إيران: بين مؤتمرات الوحدة وسياسات وشعائر الفرقة والتشرذم

بواسطة أسامة شحادة قراءة 1483
إيران: بين مؤتمرات الوحدة وسياسات وشعائر الفرقة والتشرذم
إيران: بين مؤتمرات الوحدة وسياسات وشعائر الفرقة والتشرذم

أسامة شحادة

اختتمت إيران مؤخراً المؤتمر السادس والعشرين للوحدة الإسلامية. وكالعادة، تقاطرت الوفود إلى طهران، فاستمعت إلى خطبة القيادة السياسية الإيرانية التي ألقاها هذه المرة الرئيس محمود أحمدي نجاد. ومن ثم، ألقيت كلمات الحضور والمشاركين الجميلة، والتي تحث على الوحدة والتعاون؛ والتقطت الصور الجماعية، وتناول الحضور المشويات الإيرانية الفاخرة، ثم انفض "المولد" ولم تتقدم الأمة، بعد 26 مؤتمرا، خطوة على طريق الوحدة الإسلامية!

والسبب الرئيس في ذلك هو أن هذه المؤتمرات ذات طابع سياسي وترويجي للثورة الإيرانية، وليست ذات غاية دينية صادقة نحو الوحدة الإسلامية، وهاكم الأدلة والشواهد:

- بعد 26 عاما على مؤتمرات الوحدة الإسلامية هذه، ما تزال إيران تعاني من تكاثر الفرقة والتشرذم بين فصائلها السياسية المحافظة والموالية للنظام، ويتهم بعضها بعضا بالعمالة والتفريط وخيانة خط الثورة. أما خصوم اولئك من الإصلاحيين؛ فهم بالنسبة لفصائل النظام خونة مفروغ من أمرهم، ليس لهم مكان إلا السجون والإقامة الجبرية؛ مثل مير موسوي أول رئيس وزراء في ظل الجمهورية الإيرانية، والذي تطالب بناته اليوم السلطات بالسماح لهن بزيارته! ومثله هاشمي رفسنجاني، أحد المؤسسين للجمهورية الإيرانية، والمهدد بسجن ولده مهدي وابنته فائزة بتهم فساد وإخلال بأمن الدولة!

أما المخالفون حقيقةً للنظام، فهؤلاء لهم بطون الأرض بعد إعدامهم على حبال الرافعات، كما حدث مؤخرا لعدد من النشطاء الأحوازيين.

- وبرغم رفع راية الوحدة وشعاراتها، ما يزال التمييز العنصري، بسبب العرقية أو المذهب، هو السائد في سياسة طهران. فالمواطنون الإيرانيون من أصل أذري أو عربي مهمشون في المناصب والقيادات لحساب العرق الفارسي. كما أن المناطق العربية، كالأحواز التي هي موطن النفط الإيراني، تعاني من إهمال وفقر فظيعين لصالح العاصمة والمناطق الفارسية. بل وحتى المراجع الدينيين الشيعة العرب عانوا من الإقصاء والتهميش، ومن أكبر البراهين شهادة السيد طالب الرفاعي، أحد مؤسسي حزب الدعوة العراقي، في كتابه الجديد "أمالي السيد طالب الرفاعي"، والتي دونها الكاتب المعروف رشيد الخيون. إذ ذكر تفاصيل الغدر بالمرجع العربي الشيخ محمد طاهر الخاقاني الذي حرّض العمال العرب العاملين في قطاع النفط على الإضراب لصالح الثورة ضد الشاه، ما قصم ظهر الأخير. لكن جزاء الخاقاني كان النفي إلى مدينة قم، ووضعه في الإقامة الجبرية حتى توفي العام 1985.

- وحين تصارعت أرمينيا مع أذربيجان، أيدت إيران أرمينا، برغم الوجود الكبير للشيعة في أذربيجان، وذلك خوفاً من قوة ووحدة الشيعة الأذريين، مما يهدد هيمنة الشيعة الفرس. وعاشت الوحدة الإسلامية التي تنادى بها إيران!

- كذلك، وتحت رايات وشعارات الوحدة الإسلامية، ما تزال إيران تبتلع دولة الأحواز العربية، تماشياً وتناغماً مع سياسات الدولة الشاهنشاهية. وتواصل أيضاً احتلال الجزر الإماراتية الثلاث؛ أبو موسى والطنب الكبرى والطنب الصغرى.  

