لماذا لا نلتقي

بواسطة لجنة البحث العلمي قراءة 1612

لماذا لا نلتقي

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في ترجمة الحاكم العبيدي المعز المدعي أنه فاطمي: وحين نزل الإسكندرية تلقاه وجوه الناس، فخطبهم بها خطبة بليغة ادعى فيها‏: أنه ينصف المظلوم من الظالم، وافتخر فيها بنسبه، وأن الله قد رحم الأمة بهم، وهو مع ذلك متلبس بالرفض ظاهراً وباطناً. كما قاله القاضي الباقلاني‏: إن مذهبهم الكفر المحض، واعتقادهم الرفض، وكذلك أهل دولته ومن أطاعه ونصره ووالاه، قبحهم الله وإياه‏. وقد أحضر إلى بين يديه الزاهد العابد الورع الناسك التقي أبو بكر النابلسي فقال له المعز‏: بلغني عنك أنك قلت‏: لو أن معي عشرة أسهم لرميت الروم بتسعة، ورميت المصريين(أي العبيديين) بسهم‏. فقال‏: ما قلت هذا، فظن أنه رجع عن قوله‏. فقال‏: كيف قلت‏؟‏ قال‏: قلت‏: ينبغي أن نرميكم بتسعة ثم نرميهم بالعاشر‏. وقال‏: ولِمَ‏؟‏ قال‏: لأنكم غيرتم دين الأمة، وقتلتم الصالحين، وأطفأتم نور الإلهية، وادعيتم ما ليس لكم، فأمر بإشهاره في أول يوم، ثم ضرب في اليوم الثاني بالسياط ضرباً شديداً مبرحاً، ثم أمر بسلخه في اليوم الثالث، فجيء بيهودي فجعل يسلخه وهو يقرأ القرآن، قال اليهودي‏: فأخذتني رقة عليه، فلما بلغت تلقاء قلبه طعنته بالسكين فمات رحمه الله‏. فكان يقال له‏: الشهيد، وإليه ينسب بنو الشهيد من أهل نابلس إلى اليوم، ولم تزل فيهم بقايا خير‏. البداية والنهاية )‏ج/ص‏: 11/ 322(

 إن فلسطين قد فتحها عمر رضي الله عنه فهل يمكن أن تفتح ثانية على يد من يتخذ من لعن عمر رضي الله عنه عقيدة ودينا ؟

سُئل الشيخ الإمام محمد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ في شريط "أصول الدعوة السلفية" ( الشريط الثاني ) : ( س : إن المسلمين اليوم قد تفرقوا شيعاً و أحزابا ؛ وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن التفرق والاختلاف ، فالمسلمون اليوم هذا سلفي ؛ وهذا اشعري ؛ وهذا صوفي ؛ و هذا ماتوردي ؛ السؤال : ألا يمكن غض النظر عن عقيدة الولاء والبراء في سبيل جمع الكلمة لمواجهة أعداء الله ورسوله ؟

 فأجاب الشيخ رحمه الله بقوله : هذا السؤال غريب عجيب! يدل على أن كثير من المسلمين إن لم نقل أكثر المسلمين أنهم لا يعرفون بعد كيف يمكن للمسلمين أن يقاتلوا أعداء الله وأن يحاربوهم ؛ وهم كما وصف السائل نفسه متفرقون إلى شيع وإلى أحزاب كثيرة ، كيف يعقل هذا السائل أن نترك البحث في الله عز وجل الذي كان من العقيدة الأولى التي أُمر بها الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله : ( وربك فكبر ) وقوله عز وجل:  ) فاعلم أنه لا إله إلا الله ( ، فإذا كان المسلمون مختلفين في فهم هذه الكلمة الطيبة ، كيف يستطيع هؤلاء أن يكونوا يداً واحدة في ملاقاة أعداء الله و محاربتهم ،كأن هذا السائل و أمثاله يريدون منا أن نعطل شريعة الله عز وجل وبتعطيل شريعة الله نستطيع أن نلاقي أعداء الله ، هذا مذهب أبي نواس : ( وداوني بالتي كانت هي الداء ) ربنا عز و جل يقول : ( فإن تنازعتم في شيءٍ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلاً ) ؛ والآية التي ذكرناها مراراً آنفا : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً ) ؛ كيف يرضى هذا السائل و أمثاله أن نعرض عن هذه الآيات البينات كلها؛ و كيف يتصور إمكانية التقاء هؤلاء المسلمين على ما بينهم من خلاف شديد ليس كما يقولون في الفروع بل وفي الأصول ؛ وليس في الأصول فقط بل في أصل الأصول وهو الله رب العالمين تبارك وتعالى ، ويؤسفني جداً أن اذكر هذا السائل وأمثاله ؛ لقد طرنا فرحنا حينما كانت تبلغنا أخبار انتصار إخواننا المسلمين الأفغانيين على الشيوعيين الروس وأذنابهم ؛ ثم بقدر ما فرحنا أسفنا وحزنا حينما وقفوا أمام بلدتين فقط من أفغانستان كلها ؛ والسبب في ذلك أن قوادهم ورؤسائهم اختلفوا فيما بينهم وتنازعوا وربنا يقول : ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ) ؛ فهذا السائل لا ينتبه إلى أن الخلاف الذي أشار إليه الرسول عليه الصلاة والسلام في حديث الثلاث والسبعين فرقة ؛ وان الفرقة الناجية هي التي تكون على ما كان عليه الرسول عليه السلام وأصحابه ، حينما يتكتل المسلمون على هذا المنهج من الكتاب والسنة ؛ وعلى ما كان عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ يمكنهم أن يلاقوا أعداء الله عز وجل ، أما أن ندع القديم على قدمه كما يقولون ؛ وان نحاول الاجتماع والتلاقي في سبيل محاربة العدو فهذا أمر مستحيل ؛ والآية وغزوة حنين ونحوها من اكبر الأمثلة على ضرورة توحيد كلمة المسلمين ؛ ولن يمكن ذلك أبداً إلا على أساس من الكتاب والسنة ؛ والآية السابقة تكفيكم إن شاء الله : ( فإن تنازعتم في شيءٍ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلاً ) ؛ فالكتاب الكتاب والسنة السنة ومنهج السلف السلف ) اهـ.

