د. طه الدليمي
اشتدت حملات التهجير الطائفي هذه الأيام لإخلاء المناطق المختلطة من السنة، تنفذها مليشيات مسلحة أمام أنظار ومسامع السلطات المحلية في المحافظات، والحكومة المركزية في بغداد، رغم تلقيها تقارير منتظمة حول نزوح عشرات الآلاف من أهل السنة الى غرب العراق ودول الخليج تاركين بيوتهم وممتلكاتهم خشية الاغتيال، وسط صمت مريب من هذه الجهات المسؤولة، بل وتعاون وتسهيل منها؛ ما يدل على أنها عملية مبيتة ينفذها المكون الشيعي بكل شرائحه وقد توزعوا الأدوار فيما بينهم كل من موقعه ضد أهل السنة جميعاً!
يوم أمس تناقلت القنوات الفضائية المحلية خبر العثور على جثتي الشابين (وليد وإبراهيم) وهما شقيقان يمتلكان محلاً لبيع الخضار في البصرة جنوبي العراق، وشاهد الجميع صورهم وآثار التعذيب البشع بادية عليها، في إطار موجة قتل على الهوية. وفي الناصرية إلى الشمال من البصرة هجرت عشرات العوائل ووقعت اغتيالات بأسلحة كاتمة للصوت لعدد من أبناء عشيرة السعدون في المدينة التي بناها جدهم الأكبر الأمير ناصر الأشقر باشا السعدون (أمير قبائل إمارة المنتفق) وسميت على اسمه عام 1870. في حين أكد الشيخ عبد الكريم الخزرجي مدير ديوان الوقف السني في المنطقة الجنوبية أن الاغتيالات طالت أكثر من 12 رمزاً سنياً من أئمة جوامع وخطباء وشيوخ عشائر. مطالباً الجيش العراقي بحماية المساجد وإجراء تحقيق في هذه الحوادث. كما قرر الوقف السني إغلاق جميع المساجد في المحافظات الجنوبية الثلاث: البصرة والناصرية والعمارة، واقتصار الشعائر على الأذان. علماً أن عمليات القتل على الهوية والتطهير الطائفي في هذه المحافظات وغيرها يسبقها توزيع منشورات يجري تعليقها على أبواب مساجد السنة تطلب منهم الرحيل عن المدينة او مواجهة القتل خلال أُسبوع واحد. ورشحت أخبار أن مدينة الزبير السنية المحاذية للكويت التي كانت نسبة السنة فيها 100٪ أوان السبعينيات تكاد تخلو الآن من السنة فقد نزح معظم سكانها إلى دول الخليج بفعل التهديدات التي تلقوها من المليشيات بالقتل.
وقل الشيء نفسه في شمالي محافظة بابل، وطوق العاصمة بغداد لإخلائه من سكانه ذي الغالبية السنة بنسبة تقرب من 90٪. وكذلك محافظة ديالى في وسط العراق على حدود إيران.
هكذا فعلنا وهكذا يفعلون
خلال العقود الثمانية التي تولى السنة فيها حكم العراق لم ينظروا إلى الشيعة على أنهم شيعة، بل رضوا أن يقاسموهم في كل شيء، وغادر صدام حسين السلطة سنة 2003 وقد بلغت نسبة الشيعة في الجيش والشرطة وجهاز الأمن والحزب 65٪ وفي جهاز المخابرات 75٪، والإعلام 90٪، ونسبة البعثات الدراسية 85٪! وقس على ذلك بقية الوظائف الحساسة والدوائر الحيوية حكومية كانت أم أهلية؛ فشريان الاقتصاد – مثلاً - كان معظمه بيد الشيعة. هذا مع العلم أن نسبة الشيعة في دوائر الدولة حين تأسيسها في سنة 1921 تكاد تقرب من الصفر لسببين رئيسين:
1. عدم وجود كفاءات شيعية؛ لأن الشيعة كانوا يحرمون الدراسة في المدارس العثمانية العسكرية والمدنية والتوظف في دوائرها والانتساب إلى جيشها على أساس أنهم كفار لا تجوز إعانتهم والعمل عندهم.
2. استمرار صدور الفتاوى الشيعية بعد تأسيس الدولة بتحريم ذلك كله.
وبعد أن كانت نسبة الشيعة في بغداد والبصرة لا تكاد تزيد على 5٪، أصبحت نسبتهم عشية الاحتلال الأمريكي: في البصرة 65٪ وفي بغداد 35٪! ولم تكن هناك أي مشكلة اجتماعية من قبل السنة أو تحسس تجاههم.
هذا هو تاريخنا معهم.
فماذا فعلوا بنا بعد أن تحولت القوة إلى أيديهم ؟ اجتثاث كامل، وعمل دؤوب حسب خطة منظمة لإبادة السنة وترحيلهم من المناطق الجنوبية وبغداد وديالى تمهيداً للقضاء عليهم في المناطق الغربية.
مع الشيعة سنة ومع الكرد عرب
والسبب أن التشيع دين اجتثاثي يتعامل مع الآخر طبقاً للمعادلة الصفرية. أي الكل أو لا شيء. وبعبارة أخرى ينظر الشيعة إلى علاقتهم مع السنة على أنها علاقة وجود أو عدم. وإذا كانت المشكلة مع الكرد مشكلة حدود فإن المشكلة مع الشيعة مشكلة وجود. لكن ساد العراق في العقود الثمانية التي سبقت الاحتلال فكر حالم متخلف بعيد عن الواقع هو الفكر الوطني والقومي الذي يعبر المشاكل الطائفية: الدينية والعرقية ويتجاهلها رغم أنها مشاكل حقيقية بل هي أم المشاكل في العراق. ومن تخلفه أنه عند المقارنة ينظر إلى الشيعة العرب على أنهم أقرب إليه من السنة الكرد طبقاً للاعتبارات القومية. ويردد مقولة ساذجة تافهة هي: أن السنة العرب مع الشيعة عرب ومع الكرد سنة. بينما الحقيقة على الضد من ذلك؛ فالسنة العرب - في واقع الأمر - هم مع الشيعة سنة ومع الكرد عرب. أي إن الشيعة ينظرون إليهم كسنة دون اعتبار للقومية، والكرد ينظرون إليه كعرب دون اعتبار للمذهب.
وهكذا خسر السنة العرب - بسبب فكرهم الوطني والقومي الساذج - الطرفين معاً.
لا أقل من سقف الإقليم
هذا ما آلت إليه أوضاع السنة العرب في العراق، والقادم ينذر بما هو أسوأ؛ فعليهم أن يحزموا أمرهم - ما دام هناك بقية من أوراق بأيديهم - فيعلنوا سنيتهم دون تأخير، وينتزعوا حقوقهم على هذا الأساس، ويدولوا قضيتهم عالمياً على أنهم طائفة تتعرض للإبادة على يد حكومة طائفية. وأقل ما يسعون إلى استحصاله في هذه المرحلة هو إقامة إقليم موحد في محافظاتهم، وأي شيء دون ذلك فهو انتحار أو موت بطيء.
المصدر : موقع القادسية