النصــــيريـــــة (العلويون)

بواسطة د. محمد بن بديع موسى قراءة 1166

النصــــيريـــــة (العلويون)

 

محور (إسرائيل ـ إيران) المفضوح في سوريا

الكاتب : علي عبدالعال

28-11-2011

محطة سوريا في الربيع العربي ليست كباقي المحطات، وهذا ليس لأنها الأعقد، بل للحقائق التي تكشفت سريعًا على إثرها… وما نقوله هنا لا ينفي بأي حال اعتقادنا الجازم بأن نظام بشار الأسد نسخة كربونية من سابقيه، سيتهاوى كما تهاووا ـ بإذن الله ـ {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِه}، الآية.

فأي حقائق إذا تلك التي نقصدها ؟ … 

الشيعة الذين هللوا للثورة في تونس ومصر وليبيا باعتبارها قامت مستلهمة ثورة الخميني، بعدما تلمس الثوريون العرب خطاه، فضحتهم سريعا الثورة السورية.. فبينما كانت تلاحقنا وسائل الإعلام بالحفاوة والتبريكات الشيعية، والوفود الذاهبة والآيبة، والأيدي الفارسية التي باتت ممدودة للعرب، باعتبار الربيع مقدمة لصحوة "تحمل روح الثورة الإيرانية"، إذا بنا أمام تناقض صارخ وعجيب في المواقف، بعدما اكتشف كهنة طهران ـ بما يملكون من تاريخ طويل في الشعوذة ـ أن الأمر في سوريا مختلف، وأن ما يجري بين الشعب ونظام الأسد ليس بالثورة بل هي "فتنة"، يقف خلفها المارقون من أصحاب الأجندات الخارجية.

 مصطلح "الفتنة" هنا هو نفسه الذي استخدمه التيار الشيعي الموصوف بالمحافظ لمواجهة حالة الاحتجاج التي شهدتها إيران من قبل قطاعات شعبية عريضة عقب الانتخابات الرئاسية عام 2009… وإلى جانب استدعاء هذا المصطلح لوصف الحالة السورية ركزت الدعاية الإيرانية في خطابها على مجموعة من الإدعاءات، منها: أن الثورة في سوريا لا تملك شرعية الثورات الأخرى، بل مرتبطة بالخارج، وهدفها المساس بمواقف المقاومة، وأن حكومة دمشق تحكم السيطرة على الأوضاع، ولن يكون مصير النظام فيها مشابها لما جرى لنظام بن علي ومبارك والقذافي.

 وبما أن الكلام هنا يصدر عن الراعي الحصري للممانعة في الشرق الأوسط فمن الطبعي أن نرى بعد ذلك لأذرعه المسلحة (الحرس الثوري، وفيلق القدس) صولات وجولات في مثل هذه المواقف، لوأد الفتنة ولنجدة الأشقاء من آل الأسد، فكان ما كان ـ وما يزال ـ من المذابح والدماء التي كنا قد رأيناها قبل ذلك بحق السنة في العراق.. إذ أن مخترعي فرية "التقريب بين السنة والشيعة" لا يعرفون وسيلة للتعامل مع مخالفيهم سوى الذبح، والذبح وحده، وفي أبشع صوره، حتى أنهم لا يفرقون بين المرأة والرجل.

 على الحدود الأخرى من سوريا تقف إسرائيل، والحق يقال لا نتذكر كلمة إشادة واحدة بالربيع العربي خرجت من أفواه بني صهيون، وما كان لهم أن يفعلوا بينما يتساقط حلفاؤهم الواحد تلو الآخر.. ومصيبة هؤلاء ليست في سقوط الحلفاء بقدر ما هي في "البديل القادم" بعدما أفصحت الثورات عن الحجم الحقيقي للإسلاميين في بلادهم.

إسرائيل التي عبرت ـ ومع أول شرارة ـ عن مخاوفها من الثورة العربية أدركت سريعا حجم الخطر الذي بات يتهددها من هذا الطوق الثوري الذي يقلب الأوضاع من حولها، فسعت بما لها من نفوذ لمنع الضلع الشرقي من التهاوي سريعا لعل مدة صموده تطول حتى يتدبر قادة إسرائيل أمورهم.

