جمع وإعداد: علي خطّاب
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين وصحابته الغر الميامين ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد.
فقد نُسب قديماً إلى المسيح عليه السلام قوله (من ثمارهم تعرفونهم) فالشجر الأصفر اليابس لا يثمر غالباً ولذا باتت خاصية الإثمار علامة لجودة أو سوء النبتة ، لكننا اليوم أمام حزب قاده الزخم الإعلامي البرّاق إلى القمة، وقادته نوايا الناس الساذجة الباحثة عن حلم (جيش صلاح الدين الأيوبي) إلى مزيد من المصداقية.
حزبٌ حرص منذ بداية تأسيسه إلى اليوم على إخفاء طوامه واستغلال مواجهاته مع إسرائيل لتمليع نفسه بين أوساط المسلمين.
ولهذا نرى أنّ المعادلة الأكثر تأثيراً وبياناً لحقيقة حزب الله اللبناني هي معادلة (من جذورهم تعرفونهم) إذ أنّ الناس قد اغتروا بجمال منظر الثمرة ولم يذوقوا مرارتها ، ولهذا كان التركيز على جذور الحزب وبداية نشأته أكثر تأثيراً من التعليق على الأحداث الحالية، فإنّ الحية لا تلد إلا حية، وإنّ شجرة الزقوم لا يُرتجى من ورائها أن تُثمر بلحاً أو طلعاً!
وقد استعنت بالله العظيم بجمع ما تفرق في الكتب والتصريحات بحسب الوسع والطاقة وبالذات في هذا الوقت العصيب الذي اغتر فيه الكثيرون بحزب الله وبصواريخه التي أنجزت إعلامياً أكثر بكثير مما أنجزته في أرض اليهود المعتدين.
على أنّ كلامنا عن حزب الله نقداً وتقييماً لا يعني أننا نرتضي أفعال الإسرائيليين الآثمة في لبنان وفلسطين، فاليهود هم قتلة الأنبياء وأعداء الرسالات على مر التاريخ ، وتاريخهم الأسود يشهد لسوء معتقدهم وخبث طبعهم، وكلامنا عنهم لن يزيد ولن يُنقص، ولهذا كان التركيز في هذا البحث على حزب الله اللبناني وما يتعلق به.
والله نسأل أن يهدي أمتنا إلى ما فيه رفعتها ونصرها على أعداء الدين.
علي خطّاب
المرحلة التي سبقت تأسيس حزب الله:
انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان ، والذي جاء قبل موعده المحدد، كان مناسبة استثمرها قادة الطائفة الشيعية من العرب والعجم استثماراً نادر المثال، لاسيما وأن القوم يعرفون كيف يستغلون مثل هذه المناسبات.
لقد دعوا إلى مهرجانات خطابية في كل دولة ومدينة، بل في كل حي من الأحياء، ومن أهم ما قيل بـهذه المناسبة: الحديث الذي أدلى به الأمين العام لحزب الله اللبناني لإحدى الفضائيات العربية التي يستمع إليها عشرات الملايين من الناطقين بالعربية، ويبدو أن نصر الله قد أعد حديثه إعداداً جيداً، وعرف كيف يدغدغ عواطف المستمعين، كما عرف كيف يغمز من قناة الآخرين، والآخرون بالتأكيد ليسوا من أبناء طائفته.
تفاعل الناس،كل الناس مع القائد المنتصر، وأسبغوا عليه ألقاباً وأوصافاً ما سمع بمثلها صلاح الدين بطل حطين، ومحرر القدس من رجس الصليبيين، وأقول: ما سمع بمثلها صلاح الدين مع علمي بأن الشيعة يكرهونه غاية الكره، لكنني لا أعرف أن عندهم بطلاً مثل صلاح الدين أو أقل لنشبه نصر الله به، وذلك لأن للقوم موقفاً سلبياً من الجهاد كله ليس هذا موضع الحديث عنه، وإن كان طلاب العلم من السنة والشيعة يعرفونه.
