الإمامة والسياسة أو الوجه الآخر لإيران

بواسطة عز الدين بن الحسين القوطالي قراءة 2300

الإمامة والسياسة

أو الوجه الآخر لإيران

 

مازال البعض من مثقفي هذه الأمة يتصوّرون أن إيران دولة إسلامية صديقة يمكن الاعتماد عليها عند الشدائد والاستفادة منها في مواجهة التحديات التي تواجه الوطن العربي والاحتماء بها باعتبارها تمثل في اعتقادهم عمقاً إستراتيجياً للعرب مهد الرسالة المحمدية والعالم الإسلامي من ورائهم ؛ فإيران بالنسبة لهؤلاء هي مصدر الثورة العارمة ضد الاستكبار العالمي ممثلاً في الإمبريالية الأمريكية أو الشيطان الأكبر كما سمّيت من طرف الخميني ومنبع عقيدة الجهاد المتواصل ضد كافة أشكال الظلم والاستعباد والاضطهاد ومركز المبادئ الإسلامية الصافية الأصيلة التي لم تشوهها القيم المادية السائدة في العصر الحديث كالأنانية والانتهازية والضعف والهوان والإستقواء بالأجنبي وموالاة الشيطان ؛ بل إن الإسلام في هذه المرحلة وحسب هؤلاء المثقفين وأشباه المثقفين قد وجد نفسه في ما سمي بالثورة الإيرانية التي أعادت له بريقه بعد أن كادت تذهب به رياح الخنوع والانحطاط التي هبّت على الأمة منذ سقوط بغداد على يد المغول والتتار.

إن مثل هؤلاء المثقفين أصبحوا اليوم يثيرون الشفقة بعد أن اصطدمت أحلامهم ومعتقداتهم بحقيقة مرّة كانت غائبة عنهم طيلة عقود من الزمن ومفادها أن إيران لم تكن يوماً صديقة للعرب أو حريصة على إعلاء كلمة الإسلام ونشر القيم والمبادئ الإسلامية ومقاومة الظلم والاستكبار العالمي فكلّ ذلك مجرد شعارات للاستهلاك ودعاية مكشوفة للقاصي والداني غايتها ذرّ الرماد على العيون إذ أن العقيدة التي أوصلت العمائم إلى الحكم في طهران لم تكن إلاّ وسيلة لتحقيق طموحات قديمة متجددة في استرجاع أمجاد دولة الفرس التاريخية على حساب العرب والإسلام وفي سبيل تحقيق ذلك الحلم طغت الحسابات السياسية الضيقة على الحكومات الإيرانية المتعاقبة منذ 1979 والى يومنا هذا . وها أننا اليوم نقف عند مثال حيّ لانتهازية النظام الحاكم في طهران ونفاقه وأنانيته المفرطة بمناسبة طرح إمكانية الحوار مع الولايات المتحدة حول العراق بمبادرة من عبد العزيز الحكيم رئيس ما يسمى بالمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق وبمباركة من المرجعية الدينية في النجف الأشرف .

ولا بدّ من التذكير في هذا المجال أن الاتصالات بين إيران والشيطان الأكبر كما يسمونه لم تنقطع منذ قيام الثورة الإيرانية بل إنها تطوّرت وتعزّزت وتشابكت بشكل ملحوظ فقد سبق للمرجع الشيعي اللبناني السيد محمد حسين فضل الله أن صرح في صحيفة الخليج بتاريخ 21/12/2002 (( أن الحوار لم ينقطع بين إيران وأمريكا في بعض القضايا التفصيلية هنا وهناك ما يوحي أن الحوار في التفاصيل قد يجعل فكرة الحوار في المبادئ أكثر واقعية.)) فعن أيّة مبادئ يتحدث السيد فضل الله وقد سبق لإيران أن ترجمت مبادئها عبر فضيحة – إيران غيت- وصفقة الأسلحة الإيرانية الصهيونية بوساطة أمريكية وزيارة ماكفرلين عضو مجلس الأمن القومي الأمريكي ومستشار الرئيس ريغن لإيران في بداية حرب الخليج الأولى والتقائه خلسة بالمسئولين الإيرانيين والخدمات الجليلة التي قدمتها الجمهورية ( الإسلامية) إلى قوات الغزو الأمريكي في أفغانستان والعراق إذ يقول علي أكبر هاشمي رافسنجاني خلال خطابه في جامعة طهران يوم 08/02/2002 (( إن القوات الإيرانية قاتلت طالبان وساهمت في دحرها وأنه لو لم تساعد قوّاتهم في قتال طالبان لغرق الأمريكيون في المستنقع الأفغاني ويجب على أمريكا أن تعلم أنه لولا الجيش الإيراني الشعبي ما استطاعت أمريكا أن تسقط طالبان – نقلا عن جريدة الشرط الأوسط بتاريخ 09/02/2002- )).

