الكاتب : ابو محمد الغزي
خاص الحقيقة
20-6-2012
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد:
فهذه ردود علمية ونقدات شرعية على المقالة التي نشرتها جريدة الرسالة تحت عنوان: كلمة منهجية (حول مخالفات المفكر الإسلامي عدنان إبراهيم) للأستاذ يوسف فرحات هدانا الله وإياه إلى الحق.
قال الأستاذ: «أثارت أطروحات المفكر الإسلامي الغزي النصيراتي عدنان إبراهيم حول معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وإنكار نزول عيسى عليه السلام، وإنكار خروج الدجال والمهدي، والقول بفناء النار، فضلا عن طعنه في أحاديث وردت في الصحيحين، كل هذا أثار حملة كبيرة من السخط والردود بين أوساط العلماء وطلاب العلم، وهذه مسألة طبيعية لأن الرجل خرج في أفكاره عن المألوف، وخالف جماهير الأمة قديمها وحديثها .... إلخ»
أقول: كيف يستقيم لك يا أستاذ أن تسمي مثل هذا الشخص مفكرا إسلاميا، بل إن أحدا من الناس لو عرض عليه مثل هذا المقالات السيئة والضلالات المبينة والانحرافات الظاهرة لما ساوره الشك بأن هذا الرجل رأس في البدعة وأصل في العمى وركن في الضلالة؟
وكيف يكون مفكرا إسلاميا من خرق الإجماعات وخالف مألوف الأمة وارتكس بجهله في بحر التيه والشبهة؟
وهل من أنكر نزول عيسى عليه السلام، وأنكر خروج الدجال، وقد تواترت الأحاديث في ذلك تواترا قطعيا، يكون مفكرا إسلاميا، أم منحرفا مبتدعا إسلاميا !!
قال الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري رحمه الله تعالى في كتابه "مقالات الإسلاميين": "جملة ما عليه أهل الحديث والسنة الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يردون من ذلك شيئا (إلى أن قال:) ويصدقون بخروج الدجال، وأن عيسى ابن مريم يقتله". (مقالات الإسلاميين: 295)
وقال الطحاوي رحمه الله تعالى في "العقيدة" المشهورة: "ونؤمن بأشراط الساعة؛ من خروج الدجال، ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام من السماء...." (العقيدة الطحاوية: 60) .
وقال القرطبي: "الإيمان بالدجال وخروجه حق، وهذا مذهب أهل السنة وعامة أهل الفقه والحديث، خلافا لمن أنكر أمره من الخوارج وبعض المعتزلة". (انظر: التذكرة: 664).
وقال إبن عطية: "وأجمعت الأمة على ما تضمنه الحديث المتواتر من أن عيسى في السماء حيٌّ، وأنه ينزل في آخر الزمان؛ فيقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويقتل الدجال، ويفيض العدل، وتظهر به الملة ملة محمد صلى الله عليه وسلم". (انظر: البحر المحيط 2/473 ط. دار الفكر)
وقال السفاريني: "أما الإجماع ـ أي على نزول عيسى ـ فقد أجمعت الأمة على نزوله، ولم يخالف فيه أحد من أهل الشريعة، وإنما أنكر ذلك الفلاسفة الملاحدة ممن لا يعتد بخلافه" (انظر: لوامع الأنوار 2/94).
وقال القاضي عياض : "نزول عيسى عليه السلام وقتله الدجال حق وصحيح عند أهل السنة؛ للأحاديث الصحيحة في ذلك، وليس في العقل ولا في الشرع ما يبطله، فوجب إثباته . وأنكر ذلك بعض المعتزلة والجهمية ومن وافقهم، وزعموا أن هذه الأحاديث مردودة بقوله تعالى : { وخاتم النبيين } ، وبقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا نبي بعدي ) ، وبإجماع المسلمين أنه لا نبي بعد نبينا صلى الله عليه وسلم وأن شريعته مؤبدة إلى يوم القيامة ولا تنسخ ! وهذا استدلال فاسد؛ لأنه ليس المراد بنزول عيسى عليه السلام أنه ينزل نبيا بشرع ينسخ شرعنا، ولا في هذه الأحاديث ولا في غيرها شيء من هذا، بل صحت هذه الأحاديث هنا وما سبق في كتاب الإيمان وغيرها أنه ينزل حكما مقسطا يحكم بشرعنا ويحيي من أمور شرعنا ما هجره الناس . . . " شرح النووي على صحيح مسلم: 18/75).
"وفي عصرنا هذا ينكر بعض الكتاب الجهال وأنصاف العلماء نزول عيسى عليه السلام؛ اعتمادا على عقولهم وأفكارهم، ويطعنون في الأحاديث الصحيحة، أو يؤولونها بتأويلات باطلة، والواجب على المسلم التصديق بما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم وصح عنه واعتقاده؛ لأن ذلك من الإيمان بالغيب الذي أطلع الله ورسوله عليه" (انظر: الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد: 218)
فالرجل إذًا لم يخالف جماهير الأمة كما ظننت يا أستاذ، لأن المسائل التي نقلتها عنه لا يعرف له فيها سلف إلا من الرافضة والمعتزلة والفلاسفة ممن أعمى الله بصائرهم وطمس على قلوبهم.