وصلت الرسالة سريعا عبر القنوات إلى العواصم الغربية، ولوحدة الهم والمصير المشترك بين الغرب ـ وليس أمريكا وحدها ـ وإسرائيل، إذ ما يئن صهيوني في تل أبيب حتى تسمع أنينه هناك، وجدنا مواقف أخرى مغايرة على ما كان عليه الغربيون، وخرجت التصريحات سريعا بأن "سوريا ليست ليبيا"، حتى ليكاد حلف (الناتو) يقسم بأغلظ الأيمان أنه لن يتدخل في سوريا لأن الأمر مختلف.

نحن إذا أمام حالة من التناغم في المواقف بين طهران وتل أبيب، تتلاقى فيها المصالح...

إيران ـ من جهتها ـ تخشى عواقب تولي نظام عربي وطني في سوريا، سني كغالبية الشعب، يحد من هيمنتها على كثير من الأوضاع في هذا البلد، ويوقف التنسيق السياسي والعسكري القائم الآن مع دمشق، وهو الشر الأسوأ الذي لا تريد أن تراه مهما كلفها، لأن ذلك سيكون من تبعاته تراجع نفوذها الإقليمي، وفقدانها حلقة الاتصال مع حزب الله، وسيؤثر حتما على مكانتها العسكرية والسياسية في منطقة الخليج، وهو ما سيكون له انعكاسه أيضا على "الداخل الإيراني" والقمع الذي يتعرض له الشعب على أيدي نظام الخميني.. كل ذلك يحدث والانتخابات البرلمانية على الأبواب مطلع العام القادم.

 أما إسرائيل، وحسب ما جاء على لسان (عاموس جلعاد) - رئيس الهيئة الأمنية والسياسية بوزارة الدفاع الصهيونية - فإن سقوط نظام الأسد سيترتب عليه "كارثة تقضي على تل أبيب"، نتيجة ظهور ما وصفه بـ"إمبراطورية إسلامية" في المنطقة تتشكل من دول (مصر، والأردن، وسوريا). وهو ما سيضطر إسرائيل إلى الدخول في مواجهة مع المسلمين على عدة جبهات مفتوحة ستؤدي في النهاية إلى خسارتها.. كل ذلك جعله (جلعاد) وقفا على نجاح الثورة السورية في الإطاحة بنظام بشار الأسد، الذي يمثل وجوده مصلحة كبرى لتل أبيب.

ولأنني من المؤمنين بنظرية المؤامرة، والمطمئنين جدا لسلامة الدلائل الكثيرة التي تنبأ بعلاقة سرية وثيقة بين طهران وتل أبيب، وهي العلاقة التي تثبتها وثائق تاريخية وحديثة عديدة، أرى أن هذا الموقف الإيراني المتناغم مع إسرائيل لا يُمكن أن يُسقط من حساباته التنسيق بين العاصمتين للوصول إلى ما يشبه التحالف لوأد ثورة الشعب السوري، وإن قال الإيرانيون ما قالوا عن جاهزيتهم لمواجهة إسرائيل عسكريا، وإن قال الصهاينة ما قالوا عن البرنامج النووي للدولة الفارسية وأشاعوا رغبتهم في مهاجمته.

 

 

 د. محمد بن بديع موسى

 أولاً: تعريف النصيرية:

هي حركة باطنية ظهرت في القرن الثالث للهجرة، انبثقت من الشيعة الإثني عشرية, وأصحابها يعدُّون من غلاة الشيعة الذين زعموا وجوداً إلهيًّا في علي بن أبي طالب رضي الله عنه, وألّهوه به، مقصدهم هدم الإسلام ونقض عراه، وهم مع كل غاز لأرض المسلمين، وأطلق عليهم الاستعمار الفرنسي لسوريا اسم العلويين.

ثانياً: التأسيس وأبرز الشخصيات: 

سُميت الشيعة بالإمامية الإثني عشرية؛ لأنهم يرون أن الإمامة ركن من أركان الدين، وأن من لا يقر بها لا إيمان له، وأن الإمامة منصب إلهي كالنبوة، وأنها ثبتت لعلي بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وأن الإمامة منصوص عليها من الله عز وجل وأن الأئمة معصومون، وأن الأئمة محصورون باثني عشر إماماً. أولهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه, والحادي عشر الحسن بن علي العسكري الذي مات ولم يخلف ولداً, فتخبط الشيعة في ذلك وزعموا أن ولده هو محمد بن الحسن وهو غائب ومنتظر قدومه ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً, وهو مختفٍ في سرداب سامراء. ثم خرج مجموعة من غلاة الشيعة كلٌّ يدَّعي أنه الواسطة بين هذا الإمام الغائب في السرداب وبين الشيعة.