إن الحوار أو قل التآمر الإيراني الأمريكي على الوطن العربي ثابت من خلال العديد من المؤشرات والمعطيات التي قد لا تعجب أنصار ما يسمى بالثورة الإسلامية ولكن الحقيقة في بعض الأحيان قد تكون مرّة المذاق والسياسة لها أحكامها كما يقولون فلا عداوة دائمة ولا صداقة دائمة وإنما مصالح دائمة وقد التقت مصالح إيران وأمريكا وتقاطعت في بلاد الرافدين على حساب المبادئ والعقيدة التي تبجّح بها الإيرانيون زمناً طويلاً ومازالوا يتبجحون. أنذكّرهم بما ردده إمامهم الخميني مراراً وتكراراً وفي كل المناسبات ؟؟ حسناً... لقد صرّح الخميني قائلا: (( إن أمريكا هي العدو الأول للشعوب المحرومة والمستضعفة في العالم )) وأضاف في موقع آخر (( إن مواجهة أمريكا هي على رأس قضايانا الإسلامية في الوقت الراهن وإذا تشتت قوانا اليوم فسيكون ذلك لصالح أمريكا عدونا اليوم هو أمريكا ويجب تجنيد كل الطاقات لمواجهة هذا العدو...)) كما صرح قائلا: (( علينا أن نقيم العزاء في اليوم الذي تبادر فيه أمريكا لمدحنا..)) وأضاف كذلك (( إن العدو الأول للإسلام والقرآن الكريم والرسول العظيم هي القوى الكبرى خصوصا أمريكا وربيبتها الفاسدة إسرائيل...)).

هل تريدون المزيد ؟؟ طيب... إليكم ما قاله الخميني كذلك في أمريكا أو الشيطان الأكبر:((إن أمريكا هي العدو الأول للشعوب المحرومة والمستضعفة في العالم..)) وقال : (( إننا لا نثق بالقوى الكبرى إلى درجة أنهم إذا قالوا صدقاً فإننا نعتقد أنهم إنما قالوا ذلك لاستغفال الناس...)).

 هكذا إذن تبدو أقوال وتصريحات رموز ما يسمى بالجمهورية الإسلامية في إيران وعلى رأسهم صانع الثورة ولكنها تبقى مجرّد تصريحات لا معنى لها إذا لم تترجم على أرض الواقع من خلال ممارسة النضال ضد الامبريالية الأمريكية وأذنابها في العالم طالما أن الجهاد ضدّ أمريكا هو واجب شرعي حسب عقيدة الخميني وأتباعه ولكن ما نشهده اليوم لا صلة له بالعقيدة والمبادئ والقيم الإسلامية والشعارات الفضفاضة التي يرفعها الإيرانيون من هنا وهناك فالفعل والممارسة يتناقضان مع المعتقد والمبدأ هذا إن كان هناك معتقد ومبدأ أصلاً لدى الإيرانيين وإلاّ بماذا نفسّر صمت إيران تجاه الاحتلال الأمريكي لبلاد الرافدين وتدنيسها لمقدسات المسلمين ؟؟ أليس العراق بلداً مسلماً احتله الكفار؟؟ وكيف يمكن التعاون مع كافر على مسلم؟؟ لقد نسي الإيرانيون بل تناسوا الأحكام الشرعية التي وردت في القرآن الكريم حول هذه المسائل كقوله تعالى (( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق)) وقوله في سورة النساء : (( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا)) وقوله في سورة آل عمران: (( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه والى الله المصير)).

إن تناقض الخطاب مع الممارسة أصبح من مميزات نظام العمائم في طهران الذي مازال والى يومنا هذا يصرّ على احتلال الأرض العربية مجسدة في إمارة المحمرة والجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى ويقيم الدنيا ولا يقعدها إذا تحدّث أحدهم عن عروبة الخليج ويختلق الذرائع والمبررات للتدخل السافر في شؤون العراق وبثّ الفتنة الطائفية فيه واستثمار الوضع السياسي هناك لتحقيق مكاسب ومصالح ذاتية على حساب العراقيين ومدّ يده إلى الشيطان إن لزم الأمر والجلوس معه بنفس الطاولة للتفاوض حول سبل القضاء على المقاومة الوطنية الباسلة كلّ ذلك وأبواق الدعاية في طهران مازالت تردد نفس الشعارات التي ثبت زيفها وبهتانها وتناقضها مع ما يحدث على أرض الواقع من تعاون أمني وسياسي مع الشيطان الأكبر بواسطة عملائها المشتركين مع أمريكا أمثال الجعفري والحكيم وغيرهم.

 

عز الدين بن الحسين القوطالي

تونس في: 14/2/2007م

 



مقالات ذات صلة