هل هما مشروعان متضادان؟
د. محمد العبدة
بتاريخ 28 - 7 - 2008
إن أكثر ما يؤلم المتابع لما يجري في المنطقة العربية وما حولها، هو هذه السذاجة والسطحية في تناول الأمور وتقويمها والحديث عنها، وهي أمور خطيرة تستحق الرصد التاريخي والاستناد إلى المعلومات الوفيرة والمتابعة الدقيقة اليومية لخفايا التصريحات واللقاءات، ومن أبرز الأمثلة على ذلك الحديث المتكرر عن المشروع الأمريكي والمشروع الايراني، وكأنهما مشروعان متضادان لا يلتقيان، هذا الحديث الذي تعيده وتكرره وسائل الإعلام والمتحذلقون من الصحفيين والكتاب والذين يرددونه دون تفكير وإنما متابعة لما يسمعون، وكأن هذه المقولة بديهية لا تحتاج إلى مناقشة أو بحث والحقيقة التي نعلمها علم اليقين وبدأت تتكشف في الكتب والمقالات هي أن المشروعين المذكورين متنافسان لا متضادان ، يختلفان في بعض الأمور ويتفقان في معظم الامور والاختلاف هو اختلاف المحاصصة واقتسام الغنيمة ، والغنيمة هنا هي المنطقة العربية السنية.
إذا كان المشروع الأمريكي يريد تفتيت المنطقة (أكثر مما هي مقسمة) على أسس عرقية ودينية وطائفية فإن إيران وحلفاؤها في المنطقة هم الذين ينفذون هذا المخطط كما هو الواقع في العراق ومحاولات الهيمنة في لبنان من طائفة معينة، وكما هو في سورية حيث تسيطر طائفة صغيرة مما يساعد على تمزق وحدة الدولة والوطن ويؤجج للنزعات والحروب .
وإذا كان المشروع الأمريكي يريد حماية إسرائيل فإن العلاقات بين إيران وإسرائيل علاقات قديمة والمصالح والمنافع متبادلة ولكنها غير مكشوفة، لأن إيران لا تريد أن تخسر العالم العربي لتستطيع نشر التشيع فهي تهاجم إسرائيل في العلن إرضاء للشارع الإسلامي وتقيم علاقات مع إسرائيل بما يمليه عليها مصالحها "ففي بداية 1980 زار إسرائيل أحمد الكاشاني النجل الأصغر لأبي القاسم الكاشاني من أجل البحث في صفقات الاسلحة والتعاون العسكري لضرب المفاعل النووي العراقي وانتهت رحلته بموافقة (بيغن) على شحن عجلات لطائرات الفانتوم ، بالإضافة إلى أسلحة للجيش الإيراني ، وقد فعل (بيغن) ذلك معارضا للحظر الأمريكي على إيران، وقد حدثت مشادة بين بيغن وكارتر انتهت بفرض حظر على شحن قطع عسكرية لإسرائيل وقد أدى دفاع بيغن عن إيران إلى سماح الخميني بنقل الآلاف من يهود إيران بالحافلات سرا إلى باكستان ومنها إلى إسرائيل"(1)
"وعندما سئل الخميني عن مدى شرعية التعامل مع إسرائيل كان جوابه طالما لم يكن التعامل مباشرا فإنني لا أبالي"(2)
وأثناء الحرب العراقية الإيرانية وبعد دخول العراق إلى الأراضي الإيرانية "قطع موشى ديان وزير خارجية إسرائيل زيارة خاصة إلى النمسا وعقد مؤتمرا صحفيا حث فيه أمريكا على نسيان الماضي ومساعدة إيران للاحتفاظ بدفاعاتها .."(3)
وفي موضوع الهجوم على المفاعل النووي العراقي فقد تم التباحث بشأنه بين إسرائيل وإيران "وقد وفرت إيران لإسرائيل الصور الفوتوغرافية والخرائط المفصلة وقد تم الاجتماع بين موفد إسرائيل وممثل للخميني في فرنسا قبل شهرين من ضرب المفاعل، وشرح الإيرانيون تفاصيل هجومهم غير الناجح على المفاعل العراقي في 30/9/1980 وسمحوا للطائرات الاسرائيلية بحق الهبوط في مطار تبريز في حال الضرورة"(4)
وحسب كلام (محسن ميردامادي) أحد أعضاء البرلمان الإيراني، فإن فريق (نتنياهو) كان يود إصلاح العلاقات مع طهران وكرد على هذا الانعطاف دفع الإيرانيون حزب الله إلى الموافقة على وقف إطلاق النار في شهر ابريل عام 1996 "وفي عام 2000 كان (باراك) مصمما على حل النزاع الفلسطيني ، ولأنه يعرف أن إيران تعرقل الاتفاق لأنه لا يعطيها دورا، فقد قرر في 17/4/2000 أن ينسحب من لبنان ويسلب من إيران وسورية ورقة مهمة حتى لا تتعطل الصفقة مع الفلسطينيين ولكن إيران وسورية وجدوا في الانسحاب نصراً ودليلاً على نجاح المقاومة"(5)
"وفي عام 2002 ضبط عتاد عسكري إسرائيلي في ألمانيا كان متوجها إلى إيران، وهذا يكشف عن العلاقات السريّة مع الشركات الإسرائيلية"(6)
وإذا كان المشروع الأمريكي يريد نفط المنطقة فإن أمريكا تهيمن على نفط العراق بالعقود المذلة التي وقعتها مع الحكومة هناك وإيران تنهب أيضا نفط العراق عن طريق العصابات في الجنوب حيث يباع النفط لإيران بأسعار زهيدة.
وأما المشروع النووي الإيراني فربما لا تكون أمريكا راغبة في أن تتحول إيران إلى دولة نووية ولكن الواقع الذي يجري أمامنا هو أن إيران تماطل وتستفيد من الوقت، وأوروبا لا تحبذ الحروب وتفضل الحل الدبلوماسي ، وروسيا والصين لهما مصالح مع إيران، وحتى لو أوقفت إيران برنامجها النووي فإن الثمن المقابل الذي تريده سيكون باهظاً وعلى حساب المنطقة العربية.
1- تريتا بارس : تحالف الغدر ، التعامل السري بين إسرائيل وإيران وأمريكا /95
2- المصدر السابق/95
3- المصدر السابق 105
4- المصدر السابق 107
5- المصدر السابق /219
6- القدس العربي . 1/9/202