ومن هؤلاء محمد بن نصير النميري (ت 270 هـ) الذي سُمي أتباعه فيما بعد بالنصيرية. ومنذ ذلك الوقت نشأت النصيرية وقالوا: إن محمد بن نصير هو باب الله الذي لم يتَّخذ باباً غيره، وهو بعد غيبة الاسم - محمد بن الحسن العسكري - أصبح هو الاسم - أي النبي - فالاسم شخصان: هما المهدي صاحب الزمان، وأبو شعيب محمد بن نصير.

وبعد ذلك تطورت النصيرية، وغلا ابن نصير في علي رضي الله عنه, وقال بالتناسخ، وادّعى النبوة، وأسقط التكاليف الشرعية, وقال بالإباحية, كإباحة نكاح المحارم، ونكاح الرجال بعضهم بعضاً في أدبارهم، زعماً منه أن ذلك من التواضع والتذلل في المفعول به، وأنه من الفاعل والمفعول به إحدى الشهوات والطيبات.

خلف ابن نصير على رئاسة الطائفة محمد بن جندب الجنبلاني (ت 287 هـ)‍ من جنبلا بفارس، سافر إلى مصر، وعرض دعوته على حسين الخصيبي الذي رجع مع أستاذه  الجُنبلاني إلى جنبلا، وخلفه في رئاسة الطائفة، وعاش في كنف الدولة الحمدانية بحلب، كما أنشأ للنصيرية مركزين أولهما في حلب ورئيسه محمد علي الجلي والآخر في بغداد ورئيسه علي الجسري، وتوفي في حلب، وقبره معروف بها وله مؤلفات في المذهب  وكان يقول بالتناسخ والحلول.

ومن أبرز شخصياتهم:

* سليمان أفندي الأذني: ولد في أنطاكية سنة 1250ه‍ وتلقى تعاليم الطائفة، لكنه تنصر على يد أحد المبشرين وهرب إلى بيروت حيث أصدر كتابه (الباكورة السليمانية) يكشف فيه أسرار هذه الطائفة، استدرجه النصيريون بعد ذلك وطمأنوه فلما عاد وثبوا عليه وخنقوه وأحرقوا جثته في إحدى ساحات اللاذقية.

* محمد أمين غالب الطويل: كان أحد قادتهم أيام الاحتلال الفرنسي لسوريا، ألف كتاب "تاريخ العلويين" يتحدث فيه عن جذور هذه الفرقة.

* سليمان الأحمد: شغل منصباً دينيًّا في دولة العلويين عام 1920م.

* سليمان المرشد: كان راعي بقر، لكن الفرنسيين احتضنوه وأعانوه على ادعاء الربوبية، كما اتخذ له رسولاً )سليمان الميده (وهو راعي غنم، ولقد قضت عليه حكومة الاستقلال وأعدمته شنقاً عام 1946م.

جاء بعده ابنه مجيب، وادّعى الألوهية، لكنه قتل أيضاً على يد رئيس المخابرات السورية آنذاك سنة 1951م، وما تزال فرقة (المواخسة) النصيرية يذكرون اسمه على ذبائحهم.  

عُرفوا تاريخياً باسم النصيرية، وعندما شُكِّل حزب سياسي في سوريا باسم (الكتلة الوطنية) أراد الحزب أن يقرِّب النصيرية إليه ليكتسبهم فأطلق عليهم اسم العلويين. هذا وقد أقامت فرنسا لهم دولة أطلقت عليها اسم (دولة العلويين( واستمرت هذه الدولة من سنة 1920م إلى سنة 1936م.

واستطاع العلويون (النصيريون) أن يتسللوا إلى التجمعات الوطنية في سوريا، واستولوا عملياً على الحكم بعد حركة 23 شباط/ فبراير 1966م التي أطاحت بأمين الحافظ وجاءت بصلاح جديد حاكماً فعلياً من وراء ستار، ثم جاء انقلاب 16 تشرين الثاني/ نوفمبر 1970م (ما يسمى بالحركة التصحيحية) ليتولى فيه رئاسة الجمهورية حافظ الأسد الذي ورّث حكمه من بعده لابنه بشار.