ولا أعدو الحقيقة عندما أقول: لا أعرف حدثاً معاصراً أيده الحكام والمحكومون من الأوربيين الشرقيين والغربيين، والعرب، واليهود كهذا الحدث، ولكل فلسفته في هذا الشأن:
فاليهود تخلصوا من ورطة كلفتهم عدداً كبيراً من الضحايا، كما كلفتهم بلايين الدولارات.
والأوربيون - على مختلف دولهم - يحرصون على استقلال لبنان، ولا يتم هذا الاستقلال إلا إذا خرجت القوات العسكرية التي احتلته، ولهذا فهم يطالبون بخروج القوات العسكرية السورية بعد الإسرائيلية.
وأجهزة إعلام الحكومات العربية بالغت في نفاقها لحكومتي سورية ولبنان اللتين تدعمان حزب الله.
وأحزاب الشيطان وأعوانه وجدوا في هذا الحدث مادة خصبة للهجوم المسف على دعاة وجماعات أهل السنة.. هؤلاء - على حد زعمهم - الذين لا يعرفون إلا ترويع الآمنين، والتآمر على سلامة المواطنين، وإثارة النعرات الطائفية، وزرع الخوف والإرهاب في كل مكان تطؤه أقدامهم.
وكثير من الجماعات والهيئات الإسلامية السنية، أقاموا المهرجانات والاحتفالات في قليل من الدول التي تسمح بمثل هذا النوع من الأنشطة، وأرسلوا برقيات التأييد والتهنئة لقادة حزب الله مشفوعة بأسمى آيات التبجيل والتعظيم .. وإن تعجب فاعجب لقول أحد قادة هذه الجماعات لحسن نصر الله: إنك مجدد هذا العصر، وآخر يقول: إنك قدوة لشباب الإسلام .. يحدث هذا وملايين الناس يستمعون، وحق لأتباع هؤلاء القادة الذين ابتليت بـهم أمتنا في آخر هذا الزمان أن يقولوا:
هذا والله هو الإسلام [الشيعي] وهؤلاء هم الرجال والقادة والعلماء!! ترى ألم يتعظ أصحابنا من تسرعهم في تأييد ثورة الخميني، لاسيما وأن كلاً منهم ناله طعنات من غدر الشيعة بـهم، ووقوفهم إلى جانب أعدائهم، وفي جلساتـهم المغلقة يقولون الكثير ويشكون بمرارة مما يجعلنا نشعر أحياناً أنه لا فرق بين مواقفنا ومواقفهم، لكنهم لا يقولون شيئاً يغضب الشيعة في العلن، ويا ليت حظنا عندهم مثل حظ الشيعة.
اعتدنا في مثل هذه الساعات الحرجة أن يضيق أصحابنا ذرعاً من حوارنا معهم، ويردون علينا قائلين:
هل تريدون منا أن نقول: لا، لم يقاتل الشيعة في جنوب لبنان، ولم يقدموا ضحايا، وبالتالي: لم ينتصروا، ولم يرغموا الجيش الإسرائيلي على مغادرة لبنان قبل الموعد المقرر؟!.
مهلاً يا إخواننا: إننا ما أردنا ولا نريد بخس الناس حقوقهم، وندرك جيداً أن الله سبحانه وتعالى أمرنا أن نقول الحق كما أمرنا بالعدل في أمورنا كلها، وحاشا لله أن ننكر بأن حزب الله قاتل العدو الصهيوني، وألحق به ضربات موجعة، وكسر كبرياءه وغطرسته، وحرم المواطنين اليهود في شمال فلسطين الأمن والأمان طيلة عقد ونصف من عمر الزمن.
