ثمة مرجعان رئيسان: الإمام السيستاني، ويقلده الوافدون العراقيون، والسيد محمد حسين فضل الله ويقلده الشيعة والمستبصرون في بلاد الشام وفي بعض دول الخليج العربي. وللسيستاني رسالة توضح المنهج الفقهي الذي يسير عليه أتباعه، من ثلاثة مجلدات، عنوانها "منهاج الصالحين" وللسيد حسين فضل الله رسالة "الأحكام الفقهية". وهنالك رسالة "الأحكام الفقهية: العبادات والمعاملات" للسيد محمد سعيد الطباطبائي يسترشد بها "مستبصرون" أردنيون وآخرون.

لا ينكر المقربون من "المستبصرين" أن هنالك علاقة روحية وثيقة بين "قُم" (في إيران) والمستبصرين في الدول العربية، بل أن هنالك أقراصاً ممغنطة توزع في "قُم" تتضمن قصص "المستبصرين العرب". وتشكل الحوزة الزينبية في دمشق اليوم المركز الرئيس للمستبصرين الذين يذهبون إليها ويحضرون ويتعلمون المذهب الشيعي، ويتجذر ارتباطهم بالشيعة الآخرين، بينما توزع عليهم كتب لأئمة الشيعة ومراجعهم، ومن الكتب التي توزع كتب السيد محمد حسين فضل الله، الصادرة عن دار الملاك في لبنان، المتخصصة بنشر كتبه.

المستبصرون، على خلاف الشيعة، لا يلزمون بدفع الخمس ولا باتباع مرجع معين، وهو ما يوفر لهم غطاءً أمنياً عند التحقيق معهم، بالإضافة إلى اعتماد مبدأ "التقية" على نطاق واسع، بما يتيح لهم انكار تشيعهم، وتجنب المشكلات المختلفة.

من يقف وراء التشيع؟

تقف أسباب متعددة وراء ازدياد ظاهرة التشيع في مقدمتها وجود عشرات الآلاف من الشيعة العراقيين الوافدين إلى الأردن، عدد كبير منهم حاصلون على تعليم جيد وملمّون بالمذاهب والجدل بينها، ويؤدي اختلاطهم بالمجتمع الأردني إلى تاثر أشخاص بهم، بخاصة أنّ شرائح واسعة من الأردنيين ليس لديها إلمام بالشيعة وبحججهم وبالتاريخ الإسلامي.

أحد الأسئلة المطروحة في هذا السياق: فيما إذا كان التبشير الشيعي منظما ومدروسا أم أنه عفوي ويعتمد على جهود فردية؟ بعض المراقبين والمتابعين لظاهرة التشيع يؤكدون أنّ هنالك إستراتيجية خمسينية إيرانية أعدت عام 2000 لنشر التشيع في المنطقة، وقد نشرتها مجلة الوطن العربي في أحد أعدادها. في حين تصر مصادر مقربة من المتشيعين أن الظاهرة طبيعية وتلقائية ولا تحمل أية دلالات تنظيمية.

يؤكد ماهر إسماعيل أن عدداً من قريباته ذكرن له وجود نساء عراقيات- من الشيعة، من العائلات الثرية يزرن أردنيات، يبدأن بصداقة معهن ثم تتطور العلاقة ويتخللها فيما بعد دعوة إلى التشيع. من جهته يذكر عمر شاهين، من سكان الزرقاء، ومهتم بالحركات الإسلامية والظواهر المرتبطة بها، أنّ عدداً من أصدقائه تأثر بشيعة عراقيين وافدين، وتشيعوا، وسافروا إلى الحوزة الزينبية لتلقي الدروس المطلوبة في التشيع.