ثالثاً: عقيدة النصيرية:

عقائد النصيرية خليط من عقائد شتى، فهي تتألف من عقائد شيعية، ومجوسية، ونصرانية تدور حول الحلول، والاتحاد، والقول بالتناسخ، والتأويل الباطني.

1- العقيدة الأساسية عند النصيريين هي تأليه علي بن أبي طالب والقول بأنه قد حلت فيه الألوهية.

وهم – كذلك- يؤلفون ثالوثاً من علي ومحمد وسلمان الفارسي، ويتخذون من ذلك شعاراً يتكون من الحروف الثلاثة (ع - م - س). وهذا الثالوث يفسر عندهم بـ (المعنى والاسم والباب).

يزعمون أن مسكنَ عليٍّ السحابُ، وإذا مر بهم السحاب قالوا: السلام عليك يا أبا الحسن. ويقولون: إن الرعد صوته، والبرق سوطه، لذلك فهم يعظمون السحاب ومنهم من يعتقد أن علياً حالٌّ في القمر.

يعتقد النصيرية أن علي بن أبي طالب قد خلق محمداً، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم خلق سلمان الفارسي، وأن سلمان خلق المقداد، والمقداد خلق الناس، ولذلك يدعونه رب الناس. وهم تارة يجعلون علياً إلهاً، وتارةً  يجعلونه شريكاً لمحمد في الرسالة.

2- تناسخ الأرواح: وهو من الدعائم الرئيسة والأركان المهمة في المذهب النصيري، وهو بديل البعث والقيامة فيعتقدون أن الأرواح عندما تفارق الجسم بالموت تتقمص ثوباً آخر، وهذا الثوب يكون على حسب إيمان هذا الشخص بديانتهم أو كفره بها. فالثواب والعقاب ليسا في الجنة والنار، وإنما في هذه الدنيا. لذلك فهم لايؤمنون باليوم الآخر, ولا بالجنة والنار.

ويعتقدون أن المؤمن بديانتهم يتحول عندهم سبع مرات قبل أن يأخذ مكانه بين النجوم. أما الأرواح الشريرة فيعتقد النصيريون أنها تحل بالحيوانات النجسة كالكلاب.. وهناك نوع من أنواع التناسخ والتقمص عندهم وهو اعتقادهم بأن مرتكب الآثام منهم يعود إلى الدنيا بالتناسخ يهودياً، أو نصرانياً، أو مسلماً سنّياً.

ويعتقدون – أيضا- بأن الإنسان إذا ارتقى في كفره، وعتوه، وتمرده، وتناهى في ضلاله صار إبليساً على الحقيقة لا على سبيل التشبيه والمجاز. وبناءً على هذا فإنهم يحكمون على كل من ليس بنصيري بأنه إبليس، وقد تدثر بقمصان الآدمية والبشرية.

3- معاداة الصحابة: فالنصيريون يقفون من الصحابة - باستثناء الذين يقدّسونهم - موقف العداء والحقد, وخاصة أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم, ذلك لأنهم يرون أنهم تعدّوا على علي، واغتصبوا الخلافة منه؛ لذلك فهم  يبغضون هؤلاء الثلاثة بغضاً شديداً، ويلعنونهم، ويسبّونهم بأقسى وأقذع ألفاظ وأساليب اللعن. والجهاد عند النصيرية هو ذكر الشتائم على أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم من الصحابة. وهم يحتفلون بعيد مقتل عمر ويسمونه (يوم مقتل دلام - لعنه الله-).

4- تعظيم ابن ملجم: ففي مقابل بغض النصيرية للصحابة رضي الله عنهم نجد أنهم يعظمون ويحبون عبد الرحمن بن ملجم (قاتل علي بن أبي طالب) فتعدّه النصيرية أفضل الناس؛ لأنه خلّص اللاهوت من الناسوت بقتله، وبذلك تخلص اللاهوت من ظلمة الجسد وكدره.

