عمائم الحكم في إيران حان قطافها

بواسطة صباح الموسوي قراءة 717

عمائم الحكم في إيران حان قطافها

 

السبت 16 من محرم1431هـ 2-1-2010م

 

صباح الموسوي

 

هل دخل النظام الإيراني في مرحلة الاحتضار؟ أي نعم أن ذلك أصبح أمرا واقعا غير قابل للإنكار مهما حاول هذا النظام وأتباعه من المتأرينين والمحزبلين والمتحمسين، نكران ذلك. فان ما شهدته شوارع طهران والمدن الرئيسية الأخرى يوم عاشوراء (الأحد 27 ديسمبر المنصرم) من مصادمات دامية والتي أودت بحياة وجرح العشرات من المتظاهرين ومن عناصر الحرس الثوري و الباسيج والشرطة، ناهيك عن اعتقال الآلاف من المحتجين، لا يستطيع احد أن يعطي تفسيرا مغايرا لحقيقة أزمة الصراع القائم بين أبناء البيت الداخلي للنظام من جهة وبين الشعوب الإيرانية وهذا النظام من جهة ثانية.

فهذا الصراع لم يسبق للنظام أن دخله من قبل فما كان سائدا من قبل هو معارضة تقليدية استطاع الملالي قمعها بمختلف الأساليب الوحشية ولكن الصراع على السلطة والاختلاف على تقاسم الثروات والمناصب بين أجنحة النظام من جهة، وبين الحرس الثوري والملالي من جهة أخرى لم يسبق أن مر به نظام الملالي، ولكن الآن انفجر الصراع الذي كان مدفون تحت الرماد و نزل إلى الشارع كالسيل المنهمر يتحدى السدود والقيود التي كان النظام يتستر بها على صراعاته الداخلية . لقد سعى الملالي طوال العقود الثلاثة من عمر نظامهم المتوحش وصم كل من عارضهم بالشيوعية والليبرالية ومعادة الثورة و محاربة الله والإفساد في الأرض و غيرها من التهم و المصطلحات الأخرى التي ليس لها مكان في قاموس أدب السياسة الخلاّقة.

غير أن شدت فساد أركان النظام وتهافتهم على السلطة واختلافهم على تقاسم ثروات الشعوب الإيرانية قادهم إلى ما هم عليه من الصراع الذي وضع بسمار النهاية في نعش نظامهم المتوحش . لقد استبدل أركان النظام الإيراني مصطلحاهم السابقة التي كانوا ينعتون بها خصومهم بأخرى جديدة من قبيل، أعداء الولاية، أصحاب الفتنة، أتباع الوهابية، عملاء الاستكبار، وغيرها من التهم الأخرى التي وان اختلفت أسماءها إلا أن عقوبتها واحدة وهي الإعدام أو السجن المؤبد أو غيرها من العقوبات المجحفة .

وفي مسعى جديد للضحك على الذقون فقد لجئ نظام الملالي، ومن اجل استدرار عواطف ممن مازالوا مصدقين بالشعارات الثورية للنظام و أولئك الذين مازال لديهم بعض الحب لقائد الثورة الراحل (آية الله) الخميني، إلى حرق صور الأخير تارة وإلقاء التهمة على المعارضة وتارة أخرى اتهام المعارضة بعدم احترام مناسبة عاشوراء واهانة الشعائر الحسينية! غير أن النظام تناسى أن من يقود المعارضة اليوم هم من اشد أنصار الخميني وكانوا من اقرب المقربين له يوم كان احمدي نجاد وغيره من القادة الحاليين للنظام والسلطة ليس سوى عناصر صغيرة في مليشيات التعبئة والحرس الثوري ورجال دين بسطاء يأتمرون بأوامر القادة الحاليين للمعارضة من أمثال مير حسين موسوي الذي تولى منصب رئاسة الوزراء لمدة ثمانية سنوات وكان ثاني شخصية في السلطة بعد الخميني، وهكذا هو حال الشيخ مهدي كروبي الذي عمل رئيسا للبرلمان لعدة سنوات و رئيسا لأكبر مؤسسة اجتماعية في إيران وهي ما تسمى بمؤسسة (الشهيد) صاحبة الثروة المالية والنفوذ الاجتماعي والسياسي داخل إيران وخارجها .

