المخاوف الأمنية الرسمية من الجماعة اللبنانية ظلت الهاجس الأكبر لدى عمان
طارق ديلواني صحافي
ظلت الأسيرة الأردنية المحررة من السجون "الإسرائيلية" هبة اللبدي بمثابة "أيقونة" لدى كثير من الأردنيين الذين تعاطفوا معها على نحو غير مسبوق، إلى حين توجيهها التحية لـ"حزب الله" اللبناني وزعيمه حسن نصرالله بعد ساعات من إطلاق سراحها في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث انهالت عليها الانتقادات وردود الفعل الغاضبة، التي رأت بعضها في "الحزب" وزعيمه مجرد ميليشيات "طائفية" لا أكثر.
هذه الحادثة إلى جانب شواهد كثيرة ترصد كيف تراجعت شعبية "حزب الله" لدى الأردنيين إلى الحضيض، بعدما بلغت أعلى مستوياتها أواخر عام 2006.
فبعد سنوات من تمجيد زعيم "حزب الله" حسن نصر الله ورفع صوره، خصوصاً في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، حرقت أعلام "الحزب" في تظاهرات مؤيدة للثورة السورية، وتراجع الاهتمام بخطاباته، وقد أصبح يوصف في الشارع الأردني بـ"دجّال المقاومة"، كما ورد في تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي.
موقف رسمي حذر
يبدي العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني كما يقول مقربون منه لـ"اندبندنت عربية" امتعاضاً من "حزب الله"، خصوصاً بعد دوره في تأجيج الصراع والعنف في سوريا، وكثيراً ما يصف مواقف "الحزب" بالمغامرة. وقد ظل موقف الأردن الرسمي متماهياً مع موقف معظم الدول العربية الأخرى تجاه الانحياز للدولة اللبنانية ورفض التغول الذي يقوم به "الحزب" في لبنان.
ففي عام 2016، أيد الأردن بشكل موارب قرار وزراء الداخلية العرب اعتبار "حزب الله" إرهابياً لكن من دون الإعلان عن ذلك بشكل رسمي، تحسباً لتبعات التعامل مع وزير في الحكومة اللبنانية ينتمي لـ"حزب الله".
وفي طيّات هذا التأييد اتخذت السلطات الأردنية سلسلة قرارات برصد وملاحقة كل من يشتبه بتأييده لـ"الحزب" على الأرض الأردنية أسوة بتنظيم "داعش".
انقسام وخلايا نائمة
يرى الكاتب ماهر أبو طير أن ثمة انقساماً في الأردن إزاء "حزب الله"، مضيفاً أن اللغة الاتهامية هي السائدة لدى القلة التي ما زالت تؤيد "حزب الله" وترى فيه فصيلاً مقاوماً. ويشير إلى أن "جماعة "حزب الله" في الأردن، والذين يؤيدونه، يعتقدون بشكل مباشر أن كل من ينتقد "الحزب"، أو حسن نصر الله، هو صهيوني، تم تضليله، أو إنه موساد، إلى آخر هذه الاتهامات".
ما يقلق أبو طير في الحديث عن تراجع حضور "حزب الله" في الأردن هو أن "كل قضايا الإقليم، ترتد علينا بشدة في الأردن، بطريقة مكلفة وواضحة ومؤسفة، على الرغم من أننا كل مرة، مجرد كسور في حسابات الإقليم".
يعتقد مراقبون بوجود خلايا نائمة لـ"حزب الله" في الأردن، ويرى هؤلاء في كثير من المغالين في تأييدهم لـ"الحزب" قنابل موقوتة على الأرض الأردنية، خصوصاً في ظل العلاقة المتوترة بين الأردن و"الحزب".
وما يعزز المخاوف الأردنية ما كشفته القناة التلفزيونية العاشرة في "إسرائيل"، قبل سنوات، عن وجود وحدة تسمى "1800" تابعة لـ"حزب الله" تختص بتعزيز التشيع في الأردن ومصر وفلسطين.