5- تعظيمهم للخمر: وهي شعيرة مهمة ومقدسة في حياة كل النصيريين؛ وركن مهم من أركان قدَّاساتهم، وأعيادهم. وهي في نظرهم مقدسة أيما تقديس؛ لأنها تُقدم بسر النقباء والنجباء خلال دخول الجاهل في أسرار عقيدتهم؛ ويطلقون عليها اسم عبد النور باعتبار أن الخمر خلق من شجرة النور وهي العنب.

6- احتقار المرأة: فالنصيريون يحتقرون المرأة وهي في نظرهم نوع من أنواع المسخ الذي يصيب غير المؤمن؛ فهي كالحيوان؛ لأنها مجردة عن وجود النفس الناطقة؛ لذلك فهم يعتقدون أن نفوس النساء تموت بموت أجسادهن؛ لعدم وجود أرواح خاصة بهن. وبناء على ذلك فإن النصيريين لا يُعلِّمون نساءهم الصلوات، ويَحرمونهن من ممارسة شعائر الديانة، وطقوسها. والمرأة النصيرية لا حقّ لها في الميراث من والدها. وقد تعطى البنت بديلة، أي أن والدها يزوجها من رجل لقاء أخذ أخته أو بنته لنفسه أو لولده.

7- إباحة نكاح المحارم: فالنصيريون لا يحرمون نكاح المحارم، بل يقولون بشيوعية النساء. ولما كانت المرأة محتقرة عندهم فهم يستبيحون الزنا بنساء بعضهم بعضاً، والمرأة - بزعمهم - لا يكمل إيمانها إلا بإباحة فرجها لأخيها المؤمن، واشترطوا أن لا يباح لمن ليس داخلاً في دينهم. والمرأة جزء من الضيافة المقدمة عند الدخول في أسرار العقيدة، وتظهر الإباحية المطلقة خلال أعيادهم الكثيرة كالنوروز، والميلاد، وغيرهما؛ حيث تدار كؤوس الخمرة، ويختلط الحابل بالنابل من نساء ورجال. ويسمون تقديم النساء للضيف إذا كان من أهل المذهب: الفرض اللازم، والحق الواجب.

8- التقية: فهم يتسترون، ويخفون مذهبهم عن غير أهل ملتهم، ويتظاهرون أمام الناس بغير ما يبطنون. والله سبحانه يقول: [ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ] } (البقرة: 159). وكل إلهٍ يأمر بكتمان عبادته عن الناس لا يكون ذلك إلا لإحدى غايتين: إما أنه يخاف من إله غيره، ويخشى قصاصه، أو أنه يكون غشّاشاً، وهذا لا يليق بخالق الناس سبحانه أن يخاف خليقته، أو أن يغشهم, فحاشا الإله العادل أن يشرع هذه الشريعة الفاسدة.

9- التأويل الباطني: وهو القول بأن نصوص الشرع لها ظاهر، وباطن، وهذا أحد مرتكزات العقيدة النصيرية، فيزعمون أنهم وحدهم هم العالمون ببواطن الأسرار والأمور. ومن هذا المنطلق ذهب النصيريون إلى تأويل العبادات كلها تأويلاً بعيداً عن فهم العقل، ومنطق اللغة، ومنهج الدين, وذلك لإسقاط التكاليف الشرعية عن أنفسهم. ومن أشهر تأويلاتهم: 

أ- الشهادة: أول ركن من أركان الإسلام هي عند النصيرية تشير إلى صيغة (ع - م - س) التي هي رموز لـ (علي، ومحمد، وسلمان الفارسي).

ب- الصلاة: معرفة النصيريين بأسرار دينهم، ولا يكون إلا بالولاء لخمسة أشخاص هم: علي، ومحمد، والحسن، والحسين، وفاطمة.

ج- والصيام: هو كتمان أسرارهم، وهو - أيضاً - حفظ السر المتعلق بثلاثين رجلاً تمثلهم أيام رمضان، وثلاثين امرأة تمثلهن ليالي رمضان؛ فمعرفة هذه الأسماء الستين وتلاوتها يُجْزئهم عن الصيام.

د - الزكاة: هي رمز لسلمان الفارسي؛ فمجرد ذكره يغني عن دفع الزكاة.

هـ - الحج: فيزعمون أن جميع مناسكه وشعائره رموز لأشخاص معينة، وما الحج عندهم إلا مجرد التوصل إلى معرفة الأشخاص بأسمائهم.