كما تذكر معلومات أمنية أن عددا من العلماء والمراجع الشيعة موجودون في الأردن، وأن لهم دوراً في التأثير على الشيعة العراقيين وفي نمو حركة التشيع في أوساط أردنية، أحد هؤلاء يقطن في حي الهاشمي الشمالي، وكان يقيم الدروس في بيته. يذكر مسؤول أن أحد الشيعة العراقيين قادم من دمشق، يدعى محمود خزاعي، حاول أن يؤسس قاعدة له من الشيعة، كانت هنالك معلومات مؤكدة حوله وعلى الفور تمّ إبعاده.

أحد مصادر التشيع هي القنوات الفضائية الشيعية، التي انطلقت بعد احتلال العراق، وقاربت العشرين فضائية، تبث المواعظ والروايات الشيعية، وتؤثر في الرأي العام. ومن أبرز هذه الفضائيات الفيحاء والأنوار، وهنالك وعاظ معروفون كمحمد الوائلي وعبد الحميد المهاجر. ومن القنوات التي أثرت في الرأي العام، في السنوات الأخيرة، قناة المنار التابعة لحزب الله، وعلى الرغم أن كثيرا من الناس يتابعونها حرصا على التواصل مع رواية حزب الله للمواجهات العسكرية التي كانت تدور في الحرب الأخيرة والصراع مع إسرائيل، إلا أن القناة لا تخلو من توجهات مبنية على الرؤى الشيعية. إذ يذكر أحد المواطنين أن زوجته كانت تتابع قناة المنار لإعجابها بحزب الله، وفي ساعات الليل الأخيرة كانت القناة تبث الأدعية والأناشيد المشبعة بالرؤى والروايات الشيعية المناقضة لمواقف السنة، ما جعله يحذرها من الاستمرار في مشاهدة القناة.

ومن مصادر التشيع في الأردن الطلاب الشيعة الوافدون من الخليج العربي، من السعودية والبحرين والإمارات وعُمان، وعلى الرغم أن علماءهم يحذرونهم من الجهر بعقائدهم، كما يذكر أحد المقربين، إلا أنهم في كثير من الأحيان يمارسون أسلوب الدعوة الفردية، ويؤثرون على أصدقائهم والمقربين منهم.

كثير من الناس تأثروا إيجاباً بأداء حزب الله ودوره، ما ساهم في تشيعهم السياسي ومن ثم الديني فيما بعد، وأكثرية هؤلاء المتشيعين من أبناء المخيمات الفلسطينية، كما هو حال محمد شحادة وبعض قادة الجهاد في فلسطين وبعض الشباب الأردنيين من أصل فلسطيني. ومن المتوقع أن تتعزز هذه الطريق في التشيع في حال اشتدت المواجهة بين إيران والولايات المتحدة.

في المقابل يرى أحد المقربين الأردنيين من المتشيعين أنهم لا يشعرون بالحرج من موقف الشيعة العراقيين من السنة والاحتلال الأميركي، إذ أن "العقلاء من المستبصرين"، على حد تعبيره، يدركون أن المساجد التي يستولي عليها الشيعة من السنة في العراق، كانت في الأصل شيعية، فهم يستعيدون حقهم فيها، بعد أن ظلمهم النظام البعثي السابق، وأن ما يقوم به الشيعة اليوم هو رد على "الوهابيين السنة" الذين يستحلون دماءهم ويكفرونهم.

من قصص المتشيعين

من يرصد بعض مواقع الانترنت يكاد يشعر أننا أمام حرب الكترونية حقيقية بين مجموعات سنية وشيعية، مشابهة للحروب الالكترونية بين "القاعدة" و"الولايات المتحدة"، وقد لوحظ في حرب لبنان الأخيرة بروز جدلية كبيرة ونقاش حاد في الأوساط الإسلامية السنية، بالتحديد السلفية، حول الموقف من حزب الله، بين من يرى أنهم "روافض" وأن ما يجري كله يقع في سياق المؤامرة على السنة (!) وبين من يرى أن على المسلمين تجاوز خلافاتهم والوقوف صفّاً واحداً ضد العدوان الخارجي.