وإذا كنا نعترف بقتال حزب الله للجيش الإسرائيلي المحتل، فإننا نريد أن نضع هذا القتال في إطاره الصحيح دون زيادة ولا نقصان، وفصله عن هذا الإطار تشويه لتاريخنا الحديث، ومسخ للحقيقة، واستهتار بعقول أبناء أمتنا، ومن أجل وضع الأمور في إطارها الصحيح دعونا نبدأ القصة من أولها:
- منذ أن أذن الله لنا بالجهاد سلَّ سلفنا الصالح - رضوان الله عليهم - سيوفهم وانطلقوا في مختلف أرجاء الأرض ينشدون إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة، وكان فتح فلسطين على يد الصحابي الجليل عمرو بن العاص رضي الله عنه من ثمار هذا الجهاد المبارك.
وعرف المسلمون طوال مراحل التاريخ كيف يحافظون على المسجد الأقصى، وليس بيننا من يجهل سيرة البطل صلاح الدين الأيوبي، الذي استطاع تحرير الأقصى من رجس الصليبيين بعد استعمار نكد دام مائة عام، والشيعة من أشد أمم الأرض كرهاً لهذين القائدين العظيمين: عمرو بن العاص، وصلاح الدين الأيوبي.
- بعد الحرب الكونية الأولى دخلنا في صراع مرير مع الإنكليز الذين احتلوا فلسطين واستعمروها، ومع اليهود الذين سهلَّ لهم الإنكليز أمر إقامة وطن قومي لهم في أرضنا المباركة.
كان علماؤنا الأفاضل يقودون الأمة في مسيرة جهادها التي أخذت أشكالاً مختلفة، ونذكر من بين هذه الأسماء: الشيخ الحاج محمد أمين الحسيني مفتي فلسطين ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى، ورئيس الهيئة العربية العليا، والشيخ كامل القصاب، والشيخ عز الدين القسام، ثم الشيخ حسن البنا، والشيخ مصطفى السباعي، والشيخ أمجد الزهاوي، والشيخ محمد محمود الصواف رحمهم الله وأسكنهم فسيح جنانه.
- ولا نعرف للشيعة مشاركة في هذا الجهاد المبارك، بل ومن المؤسف أن شيوخهم في هذه المراحل كانوا مشغولين بتأليف الكتب التي يتهجمون بـها على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، ويسّفون في شتم أبي هريرة رضي الله عنه، وأقرب مثال على ذلك ما كتبه علامتهم في جبل عامل عبد الحسين شرف الدين، أما إيران الشاه فكانت على علاقة وثيقة مع إسرائيل، ومعظم آيات الشيعة كانوا من المؤيدين للشاه.
أستثني من ذلك مشاركة علامتهم في العراق - كاشف الغطاء - وربما أسماء قليلة غيره في المؤتمرات التي صارت تعقد في الخمسينيات من أجل فلسطين، وهذه المشاركة شيء آخر غير الجهاد.
- التجأ عدد كبير من الفلسطينيين إلى لبنان بعد الهزيمة التي منيت بـها الجيوش العربية في عام 1948، واستوطنت الغالبية العظمى منهم في بيروت وجنوب لبنان، ثم تضاعف هذا العدد بعد حرب أيلول 1970 بين منظمة التحرير والجيش الأردني، وانتقال عدد كبير من أعضاء المنظمة إلى لبنان، وما كانت لبنان لتقبل هؤلاء الوافدين الجدد لولا ضغط دول الجامعة العربية من جهة، وتعاطف أهل السنة حكاماً ومحكومين داخل لبنان من جهة أخرى.
تزايدت العمليات الفدائية التي تنطلق من الجنوب اللبناني ضد العدو الصهيوني بعد عام 1970، ولم تكن معدومة قبل هذا التاريخ، وكان الجانب النصراني في لبنان ضد العمل الفدائي، ومن الأدلة على ذلك استقالة رئيس الوزراء رشيد كرامي (24 نيسان 1969) احتجاجاً على اشتباكات الجيش المدعوم من رئيس الجمهورية شارل الحلو مع منظمة التحرير، وفي 23/11/1969 جرى توقيع اتفاق القاهرة بين العماد أميل البستاني قائد الجيش اللبناني وياسر عرفات رئيس منظمة التحرير. وقد أجاز هذا الاتفاق لمنظمة التحرير استخدام منطقة العرقوب لشن حرب عصابات ضد إسرائيل.