و- الجهاد: أما الجهاد عند النصيرية فهو على نوعين ذكرهما صاحب "الباكورة السليمانية"، أولهما الشتائم على أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم، والثاني: إخفاء مذهبهم عن غيرهم.

ز- الجنابة: هي موالاة الأضداد والخصوم، والجهل بالعلم الباطني.

ح - الطهارة: هي معاداة الأضداد والخصوم. وهذا يفسر لنا عدم وجود المساجد في قراهم ومدنهم حيث يقيمون الصلاة في أماكن خاصة وسرية.

ط - يوم القيامة: أما يوم القيامة عندهم فهو ظهور القائم (محمد بن الحسن العسكري) الذي يقتل جميع أعدائه.

رابعاً: مواطن انتشارهم:

يسكن النصيريون في منطقة جبال العلويين باللاذقية في الساحل السوري، وانتشروا مؤخراً في الكثير من المدن السورية, وخاصة دمشق بعد سيطرتهم على الحكم في سوريا إثر غفلة أهل السنة عنهم. ومنهم من يسكن في جنوب تركيا، وأطراف لبنان الشمالي، وفارس، وتركستان الروسية.

والنصيرية في سوريا موزعة في أربع مجموعات: الخياطين - الحدادين – المثاورة - والكلبية التي تستوطن قرداحة. أما عددهم فقيل إنه قد جاوز المليون نسمة سنة 1979م.

خامساً: عداء النصيرية للمسلمين:

النصيرية فرقة باطنية خبيثة نبتت في بلاد المسلمين، وأبرز هدف لها تعطيل شريعة الإسلام، ومحاربة أهله, ولذلك نجدهم يقفون مع كل عدو للمسلمين في القديم وفي الحديث، ومن ذلك وقوفهم مع الصليبيين، ومع التتار، ومع الصفويين، ومع الفرنسيين، ومع الصهاينة؛ فلقد كانت النصيرية أثناء الهجمة الصليبية على العالم الإسلامي عوناً للصليبيين على المسلمين، ولما استولى الصليبيون على بعض البلاد الإسلامية قرّبوهم وأدنوهم، ولما تمكّن المسلمون من طرد الصليبيين اعتصم النصيريون بجبلهم، واقتصر عملهم على تدبير المكائد والفتن.

ولما أغار التتار على الشام، كان للنصيرية أيادٍ واضحة في ذلك، فمكّنوا التتار من رقاب المسلمين، ولقد كان للنصيريين دور في تحريض تيمور لنك زعيم التتار على غزو دمشق.

كذلك وقف النصيريون مع الصفويين ضد العثمانيين وأيدوا الصفويين؛ لارتباطهم بهم عقائدياً وفكرياً ومادياً.

وبعد أن تجزأ الوطن العربي في مطلع القرن العشرين على يد المستعمرين، بحث المستعمرون عن النصيريين، وأدنوهم، ومكّنوهم؛ فكان النصيريون عند حسن ظن أسيادهم المستعمرين، وكانوا خيرَ مُخْلِصٍ للانتداب الفرنسي.

أما وقوفهم مع الصهاينة فواضح كل الوضوح ويبرز ذلك في التنازلات تلو التنازلات التي قدّمها ويقدّمها النصيريون للصهاينة, والحماية البالغة التي يؤمنها النظام النصيري للحدود مع الصهاينة. ولا أدل على ذلك من مهزلة تسليم مرتفعات الجولان السورية لليهود سنة 1967م.

وإن نسي المسلمون شيئاً من أحقاد أعدائهم فلن ينسوا تلك المجازر التي قام بها النظام النصيري في سوريا أواخر سبعينيات القرن العشرين وأوائل الثمانينيات إثر انتفاضة الشعب المسلم في المدن السورية ضد هذه الطائفة المحتلة لأعرق بلاد الإسلام, وكان أفظعها مجزرة مدينة حماة سنة 1982م وذلك عندما حاصروا عشرات الآلاف من المسلمين العُزّل، وقصفوهم بالصواريخ ولم يفرّقوا بين أطفال ونساء وشيوخ, فسفكوا الدماء, وهدموا البيوت فوق ساكنيها, ودمروا بيوت الله, وانتهكوا الأعراض, حتى تخضبت أرض حماة بالدماء المسلمة الزكية في ظل تعتيم إعلامي لم يسبق له مثيل.