- وبرغم سيل مؤتمرات الوحدة الإسلامية، إلا أن إيران ساهمت بشكل فعال جداً في معاونة الأعداء ضد الأمة، بل ولم تخجل من الافتخار بذلك علناً على لسان الرئيس الأسبق رفسنجاني، وعلى لسان محمد أبطحي نائب الرئيس السابق محمد خاتمي؛ بأنها كانت السبب في نجاح الجيش الأميركي في احتلال دولتين مسلمتين، هما أفغانستان والعراق.

وفي عهد المؤتمرات المتتالية للوحدة الإسلامية، تم تمويل الحوثيين لتنفيذ عدة حروب أهلية في اليمن ليتفتت ويتشرذم، باسم الوحدة الإيرانية الإسلامية!

وبفضل العقلية الوحدوية، كافحت الأحزاب الشيعية الموالية لإيران، أولاً، من أجل إقرار الفيدرالية في الدستور العراقي، ومن ثم سعت جاهدة إلى تطبيقها لتقسيم العراق الموحد!

- وفي العراق ولبنان أيضاً، كانت السياسات الحكيمة لحلفاء إيران نموذجاً بنّاءً في ترسيخ الوحدة الإسلامية وتجذير اللُحمة؛ فقد أرسلت رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري سريعاً إلى رحمة الله تعالى! فيما أصبح قادة العراق من السُنّة، وبفضل هذه السياسات، يحملون أرقاماً قياسية تستحق دخول موسوعة غينيس، من حيث عدد الأحكام القضائية بالإعدام التي حصل عليها نائب رئيس جمهورية في العالم؛ هو طارق الهاشمي!

- كما أن الوحيد الذي جهر برفض الوحدة الخليجية هو وكيل مرجعية السيستاني في الكويت.

- أما في سورية، فمن حرص إيران على الوحدة الإسلامية هناك أنها ما تزال تحرص على الوحدة بأي ثمن، حتى لو لم يبق من الشعب السوري إلا بشار الأسد؛ ولا من معالم البلد إلا باب الحصن الذي يأوي إليه!

هذه شواهد وأدلة من سياسات إيران التي ترفع شعارات ومؤتمرات الوحدة الإسلامية، ولكنها ترسخ وتعمق وتجذر واقع الفرقة والتجزئة والتشرذم. أما عن شعائر الفرقة والتشرذم، فجدير تأمل ما يلي:

- كان المسلمون في لبنان متوحدين تحت مظلة مشتركة، هي دار الفتوى، جاءت الروح الوحدوية فأنتجت لنا "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" في العام 1969. ومن ثم، أصبحت هذه سياسة متبعة. ففي الكويت، تم فصل دائرة الأوقاف إلى سنية وشيعية العام 2002 بطلب من شيعة الكويت. وهو ما تم أيضاً في العراق فور تنسمهم رائحة الحكم في العام 2003. وعلى نفس المنوال تم ذلك في البحرين العام 2004. ومن السخرية السوداء أن أول أهداف هذا المجلس هو: المحافظة على وحدة المجتمع وخدمته!

- وفي الحج، الذي هو المناسبة التي يجتمع فيها المسلمون من كل مكان، ويتوحدون معاً بالصلاة خلف إمام واحد، ويؤدون نفس الشعائر وفي نفس الوقت، وينامون في نفس المكان، ويلبسون نفس اللباس، ويحتفلون بعيد الأضحى جمعياً، فإن حجاج إيران ورفاقهم يخرقون الوحدة الإسلامية، فيقفون بعرفة يوم العيد! ويخالفون العالم الإسلامي كله في عيدي الأضحى والفطر! بل وأزيد من هذا أنهم يخالفون شركاءهم في الوطن في يوم العيد!

فمتى ننتهي من هذه اللعبة السمجة، ومن المتاجرة السياسية بالدين؟! فإذا كانت إيران تريد الوحدة الإسلامية، فلتكف عن سياسات وشعائر الفرقة أولاً، ومن ثم نبحث وندرس خطوات عملية للتقدم نحو هذه الوحدة.



مقالات ذات صلة