كلمات في ملتقى القدس الدولي- اسطنبول
الكاتب :أحمد عبد العزيز الحربي
أقيم الملتقى في اسطنبول بإشراف ومشاركة منظمات وهيئات أهلية إسلامية عديدة على رأسها مؤسسة القدس الدولية ووصل عدد الحضور إلى خمسة ألاف والوفود المشاركة من 67دولة ، أقيم الملتقى في ثلاثة أيام في اليوم الأول اقتصر على الندوات وفي الثاني والأخير أضيفت بعض ورش العمل، وفي اليوم الأخير قُرأ على الحضور إعلان اسطنبول ، وأقيم على هامش المؤتمر معرض شارك فيه عشرات المؤسسات الإسلامية المعنية بالقضية الفلسطينية ، وشارك قي تغطية المؤتمر العديد من وسائل الإعلام العربية وغير العربية.
ويكاد يجمع كل من حضر هذا الملتقى أنه أحيا القدس في قلبه وقوّى انتمائه وصلته بها، وزاد الإنسان اهتمامه بالقضية وأصبح لديه استعداد للتضحية بالكثير من أجلها وأصبح القلب يهتف باسمها وارتسم اسم القدس على الفؤاد وأخذت عقل الإنسان وكيانه، وصارت قطعة من جسده يسوءه ما يسوءها ويسره ما يسرها .
هي قضية يموت دونها ولا يبالي إذا نادته أجابها ولو خسر دنياه وأهله وولده وماله فمن هو من دونها وأي شرف وعزة تبقى له إذا بقيت سليبة ولم يتحرك من أجلها، يكتب اسمها بدمه ويرفع رايتها على جثته إنها القدس مجمع الأنبياء وملتقى العلماء ومهجع الصالحين ومنزل الأولياء وحبيبة المجاهدين في سبيلها ولها يهون كل عزيز ويرخص كل غالي ونفيس.
لقد كان عبق الملتقى عبق قدسي فهنا الشيخ المجاهد رائد صلاح يذود عن القدس ويدفع عنها مؤامرات يهود وينبئنا عن مخططهم الجديد تجاه المسجد الأقصى ويكشف للأمة حجم الخطر ويدعوها للعمل ،وهنا الأستاذ كمال الخطيب مقدسي يسحرك سمته وخشوعه رجل ربته القدس ومساجدها ، وهناك الدكتور ناجح بكيرات موسوعة مقدسية متكاملة لا يكاد يخفى عليه شئ من أماكن المدينة وأخبارها وتاريخها.
لقد شارك من القدس أكثر من 150 شخصية أحالوا أجواء اسطنبول ونشروا بركة المسلم المقيم حول المسجد الأقصى فهذا يحدثك عن المصلى المرواني والأخر عن الصخرة ووصفها وأخر عن ساحات المسجد وأخر عن المقر العسكري لصلاح الدين داخل المسجد.
سمعنا من الشيخ رائد صلاح عن الحفريات حول المسجد وتحتها ومحاولة اليهود بناء جسر صلب يستطيعون من خلاله نقل الآليات العسكرية إلى داخل المسجد إذا أرادوا هدمه ، تحدث عن قبور الصحابة التي اعتدي عليها ومحاولة إزالة ما تبقى منها وكيف تعثرت زوجة وزير وانكسرت يدها أثناء افتتاح المشروع ليلاً، وأخبرنا عن الكنيس الذي يطمحون إلى بناءه داخل أسوار المسجد، وعن الهيكل المزعوم ورغبتهم في بناءه بين المسجد وقبة الصخرة.
حدثنا المقدسيين عن ذهاب أبنائهم من بين أيديهم، وعن دور البغاء التي تخطف أبنائهم ، والمخدرات التي توزع عليهم بالمجان ، والمسخ الذي يطال أبنائهم في هويتهم ومحاولة اليهود طمس كل معنى إسلامي في نفوسهم ، واستقطاب أبنائهم إلى مدارس اليهود ، ومنعهم من الصلاة في المسجد الأقصى في كثير من الأوقات وحصرها فيمن تجاوز عمره 40سنة في محاولة لفك ارتباطهم بالقدس.