ولقد ذُهل العالم أجمع آنذاك بالقمع والبطش النصيري للشعب المسلم في سوريا، وهذه مقتطفات من برقية أرسلها سماحة الشيخ ابن باز مفتي الديار السعودية عام 1982م إلى حافظ الأسد يستنكر فيها طغيان النظام النصيري وبطشه بأهل السنة:

فخامة رئيس الجمهورية العربية السورية/ حافظ الأسد

لقد هال المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية المنعقد بالمدينة المنورة والذي يحضره ممثلون من علماء المسلمين وقادة الفكر في العالم الإسلامي ما جرى ويجري في سورية المسلمة.. من إعدام وتعذيب وتنكيل بالمسلمين الذين يطالبون بتحكيم شريعة الله في المجتمع.. وذلك تحت ستار حادثة حلب، التي نقلت وكالات الأنباء والصحف العربية والعالمية أنها تمت بين أجنحة الحزب الداخلية، بسبب ما تشعر به أكثرية المواطنين من عنت وإرهاق، وإهدار للقيم في كل الميادين.. على صعيد الممارسات اليومية، ونتيجة الاختلاف في نوع الانتماء والولاء الطائفي. تلك الأسباب.. كما أن الواجب أن يشجع الشباب المخلصون لدينهم ولأمتهم، ويوقف ما يتخذ ضدهم وضد أسرهم من إجراءات منكرة.. إن المجلس الأعلى للجامعة الإسلامية يأسف أشد الأسف لما يجري في هذا البلد الغالي من سفك دماء الذين ينشدون ما هو واجب على كل حكومة تؤمن بالله ورسوله، من تحكيم شرعة الله تعالى، والعودة إلى ما كانت به عزيزة قوية مرهوبة الجانب.. حين قدمت للدنيا أسمى حضارة عرفها الإنسان.. 

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

سادساً: حكم الإسلام في النصيرية:

 اتفق علماء المسلمين على أن هؤلاء النصيرين كفار, خارجون عن الإسلام، ولا يصح أن يعاملوا معاملة المسلمين، وآراؤهم  تهدم أركان الإسلام فهم لا يصلون الجمعة ولا يتمسكون بالطهارة ولهم قداسات شبيهة بقداسات النصارى ولا يعترفون بالحج أو الزكاة الشرعية المعروفة في الإسلام. فلا تجوز مناكحتهم، ولا تباح ذبائحهم، ولا يُصلى على من مات منهم ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يجوز استخدامهم في الثغور والحصون.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في جوابه لمن سأل عنهم: 

الحمد لله رب العالمين، هؤلاء القوم المسمون بالنصيرية هم وسائر أصناف القرامطة الباطنية أكفر من اليهود والنصارى, بل وأكفر من كثير من المشركين, وضررهم على أمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من ضرر الكفار المحاربين مثل كفار التتار والفرنج وغيرهم, فإن هؤلاء يتظاهرون عند جهال المسلمين بالتشيّع وموالاة أهل البيت وهم في الحقيقة لا يؤمنون بالله ولا برسوله ولا بكتابه ولا بأمر ولا نهي ولا ثواب ولا عقاب ولا جنة ولا نار ولا بأحد من المرسلين قبل محمد صلى الله عليه وسلم ولا بملة من الملل السالفة.

بل يأخذون كلام الله ورسوله المعروف عند علماء المسلمين يتأولونه على أمور يفترونها يدعون أنها علم الباطن إذ مقصودهم إنكار الايمان وشرائع الاسلام بكل طريق مع التظاهر بأن لهذه الأمور حقائق يعرفونها من جنس قولهم: إن الصلوات الخمس معرفة أسرارهم والصيام المفروض كتاب أسرارهم وحج البيت العتيق زيارة شيوخهم, وأن {يدا أبي لهب} هما أبو بكر وعمر, وأن {النبأ العظيم} والإمام المبين هو علي بن أبي طالب.

ولهم في معاداة الإسلام وأهله وقائع مشهورة وكتب مصنفة فإذا كانت لهم مُكنة سفكوا دماء المسلمين كما قتلوا مرة الحُجّاج وألقوهم في بئر زمزم, وأخذوا مرة الحجر الأسود وبقي عندهم مدة, وقتلوا من علماء المسلمين ومشايخهم ما لا يحصي عدده إلا الله تعالى.