قال فضيلة الشيخ العلامة صالح بن فوزان الفوزان ـ حفظه الله ـ عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية في كتابه " الأجوبة المفيدة على أسئلة المناهج الجديدة " ( ص100 ـ 103 ) إجابة على سؤال : قد كثرولله الحمدالدعوة إلى منهج السلف و التمسك به ، ولكن هناك من يقول : إن هذه الدعوة إنما هي لشق الصف وتمزيقه ، وضرب المسلمين بعضهم ببعض ليشتغلوا بأنفسهم عن عدوهم الحقيقي ، فهل هذا صحيح وما هو توجيهكم ؟

 فأجاب الشيخ : ) هذا من قلب الحقائق ، لأن الدعوة إلى التوحيد ومنهج السلف الصالح تجمع الكلمة ، وتوحد الصف ، كما قال الله تعالى: ) واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ) ( آل عمران :102) وقال تعالى : ( إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون ) ( الأنبياء :92)، فلا يمكن للمسلمين أن يتحدوا إلا على كلمة التوحيد ومنهج السلف ، وإذا سمحوا للمناهج المخالفة لذلك تفرقوا واختلفوا ، كما هو الواقع . فالذي يدعو إلى التوحيد ، ومنهج السلف ؛ هو الذي يدعو إلى الاجتماع ، والذي يدعوا إلى خلافه ؛ هو الذي يدعو إلى الفرقة والاختلاف . وإذا اجتمع المسلمون على التوحيد ومنهج السلف ؛ وقفوا في وجه عدوهم صفاً واحداً ، وإذا تفرقوا إلى مناهج لم يستطيعوا الوقوف في وجه عدوهم ) اهـ .

وقال الشيخ الفوزان أيضاً في المصدر السابق ( ص106ـ 107) إجابة على سؤال : هل التحذير من المناهج المخالفة ودعاتها يعتبر تفريقاً للمسلمين وشقاً لصفهم ؟ فأجاب الشيخ : ( التحذير من المناهج المخالفة لمنهج السلف يعتبر جمعاً لكلمة المسلمين لا تفريقاً لصفوفهم ، لأن الذي يفرق صفوف المسلمين هو المناهج المخالفة لمنهج السلف . وما زال العلماء منذ أن ظهرت المذاهب المخالفة لمنهج السلف بعد القرون المفضلة ؛ يحذرون منها ، ويبينون بطلانها ، وها هي كتبهم بالمئات تدل على ذلك ، ولم يعتبروا هذا تفريقاً للمسلمين. بل هو النصيحة للمسلمين ، والحفاظ على اجتماع كلمتهم على الحق ، ونبذ المناهج المخالفة التي تفرقهم ، وتجعلهم شيعاً وأحزاباً ( اهـ . ومن لم يقنع بأدلة أهل العلم كونهم من دعاة السلفية .. أقول له هل تقنع بواقع الحال فيما حدث بين المجاهدين الأفغان بعد هزيمة عدوهم ؟؟ .. كيف أصبح حالهم ؟؟ وما كان ذلك إلا لاختلاف دعواتهم .. ولذلك حذر رب العالمين من تلك الفرقة التي هي نتاج عدم العلم والتفقه في الدين (( وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)) .. فليحذر كل لبيب.

 



مقالات ذات صلة