أحد المجالات الرئيسة في الحرب الالكترونية، بين السنة والشيعة، يتمثّل بوجود مواقع على شبكة الانترنت متخصصة في التبشير بالمذهب. من هذه المواقع "المستبصرون" و"المتحولون"، يتضمنان قائمة بمئات اسماء السنة المتحولين إلى التشيع، والذين ألفوا كتباً توضح سبب وطريقة تشيعهم، في المقابل هنالك مواقع سنية للرد على الشيعة وبيان قصص الشيعة الذين تحولوا إلى السنة، ومن أبرز هذه المواقع "البيّنة" وموقع "الراصد".

ثمة عشرات الأسماء من المتشيعين الأردنيين، لكن ثمة أسماء معروفة ومتداولة، ولها كتب تتحدث عن قصصها في التشيع "الاستبصار". من أبرز الأسماء الأردنية على هذا الصعيد المحامي أحمد حسين يعقوب، من جرش، ولد عام 1939، من أسرة شافعية وأتم دراسته الثانوية وأكمل الحقوق في جامعة دمشق. كان يعمل محامياً، وشغل منصب رئيس بلدية، وخطيباً، وكتب في صحيفة اللواء الأسبوعية.

يذكر يعقوب قصة تشيعه: "سافرت إلى بيروت لمناقشة بحث قدمته للجامعة اللبنانية عن رئاسة دولة الخلافة في الشريعة والتاريخ.. وأثناء وجودي في بيروت قرأت بالصدفة كتاب أبناء الرسول في كربلاء لخالد محمد خالد، ومع أن المؤلف يتعاطف مع القتلة ويلتمس لهم الأعذار، إلا أنني فجعت إلى أقصى الحدود بما أصاب الإمام الحسين (عليه السلام) وأهل بيت النبوة وأصحابهم، وكان جرحي النازف بمقتل الحسين هو نقطة التحول في حياتي كلها، وأثناء وجودي في بيروت قرأت كتاب (الشيعة بين الحقائق والأوهام) لمحسن الأمين، وكتاب المراجعات للإمام العاملي، وتابعت بشغف بالغ المطالعة في فكر أهل بيت النبوة وأوليائهم، لقد تغيرت فكرتي عن التاريخ كله، وانهارت تباعاً كل القناعات الخاطئة التي كانت مستقرة في ذهني، وتساءلت إن كانت هذه أفعال الظالمين بابن النبي وأهل بيته، فكيف تكون أفعالهم بالناس العاديين؟!.. وقد تبين لي أن أهل بيت النبوة ومن والاهم موالاة حقيقية هم المؤمنون حقا وهم الفئة الناجية، وهم شهود الحق طوال التاريخ، وان الإسلام النقي لا يفهم إلا من خلالهم". وليعقوب قرابة ستة عشر كتاباً في التشيع ونقد مذهب أهل السنة، ويعيش حالياً في الولايات المتحدة الأميركية.

من الأسماء الأردنية المتشيعة اللامعة التي تحظى بأهمية ومكانة خاصة في مواقع الشيعة مروان خليفات، وهو شاب من مواليد كفر جايز في مدينة إربد، تخرج من جامعة اليرموك من كلية الشريعة عام 1995، وقد تشيع في سنوات الجامعة، ثم غادر ودرس في قم بإيران وفي الحوزة الزينبية في سورية، يقيم حالياً في السويد، ألف مروان كتاباً اشتهر وذاع صيته، عنوانه "وركبت السفينة" (نشره مركز الغدير للدراسات 1997) يقدم فيه الجدل والحوار الذي صاحب تحوله إلى المذهب الشيعي، ودور صديق شيعي له وتأثيره عليه، بالإضافة للكتب الشيعية التي أخذ يقرأها وتفند مذهب أهل السنة.