وصنف علماء المسلمين كتبا في كشف أسرارهم وهتك أستارهم وبينوا فيها ما هم عليه من الكفر والزندقة والإلحاد الذي هم به أكفر من اليهود والنصارى ومن براهمة الهند الذين يعبدون الأصنام. ومن المعلوم عندنا أن السواحل الشامية إنما استولى عليها النصارى من جهتهم وهم دائماً مع كل عدو للمسلمين, فهم مع النصارى على المسلمين ومن أعظم المصائب عندهم فتح المسلمين للسواحل وانقهار النصارى بل ومن أعظم المصائب عندهم انتصار المسلمين على التتار ومن أعظم أعيادهم إذا استولى - والعياذ بالله تعالى - النصارى على ثغور المسلمين, فإن ثغور المسلمين ما زالت بأيدي المسلمين حتى جزيرة قبرص - يسر الله فتحها عن قريب- وفتحها المسلمون في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه فتحها معاوية بن أبي سفيان إلى أثناء المائة الرابعة.

فهؤلاء المحادّون لله ورسوله كثروا حينئذ بالسواحل وغيرها, فاستولى النصارى على الساحل, ثم بسببهم استولوا على القدس الشريف وغيره, فإن أحوالهم كانت من أعظم الأسباب في ذلك ثم لما أقام الله ملوك المسلمين المجاهدين في سبيل الله تعالى كنور الدين الشهيد وصلاح الدين وأتباعهما وفتحوا السواحل من النصارى وممن كان بها منهم وفتحوا أيضا أرض مصر فإنهم كانوا مستولين عليها نحو مائتي سنة واتفقوا هم والنصارى فجاهدهم المسلمون حتى فتحوا البلاد ومن ذلك التاريخ انتشرت دعوة الإسلام بالديار المصرية والشامية.

ثم إن التتار ما دخلوا بلاد الإسلام وقتلوا خليفة بغداد وغيره من ملوك المسلمين إلا بمعاونتهم ومؤازرتهم فإن منجّم هولاكو الذي كان وزيرهم وهو النصير الطوسي كان وزيراً لهم بالألموت وهو الذي أمر بقتل الخليفة وبولاية هؤلاء. 

 ولهم ألقاب معروفة عند المسلمين تارة يسمون الملاحدة وتارة يسمون القرامطة وتارة يسمون الباطنية وتارة يسمون الإسماعيلية وتارة يسمون النصيرية وتارة يسمون الخرمية وتارة يسمون المحرمة وهذه الأسماء منها ما يعمهم ومنها ما يخص بعض أصنافهم كما أن الإسلام والإيمان يعم المسلمين ولبعضهم اسم يخصه إما لنسب وأما لمذهب وإما لبلد وإما لغير ذلك. وشرح مقاصدهم يطول وهم كما قال العلماء فيهم: ظاهر مذهبهم الرفض وباطنه الكفر المحض..." مجموع الفتاوى " (35/ 149).

مراجع للتوسع:

الجذور التاريخية للنصيرية العلوية، الحسيني عبد الله · الملل والنحل، أبو الفتح الشهرستاني. · شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد (الكاتب رافضي محترق) · رسائل ابن تيمية، رسالة في الرد على النصيرية. · الباكورة السليمانية في كشف أسرار الديانة النصيرية، سليمان أفندي الأذني. · تاريخ العلويين، محمد أمين غالب الطويل ـ طبع في اللاذقية عاصمة دولة العلويين  ·خطط الشام، محمد كرد علي · دائرة المعارف الإسلامية، مادة نصيري. · إسلام بلا مذاهب، د. مصطفى الشكعة · تاريخ العقيدة النصيرية، المستشرق رينيه دوسو ـ نشرته مكتبة أميل ليون وبداخله كتاب المجموعة بنصه العربي. · الأعلام للزركلي،· تاريخ الأدب العربي لبروكلمان · الحركات الباطنية في العالم الإسلامي، د. محمد أحمد الخطيب · دراسات في الفرق، د. صابر طعيمة.

المصدر: الراصد نت



مقالات ذات صلة