وجملة القول كانت العلاقات بين الجيش وقوات الأمن اللبنانية من جهة، ومنظمة التحرير الفلسطينية من جهة أخرى دائمة التوتر، لكنها لم تكن كذلك مع معظم رؤساء الوزارات اللبنانية.
- مما يجدر ذكره أن قوة منظمة التحرير تتمثل بحركة فتح، وحركة فتح لم تكن شيئاً لولا دعم الإسلاميين لها، ومعظم الذين شاركوا في إنشائها كانوا من الإخوان المسلمين أو من اتجاهات إسلامية أخرى، ونذكر من بينهم: خليل الوزير، آل الحسن [خالد، وعلي، وهاني]، محمد يوسف النجار، توفيق النتشة.
وإذا كان الفساد قد نخر عقول وقلوب قادة فتح إلا من رحم ربي منهم، وهم قليل، ففي قواعدهم رجال صالحون قُتِلَ كثير منهم بعمليات فدائية، ومن جهة أخرى فقد قبلت فتح أن تكون غطاء لجناح إسلامي يعمل بشيء من الاستقلالية، وكان وجود هذا الجناح في الجنوب اللبناني سبباً من أسباب توتر العلاقات، بين فتح ونظام الحكم في دمشق، الذي كان يتهم هذا الجناح بتنفيذ عمليات ضد النظام العلوي.
وخلاصة القول: فقد كان أهل السنة داخل لبنان وخارجه يتعاطفون ويتعاونون مع منظمة التحرير، ويُعتَبرونَ عمقاً لها، أما غير أهل السنة فيمد يده إليهم عندما تكون له مصلحة، وينأى بنفسه عنهم عندما تكون لهم معه مصلحة.
- فتحت منظمة التحرير صدرها للشيعة في جنوب لبنان، وكان لها صلات وثيقة مع رئيس المجلس الشيعي الأعلى موسى الصدر، والصدر مواطن إيراني أرسله مدير الأمن العام الإيراني الجنرال بختيار إلى لبنان بمهمة ظاهرها ديني دعوي مع أنه لا يعد من علماء الشيعة، وباطنها سياسي طائفي، والذين انتدبوه لهذا الغرض سهلوا له طريق الوصول إلى القصر الجمهوري، وإقامة علاقات مريبة مع رئيس الجمهورية فؤاد شهاب وبطانته [أقطاب النهج]، وخلال فترة قصيرة تمكن الصدر من الحصول على الجنسية اللبنانية بموجب مرسوم جمهوري، وأنشأ عدداً كبيراً من المدارس والنوادي والجمعيات والحسينيات، في سائر أنحاء مناطق الشيعة، وجعلها مركزاً لأنشطته.
وفي عام 1969 أنشأ الصدر المجلس الشيعي الأعلى، وأصبح رئيساً له، وكان ذلك بعد وصوله بعشر سنين، وكان للسنة والشيعة مجلس واحد قبل هذا التاريخ 1969م
وفي عام 1973 شكل الصدر منظمة أمل، واسمها قبل الاختصار "أفواج المقاومة اللبنانية"، وما كانت هذه المنظمة لتنشأ لولا احتضان منظمة فتح لها، وفتح مراكزها لتدريب الشيعة المنتمين إليها.
