إيران تغازل إسرائيل لتكريس الهلال الشيعي
الوطن العربي 6/8/2008
هل تنجح إيران في تكريس إنجاز مخطط الهلال الشيعي وفرض نفوذها وهيمنتها على المنطقة قبل نهاية عهد بوش؟
منذ التحول المفاجئ في إستراتيجية واشنطن تجاه طهران تنشغل الأوساط السياسية برصد مؤشرات ترسيخ المشروع الإيراني.
فقد كشفت المفاجآت الأميركية والغربية التي تتالت منذ ذلك اليوم أن عمليات التصعيد والتهديدات العسكرية التي تكثفت في الأشهر الستة الأخيرة لتروج لضربة إسرائيلية ـ أميركية قبل خروج بوش من البيت الأبيض لم تكن في الواقع ترجمة لما يدور في كواليس البنتاغون أو وزارة الدفاع الإسرائيلية بل كانت مجرد انعكاس لما تشهده كواليس الاتصالات والمفاوضات السرّية الدائرة بين محور الشر الذي تمثله إيران والشيطانان الأكبر والأصغر: أميركيا وإسرائيل.
هذه المفاجآت نقلت فجأة المراهنين على موعد الحرب المدمرة والسيناريو الأسوأ إلى رصد مؤشرات "الصفقة الكبرى" أو "التسوية الإستراتيجية" التي تسعى إليها أميركا مع إيران، حسب تعبير منسوب إلى وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس الذي بات يتولى إلى جانب وزيرة الخارجية كونداليزا رايس مهمة تسويق إستراتيجية بوش الجديدة والسلمية للتسوية مع إيران.
ولا شك في أن خيار الإدارة الأميركية إرسال رايس، وليس ديك تشيني، إلى أبو طبي للقاء ممثلي العديد من لدول العربية الصديقة كان كافيا لتأكيد الخيار البراغماتي والتفاوضي الذي قرر بوش اعتماده مع إيران والتراجع كلياً عن الشعارات الأيديولوجية التي رفعها خلال عهديه.
والواقع أنه قبل وصول رايس إلى المنطقة كانت أخبار "الصفقة" وتفاصيلها تتصدر بورصة المراقبين السياسيين والأمنيين العرب والأجانب، خصوصاً بعد أن فاجأت واشنطن العالم بالإعلان عن تراجعها عن شرط أساسي كانت تصر عليه منذ سنوات، وهو عدم المشاركة في المفاوضات المباشرة مع الإيرانيين حول الملف النووي إلا بعد التزام إيران وقف تخصيب اليورانيوم، وذلك عندما قررت إرسال وكيل الخارجية وليام بيرنز للقاء المفاوض الإيراني في جنيف ضمن وفد مجموعة 5+1.
تنازلات أميركية
العارفون بخفايا هذا القرار الأميركي وما يدور في الكواليس السرية لم يفاجأوا كثيراً بهذا التنازل الأميركي والذي استتبعته رايس بالتذكير بأنه ليس لواشنطن أعداء دائمون.
وقد استبعد هؤلاء أن تلتزم واشنطن وعدها بأن يكون الحوار المباشر "لمرة واحدة" لافتين إلى عدة مؤشرات ومعلومات تعكس انطلاقة التفاوض على "الصفقة الكبرى".