قال الأستاذ: «وأنا في هذا المقال لست بصدد الرد على الدكتور عدنان ومناقشة أفكاره الجديدة، لأني لست أهلا لكي أرد عليه، ورحم الله امرء عرف قدر نفسه»
أقول: هذه توطئة من الأستاذ تشعر بأن المتحدث عنه وحيد عصره وفريد دهره في العلم والمعرفة لا يبارى ولا يوازى، ولذلك نكص الأستاذ عن الرد عليه لعدم أهليته وقدرته كذا قال!
وحقيقة الأمر أن هذه الكلام لا يساوي شيئا في ميزان النظر والتحقيق العلمي، وذلك لأنه ليس من شرط الرد أن يكون الراد أعلم من المردود عليه وإلا لما تعقب أحد أحدا، ولا يزال المتأخرون يتعقبون أساطين العلم من المتقدمين، ثم إنه يلزم من ذلك ألا يرد عدنان إبراهيم على العلماء الكبار فضلا عن الصحابة، وذلك لأنه لا يساوي جناح بعوضة في ميزان العلماء الذين يتعقبهم ويرد عليهم، ولا يمكن للأستاذ فرحات أن يزعم بأن عدنان إبراهيم أعلم من هؤلاء جميعا!!
إذًا هذا المبدأ الذي قدم به الأستاذ لا يسلم له أصلا كما أسلفت، فكم من طالب علم صوّب لأستاذه؟ وكم من صغير فاق الكبار وظهر صوابه ورجحان قوله؟ فثبت بهذا بطلان هذا القاعدة وفسادها لأن مآلات القول بها ترك البطالين والمبتدعة أن يسرحوا ويمرحوا كما يشاؤون في علوم الشريعة دون ردع أو وزع.
والظاهر من كلام الأستاذ فرحات أنه لا يرى نفسه أهلا للرد عدنان إبراهيم، وهنا يتوجه سؤال له وهو: ما هي الأهلية التي تريدها، ومتى يحق للرجل أن يرد على عدنان إبراهيم؟
وهل هذا خاص في عدنان دون غيره؟
وذلك لأنا رأينا كثيرا ممن ينتسبون للعلم منهم الكاتب نفسه لا يظهر منهم هذا التواضع والتخافت في رد أقوال من هو في وزن الأئمة الأربعة ومن هو في رتبتهم أو أقل منهم! ثم تجدهم في خور وتواضع باهت أمام من لا يزن نقطة في بحر علمهم !
أحرام على بلابله الدوح حلال للطير من كل جنس
قال الأستاذ: «وإنما أريد هنا أذكر المنهجية العلمية في التعامل مع أطروحاته التي خالف فيها جماهير الأمة، مع العلم أني أكاد أزعم أني أكثر الناس علما بشخصية الرجل وطريقة تفكيره»
أقول: لست أدري أيهما أدق وأصعب شأنا، الرد عليه أم رسم المنهجية العلمية والطريقة المناسبة للرد عليه؟
إن رسم الخطة والمنهج في الرد على عدنان إبراهيم لا تقل عن الرد على أطروحاته، فالقادر على الأولى قادر على الثانية من باب أولى، والعاجز عن الأولى لهو عن الثانية أعجز.
ولذلك أرى أن هذا من التناقض الذي وقع فيه الأستاذ، وقد نشأ ذلك من حبه الشديد لعدنان إبراهيم وتعاطفه معه حتى بعد أن ولغ في الضلالة ورضع في الغواية.
ويحاول الأستاذ فرحات أن يهون من المسائل التي خالف فيها صاحبه بتكراره أنه خالف جماهير الأمة، ومن المعلوم أن الرجل قد خالف إجماع الأمة كلها، إلا إذا كان الكاتب يعتد بمقالات الروافض والخوارج والمعتزلة وغيرها من فرق الضلالة.
وأما كون الشخص يخالف جماهير الأمة فليس ذلك مما يعاب دائما، وكثير من العلماء قد انفردوا بأقوال عن السواد الأعظم، ولم يكن قولهم باطلا أو مردودا، وإن كان في الغالب مرجوحا وهذا إنما يكون في الفرعيات والعمليات، وأما قضايا العقيدة وأصول الدين فإنهم متفقون عليها، مجمعون عليها، وعدنان إبراهيم إنما يهذي في الأصول المقطوعة والقواعد المقررة، والتي لم يخالف فيها أحد من أهل السنة والجماعة.