حدثنا هؤلاء المقدسيين ما يعانيه المعلم والطالب على حد سواء عند الحواجز وما تسببه لهم من تأخير في الأيام الدراسية لصعوبة التنقل من خلالها ، وصعوبة بناء مباني جديدة فاليهود لا يسمحون لهم إلا باستئجار مباني ضيقة الصفوف سيئة في تصميمها ، وضغط اليهود عليهم من أجل تغيير المناهج الدراسية ، وعدم توفر الأموال لطباعة الكتب ولصرف رواتب المعلمين ، وهذا كلها أدى إلى ترك كثير من الطلاب للدراسة والانصراف للعمل.
حدثونا عن الضغوط التي يعانيها ملاك المنازل من المقدسيين برفع فواتير الكهرباء والماء وعدم السماح لهم بترميمها وإلقاء النفايات بداخلها والعروض التي تأتيهم بالملايين من أجل بيعها.
حدثونا عن واقع المستشفيات عن قلة الدواء ، ورداءة غرف العمليات ، وموت العشرات عند الحواجز وولادة الأطفال عليها ، وكثرة المراجعين وقلة الأطباء ، وموت البعض بين أيديهم لعدم توفر دواء لا يتجاوز سعره الدولارات ، وهناك عروض أيضاً بالآلاف تقدم للطبيب المقدسي ليعمل في مشفى يهودي.
وتحدث التجار عن الضرائب التي تفرض عليهم واحداً تلو الأخر بينما لا يفرض على التجار اليهود أي منها ، والتضييق عليه في نقل البضائع وخفض التجار اليهود لأسعار البضائع إلى النصف واضطرار الكثير إلى إغلاق محالهم للخسارة التي تلحقهم.
إن الواجب على الأمة دعم المقدسيين حتى يتنامى عددهم ووجودهم ويقوى داخل القدس وأن لا يتركوهم لليهود يسمونهم سوء العذاب، لقد كان عدد المقدسيين في البلدة القديمة عشرين ألفاً وانخفض العدد إلى عشرة آلاف خلال أعوام عديدة فقط.
إنه من أوجب الواجبات في القضية الفلسطينية الحفاظ على إسلامية القدس ومحاربة كل مسعى لتهويدها فعلينا أن نفيق ونكف عن إلقاء اللوم على الآخرين .
لقد استطاع الملتقى أن يجمع كلمة الأمة حول القدس فلا يخطر في بالك حركة إسلامية في العالم الإسلامي إلا ولها مشاركة في هذا الملتقى ولعل القدس تكون هي المنطلق لجمع كلمة الأمة على الحق والصواب.
(هو تظاهرة إنسانية عالمية من أجل القدس.......)
(هو محطة تفرض فيها أطياف الإنسانية جمعاء.....)
(هو تظاهرة إنسانية متنوعة الوجوه ، متعددة الأعراق والأديان والثقافات....)
العبارات السابقة منشورة في كتيب تعريفي عن ملتقى القدس الدولي ولتوضيح العبارات السابقة ، فإن زوار المؤتمر والمشاركين فيه كانوا من جميع الثقافات والأديان نصارى شيوعيين علمانيين رافضة صوفية حركات إسلامية ..الخ
وإذا وجهت سؤالاً للأخوة المنظمين - جزاهم الله كل خير- ما سبب هذا التخليط؟؟
كان الجواب: نحن بحاجة إلى حشد كبير وعالمي لإحراج و للضغط من أجل إفشال مؤتمر الخريف القادم (أنابوليس) والحفاظ على القدس وحق العودة، هذا خلاصة القول... وللحقيقة فإن بعض المنظمين لم يكن يسره هذا التخليط.
إن هذه الفكرة في الإسلام تعد في غاية الفساد والتهافت قال تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام...) والدين يشمل كل شئ بما في ذلك النصرة والدعم والعون، وقال تعالى: (يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض.....)