وفي معلومات هؤلاء أن قرار استئناف المفاوضات المباشرة هو جزء من الإستراتيجية الأميركية الجديدة التي قرر البيت الأبيض انتهاجها في الأشهر الأخيرة من عهد بوش، وكانت محور مفاوضات سرية لم تنقطع بين الأميركيين والإيرانيين منذ غزو العراق وإطاحة صدام حسين، ويشير هؤلاء إلى أن تسارع الإشارات الأميركية الإيجابية في الآونة الأخيرة يعكس دخول الطرفين في بحث الملفات المهمة والجدية وتولد قناعة لدى الأميركيين برغبة إيران في "الصلح" وليس في الحرب معهم، والدليل على ذلك حسب أحد الخبراء الأميركيين أن واشنطن كثفت مؤخراً من إرسال الإشارات التطبيعية إلى إيران وهي وصلت إلى حد الترويج لقرب فتح مكتب رعاية مصالح أميركية في طهران ولاستئناف خط طيران مباشر بين البلدين وهذا ما يعني بوضوح أن واشنطن قررت التمهيد لإعادة العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بين البلدين منذ العام 1980 وسط ترحيب إيراني علني قبل ذلك كانت واشنطن قد كشفت عن إستراتيجيتها الانفتاحية تجاه طهران عندما وافقت على أن تقدم دول 5+1 عرض حوافز سخياً جداً إلى إيران، والذين اطلعوا على تفاصيل هذا العرض لم يجدوا صعوبة في كشف أوجه الشبه بينه وبين العروض السابقة التي قدمتها إيران للحوار والمصالحة مع أميركا خصوصاً عرض العام 2003 فبذريعة المساهمة في حل مشكلة الخلاف النووي كان عرض الحوافز واضحاً في التأكيد على منح ضمانات لإيران والتعهد بتقديم مساعدات اقتصادية ومالية وتقنية لتطوير منشآتها النفطية وهيكلتها الاقتصادية وتوفير قطع الغيار اللازمة والمساعدة على استيعاب إيران في المجتمع الدولي بمنظماته المالية والاقتصادية، وفي مقدمتها منظمة التجارة الدولية وقروض البنك الدولي، هذا طبعاً بالإضافة إلى عرض مساعدة إيران على الحصول على الطاقة النووية السلمية.. وكان ذلك بدون فرض شرط وقف التخصيب إذ إن العرض الدولي المدعوم أميركياً تضمن اقتراح التجميد مقابل التجميد أي أن تلتزم إيران بالاكتفاء بعمل أجهزة الطرد الحالية وعدم تركيب أجهزة جديدة مقابل التزام دولي بعدم فرض عقوبات جديدة، لكن العارفين بمجريات المفاوضات يشيرون إلى موقف دولي (وأميركي) أقل جزماً في هذه المسألة. ويؤكدون أن ثمة عرضاً خفياً قدم إلى إيران يتضمن وعداً بوقف الحصار وتعليق العقوبات مقابل وعد إيراني بعدم استخدام الثلاثة آلاف جهاز طرد العاملة حالياً لتخصيب اليورانيوم بدرجات عالية وبوتيرة سريعة!
ذريعة
وفي معلومات "الوطن العربي" أن الانطباع السائد في تقارير الخبراء عن المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية أن البرنامج النووي ليس سوى الذريعة الظاهرة وأن ثمة قناعة بأن إيران منفتحة على إيجاد مخرج لهذه المشكلة يحفظ ماء الوجه للطرفين ضمن صفقة شاملة تلحظ الدور الإقليمي لإيران والاعتراف بنفوذها ودورها ليس فقط في الخليج بل في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى، أي من العراق إلى لبنان وحتى أفغانستان.
بعض الخبراء ما زالوا يعتقدون أن سخاء عرض الحوافز الدولي لإيران يعني أنه العرض الأخير قبل الضربة العسكرية التي يرجح أن العرض تمهيد لها لتكون أشبه بتحالف دولي لمواجهة الخطر النووي الإيراني بعد رفض الملالي لكل الإغراءات والمحاولات السلمية ولذا لم يتوان أحد هؤلاء الخبراء عن المقارنة بين لقاء ويليام بيرنز وسعيد جليلي في جنيف واللقاء الذي حصل في العام 1981 بين وزير الخارجية الأميركية جيمس بيكر وموفدي صدام حسين: برزان التكريتي وطارق عزيز وأدى إلى حرب تحرير الكويت.
ولا يستبعد هذا الخبير أن يكون الرفض الإيراني لعرض الحوافز مقدمة لفرض عقوبات دولية مشددة على إيران تقود إلى الحرب ومنها فرض حصار نفطي يمنع إيران من استيراد النفط المكرر.
لكن مصادر أخرى باتت تشكل الغالبية بعد انعطافة إدارة بوش الأخيرة تبدي نوعاً من التبني لتقدم منطق الصفقة والمقايضة على منطق الحرب، بل إن بعض هؤلاء يصل إلى حد القول إن ما يجري ليس سوى مقدمة لتسليم المنطقة لإيران، والاعتراف بالنفوذ الإيراني ليس فقط في العراق والخليج بل في لبنان ولمعادلة الشرق أوسطية أيضاً.