يضاف إلى هذه الشخصيات هناك العشرات من القيادات الدينية والسياسية التاريخية التي لعبت أدوارا مهمة قبل وبعد الثورة وكان لها مناصب قيادية عالية جدا . ومنها على سبيل المثال المرجع الديني البارز آية الله يوسف صانعي الذي كان ممثلا للخميني في عاصمة إيران الدينية "مدينة قم " وإمام الجمعة فيها لعدة سنوات، والدكتور إبراهيم يزدي الذي كان من ابرز معارضي نظام الشاه ومن اقرب المقربين للخميني وأصبح أول وزير خارجية لحكومة الثورة، وهؤلاء جميعا من الشيعة الذين لا يقل اعتقادهم بمناسبة عاشوراء عن من سواهم من قادة نظام الملالي الطائفي، ولكن قد تناسى أركان هذا النظام أن مناسبة عاشوراء إنما وجدت لمواجهة الظلم وقول كلمة الحق في وجه السلطان الجائر، أليس هذا ما يقرأه الملالي على المنابر ؟.

ثم الم تكن مناسبة عاشوراء و لعدة سنوات مسرحا للمظاهرات ضد نظام الشاه فكيف أصبح الآن التظاهر في هذه المناسبة ضد الظلم والظالمين يعد انتهاكا لحرمة عاشوراء وحرمة صاحبها الإمام الحسين ؟. أن محاولة التلاعب بالألفاظ والمصطلحات لتأجيج عواطف البلهاء لا يمكن أن يغير من الواقع شيء فمثل هذه السياسة لم تسعف الشاه البهلوي الذي كان يصف المظاهرات المليونية المعارضة لنظامه التي كانت تخرج في طهران و تبريز وغيرها من المدن الرئيسية بأنها مظاهرات لمجموعة من الشيوعيين جاءوا من خارج الحدود ! دون أن يسأل نفسه كيف تسنى لهذه الملايين من الشيوعيين الدخول إلى إيران ليتظاهروا ضده وهو الذي يمتلك اكبر جهاز شرطة سرية ( الساواك ) فضلا عن جيشه الذي كان يوصف بأنه رابع جيش في العالم ؟.

ما قاله الشاه ضد الخمني وأعوانه وضد معارضيه عامة نراه ونسمعه يتكرر اليوم على لسان خامنئي واحمدي نجاد وسائر أركان النظام الإيراني، حيث ما فتئ هؤلاء وهم يكيلون التهم لأمريكا والدول الغربية بالوقوف وراء المظاهرات المنددة بسياسة نظامهم القمعي وقد طالت الاتهامات الكاذبة سفارة المملكة العربية السعودية في طهران حيث حملتها السلطات الإيرانية المسؤولية عن المظاهرات المليونية التي اندلعت في يوم عاشوراء ضد نظام الملالي.

فقد نشر موقع "تابناك" التابع لامين عام مجلس تشخيص مصلحة النظام الجنرال محسن رضائي، ما نصه : " نقل مصدر مطلع أراد عدم الكشف عن هويته أن بعض خيوط الأحداث غير المتوقعة التي وقعت في يوم عاشوراء في طهران تعود إلى السعودية. وقال هذا المصدر بان السعودية ومن خلال إقامة اتصال مع بعض العناصر المشاغبة ومدها بالمال ، استخدمتها لإثارة أعمال شغب وبالتحديد في الموضوعات الدينية. وأضاف بان السعوديين ونظرا إلى النظرة السلبية للإيرانيين تجاهها لم يستخدموا عناصرهم المباشرة بل حاولوا القيام بذلك من خلال وسطاء " .

فعلاً أن شر البلية ما يضحك، فهذه الاتهامات وغيرها التي يوزعها قادة النظام الإيراني وأبواقهم الدعائية لا يمكنها التغطية على حقيقة الوضع الذي أصبحوا فيه، فلولا الإحساس باقتراب الأجل لما احتاج نظام الملالي لكل هذا القمع الأعمى وكيل التهم البطالة إلى المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول الأخرى، ولا قام بعض مرجعيات النظام وآياته الكبار بطرح مبادرات لحل الأزمة بهدف إنقاذ النظام، فقد نقلت صحيفة " آفتاب " الإصلاحية عن ( آية الله العظمى ) ناصر مكارم شيرازي المحافظ قوله " اعتقد أن الخلافات الجارية لها حل سلمي، لم لا نبحث فيها؟

ومن جهته صرح آية الله جعفر صبحاني المحافظ للصحيفة نفسها انه على القادة الإيرانيين " ترك باب التفاوض مفتوحا والحفاظ على رحابة الإسلام عبر إنشاء ظروف الوحدة" . كما دعا المرجع اللبناني الموالي لإيران ( آية الله ) محمد حسين فضل الله هو الآخر نظام الملالي إلى توصل إلى حل ينهي الأزمة مع المعارضة .ودعوات كل هؤلاء المراجع وغيرهم إنما جاءت بعد إحساسهم بقرب زوال نظام العمائم الفاسدة . ولكن قد فات الأوان، فحين تتكسر قوائم البعير فلن تسعفه التعويذة والتبخير.

 



مقالات ذات صلة