مئذنة الأموي 1
سوريا لا تغيب عن الذهنية العامة، فهي حدث متجدد، وطبيعي أن تأخذ حجماً كبيراً على كل المستويات العربية والدولية، ولعل وقائع الأسابيع الماضية، تكشف أن النظام بدأ يفقد اتجاهه، فمن مأزق جوزيف سماحة الذي كشف مؤامرة تفجير وقتل مجموعات وقيادات إسلامية ومسيحية لبنانية، إلى القبض على عناصر إيرانية متورطة عسكرياً مع اللانظام والذين أسرهم الجيش الحر، وتعدد الهاربين من القيادة العليا والجيش، إلى خطاب الأسد المرتبك والذي قال إنه يريد تنظيف المجتمع السوري، وهو كلام لا يقوله عامل في تنظيف الشوارع العامة..
وتأتي الطامة الكبرى بين مندوب سوريا في الأمم المتحدة بشار الجعفري ووزير خارجية فرنسا لوران فابيوس الذي قال للمندوب السوري: «إن جد رئيسكم الأسد طالب فرنسا عدم الرحيل عن سوريا أثناء استعمارها، وعدم منحها الاستقلال بموجب وثيقة محفوظة في وزارة الخارجية الفرنسية»!!
تتالي هذه الوقائع يكشف عري السلطة، وأن خيانة سوريا لم تبدأ مع الأبناء والأحفاد بل مع الجد وقبل ستة وثمانين عاماً من هذا العام، وهذا الكشف ليس جديداً فقد نشر في العديد من المصادر حتى أن الترحم على اليهود الطيبين والمسالمين ورد بنفس نص الوثيقة وهم وقتها يرسمون خطط الاستيطان وبلورة الدولة اليهودية، وهذا الطور المبكر من الخيانة، هو ما يكمل سيناريو اليوم، أي أن عقدة الطائفة تعالت على الوطن، واستهدافه من بيع الجولان إلى قتل الشعب.
لقد وصل الحكم الطائفي بغفلة من القيادات العائلية السورية الشهيرة التي مهدت إلى أن يقفز العلويون للجيش ومن ثم السيطرة على جميع واجهات الدولة وملئها بعناصر الطائفة، وطالما ظل الجميع يعامل الأقليات السورية بالقدر الذي يعامل به أي مواطن، فقد لا يكون الأسد يمثل كل الطائفة، وبالتالي فالعداء مع جانب من التشكيل الوطني السوري خطأ، حيث لا تؤخذ أقلية تلاحمت روحياً وعملياً مع الأسد، لتعميم ذلك على كل العلويين، فحتى بالطوائف الكبرى والصغرى، هناك عناصر مماثلة انتهازية، وضرورة أن تعطي المعارضة والجيش الحر ضمانات التعامل مع العلويين وفق الحق الوطني بحيث لا تنشأ خلافات تجر إلى حروب تدخل فيها قوى أخرى، لأن المحافظة على الوحدة الوطنية، إحدى مهمات من يسعون إلى انتزاع حرية سوريا من قبضة الدكتاتورية القائمة.
إيران الحليف المعلن لسوريا، حاولت تسويق قضية الأزمة السورية في قمة عدم الانحياز، لكنها فوجئت بأن ادارة التدليس لم تنطل على القيادات والوفود، لأن مشاهد الواقع أقوى من شهادات الزور والتزوير، وبالتالي كان انسحاب الوفد السوري ضربة للطرفين مما كرس العزلة الحقيقية والاستنكار العالمي للمجازر والتعدي على حقوق وطن بملايينه وثرائه وإنسانه.
المشهد السوري بدأ يأخذ اتجاهات تتناقص فيه قدرة السلطة على الصمود، وحتى مع المواقف غير الإنسانية في مجلس الأمن ومعاناة الشعب، برهن المواطن السوري أنه فصل الخطاب والمعادلة الصعبة في قهره أن لا يكون حراً مهما تضاعف شلال الدم وأعداد الشهداء