واللافت أن تقارير أميركية عديدة وضعت تحولات بوش الأخيرة ضمن إستراتيجية بحث الرئيس الأميركي عن "دخول التاريخ من باب مختلف، ومغادرة البيت الأبيض بإنجازات لا توفرها له سوى إيران" ويبدو أن هذا "الإنجازات" التي يسعى إليها بوش عبر إستراتيجيته الانفتاحية الجديدة لا تتعلق فقط بالعراق وأفغانستان، حيث أثبتت إيران أنها عامل زعزعة استقرار وإثارة مشاكل للأميركيين بقدر ما هي عامل مساهم في الاستقرار وإنجاح إستراتيجية بوش، فالتقارير الأميركية الأخيرة تقدم أسباباً داخلية أميركية لفتح باب الحوار مع طهران، خلفيتها حرص بوش على تمرير مرحلة الانتخابات الرئاسية بدون مفاجآت إيرانية وبدون أن تستغل إيران هذه المرحلة الحساسة أميركيا لإثارة المشاكل في العراق أو خارجه، وقد ظهر ذلك واضحاً في العراقيل التي وضعتها إيران للحؤول دون تحقيق ثلاث قضايا إستراتيجية أميركية في العراق قبل التوافق معها وهي قضايا الاتفاقية الأمنية للوجود الدائم وقانون انتخابات مجالس المحافظات والنفط.
واللافت أن بعض الخبراء الأميركيين وضعوا أيضاً التنازلات الأميركية الأخيرة واستئناف الحوار بين طهران وواشنطن بإيجابية وجدية غير مسبوقين في إطار عرض هدية إيراني للمرشح الجمهوري ماكين ورسالة تعكس احتمال تفضيل طهران له وليس لأوباما، وبات بعضهم يتساءل عما إذا لم تكن أخبار "الصفقة" تخفي مفاجآت على طريقة مساهمة الملالي السابقة في هزيمة الديمقراطي جيمي كارتر لحساب الجمهوري رونالد ريغان في العام 1980، ويلحظ هؤلاء أن بوش بانفتاحه على إيران قد سحب السجادة "الإيرانية" من تحت قدمي المرشح الديمقراطي باراك أوباما الذي بني إستراتيجيته على الحوار مع إيران كنقيض لإستراتيجية بوش و (ماكين) العسكرية!
وأكثر من ذلك تذهب التقارير الأميركية إلى حد القول إن جزءاً من مشروع حوار "الصفقة" بين بوش وطهران يخفي رغبة أميركية في تفادي الأزمة المالية الاقتصادية التي تهدد أميركا والعالم مع استمرار ارتفاع أسعار النفط، وبالتالي فإن "الحوار" فتح المجال أمام بوش لتحقيق إنجاز وضع حد لارتفاع هذه الأسعار، خصوصاً بعدما عجز في حل هذه المسألة من خلال زيادة الإنتاج، وبالفعل بدأت بعض التقارير الاستخباراتية تشير إلى تفاهم إيراني ـ أميركي على سقف محدد لارتفاع أسعار النفط لئلا يتجاوز البرميل 150 دولاراً حتى في عز تبادل التهديدات. أما انعكاسات الحوار على تراجع سعر النفط فقد ظهرت بسرعة لافتة في الأيام الماضية.
ولعل أكثر ما أثار الاهتمام، بل الشبهات، هو في السرعة التي ظهرت في الانفراجات الإقليمية التي سبقت الانفتاح الأميركي الرسمي على إيران من هدنة حماس إلى التسوية في لبنان، إلى صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحزب الله وصولاً إلى مسارعة الرئيس اليمني علي عبد الله صالح للحديث عن نهاية الأزمة والحرب مع الحوثيين وهدوء الاضطرابات الشعبية التي كانت تنفذها المعارضة الشيعية في البحرين، إضافة إلى استمرار اندفاع السوريين للتفاوض مع الإسرائيليين رغم "التحذيرات الإيرانية"!!
غزل إيراني ـ إسرائيلي
وفي غالبية هذه الملفات رصد المراقبون الأبعاد الحقيقية للصفقة بين واشنطن وطهران التي دخلت فجأة في مرحلة "قطف" ثمار الاستقرار والتهدئة بعدما كانت عاملاً رئيسياً في زعزعة الاستقرار وإثارة الاضطرابات، ولعل "الإنجاز" الذي حققه حزب الله بالسيطرة العسكرية والسياسية على القرار في لبنان إثر عملية اجتياح بيروت والجبل في السابع من مايو "آيار" الماضي وسط "تخل" أميركي وغربي لافت عن دعم الحكومة وكرسه بعد أسبوعين في "اتفاق الدوحة" وأكد عليه قبل أيام في صفقة تبادل الأسرى، حيث لعبت إسرائيل دوراً في تعزيز موقع حزب الله وبالتالي إيران، بالتركيز على هزيمته لها وانتصاره عليها، هذا الإنجاز كان في نظر العديد من العارفين انعكاساً للمفاوضات السرية بين إيران وأميركا وللمعادلة الجديدة التي ظهرت مؤخراً والتي أوحت أن المقايضة بدأت بلبنان قبل العراق.