ومن الأسماء المتشيعة المعروفة أستاذ جامعي من مدينة السلط، يدرس في كلية التربية في جامعة اليرموك. ويذكر عدد من المراقبين والمتابعين لظاهرة التشيع أنّ أحد أسبابها العاطفة الدينية القوية عند كثير من الناس، وحب الرسول عليه الصلاة والسلام وآل بيته، وهو مدخل رئيس من مداخل التشيع، إذ يبدأ الدعاة الشيعة بصدمة المستمع بأن آل البيت تعرّضوا لمؤامرة تاريخية وأنهم ضحية مواقف الصحابة، فيتأثر المستمعون، بخاصة أنّ أدبيات وتراث الشيعة يحفل بالحديث عن آل البيت وحبهم والأناشيد الصوفية في مديحهم والبكائيات، وقصص تثير عواطف ومشاعر الناس.

المجتمع الأردني ليس محصّناً

يتفق، مع بعض المسؤولين، كل من رئيس قسم الفقه في الجامعة الأردنية، د. هايل عبد الحفيظ، والمتخصص بالفرق والمذاهب الإسلامية، د. رحيل غرايبة، على أنّ المجتمع الأردني غير محصن من خطر التشيع، إذ يرى عبد الحفيظ أنّنا يجب أن نفرق بين التشيع السياسي والديني، وإن كانت الظروف السياسية الحالية في المنطقة من أداء متميز لحزب الله والموقف الإيراني الصارم في البرنامج النووي يستقطب اهتماماً وإعجاباً من المجتمعات العربية، وبالتحديد الأردن، في سياق الضعف الواضح والمشهود لمواقف النظم العربية. بينما يحيل غرايبة خطورة وإمكانية التشيع إلى أن المجتمع الأردني لم يكن على اطلاع وتحصين ضد عقائد الشيعة ورواياتهم، إذ لم تكن لديه في الأصل أقلية أو احتكاك مباشر معهم. فهذا الضعف في المعرفة يمنح فرصة جيدة للتشيع في اختراق المجتمع والتأثير عليه.

ويجيب عبد الحفيظ على الموقف الشرعي والفقهي من التشيع بالقول: "إن الشيعة هم من أهل القبلة مسلمون، لا نكفرهم، لكننا نختلف معهم في قضايا جوهرية في العقيدة والفقه الإسلامي، ونعتقد أنهم انحرفوا فيها عن منهج الإسلام الصحيح، بعضها على درجة كبيرة من الخطورة، كسب الصحابة والقول بأن الأئمة معصومون، وأنّه منصوص عليهم وأنّ مسألة "الإمامة" ركن من أركان العقيدة، فنحن نرى بخلاف ذلك تماماً، ونرى أن الإمامة هي مسألة سياسية محضة وليست عقدية، ولا نجيز سب الصحابة، ونعتبر ذلك إثماً مبيناً. كما أن هنالك اختلافات فقهية بين السنة والشيعة منها الموقف من زواج المتعة، الذي يجيزه الشيعة، ويرفضه جمهور السنة. على هذا الأساس يحرص السنة على ألا يتحول أي سني إلى المذهب الشيعي، وعلى حماية المجتمع السني من التشيع، لاعتقادنا أن التشيع يخالف المنهج الإسلامي الصحيح".

ما هو الموقف الصحيح من ظاهرة التشيع وانتشارها، يجيب كل من غرايبة وعبد الحفيظ أن المطلوب جهد في الوعي الديني والفكري، يتسم بالموضوعية والعلمية، بالفروق والاختلافات الكبيرة بين السنة والشيعة، وتجاوز الشيعة – كما يعتقد السنة- عن المنهج الإسلامي الصحيح. فالمجتمع الأردني لم ينل قسطاً وافراً من هذه المعرفة، ما يسهل اختراقه من ظاهرة التشيع.

