حقيقة ما حصل في مثل هذا اليوم - ياسر الماضي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجمعين أما بعد :-
حثنا شرعنا العظيم على العلم بحيث يكون المسلم عالما في دينه أو طالب علم أو على أقل تقدير مرتبط بالعلماء يوجهونه بالأدلة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ويحذرونه من البدع والخرافات والأكاذيب ، وما طلب الله تعالى الزيادة من الدنيا في شيء إلا في العلم قال تعالى ( وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ) (طه - 114) .
ومدح الله تعالى أهل العلم حيث قال جل وعلا : ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ ) فاطر/28 .
وذم الجهل قال تعالى ( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آَلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) (الأعراف – 138) .
فالعلم والجهل هنا يقصد بهما في الدين فالجاهل يضر بنفسه أكثر مما يضره أعداءه وأعظم الجهل أن يكون الإنسان يعتقد انه على صواب وفي الآخر تذهب أعماله هباء كما قال تعالى ( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً , الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ) (الكهف 103-104) .
فمن الجهل الذي وقع به هؤلاء الناس أنهم عبدوا الله ببدع وأكاذيب ما أنزل بها الله من سلطان ومن هذه البدع بدعة ما يسمى (بيوم الغدير) الذي يصادف يوم 18 من ذي الحجة .
فما هي حقيقة قصة هذه الحادثة :
فالغدير هو مكان يتجمع فيه الماء كالنهر الصغير أو البحيرة الصغيرة وهو يبعد عن مكة قرابة 250كم تقريبا ، وهو مشهور باسم غدير خم .
المكان وأهميته التاريخية :-
فهذا المكان مثل كثير من الأماكن التي توقف فيها النبي صلى الله عليه وسلم وتكلم فيها وخطب وكان سبب توقف النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المكان لحدث حصل بين الصحابة رضي الله عنهم ، فمعرفة السبب مهمة لمعرفة حقيقة الأمر , فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد بعث خالد ابن الوليد رضي الله عنه لليمن فانتصر وغنم ، وبعث النبي صلى الله عليه وسلم علي رضي الله عنه فقسم الغنيمة وأخذ الخمس ثم خرج من خيمته ورأسه يقطر (ماء من الغسل) :
يقول بريدة رضي الله عنه فقلنا يا أبا الحسن ما هذا ؟ فقال الم تروا إلى الوصيفة التي كانت في السبي فإني قسمت وخمست ثم صارت في أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم ثم صارت لي .
فكتب خالد بن الوليد رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم بالذي حصل ، ثم رجع علي رضي الله عنه ليحج فاستخلف رجلا على الجند وإبل الصدقة فلما فرغ علي رضي الله عنه من الحج وجد الجيش راكب على ابل الصدقة يلبسون من حلل الصدقة فأنزلهم ونزع الحلل عنهم وعنف الذي استخلفه على فعلته فأظهر الجيش التذمر والشكوى واختلفوا وتعهدوا حتى يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم يخبروه على ما وجدوه من غلظة علي رضي الله عنه ، يقول بريدة رضي الله عنه فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت ما حصل من خبر علي فنقصته فرأيت وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتغير ، فقال يا بريدة !! ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قلت بلى يا رسول الله ، قال :
( من كنت مولاه فعلي مولاه) ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً فسمعته يقول
( أيها الناس لا تشكوا عليا فوالله إنه لأخشى في ذات الله من أن يشكى) .
فهذا خلاصة ما حدث في غدير خم فاطمأنت الصحابة لكلام الرسول صلى الله عليه وسلم لمن يكن مخالف لله ولرسوله كما فهم بعض الصحابة وعادت الأمور طبيعية وازدادوا حبا بعلي رضي الله عنه عندما فهموا الأمر أنه لم يخالف شرع الله ، وهذا خلاصة ما رواه الإمام البيهقي والإمام احمد وابن هشام في هذه القصة وقد زادت الروافض في هذا القصة روايات وأكاذيب لا أساس لها من الصحة واتخذوا من هذه القصية دينا وعقدوا عليها مذهبهم وعقيدتهم .
