أحمد الخطيب
إن عداء الغرب للإسلام ليس مجرد عداء تقليدي أو صدام حضاري مسلح بين حضارتين، إنما يرجع إلى تجربته التاريخية مع الدين وعجزه عن فهم الإسلام، مدعما بأطماع مادية وسياسية للهيمنة والسيطرة على البقاع، بهذه الرؤية يطرح الكاتب أحمد سليمان العمري في كتابه «الاستعمار وأئمة الضلال» الصادر حديثا في طبعة جديدة عن دار الجنان للنشر والتوزيع في عمان، موضوعا تزامن مع انقسام العالم إلى جبهتين متضادتين، لكل منهما أيديولوجية مختلفة عن الأخرى، لدرجة أن الأفكار انعكست على أرض الواقع بشكل لم يسبق له مثيل، فكانت أعظم الفتن تأثيرا وأكثرها مكرا وأشدها قساوة، وأبعدها عمقا في عداوتها للإسلام والمسلمين من أبنائنا من صنع المستعمر، ويهتفون باسم الله، وقد استخدموا كل الوسائل لمسخ الجهاد، فنجحوا في تحقيق حلم الماضي في القضاء على وحدتنا وتمزيق رقعة الإسلام إلى ولايات وإمارات، من أقصى الغرب إلى أقصى الشرق، وجعلوا من الدين مشروعا ناجحا مع الغرب، مطروحا على طاولة التداول، هذه الأسباب مجتمعة مع الكثير من الجهل الذي كان، وبعضه لا يزال، جعل الاستيلاء على شخصية المسلم مهمة سهلة، فالهياكل التي صنعها المستعمر على مر التاريخ المعاصر هم من نحلتنا، ذوات أرواح وقلوب غريبة، ساهمت المساهمة الكبرى في تمهيد الطريق لتمزيق لوائنا، وصيّرهم الغرب أدوات للسيطرة الكاملة على البلاد.
يتحدث الكتاب عن تيارات منحرفة، كالقاديانية والبابية والبهائية والأحباش، وجذورهم الممتدة في التاريخ من المبتدعة والمتصوفة وأهل الرهبنة والإلحاد.
في توطئته التي قرأ فيها متون وهوامش وحواشي كتاب «الاستعمار وأئمة الضلال»، يؤكد خالد سليمان الشريدة المقيم في دوسلدورف ألمانيا، أن الكتاب الذي جاء في 399 صفحة من القطع الكبير، يستحق الاهتمام، ويضيف إلى المكتبة العربية، بل المكتبة العالمية الكثير، إذ يعاين الكثير من الفرق والملل والنحل التي كانت جذورها ضاربة في أعماق التاريخ، هذه الفرق التي وَجَدت الدعم والمساندة في سبيل اشتداد عودها، لتشكل معول هدم في بنيان الأمة الواحدة المتقدمة كما يرى الشريدة.
ويضيف بأن الأمة الواحدة المتقدمة التي شهد لها القاصي والداني في الغرب، كما أثبت ذلك المستشرق الألماني نولدكه في دراسته الموسومة بـ«شمس العرب تسطع على الغرب»، التي اعترف من خلالها للعرب في البناء والرقي الحضاري والإنساني، حيث وجدت منهجية الإسلام تشخيصا حقيقيا للمشاكل الإنسانية لتصنع الحل الأنسب والأمثل لمثل تلك المشاكل، ولكن كيف جرأ مثل هؤلاء المعطلة والمشككون على زرع الشك في أنفسهم قبل زرعه في عقول الآخرين، حول سيرة هذا الدين القويم الواضحة للعيان، بدلائلها الظاهرة التي عززتها الاتجاهات العلمية في عصر الانفجار المعرفي والتناقضات الحضارية، فكانت ثقة هذا الدين بنفسه وبنهجه فوق كل شبهة، فكيف بها وهي تزيل الغطاء عن أولئك الملثمين بعصابة الإسلام زورا، والإسلام منهم براء، وكأنهم عبد الله بن سبأ في عقيدته، وأبو لؤلؤة الفارسي في شعوبيته وحقده.ويخلص الشريدة في توطئته للكتاب، إلى أن الجهد الذي قدمه الباحث في هذا السياق أصبح في متناول القراء جميعا دونما استثناء، حتى نشترك جميعا في إزالة ذلك اللثام الموبوء عن مثل هؤلاء وكشف اتجاهاتهم وميولهم.
من جهته يشير المؤلف العمري في المقدمة التي أثبتها في الصفحات الأولى للكتاب، أن الكتاب يتحدث عن تيارات معاصرة منحرفة، كالقاديانية والبابية والبهائية والأحباش، وجذورهم الممتدة في التاريخ من المبتدعة والمتصوفة وأهل الرهبنة والإلحاد، وعلاقاتهم وعمالتهم مع المستعمر وتقابل اتجاهاتهم، مشيرا إلى أن كلّ هذه التيارات خطيرة، ما لم يكن المسلم متسلح بعلم السلف الصالح الصحيح، وإلا جرفته فيضانات الضلال وأئمته.
