محمد فاروق الإمام
قد يتفهم الإنسان دوافع الدول الكبرى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى لامتلاكها السلاح النووي، وكذلك حال الصين التي تعد الأولى عالمياً من حيث عدد السكان وكقوة عالمية لها وزنها الاقتصادي والصناعي، وكذلك الحال بالنسبة إلى الهند ثاني دولة عالمية من حيث عدد السكان وخشيتها من الجارة الصين، وكذلك الحال بالنسبة إلى باكستان التي تتخوف من جارتها الهند، وامتلاكها السلاح النووي هو للردع بالنسبة لها.
أما كوريا الشمالية وقد تمكنت من امتلاك السلاح النووي وهي من الدول الأفقر في العالم، ومن أعتى "الأنظمة الديكتاتورية" في محيطها، ولم تجن من سلاحها النووي إلا المقاطعة من معظم دول العالم، وحرمانها من أية علاقات تجارية معها، وبالتالي فإن شعبها لم يستفد من السلاح النووي إلا مزيداً من الجوع والفقر والتخلف والقهر والعبودية.
أما إيران الطموحة إلى امتلاك السلاح النووي، في مقابل تبديد مواردها في مغامراتها في سورية أو دعمها لـ"حزب الله" اللبناني، ودعمها للحوثيين في اليمن، ودعم ميليشيات "الحشد الشعبي" في العراق، أو طموحاتها في توسيع برنامجها النووي، وهذا كله لن يحقق سوى المزيد من المعاناة للشعب الإيراني، وإن استمرار الاحتجاجات في إيران لا ينبغي أن يفاجئ أحدا، فالشعب الإيراني يطالب قادته بمشاركته بثروات البلاد والاستجابة لاحتياجاته المشروعة، ولكن أصحاب العمائم السوداء لا يلتفتون لحال شعبهم وما يعانونه، بل يلجؤون إلى الأساليب القمعية عينها والمتمثلة في القمع وسجن المتظاهرين وعدم الاستجابة للإحباط الذي يشعر به الإيرانيون، وقد ملّ الشعب الإيراني من الفساد والظلم وعدم كفاءة قادته، والعالم يستمع إلى صوته، دون أن يحرك ساكنا.
لقد تظاهر عشرات التجار الإيرانيين، أمام مبنى "البرلمان" بالعاصمة طهران، في عدة مناسبات، احتجاجًا على تدهور الوضع الاقتصادي في البلاد، وأعلن عشرات التجار "إضرابًا" عامًا في العديد من المدن الإيرانية دعمًا للمتظاهرين بطهران.
وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني يؤكد في كل مرة عدم نية حكومته الاستقالة على خلفية الانتقادات الموجهة لها بخصوص الأزمة الاقتصادية التي تواجهها البلاد، وكان يتبجح في كل مرة بالقول: “إذا كان البعض يعتقد أن الحكومة خائفة وستتنحى فهو خاطئ، فالحكومة لن تستقيل”.
وتواجه إيران تحديات ومشكلات اقتصادية كبيرة، بسبب العقوبات الاقتصادية الأمريكية على خلفية برنامجها النووي والصاروخي، وارتفاع معدلات البطالة وسعر الصرف.
ولو نظرنا إلى كل الدول الملاصقة لإيران لوجدنا أنها كلها على علاقة ودية معها، ولا تضمر لها أي عداء، بل بالعكس تعمل على خطب ودها والتقرب منها، لتتجنب يدها الطولى وطموحاتها وأجندتها والتدخل في شؤونها الداخلية، فكلنا عشنا مأساة الشعب الأفغاني والشعب العراقي اللذان كانا ضحية دعم إيران للدول الاستعمارية لاحتلالها، وتدمير مؤسساتها والقضاء على أنظمتها وتجويع شعبهما وتمزيق لحمتهما الاجتماعية، وبذر الفتنة الطائفية بين نسيجها الاجتماعي، وتشجيع الحروب بينها وتفشي القتل والثأر بينها.
ولم تكتف إيران بما جرته على العراق وأفغانستان بل امتدت يدها الآثمة إلى سورية واليمن، وتعمل فيهما ذبحاً وقتلاً وتخريباً تحت يافطة “يا لثارات الحسين” و”لبيك يا زينب” ولتحيل مدن سورية واليمن إلى بحيرات من الدماء لم ترتوي منه بعد، فهي تمد نظام الإجرام في سورية وتدعمه وتجيّش الميليشيات الرافضية من كل لون وجنس للحيلولة دون سقوطه، وكذلك الحال بالنسبة لليمن فهي تدعم الحوثيين وتمدهم بما تملك من ترسانة تهدد فيها الكيانات العربية في الخليج.
ومع كل ما تقوم به إيران من فظائع في أربعة بلدان عربية (العراق وسورية واليمن ولبنان) إضافة إلى دول الخليج، فإن النفاق العالمي يطلب ودها والتسابق على الرضوخ لشروطها، للعودة للعمل بالاتفاق النووي الذي سبق وانسحبت منه أمريكا، وإن كان هناك من أمر سعت إيران إلى إنجازه بشدة خلال السنوات الماضية، فهو التمكين من كل نفوذ محتمل يبعث على تشتيت القوى الدولية في نواح عدة، مما يمنحها مزيداً من الأوراق عند الجلوس مجدداً إلى طاولة المفاوضات النووية، للعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة أو ما يعرف بـ “الاتفاق النووي” الذي انسحبت منه واشنطن في ظل إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب عام 2018، وخرقت طهران بنوده.
وعلى صعيد الأمن الإقليمي، فخلال العام 2019 كانت إيران ووكلاءها وراء هجمات استهدفت ست ناقلات نفط، كما استهدفوا البنية التحتية للنفط السعودي، وهو الأمر الذي لم يتوقف حتى العام الحالي، إذ شهدت الأيام الماضية تصاعداً مطرداً للهجمات التي تتعرض لها السعودية بواسطة الطائرات المسيّرة، وأعلنت قوات تحالف دعم الشرعية اليمنية بقيادة السعودية، الأربعاء، أن مطار أبها الدولي تعرض للاستهداف، متهمة ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران بالوقوف وراء الهجوم.
فأي عهر سياسي يجتاح العالم خدمة للقوي في مواجهة الضعيف، وتسهيلاً للقاتل في ذبح الضحية حتى لا يتعكر مزاجه!!
المصدر
*وكالة الأناضول-27/6/2018
*اندبندت عربية-14/2/2021
المصدر : مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية
6/9/1442
18/4/2021