وفي هذا العام 1973 ساءت علاقة الصدر مع أجهزة الأمن الإيراني، فانتقل إلى صفوف المعارضة، وأخذ أصدقاؤه في فتح يدربون أتباع الخميني، وكان مصطفى شمران مسؤولاً عن هذه الأنشطة، ويساعده الدكتور صادق الطبطبائي، وصادق قطب زاده، وعباس زاني "أبو شريف"، ومعظمهم تولوا مناصب وزارية أيام حكام الخميني
قصارى القول: الإيرانيون الشيعة الوافدون إلى لبنان هم الذين أسسوا حركة أمل، وما نبيه بري إلاّ تلميذ ضمه أستاذه مصطفى جمران إلى تنظيمه الذي أسسه في "كاليفورنيا" عام 1966 وسماه "رابطة الطلبة المسلمين"، ولم يكن للأستاذ وتلميذه قبل هذا التاريخ توجهات إسلامية.
وأغرت حركة أمل منظمة فتح فقدمت خدمات جلى لثوار الخميني قبل وصولهم إلى الحكم، وبعد توليهم الحكم سارعت أمل إلى مبايعة الخميني إماماً للمسلمين، ثم جددت هذه البيعة عام 1982، أما منظمة فتح فما كانت تدري أنـها تستميت في تدريب ومساعدة قاتليها...
خيانة منظمة أمل الشيعية :
فمؤسس هذه المنظمة هو موسى الصدر الإيراني ( الذي يطالب به الآن حسن نصر الله من القذافي) ، تلميذ الخميني وتربطه أقوى الصلات به، فابن الخميني أحمد متزوج من بنت أخت موسى الصدر، وابن أخت الصدر مرتضى الطبطبائي متزوج من حفيدة الخميني ..
وأكثر الجهات التي كان الصدر يتعاون معها ، النظام العلوي في سورية ، ولقد استصدر مرسوماً حكومياً أصبح علويو الشمال اللبناني بموجبه شيعة ، وعين لهم مفتياً جعفرياً !! وعندما هلك والد حافظ الأسد استدعى الصدر ، ولقنه الكلمات التي تلقن لموتاهم وهم في حالة النزع ..
وبعد المجزرة التي ارتكبها الموارنة في الكرنتينا ، هب المسلمون في لبنان .. وتمكنت القوات الوطنية من احتلال شتورا وزحلة وزغرتا والدامور والسعديات ، وسقط معظم لبنان بأيديهم ، وحاصروا الصليبيين في عقر دارهم ، وبدأت مدافع جيش لبنان العربي تدك قصر بعبدا لولا تدخل منظمة الصاعقة العلوية وفرار سليمان فرنجيه من قصره .. وبات مؤكداً أن لبنان ستحكم من قبل القوات الوطنية .
ولحظة دخول الجيش العلوي إلى لبنان استبدل موسى الصدر وجهه الوطني الإسلامي بوجه باطني استعماري ، وقام بالدور التالي :-
أمر الضابط إبراهيم شاهين فانشق عن الجيش العربي ، وأسس طلائع الجيش اللبناني الموالية لسورية ، كما انشق الرائد أحمد المعماري في شمال لبنان وانظم للجيش العلوي ، وكان جيش لبنان العربي أكبر قوة ترهب الموارنة ، فانهار لأنه ما كان يتوقع أن يأتيه الخطر من داخله ، من قاسم شاهين وغيره .. وأمر الصدر منظمة أمل فتخلت عن القوات الوطنية وانضم معظم عناصرها لجيش الغزاة .
وبدأ الصدر بمهاجمة منظمة التحرير ، بحجة اتهام المنظمة بالعمل على قلب النظم العربية الحاكمة وعلى رأسها النظام اللبناني ، ودعا الأنظمة إلى مواجهة الخطر الفلسطيني .. وكانت ضربة الصدر للفلسطينيين مؤلمة مما جعل ممثل المنظمة في القاهرة يصدر تصريحاً يندد فيه بؤامرة الصدر على الشعب الفلسطيني وتآمره مع الموارنة والنظام السوري .