ويلفت النظر إلى أن اقتباساته جاءت من مصادر كثيرة عديدة من كتب أئمتنا المجمع في الأخذ عنهم، وراعى فيه الاختصار وسهولة التعبير، وشرح ما يظنه غير واضح في الحواشي السفلية، إلى ذلك كتب تراجم لأصحاب الأحاديث الواردة في كتابه، وقول أهل علم الجرح والتعديل في روايتهم حتى لا يصعب على طالبه صحيحه من ضعيفه، وبهذا يعزز من زعمه في الرد على التيارات التي هو في صدد الحديث عنها.
ويبيّن أن القرن السابع عشر دخل وكانت الدول الإسلامية دويلات ضعيفة، بعدما كانت دولة قوية كبيرة، إذ لم يكن حلم الغرب الوحيد الدخول والاستيلاء على بيت المقدس وحسب، بل السيطرة على العالم الإسلامي بأسره، اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، وأخطرها فكريا، فالحروب التي خلت وصارت ماضيا، كما يرى، ما زال هناك رجال ودول عظام تتحرك وتبني لإحيائها على شاكلة فيها نوع من المدنية والتطور والحضارة، التي أصبح يلهث وراءها أبناء جلدتنا لجمالها وراحتها ورونقها في المجتمع الغربي. ويرى أن الغرب تحالف واجتمعت كلمته رغم اختلاف لغاته وشعوبه على كسر شوكة العرب وبالتالي المسلمين، فالعرب هم مادة الإسلام. بحلول القرن الثامن عشر الميلادي، إذ كان الانحلال قد عمّ العالم الإسلامي بأسره في آسيا وإفريقيا، وتمكن الغرب من السيطرة الكاملة على بلاد المسلمين، وسقطت الدويلات بقبضتهم دولة تلوها الأخرى، عاثوا في البلاد حتى هاجت الشعوب ولم تعد تحتمل تسلط المستعمر واستبداده، وأصبح المستعمر من شدة مقاومة المجاهدين يعيش حلما مفزعا في بلاد المسلمين، حتى لم يبق له حلٌ سوى الخروج من هذه الدول التي صارت بالنسبة له مثل مستنقع الداخل فيه لا يعرف لنفسه مصيرا.
لم يكن حلم الغرب الوحيد الدخول والاستيلاء على بيت المقدس وحسب، بل السيطرة على العالم الإسلامي اقتصاديا وسياسيا وعسكريا.
ويبين أن المستعمر لم يكن وحده الذي عمل على إذلال المسلمين، بل كان هناك خلف الكواليس من أبنائنا وأئمة مساجدنا وأصحاب طرق من الذين سخرهم المستعمر لخدمته، فكانوا أكبر عون ودعم لنخر أمتنا وديننا من الداخل، فقد كانت عمالتهم باسم الله، و«إنا لله وإنا إليه راجعون». قالوا «الله أكبر» ومهدوا الطريق أمام المستعمر ودباباته، قالوا «حيّ على الجهاد» وكانت خيولهم في صفوف البريطانيين وسيوفهم مع الفرنسيين وبنادقهم روسية مسددة على أبناء ملتهم.
قسّم المؤلف كتابه إلى ثلاثة أبواب، تتبع في الفصل الأول من الباب الأول، «القاديانية»، وهم أتباع ميرزا غلام أحمد، وهو من مواليد الهند «قاديان»، وفي الفصل الثاني بيّن عقيدة خليفتهم الرابع طاهر أحمد، وتتبع في الفصل الثالث عمالة غلام أحمد لبريطانيا، فيما كشف في الفصل الرابع عن الضرورة القانونية أمام القاديانية، كما كشف في الفصل الخامس عن إساءة لأنبياء الله، وفي فصله السادس بيّن تمادي القاديانية، فيما عرض في الفصل السابع ادعاء خليفتهم للنبوة، أما الفصل الثامن فكشف فيه عن دعوتهم بأفضلية متنبّئهم من محمد، وعاين في الفصل التاسع القاديانية كأمة واحدة، أما الفصل العاشر تتبع فيه انفصال القاديانية، وفي الفصل الحادي عشر تحدث فيه عن تأويل الميرزا للقرآن الكريم.
أما في الباب الثاني فقد عرض المؤلف للبهائية والبابية في خمسة فصول، تناول فيها: المنشأ، الخلاف الذي وقع بينــــهم، تفرقتهم، إنكارهم لأسماء الله وصفاته سبحانه وتعالى، وانقسام البهائية.
الباب الثالث خصصه المؤلف للحديث عن «الأحباش»، في خمسة فصول، عرض فيها لعقيدة الأئمة الأربعة، الأشاعرة، الماتريدية، تغيير القبلة.
٭ كاتب أردني
المصدر : "القدس العربي"
22/2/1440
31/10/2018