علاقة حماس مع طهران من الرابح ومن الخاسر
مراسل لجنة الدفاع عن عقيدة أهل السنة في فلسطين
يدور في الشارع الفلسطيني وكذلك العربي العديد من التساؤلات عن علاقة حماس بإيران ومدى هذه العلاقة وماذا ستجني لنا هذه العلاقة في ظل غليان في الشارع العربي على إيران التي ظهرت وكشرت عن أنيابها وأيقظت من كان مذهلا بما تقدمه بعد عملية إعدام الزعيم العراقي الراحل صدام حسين وفيما يلي نستعرض هذه العلاقة و أسبابها وكيف استفادت منها طهران لأبعد الحدود لتكرس لنا مفهوم أن الدولار الفارسي لا يعطى دوما إلا بشروط مسبقة .
نشأت علاقة حركة حماس مع طهران عن طريق منظمة حزب الله اللبنانية وذلك في عام 1992 عندما أبعدت القوات الصهيونية 415 من قيادات حركة حماس والذين تحول العديد منهم إلى قيادات ذات وزن على الشارع الفلسطيني وكذلك على قرارات حماس أمثال عبد العزير الرنتيسي وإسماعيل هنية ومحمود الزهار ثم تطورت العلاقة حتى وصلت أوجها بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية العام الماضي وسيظهر كيف استطاعت طهران أن توظف هذه العلاقة لمصالحها .
العوامل التي ساعدت على توطيد العلاقة بين حماس وطهران
1. الخطاب الحماسي الذي تستخدمه إيران ضد الكيان الصهيوني والتصريحات السياسية التي تدعو لمحو دولة الكيان الصهيوني من على الوجود والمؤتمرات التي تعقد باسم دعم القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني .
2. حاجة حركة حماس الشديدة للمال من أجل تسيير أمورها الحركية مع العلم أن إيران أخذت على عاتقها تزويد حركة حماس بالمال إبان فتح مكتب لحركة حماس في طهران ولقاء قادة الحركة وممثليها هناك بعدد من قيادات الحرس الثوري الإيراني ومرشد الثورة الإيرانية علي خامنائي ومن المعروف أن الخناق زاد على حركة حماس بعد فوزها في الانتخابات التشريعية والحصار الدولي الذي فرض عليها من قبل الولايات المتحدة وحلفائها جعل حركة حماس توطد علاقتها أكثر مع إيران التي أعلنت عن دعمها المباشر عبر وسائل الإعلام لحركة المقاومة الإسلامية حماس بمبلغ خمسين مليون دولار دفعة أولى للحركة وذلك مباشرة بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية العام الماضي فضلا على الإنفاق على مشروعات البنية التحتية التي دمر منها الكثير على يد الآلة الصهيونية الغاشمة ومعروف أن كل هذه الأمور مطالبة حماس ببذل جهود جبارة لإعادة إعمارها وهو ما يجعل للمساعدات الإيرانية دوراً واضحاً.
3. ضعف علاقة حركة حماس مع الدول السنية المعتدلة مثل السعودية ومصر والأردن والحملة الشرسة التي تعرضت لها حركة حماس في الأردن وإغلاق مكتبها هناك مما حدا بسوريا – الحليف الاستراتيجي لإيران - إلى احتضان حركة حماس ورئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل والزيارات المتكررة لقادة الحرس الثوري الإيراني لدمشق ولقائهم المتواصل والمستمر بخالد مشعل وطد العلاقة بشكل ملحوظ جداً مما دفع البعض إلى اتهام خالد مشعل بتلقي الأوامر من الإيرانيين مباشرة.
4. تساهل جماعة الإخوان المسلمين التي تنتمي إليها حركة حماس في المسائل العقائدية وعدم تأثير هذه المسائل على قرارات حماس السياسية أو حتى علاقتها مع الدول التي تنفذ مذابح مستمرة ضد المسلمين مثل إيران في العراق وروسيا في الشيشان .