هذه المعادلة لم تكشف فقط عن استعداد أميركي لمنح إيران الدور الإقليمي في النفوذ والهيمنة والوصاية على الشيعة في لبنان بل سرعان ما أثارت شبهات حول دخول إسرائيل في المحور الجديد الناشئ سراً مع أميركا، ويلفت الخبراء إلى أن صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحزب الله ما كانت لتتم بدون مباركة إيران التي رافقت كل تفاصيلها وحرصت على المشاركة بوفد رفيع في حفل استقبال المحورين، وقبل ذلك دخلت إيران على خط هذه المفاوضات بذريعة الطيار الإسرائيلي رون اراد.
وفي آخر المعلومات أن قضية اراد مرشحة للتحول إلى قضية إسرائيلية ـ إيرانية وباب لفتح حوار بين الطرفين بعدما اعتبر الإسرائيليون أن التقرير الذي قدمه حزب الله عن آراد واعتبره ميتاً غير مقنع وعادت تسوّق لاحتمال أن يكون آراد في إيران.
وفي هذا الوقت توقف المراقبون عند "توقيت" تصريح نائب الرئيس الإيراني اسفنديار مشاني أن إيران هي صديقة الشعب الأميركي والشعب الإسرائيلي! وتزامن هذا التصريح مع حملة إعلامية غير مسبوقة يقوم بها الجامعي الأميركي الإيراني الأصل تريتا بارسى للتسويق للمصالح المشتركة والتقارب بين إسرائيل وإيران، والمعروف أن هذا الجامعي يعتبر من أبرز عناصر اللوبي الإيراني في واشنطن، وقد سبق له أن شارك في الاتصالات السرية وفي تقديم عروض إيران لعام 2003 الذي تضمن وعداً إيرانياً بالتوقف عن دعم حزب الله وحماس والسير في العملية السلمية، وسبق لبارسى أن أصدر في العام الماضي كتاباً عن علاقات التحالف والصفقات السرية بين إيران وإسرائيل وهو منذ أسابيع يقوم بنشر مقالات مشتركة مع كتاب وسياسيين إسرائيليين كان منهم وزير الخارجية السابق شلومو بن عامى، وقبل أيام نشر بارسى بالمشاركة مع كاتب إسرائيلي ـ أميركي مقالا في صحيفة "هآرتس" بعنوان "أمور جوهرية يجب أن يعرفها الإيرانيون والإسرائيليون عن بعضهم البعض" وكان لافتاً أن المقال ركز في شكل خاص على الإشارة إلى عدم وجود عداء تاريخي بين اليهود والفرس، وأن أية حروب لم تحصل بين الطرفين، وأكد أن الإيرانيين لا يعتبرون اليهود أعداء. وأن تأييدهم للفلسطينيين لا يعني أن بلدهم يجب أن ينشط بقوة للدفاع عن قضيتهم وأن لا رغبة لهم في فتح حرب مع إسرائيل!
وكان واضحاً أن الأمر الجوهري الأساسي الذي سعى المقال إلى تسويقه هو أن الإسرائيليين والإيرانيين يتشاركون في الشعور بأنهم معزولون في الشرق الأوسط ومحاطون بشعب لا يتكلم لغتهم ولا له دينهم (!) مشيراً إلى أن إيران هي ذات غالبية فارسية وشيعية، فيها الجيران غالبيتهم هم من سنة وعرب!
هذه المقالة التي نشرت بعد يومين من إعلان نائب نجاد لصداقة إيران مع الشعب الإسرائيلي وتزامنت مع تزايد الحديث عن معادلة إقليمية جديدة على خلفية الحوار المباشر بين طهران وواشنطن وأجواء الانفراج الإقليمي جاءت تعزز مقولة الصفقة الكبرى مع "محور الشر" والمرشحة لتجاوز أميركا إلى إسرائيل. ولعل ما عزز أكثر هذه المعطيات مسارعة العديد من المراقبين الغربيين إلى اعتبار أن صفقة تبادل الأسرى بين حزب الله وإسرائيل تخفي عرضاً إيرانياً بالهدنة مع إسرائيل في رسالة تحرص إيران على توجيهها لدعم مشروع الصفقة وبالتالي تأكيد وزنها الإقليمي وحصتها وتكريس "الهلال الشيعي".