وبحسب القناة العاشرة، فإن قائد الوحدة أسندت إليه قيادة مجموعة جديدة تسمى "133"، تسعى إلى تجنيد أفراد وأشخاص للإضرار بالمصالح "الإسرائيلية" في الأردن ومصر والضفة الغربية.
طائفية وتهديدات مبطنة
في عام 2011، ومع بوادر التحاق الأردن بـ"الربيع العربي" ظهرت مخاوف من اختراق "حزب الله" لقوى الحراك الأردني، بخاصة في صفوف "اليسار وجماعة الإخوان المسلمين".
وفيما ظلت بقايا "اليسار" المتشرذم في الأردن على موقفها من "حزب الله"، تراجع "الإخوان المسلمون" عن تأييده لاعتبارات عدة. ومع بداية الأحداث في سوريا ودخول "حزب الله" على خط هذه الأزمة من الناحية الميدانية العسكرية، واتخاذ قوات "حزب الله" سلوكاً "طائفياً" تراجعت شعبية "الحزب" لدى الأردنيين.
المزاج الشعبي تجاه "حزب الله" عبر عنه استطلاع للرأي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية آنذاك. إذ كشف انخفاضاً جوهرياً في نسبة من يعتبرون "حزب الله" حركة مقاومة مشروعة.
كان الأردن على الدوام قلقاً من وجود "حزب الله" على حدوده مع سوريا، خصوصاً بعدما وجه "الحزب" تهديداً مبطناً للأردن أكثر من مرة، كما في انتقاده مناورات الأسد المتأهب التي تعقد بشكل دوري في الأردن بمشاركة قوات أميركية. وفي الثانية، تلويحه بالتحرش عسكرياً بالمملكة في حال مشاركة الأردن بضربات عسكرية للنظام السوري.
نشاط عسكري ومخاوف أمنية
المخاوف الأمنية الرسمية من "حزب الله" ظلت الهاجس الأكبر لدى الأردن طيلة السنوات الماضية، حيث وجه المدعي العام لمحكمة أمن الدولة، عام 2015، اتهامات لسبعة أردنيين، مفادها القيام بنشاط تابع لـ"حزب الله" على الساحة الأردنية، بـ"هدف تحويلها إلى نقطة عمليات لـ"الحزب"، باتجاه الأراضي الفلسطينية".
لم تكن هذه المحاولة الأولى من نوعها، حيث ترصد الأجهزة الأمنية محاولات من "حزب الله" لاختراق الساحة الأردنية منذ عام 2006 "عنوانها استهداف الوجود العسكري الأميركي في البلاد".
فضلاً عن محاولة استهداف أحد فروع مقهى "ستاربكس" في العاصمة عمّان عام 2008 على إثر العدوان "الإسرائيلي" على قطاع غزة، إضافة إلى التخطيط لعمل عسكري ضد السفارة "الإسرائيلية" في عمّان.
بحسب الأجهزة الأمنية الأردنية، قام "حزب الله" عام 2011 بتجنيد عناصر أردنيين في صفوفه للقيام بعمليات عسكرية ضد "إسرائيل" وتم تدريب أفراد الخلية على استخدام برنامج تشفير الرسائل، وتزويد العقل المدبر ببريد إلكتروني للتواصل.
المخاوف الأمنية الأردنية من "حزب الله" تجلت عام 2007 في حادثة رفض السلطات السماح لإحدى الطائرات الآتية من طهران باتجاه دمشق بالمرور فوق الأراضي الأردنية وإجبارها على الهبوط بسبب حملها للأسلحة والذخيرة إلى "حزب الله".
الرسالة التي وجهتها الحكومة الأردنية آنذاك لدمشق هي أن تسهيل سوريا الدعم الإيراني لـ"حزب الله" يجب أن يتوقف ولن يكون عن طريق أجوائنا.
المصدر : اندبندنت عربية
14/4/1441
11/12/2019