قال الأستاذ: «وقد ساهمت الفلسفة بتشكيل عقليته، والانعتاق من أسر التقليد، والاتجاه بصورة أكبر إلى المنهجية والتحليل، وقد بدا أثر الفلسلفة على أفكاره الأخيرة بصورة واضحة»
أقول: إذا عرف السبب بطل العجب، فإن من أغرق حياته في الفلسفة وعلم الكلام مصير أمره الحيرة والتخبط والشذوذ والشك والريبة، إلا أن يتوب الله عليه ويتغمده بواسع رحمته، وما أفسد الدين إلا أنصاف المتكلمين والفلاسفة، وذلك أنهم في غيهم يعمهون ، ويحسبون أنفسهم أنهم يحسنون صنعا ويجيدون قولا.
واعلم أن الرجل إذا بلغ القنطرة في الفلسفة والكلام فإنه سيوقن بضلاله ويسارع في التوبة والإنابة كما جرى ذلك مع أئمة الفلاسفة في زمانهم كالجويني والرازي والغزالي وغيرهم.
وقد قال أبو المعالي الجويني - وهو من أئمة الأشاعرة وممن قرّب مذهبهم إلى الاعتزال- : "لقد خضت البحر الخضم وخليت أهل الإسلام وعلومهم ، ودخلت في الذي نهوني عنه ، والآن إن لم يتداركني ربي برحمته فالويل لابن الجويني ، وها أنا ذا أموت على عقيدة أمي"
وقال الغزالي : "أكثر الناس شكاً عند الموت أصحاب الكلام "
وقال الشهرستاني:
لعمري لقد طفت المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعاً كف حائر على ذقن أو قارعاً سن نادم
وقال الرازي:
نِهَايَةُ إِقْدَامِ الْعُقُولِ عِقَالُ ... ... وَغَايَةُ سَعْيِ الْعَالَمِينَ ضَلَالُ
وَأَرْوَاحُنَا فِي وَحْشَةٍ مِنْ جُسُومِنَا ... وَحَاصِلُ دُنْيَانَا أَذَى وَوَبَالُ
وَلَمْ نَسْتَفِدْ مِنْ بَحْثِنَا طُولَ عُمْرِنَا ... سِوَى أَنْ جَمَعْنَا فِيهِ: قِيلَ وَقَالُوا
فَكَمْ قَدْ رَأَيْنَا مِنْ رِجَالٍ وَدَوْلَةٍ ... فَبَادُوا جَمِيعًا مُسْرِعِينَ وَزَالُوا
وَكَمْ مِنْ جِبَالٍ قَدْ عَلَتْ شُرُفَاتِهَا ... رِجَالٌ، فَزَالُوا وَالْجِبَالُ جِبَالُ
لَقَدْ تَأَمَّلْتُ الطُّرُقَ الْكَلَامِيَّةَ، وَالْمَنَاهِجَ الْفَلْسَفِيَّةَ، فَمَا رَأَيْتُهَا تَشْفِي عَلِيلًا، وَلَا تُرْوِي غَلِيلًا، وَرَأَيْتُ أَقْرَبَ الطُّرُقِ طَرِيقَةَ الْقُرْآنِ، اقْرَأْ فِي الْإِثْبَاتِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ}، وَاقْرَأْ فِي النَّفْيِ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}، {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا، ثُمَّ قَالَ:" وَمَنْ جَرَّبَ مِثْلَ تَجْرِبَتِي عَرَفَ مِثْلَ مَعْرِفَتِي " (انظرها في: شرح الطحاوية لابن أبي العز الحنفي: 126)
فهذه أقوال أئمة الفلاسفة وأرباب الكلام الذين خبروه وعرفوه بما لو أفنى عدنان إبراهيم عمره لما وصل إلى عشر معشاره، فهلا اعتبر وازدجر وتاب إلى الله تعالى، وقد تواتر النقل عن سلفنا الصالح في ذم الكلام وأهله.
قال الإمام أحمد: "لا يفلح صاحب كلام أبدا ولا يرى أحد نظر في الكلام إلا في قلبه دغل"
وقال الإمام الشافعي: "ما ارتدى أحد بالكلام فأفلح"
وقال: "حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد ويطاف بهم في العشائر والقبائل ويقال هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأخذ في الكلام"
وقال أبو يوسف:" من طلب العلم بالكلام تزندق"
وقال أبو عمر بن عبد البر: "أجمع أهل الفقه والآثار من جميع أهل الأمصار أن أهل الكلام أهل بدع وزيغ لا يعدون عند الجميع في طبقات العلماء وإنما العلماء أهل الأثر والمتفقه فيه"(انظر هذه الأقوال في: تحريم النظر في كتب الكلام لابن قدامة: 41)
وهذا غيض من فيض فيما يتعلق بذم الكلام وأهله، وهو يفسر لنا سبب انحراف هذا الرجل وخروجه عن عقيدة الأمة، وتلبسه بهذه الضلالات والانحرافات.
يتبع الرد إن شاء الله في مقالة أخرى