5. غياب التحليل السياسي الواقعي حيث لا تنظر حركة حماس إلى خطورة المشروع الإيراني الصفوي الساعي للسيطرة على المنطقة وتغض حركة حماس الطرف عما تقوم به إيران من دعم للمليشيات العراقية التي تقوم بارتكاب أفظع المجازر ضد أهل السنة في العراق الجريح بل للأسف تجد جماعة الإخوان المسلمين تقف إلى جانب المشروع الصفوي وإرباكاته السياسية التي تنفذ عبر منظمة حزب الله في لبنان ويتضح ذلك من خلال تأكيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في تصريح له وقوفه إلى جانب إيران في حال مهاجمة إسرائيل لها حيث صرح قائلا : حماس سوف تقف في صف إيران إذا شنت الدولة اليهودية هجوماً على مفاعلاتها النووية انطلاقاً من أن إيران هي الحليف القوي لحركة حماس في المنطقة ".
والآن ... وبعد ذلك كله ماذا جنت إيران من مكاسب جراء هذه العلاقة وكيف وظفت هذه العلاقة لتحقيق مطامع صفوية بحتة.
المكاسب التي تجنيها إيران من خلال علاقتها مع حركة حماس
1. بناء منظومة معقدة من التحالفات الموالية لإيران :
إيران تعتبر حركة حماس جزء من منظومة معقدة سوف تخدم القضايا الإيرانية بالدرجة الأولى هذه المنظومة متمثلة في عدد من الملفات الساخنة والتي تمتد من العراق مرورا بحزب الله في لبنان انتهاءً بحركة حماس في فلسطين وهذا لا يعني أن المجتمع الدولي سيتفاوض مع إيران عبر بوابة واحدة وهي بوابة الملف النووي بل إن طهران تعمل على تكوين شبكة من التحالفات الإقليمية وأي مفاوضات حولها أو معها سيكون له دور واضح في خدمة القضايا الإيرانية هذا بالإضافة إلى سعي إيران الحثيث للحصول على دور مؤثر في الصراع الدائر في الأراضي الفلسطينية بل بدا ذلك جليا وواضحا بعد عملية الوهم المتبدد التي كانت في شهر يونيو من العام الماضي بأوامر مباشرة من خالد مشعل صاحب نصيب الأسد في التصريحات الحمساوية الموالية لإيران والتي كانت سببا في تفجير الوضع في الأراضي الفلسطينية إلى حد تحولت فيها حياة الفلسطينيين من بعدها إلى جحيم في حين لم يكن إسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني موافقا أصلا على توقيت العملية في هذا الوقت بالذات مما حدا بالكثير من المحللين إلى اتهام مشعل باتخاذ قرارات من أجل خدمة إيران وأجندتها حيث قام حزب الله اللبناني بعملية مشابهة له في الجنوب أدت إلى تفجير الوضع على الساحة اللبنانية وكلها خدمت المشروع الإيراني لأبعاد لسنا بصدد سردها.
2. تحقيق قيادة العالم الإسلامي:
تقوم إيران بدعم القضية الفلسطينية عبر خطاباتها الحماسية وتصريحاتها المعادية لإسرائيل وللولايات المتحدة وذلك من أجل تحريك الرأي العام والشعور الديني للدفاع عن إيران ومعاداة الولايات والمتحدة وذلك ضمن سياسة هادفة لتحقيق قيادتها في العالم الإسلامي وهذا الأمر بالذات يعطي إيران قوة تمثيلية إسلامية تتعدى إطار القاعدة الشيعية لتشمل المسلمين من المذاهب الأخرى.
3. حصول المشروع الصفوي على غطاء مقبول:
ترى إيران أن قضية فلسطين ودعم حركة حماس المحاصرة دوليا- والتي لها سيرتها العطرة في مقاومة الصهاينة وعدم الرضوخ للاملاءات الصهيونية - أفضل طريقة لحصول المشروع الصفوي على غطاء مقبول لدى شعوب المنطقة المسلمة.
