صَحوة الموت:
اعترافات زعيم (حزب خامنئي اللبنانيّ) ومغالطاته (3)
بقلم : الدكتور محمد بسام يوسف
ثالثاً: المقاومة وسلاح المقاومة
إذا كانت (التقية) في دين الشيعة الإمامية الجعفرية عنواناً للإيمان، كما يقول الكليني: (لا دين لمن لا تُقيةَ له)، وكما يقول علماؤهم: (لا إيمان لمن لا تُقيةَ له).. فإنّ أي حديثٍ أو خطابٍ يُلقيه (حسن نَصَر خامنئي) عن المقاومة، يصبح مفهوماً من حيث أهدافه وغاياته ودلالاته ومبرّراته وعمليات تسويقه.. لكنّ التأكيد على حكايات المقاومة بالفم الملآن لزعيم (حزب ولاية الفقيه)، في الوقت الذي ما يزال دخان حرائقه في بيروت الغربية لم ينقشع بعد، وفي الوقت الذي ما تزال دماء البيروتيّين المسلمين التي سفكتها عصاباته رطبةً، وفي الوقت الذي ما يزال فيه دَويّ قنابله وصواريخه وأزيز رصاصه يُسمَع في العاصمة وبعض المدن والقرى اللبنانية، ويسقط نتيجة ذلك بسلاح (مقاوميه) أكثر من عشرين جريحاً لبنانياً قبل أن ينتهي من خطابه (التقيويّ).. فإنّ ذلك يدلّ على الدرجة البائسة التي انحدر إليها صاحب الخطاب وأزلامه، تلك الدرجة التي تتوقّف عندها الشرايين عن النبض، ويجفّ فيها ماء الوجه، ويُفتَقَدُ عند مستواها الحياء.. ليس الحياء من البشر فحسب، بل الحياء من العزيز الجبّار أيضاً.. لأنّ (التقية) في مثل هذه الحالة الصارخة، هي صلف ووقاحة وكذب مكشوف على إله السماوات والأرض، قبل أن تكونَ كذباً على الناس!..
لعلّ (سيّد المقاومة) كما يحلو للمشعوذين أن يُطلقوا على حسن، لا يفهم، ولا يرغب أن يفهم، بأنّ المقاومة جهاد في سبيل الله عزّ وجلّ ضد العدوّ، وأنّها شرف لا يرقى إليه قُطّاع الطرق، وزعران الشوارع، وهمج التخريب والتدمير وترويع الآمنين، ولصوص السطو على دور الأيتام والمؤسّسات التربوية والدينية والإعلامية.. فالمقاومة عمل حضاريّ في سبيل إحقاق الحق، وليست بغياً لترسيخ الباطل.. والمقاومة فعل راقٍ يتسلّح أهله بالإيمان وسُمُوِّ النفس وتعلّقها بالله عزّ وجلّ بغية إرضائه وحده لا شريك له، وليست عدواناً على الأعراض والممتلكات الخاصة والعامة، وسَفكاً للدم البريء، وهجوماً على مواكب جنازات الضحايا والمنكوبين.. المقاومة يا وكيل خامنئي في لبنان، لها أصول وضوابط وأخلاق مستمَدَّة من الإسلام العظيم، بَلْوَرَهَا الصدّيق أبو بكرٍ رضوان الله عليه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، في وصيّته لأسامة بن زيدٍ وجنده رضي الله عنهم أجمعين.. بَلْوَرَهَا بكلماتٍ تهزّ الجبال، وتفتح مغاليق القلوب قبل أن تفتح البلدان، وترسم معالم الإسلام بأخلاق رجاله العظام، من أمثال الصدّيق الذي تَسبّونه وتَشتمونه وتَتّهمونه بموجب خرافاتكم وأساطير آياتكم من الفرس الصفويين.. وإننا إذ نستذكر أخلاق الصدّيق رضوان الله عليه، تتبدّى لنا أسباب معاداتكم له، وحقدكم عليه، فأين أخلاقكم من أخلاقه العظيمة؟!.. وأين انحداركم من سُمُوِّه؟!.. وأين ضآلتكم من عَظَمَته؟!.. وأين دينكم الذي يبيح لكم (الاسترجال) على النساء والأطفال العزّل من إسلامه العظيم؟!.. وأين مقاومتكم المزعومة من جهاده الذي يحمل صاحبه إلى الفردوس الأعلى؟!.. أبو بكرٍ الصدّيق، الذي تفتئتون عليه، قال قولته الشهيرة لجنده: [لا تخونوا ولا تغدروا ولا تَغُلّوا ولا تُمَثِّلوا، ولا تقتلوا طفلاً ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تقطعوا شجرةً مثمرة، ولا تذبحوا شاةً ولا بقرةً ولا بعيراً إلا للأكل، وإذا مررتم بقومٍ فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له..]!.. وهي وصية تجاه عدوٍّ سافر، فكيف بالشقيق ابن البلد، والجار، وابن الحيّ؟!.. كيف بالذين احتضنوكم وآووكم ونصروكم يوم كنتم تَفرّون من جحيم القصف الصهيونيّ وجرائمه في الجنوب؟!.. أَوَبَعد كل ذلك ما تزال في وجوهكم قطرة ماء؟!..
هناك حدود واضحة المعالم بين المقاومة والجريمة.. بين الجهاد والضلال.. بين الاستقامة والانحراف، بين الصدق والتضليل.. وكل ذي قلبٍ في أرجاء الأرض بات يعرف على أيٍ من المُثُل والقِيَم كان جنود (حزب ولاية الفقيه) يسيرون في بيروت الغربية، وفي أي سبيلٍ بذلوا سلاحهم، وإلى أي صدرٍ كانوا يوجّهونه.. أهذه هي المقاومة؟!.. وهل هذا السلاح الذي أشهره هؤلاء بوجوه أبناء بيروت وبناتها هو سلاح مقاومة؟!.. وهل الذين يُقتَلون وهم يَبْغون وينتهكون أعراض المسلمين وحُرُماتهم هم (الشهداء)، والمعتدى عليهم في بيوتهم ومساجدهم هم مجرّد (ضحايا)، كما ورد في خطابك يا حسن؟!.. بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كُلّ المسلمِ على المسلمِ حرام: دمُهُ، ومالُهُ، وعِرضُه)؟!.. فأيّ دينٍ هذا الذي تعلّمتَه ودرسته في حوزات قُمٍّ والنجف؟!..
على هذا، فإنّ ما قاله (حسن نَصَر خامنئي) في خطابه، من أنّ (سلاح المقاومة هو لمواجهة العدوّ، وتحرير الأرض والأسرى، والإسهام في الدفاع عن لبنان)، ومن أنه (لا يجوز استخدام سلاح الدولة لاستهداف المقاومة وسلاح المقاومة).. إنّ هذا الذي قاله، ليس إلا ضرباً من الهرطقة الكلامية والشعوذة السياسية الاستهلاكية، التي يبرع فيها أحبّاء (الوليّ الفقيه) وعملاؤه البررة، الذين يقلبون طبائع الأشياء، ويكذبون، ثم يُصدّقون الكذب الذي يقترفون!..
الخميس في 29 من أيار 2008م
يتبع إن شاء الله