والنبي صلى الله عليه وسلم كان صفه نقي صافي لم يشبه في مواجهة الكفار كفر ولا بدعة بل لم يترك لنا هذا الأمر من دون إيضاح لحاجة الأمة إليه فهذا أحد المشركين يأتيه وهو متوجه إلى بدر وهو في أمس الحاجة لكل رجل يقاتل معه لقلة العدد والعدة وقوة العدو وبطشه ، والمتقدم لإعانة النبي صلى الله عليه وسلم أتى إليه بنفسه ولم يُطلب منه ذلك، مقدماً إليه عرضاً مجانياً دون مقابل، والرجل كما في الحديث صاحب نجدة وبأس بمعنى أخر يستطيع أن يفعل شئ ليس مطراناً مطروداً لا مكان له عند قومه وهو صادق في عرضه ليس رافضياً متاجراً بالقضية ومع كل هذا حاجة النبي صلى الله عليه وسلم ومجانية العرض وفاعليته كان واضحاً بأبي وأمي عندما قال له:(((ارجع فلن أستعين بمشرك)))رواه مسلم
الأمر واضح أنا أقاتل الشرك وأهله وأسعى لإقامة التوحيد على كل الأرض فإذا استعنت بمشرك على مشرك فأنا صاحب مطامع شخصية أو مكاسب أنية ولست بصاحب قضية.
وهنا حديث نبوي أخر خاص بقضية فلسطين وهو من آياته صلى الله عليه وسلم التي يخبر عن وقوعها في أخر الزمان والواجب على المسلم الإيمان والتصديق بها: ((لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجرفيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود))رواه مسلم
إن الخبر من أوله إلى أخره يصف الجهة التي تقاتل اليهود بالمسلمين لم يقل الأحرار و لا الشرفاء ولا الممانعين ولا المناضلين وإنما كان واضح في حصر المعركة بين المسلمين واليهود حتى الحجر والشجر الأصمان سيكونان واعيين بمن تجب مناداته دون غيره (((يا مسلم يا عبدالله))) فالأمر واضح حتى بالنسبة للجماد من الذي يُنتصر به فعلى هؤلاء الإخوة أن يكفوا عن إضاعة الوقت والجهد ويصححوا المسار فخبر النبي صلى الله عليه وسلم صدق لا ينطق عن الهوى لن يكون في معركة الحسم إلا مسلمين ولن يشركهم غيرهم فيها.
وهنا فائدة أخرى أن العداوة كما في الحديث دينية ((اليهود)) لم يقل الصهاينة، الغاصبين، المحتلين، المعتدين، وإنما العداء ديني شرعي وليس على أرض أو حق مسلوب فقط وإنما الصراع في أصله وسببه هو صراع بين الحق والباطل بين الإسلام والكفر قال تعالى: (لتجدن أشد الناس عداوة للذين أمنوا اليهود...)، وقال تعالى: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم...)، واليهود جزء من مشروعهم فيه حرب على الهوية وسعي لإبعاد الشباب عن دينهم وإغراقهم في الشهوات والملاهي فالزنا والخمر والمخدرات في مدينة القدس بالمجان كما ذكر بعض المقدسيين.
وعوداً على الاستعانة بالكفار فالنصراني إذا أدخلته معك في قضيتك هو في النهاية يريد بناء كنائس وأجراس تقرع والصليب يتجول في شوارع القدس ومطالب سياسية ربما فهو لن يساعدك بالمجان يقول المطران المعزول في كلمته في الملتقى الدولي: (باسم كنائس القدس .....أحييكم جميعاً)،(إن أذانها وأجراس كنائسها......)،(عندما يعتدى على كنيسة القيامة يعتدى على المسجد الأقصى ......) إن سماع مثل هذا الكلام كافٍ في الاستدلال على عدم جواز الاستعانة بأمثاله.