4. السكوت عن حركات التشيع التي بدأت تظهر في الأراضي الفلسطينية:
لا شك أن الناظر بعين ثاقبة إلى غزة والضفة الغربية يرى أن شعب فلسطين هو شعب سني بالدرجة الأولى ولا يوجد في داخل قطاع غزة أو الضفة الغربية حسينية واحدة للشيعة ولكن بدأت في المدة الأخيرة تظهر بعض التصريحات وبعض البؤر للتشيع وهي تابعة بالدرجة الأولى لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين وهي ليست مثل حماس التابعة لجماعة الإخوان المسلمين العالمية وإن حركة الجهاد الإسلامي تابعة في سياستها وخطابها وإستراتجيتها لإيران مباشرة ويظن أن جميع قراراتها تصاغ هناك إما في دمشق أو طهران وحركة حماس تسمع تصريحات العديد من قادة الجهاد وهم يتحدثون عن الصحابة بطريقة شيعية بحتة وهي تقرأ كذلك مقالات مجلة الاستقلال التابعة لحركة الجهاد الإسلامي وهي تتهجم على الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين ولكن حركة حماس لا تحرك ساكناً تجاه هذه الأمور لأن ذلك سيغضب –كما تدعي - حليفتها الإستراتيجية إيران.
و في عام 2000 وفي شهر فبراير بالتحديد حدث اشتباك بين عناصر حماس وحركة الجهاد الإسلامي الموالية لإيران مما أثار حفيظة الإيرانيين ومنظمة حزب الله اللبناني الأمر الذي طالب فيه علي خامنائي بتشكيل لجنة خاصة لمنع تعرض أفراد الجهاد لاعتداءات مستقبلية.
وحركة الجهاد الإسلامي هي حركة صغيرة مقارنة بحركة حماس صاحبة النفوذ الواضح في الشارع الفلسطيني لذا كان لابد من شراء حركة حماس لإضفاء نوع من المصداقية على ما تقوم به حركة الجهاد الإسلامي من تشييع ليس سياسيا كما يعتقد البعض بل عقدي من خلال الدورات السرية التي تعقدها وكذلك ترتيب الزيارات المتكررة لطهران وقم للعديد من عناصرها وكل هذا تعلمه جيدا حركة حماس لكنها تغض الطرف عنه لأن ذلك ليس من مصلحتها.
5. تحسين صورة إيران:
تحسين صورة إيران إسلامياً وعربياً بعد الصورة القذرة لها من خلال ما يحدث في العراق من تقتيل وتهجير على أيدي المليشيات المدربة على أيدي الحرس الثوري الإيراني.
6. الحصول على تصريحات تخدم الثورة الخمينية:
وذلك من خلال التصريحات التي تصدر عن قادة حركة حماس بشأن الخميني والتي من شأنها الترويج لتصدير الثورة الخمينية ومن المعروف أن تصريحا لقائد كم يكون له من الأثر الواضح على الرأي العام ومن أمثلة ذلك :
أ. التصريح المنسوب لخالد مشعل في طهران والذي نشرته وكالة مهر الإيرانية " بأن حركة حماس هي الابن الروحي للخميني " .
ب. التصريح الذي أدلى به إسماعيل هنية في مهرجان انطلاقة حماس بتاريخ 15 – 12 –2006 والذي أدلى به بعد عودته من زيارة مباشرة من طهران حيث افتخر فيه بان خامنائي أعطى الوفد الفلسطيني الزائر له وقتاً لا يعطيه لأي وفد آخر .