يرى المتخصص بالفرق والتيارات الإسلامية، حسن أبو هنية، أن مدخل مواجهة التشيع أردنياً يتمثل بإعادة النظر في المواقف السياسية الإستراتيجية، والاصطفافات الإقليمية، بحيث تأخذ الحكومة مسافة واضحة عن السياسية الأميركية. إذ يرى أبو هنية أن التشيع الذي ينتشر اليوم في العالم العربي، وفي الأردن، على وجه التحديد هو تشيع سياسي- ثقافي أكثر منه تشيعاً عقديا أو مثولوجياً، فكثير من الناس يتأثرون بالظروف السياسية ومواقف الأطراف المختلفة أكثر من تأثرهم بالعقائد والخلافات المذهبية، وتكون المواقف السياسية بمثابة المدخل للولاءات السياسية والمواقف الدينية، ومن المعروف تاريخياً أنّ الشيعة كانت فرقة سياسية قبل أن تتحول إلى مذهب عقائدي.

تقرير ميداني

تعد مدينة الكرك في جنوب الأردن من المدن العريقة الأثر لرواد الشيعة منذ عام 868م، ومعقلاً لطلاب الشيعة، ومربداً لعلمائهم، وهذا ما سطره إمامهم الكُليني في كتابة الكافي الذي يعد من أصح المراجع وأشهرها عندهم بعد كتاب الله تعالى زعموا، والناظر لواقع الشيعة في هذا العقد من الزمن يلمس حنيناً وشوقاً إلى تاريخهم وسيرتهم الخلابة المدثرة بالإفك وترويج أفكارهم وعقائدهم المضللة، ففلول الشيعة من أصقاع الدنيا ما زالت ترتاد مدينة الكرك سيما مدينة المزار الجنوبي لزيارة ضريح الصحابي الجليل جعفر بن أبي طالب t الذي يعد زيارته بمقام حجة إلى بيت الله الحرام كما ورد في متون كتب الحديث عندهم، بل أدهى من ذلك وأمر شراء شيخ البهرة (أمير وشيخ طائفة البهرة) في عام 2000م في مدينة المزار الجنوبي قصراً بجوار مسجد جعفر بن أبي طالب t بمبلغ وقدره مئة ألف دينار أردني ليكون موئلاً لعلمائهم ومربداً لطقوسهم الدينية ومعقلاً لعامة الشيعة بكافة أطيافهم ودركاتهم، - على غرار البهرة والأغاخانية التى انحدرت من الفرق الإسماعيلية على خلاف مذهبي مرجعي - ومازالت الشيعة ترسي دعائمها في ربوع الجامعات الأردنية تبعث سموم عقائدها وتروج لعلمائها وتدفع بأساتذة هذه الجامعات لخدمة مذهبهم وتسويقاً لعقيدتهم، وتعد جامعة آل البيت برهاناً جلياً على توغل الفكر الجعفري وتفاقم جذوره، يتقمص الهداية ويتدثر بثوب الأمانة، ويشحذ الهمم في مقارعة أهل السنة ويدّعى الجهاد في سبيل الله تعالى، ولمّا سئل أحد كبار أئمتهم بقوله: "جعلت فداك ما نقول في هؤلاء الذين يقتلون في ثغور بيت المقدس، فأجاب: الويل يترقبون قتلة في الدنيا، وقتلة في الآخرة، والله ما الشهيد إلا شيعياً ولو ماتوا على فروشهم"،"الكافي للإمام الكُليني" وفي تصريح "لحيدر" أحد زعماء حركة أمل لمجلة الأسبوع العربي، قال: (لقد ساعدتنا إسرائيل على اقتلاع الإرهاب الفلسطيني من الجنوب)، ولا شك أن حزب الله خرج من رحم حركة أمل التى ذبحت الفلسطينيين في المخيمات واغتصبت نسائهم واستقبلت اليهود بالورود في مجازر عام 1985م "مجلة الفرقان"، وليعلم القاصي والداني حقيقة الروافض بالجوهر والمبدأ لا بالحماس والمظهر والشعارات البراقة الخادعة، وحسبنا قول الخليفة عمر بن الخطاب: "أشكوا إلى الله جلد الفاجر وعجز الثقة".



مقالات ذات صلة