فما معنى أن تخلص القدس من اليهود وتأتيها بالنصارى وهل معاناة القدس على مر التاريخ إلا من النصارى فعندما احتلوها ساموا أهلها سوء العذاب، واستيلاء اليهود هذا طارئ، فأي معنى يبقى للتحرير إذا أعطي النصارى شبراً زيادة على مالهم وهل كان اليهود إلا أقلية في فلسطين أعطيت زيادة عما لها من حقوق أهل الذمة وغفل المسلمين عن نشاطهم فكانت لهم دولة.
في الملتقى ألقيت محاضرة بعنوان (القدس في الذاكرة والأرشيف العثماني) باللغة التركية ويترجمها بروفسور تركي وأشار المتحدث إلى كنيسة القمامة وعندما قام البروفسور بالترجمة وقال (القمامة) قام عليه جمع من المشايخ قبل النصارى مصححين عبارته (القيامة) فقال الرجل ربما في العربية تنطق هكذا ولكن في التركية تنطق (القمامة) فأصر عليه المشايخ فقام بتغيير الكلمة إلى (القيامة) استجابت لطلبهم وعندما سأله أحد المؤرخين الفلسطينيين عن رأيه بعد المحاضرة اعترض شيخ أخر واشتد الكلام بين المؤرخ والشيخ هذا مثال بسيط على تغيير الحقائق بسبب فتنة التقريب والاستعانة بالكفار ويا للأسف عندما رأينا ذلك الشيخ المعترض وهو يصافح امرأة نصرانية ويجلس بجوارها مستأنساً بحديثها ويبدو أن المطران المشارك بادل الشيخ الشعور فالتقط بعض الصور مع نساء تركيات محجبات هذه نماذج بسيطة للوازم وتبعات الاستعانة بالكفار.
والرافضي أيضاً يريد حسينيات ومساجد ومدارس ودروس في الأقصى تخصه هذا إذا سلمنا بأنه من الممكن أن يشاركونا في تحرير القدس وهذا مستحيل فمن يكفر فاتح القدس لا يمكن أن يشارك في تحريرها ومن يلعن صلاح الدين وحاول أجداده اغتياله مرات عدة وأعانوا الصليبيين عليه لا يمكن أن يساهم في تحريرها بل صلاح الدين بدء بمحاربة هؤلاء الباطنيين قبل الصليبيين فكيف نستعين بهم الآن؟ ولم يغب هذا المعنى عن كلمة الشيخ حارث الضاري في الملتقى الدولي فأشار إلى إيران ودورها في العراق ولا يمكن لمن يمالئ الاحتلال على المقاومة العراقية أن ينصر القدس ومن يعين المحتل في العراق لا يرجى منه تخليص القدس
وللأسف فإن الرافضة استغلوا هذا الملتقى في الترويج لقادتهم وأرائهم أيما استغلال فلا تكاد تمر ساعة إلا ويوزع بعض هؤلاء الرافضة منشورات لهم بالعربية والتركية والانجليزية على جميع القاعات إما بيانات أو قبعات للأطفال أو ملصقات عليها صور قادتهم.
وكانت لهم مشاركة فاعلة في معرض الملتقى بتوزيع الكتيبات و الأقراص وعروض الفيديو والمجسمات وغيرها الكثير.
وفي إحدى الكلمات أشارت رافضية لبنانية إلى أن المهدي (عجل الله فرجه) سيخلص القدس وأنه سيكون لكل الطوائف وأشار أخر إلى المجموعات التي تسعى إلى تكفير وتفريق الأمة في إشارة واضحة إلى السلفية.
باختصار إن القدس لن تعود إلا على أيدي رجال ملتزمين بالإسلام ظاهراً وباطناً ساروا على خطى عمر بن الخطاب وصلاح الدين والقائد المجاهد أحمد عبد العزيز فالقضية إسلامية مئة بالمائة ولا يجوز لنا أن نخلط الصف وإنما الواجب تنقيته وتقويته والانشغال عن هذا بأمور أخرى مجرد مضيعة للوقت والجهد.