ولكن ماذا جنت حماس من جراء علاقتها مع طهران بل ماذا خسرت فالدعم الذي تتلقاه حماس من إيران تتلقى أضعافه من الدول العربية ومن العديد من الممولين العرب السنة وإليك أول خسائر حماس بسبب علاقتها مع طهران
خسائر حركة حماس من هذه العلاقة
تجلت الخسائر الفادحة لحركة حماس وبصورة فادحة من جراء علاقتها بإيران في المدة الأخيرة وتطورها بعد جريمة إعدام الرئيس الراحل صدام حسين في أفظع جريمة عرفها القرن الحالي نظرا لتوقيت العملية الحساس والتي أساءت إلى مشاعر أكثر من خمسة وثمانين بالمائة من مسلمي العالم وعليه فإن حركة حماس خسرت على الصعيدين الفلسطيني والعربي :
على الصعيد الفلسطيني:
أعدم صدام حسين في وقت كان الشارع الفلسطيني في أوج فتنة داخلية ساخنة وصدام حسين يعني الكثير بالنسبة للفلسطينيين الذين خرجوا في مسيرات حاشدة استنكارا لإعدامه ومكبرات الصوت التي كانت تجوب شوارع القطاع لنعي صدام ما زال صداها في الآذان وشكل ذلك إحراجاً لحركة حماس التي تعتبر حليفا لطهران وراحت حماس في ندواتها تقول إن علاقتنا مع الإيرانيين إنما جاءت لخدمتنا وخدمة القضية الفلسطينية ولكن ذلك لم يرق للكثير بل اتهمها مئات الآلاف ممن حضروا مهرجان انطلاقة حركة فتح بالتشيع وأصبحوا يرددون " لا للشيعة لا للقتلة " وأصبحت كلمة شيعة تطلق على أفراد القوة التنفيذية التابعة لحركة حماس .... كل ذلك أحرج الحركة بطريقة واضحة على الساحة الفلسطينية ,,وأصبح العديد من المراقبين وخطباء الجمعة يطالبون حماس بمراجعة حساباتها مع طهران الرافضية التي افتضحت بطريقة أرادها الله سبحانه وتعالى ولا جدال بأن التأييد الجماهيري للحركة – والذي تعول عليه حركة حماس دوما الكثير بل هو رأس مال الحركة - تأثر بشكل ملحوظ بسبب هذه العلاقة ومما زاد الأمر حرجاً أن إعدام صدام تزامن مع كلمات هنية بحق الخميني والتي ذكرناها سابقاً الأمر الذي دفع بعض الصحف إلى مطالبة هنية بالتمسح بعباءة الخميني ليتدخل لمنع ذبح الفلسطينيين على أيدي المليشيات الشيعية المدعومة إيرانياً.
أما على الصعيد العربي فإن حركة حماس تدعي أنها تتلقى دعماً مادياً من طهران في ظل الحصار المفروض عليها وأنها تجد متنفساً في هذا الجو الخانق ولكن الناظر إلى المساعدات العربية لحكومة حماس أكبر بكثير من المساعدات الإيرانية في حين وصل الدعم العربي إلى نصف مليار دولار منذ أكثر من عام في كل شهر يتم تحويل ملايين الدولارات كمساعدات إنسانية.
معنى هذا أن الدعم العربي يفوق كثيرا الدعم الإيراني هذا بالإضافة إلى أن الشعوب العربية خاصة في دول الخليج تتحسس جداً من علاقة حماس مع طهران ودوما تعتبر هذه العلاقة المثلب الأول على حركة حماس التي ينبغي لها دوماً أن تكون في فسطاط العروبة حتى تحافظ على كرامتها وعزتها كما وتغضب تستفز هذه العلاقة العديد من رجال الدين في العالم العربي خاصة من حملة العقيدة الصحيحة وممن لديهم اهتمامات بالشأن العراقي أيضاً.
كل هذه الأمور تدل على مدى الربح المحقق للإيرانيين في حين لا يتجاوز دولارات معدودة لحركة حماس هذا بالإضافة إلى أنه من المعروف أن الثعلب الفارسي لا يمكن أن يدفع دولاراً واحداً دون مقابل أو ثمن.
ومن هنا ندعو حركة حماس للتمسك بعروبتها وإسلاميتها ولا تدفعكم الحاجة إلى الكارثة، كما وندعو حماس لتسجيل بطولات بعيدة كل البعد عن الثعلب الفارسي.