نظرات في قصة غدير خم :
إن الناظر إلى هذه القصة من أولها يتضح له ان علي رضي الله عنه حصلت بينه وبين الجيش خلاف ومشاحنة عندما كانوا راجعين من اليمن وبمعرفه هذا السبب يتبين بطلان أكاذيب ما ذهب إليه هؤلاء وذلك من عدة نواحي :
1. ان الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال هذه العبارة لسيدنا علي رضي الله عنه (من كنت مولاه فعلي مولاه) قالها بعد أن خرج من الحج الذي اجتمع في اكبر عدد للمسلمين قرابة 120000 صحابي فلو كان الأمر فيه وصية لسيدنا علي بالخلافة لكان الرسول صلى الله عليه وسلم قالها في الحج وليس في غدير خم بعد ان تفرق الجمع الغفير للمسلمين .
2. كذلك لقد حدثت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم عدة بيعات منها بيعة العقبة الأولى والثانية وبيعة الرضوان وبيعة النساء ( لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ) (سورة الفتح – 18) ، ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (الممتحنة - 12) ، فهذه بيعتان سجلها القرآن فلماذا لم يسجل القرآن هذه البيعة لسيدنا علي كما يدعون في هذا اليوم !!! .
3. كذلك إن لفظ مولاه قد جاء في القرآن ولم يكن معناه أن المولى هو الأولى فقد جاء في سورة التحريم آية - 4 قال تعالى ( وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ ) (التحريم – 4) ، فهي ليست لها أي علاقة بالإمامة والخلافة وذلك لأن لفظ (مولاه) يأتي بمعنى النصرة والمحبة كما في الآية السابقة وليس فيها أي ذكر للخلافة لا من قريب ولا من بعيد !! .
يقول المؤرخ المقريزي (أعلم ان عيد الغدير لم يكن عيدا مشروعا ولا عند احد من سالف الأمة المقتدى بهم) (الخطط للمقريزي 2-116) فهذا الأمر لو كان صحيحا لتناقله الصحابة كما تناقلوا الأحاديث الصحيحة في عيد الفطر والأضحى لذلك استمر المسلمون ثلاثة قرون لا يحتفلون بهذا اليوم ولا يميزونه بأي شيء حتى في أيام خلافة علي رضي الله عنه ولا أيام خلافة الحسن رضي الله عنه ولا أيام الحسين رضي الله عنه ، وأيضا فقد ذكر الإمام الشافعي (أن الصحابة رضي الله عنهم اجمعوا على بيعة أبي بكر وتفضيله على سائر الصحابة كم بين ذلك) الإمام البيهقي في مناقب الشافعي (1-434) .
وهذا مما لا يدع مجالا للشك في بطلان هذا اليوم وبطلان ما بني عليه من هذه العقيدة بإسم محبة آل البيت وآل البيت براء من هذا الكلام ، قال تعالى : ( وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ) ص – 26 ، وقال تعالى : ( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ) (القصص – 50) ، لذلك علينا أن نحذر من هؤلاء المبتدعة الضالين ولنعلم ان البدع اشد خطرا من جميع المعاصي لأن المبتدع يظن نفسه على حق فيبقى ينتصر لبدعته ويقاتل من أجلها فتحجبه بدعته عن الاستغفار والتوبة إلى الله تعالى ، جاء عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن رسول الله صلى عليه وسلم قال إن إبليس قال : أهلكتهم بالذنوب فأهلكوني بالاستغفار فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء فهم يحسبون أنهم مهتدون فلا يستغفرون" رواه ابن أبي عاصم في "السنة" 1/9 وغيره ، ولهذا كان السلف يقولون : "البدعة أحب إلى إبليس من المعصية, لأن المعصية يتاب منها والبدعة لا يتاب منها".
وصلى اللهم على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم
المصدر: موقع فلسطينو العراق