وفي رأي خبير أميركي مطلع على هذه الرسائل الإيرانية ليست جديد ولا مفاجئة وهو يرى أن إيران كانت تمتلك منذ ما قبل الاحتلال الأميركي للعراق قراءة خاصة لمشروع الشرق الأوسط الجديد وخطة بوش لإعادة رسم خريطة المنطقة المبنية على وثيقة المحافظين الجدد المقدمة لكلينتون في العام 1996 والتي تضمنت في شكل أساسي إطاحة صدم حسين ومشروع الهلال الشيعي، لذلك يضيف الخبير، كانت إيران ترى في المخطط الأميركي خدمة لأهدافها التي تجاوزت إطاحة صدام حسين وإسقاط نظام طالبان في أفغانستان وهي قد عملت على فرض أمر واقع جديد واستغلال المشروع الأميركي لمصالحها ولصالح بسط نفوذها وهيمنتها وإنشاء هلال شيعي موال لها في العالم العربي وهي تكثف نشاطها لتحقيق هذا الهدف قبل نهاية عهد بوش وقبل وصول إدارة أميركية بإستراتيجية جديدة، وعلى الأقل لتكريس أمر واقع تفرضه على رئيس أميركي في صدد المغادرة في موقع "بطة عرجاء" لا يملك الوقت الكافي لشن حرب ثالثة ولا القدرة وتقدم له خيار تحقيق إنجازات تنقذ ماء وجهه.. وتمهد للصفقة الكبرى المعدة بدعم الرئيس الجديد.
سقوط الخيار العسكري
وفي قناعة الخبراء أن التمهيد الجدي لصفقة المقايضة وتقاسم النفوذ قد بدأ فعلياً وجدياً عبر التنازلات المتبادلة بين طهران وواشنطن على أكثر من جهة وساحة، هذه التنازلات تعكس برأي خبير أميركي أن الطرفين يقومان بتنفيذ "التجميد مقابل التجميد" في كل ملفاتها قبل الملف النووي، وأن الجدية الإيرانية قد وصلت إلى حد مغازلة إسرائيل ووضع مقاومة حزب الله في الثلاجة على طريقة مقتدى الصدر، وفي رسالة واضحة بالاستعداد لتحويله إلى حزب سياسي بعد الاعتراف الإسرائيلي والدولي بهيمنته على الحكم في لبنان ولكن مع الحرص على الاحتفاظ بسلاحه إلى حين الانجاز النهائي للصفقة في العام المقبل والتأكد من خروج بوش من البيت الأبيض بدون إرسال طائراته الحربية لقصف إيران والاستعاضة عن ذلك بإرسال الطائرات المدنية الأميركية إلى مطار الخميني الدولي في طهران.. وفي آخر التقارير المتداولة أن المفاوضات السرية بين الطرفين قد قطعت في الأيام الماضية أشواطاً أكثر إيجابية بما توحي به التصريحات.
وثمة معلومات أن واشنطن قامت بدورها بتجميد دعم حركات إيرانية مسلحه معارضة مما خلق هدوءاً مفاجئاً في عمليات تنظيم "بيجاك" الكردي الإيراني، وفي عمليات جند الله في بلوشتان، وفي معلومات "الوطن العربي" أن بعض الأجهزة الاستخباراتية بدأت تتداول تنازلا أميركيا أكبر من شأنه فتح المجال واسعاً أمام "التسوية الإستراتيجية" وهو تعهد أميركي بسحب الخيار العسكري عن الطاولة والتوقف عن التهديد بالحرب، وقد انعكس ذلك بوضوح في تصريحات أوروبية تؤكد رفض العمل العسكري ودعوات انطلقت من مسؤوليين أمريكيين سابقين كبيرين في مجلس الأمن القومي هما برنت سكوكروفت وزبغنيون بريجنسكي اللذان باتا يدعمان صراحة الإدارة الأميركية إلى إخراج التهديد العسكري من قاموسها.. وهذا يعني عملياً رمي الكرة كليا في الملعب الإيراني وفتح موسم التنازلات الإيرانية العلنية والدخول في ما بات يعتبر المرحلة الأكثر جدية في المفاوضات والأكثر حساسية في عملية إعادة رسم خريطة المنطقة وهي مرحلة ستكون مفتوحة على كل المفاجآت.