وما من معركة خاضها جيش لبنان العربي والقوات اللنبانية الفلسطينية إلا ووجدوا ظهورهم مكشوفة أمام الشيعة ، فمثلاً خاضوا معركة قرب بعلبك والهرمل فاتصل سليمان اليحفوفي المفتي الجعفري هناك بالجيش العلوي وسار أمامه حتى دخل بعلبك فاتحاً على أشلاء المسلمين .
وما اكتفى الصدر بهذا القدر من الأعمال بل أوعز إلى قيادة أمل بأن لا يقاوموا الموارنة في حي النبعة والشياح ، وهذا يعني أنه سلم مناطق الشيعة في بيروت للموارنة ، وتركهم يقتلون ويأسرون كيفما يشاؤون ، وهو الذي كان يقول : السلاح زينة الرجال ، وأنهم رجال التأثر ، وأن ثورتهم لم تمت في رمال كربلاء ..
وما اكتفى موسى الصدر وشيعته بالتعاون مع حكام سورية ، وإنما أخذوا يطالبون بوقف العمل الفدائي وإخراج الفلسطينيين من الجنوب ، ومن أجل ذلك وقعت مصادمات ونظم الشيعة إضراباً عاماً في صيدا وطالبوا بإخراج المنظمات المسلحة من الجنوب .
وفي شهر رمضان المبارك من عام 1405هـ أعلنت منظمة أمل الشيعية حرباً على سكان المخيمات الفلسطينية في بيروت .. واستخدموا في عدوانهم كافة الأسلحة .. واستمر عدوانهم شهراً كاملاً ، ولم يتوقف إلا بعد استجابة الفلسطينيين ورضوخهم لكل ما يريده الحاكم بأمره في دمشق – حافظ الأسد – ووكيل أعماله في بيروت نبيه بري .
كانت البداية أول ليلة في رمضان ليلة الاثنين 20/5/1985م اقتحمت ميلشيات أمل مخيمي صبرا وشاتيلا ، وقامت باعتقال جميع العاملين في مستشفى غزة ، وساقوهم مرفوعي الأيدي إلى مكتب أمل في أرض جلول ، ومنعت القوات الشيعية الهلال والصليب الأحمر وسيارات الأجهزة الطبية من دخول المخيمات ، وقطعوا إمدادات المياه والكهرباء عن المستشفيات الفلسطينية .
وفي الساعة الخامسة من فجر الاثنين 20/5/1985م بدأ مخيم صبرا يتعرض للقصف المركز بمدافع الهاون والأسلحة المباشرة من عيار 106ملم ، وفي الساعة السابعة من اليوم نفسه تعرض مخيم برج البراجنة لقصف عنيف بقذائف الهاون ، وانطلقت حرب أمل المسعورة تحصد الرجال والنساء والأطفال ، وأصدر المجرم نبيه بري أوامره لقادة اللواء السادس في الجيش اللبناني لخوض المعركة وليشارك قوات أمل في ذبح المسلمين السنة في لبنان ، ولم تمض ساعات إلا واللواء السادس يشارك بكامل طاقاته في المعركة وقام بقصف مخيم برج البراجنة من عدة جهات.
ومن الجدير بالذكر أن أفراد اللواء السادس كلهم من الشيعة ، وشاركت القوات الكتائبية المخيمات الفلسطينية بالقذائف المدفعية والصاروخية ، وبادرت قيادة الجيش اللبناني ممثلة في ميشيل عون ولأول مرة منذ شهر شباط 1984م إلى إمداد اللواء السادس بالأسلحة والذخائر .
وفي 18/6/1985م خرج الفلسطينيون من حرب المخيمات التي شنتها أمل ، خرجوا من المخابئ بعد شهر كامل من الخوف والرعب والجوع ، والذي دفعهم لأكل القطط والكلاب ، خرجوا ليشهدوا أطلال بيوتهم التي تهدم 90% منها و 3100 بين قتيل وجريح و 15 ألف من المهجرين أي 40% من سكان المخيمات .
إن الفضائع التي ارتكبتها أمل بحق الفلسطينيين الآمنين في مخيماتهم يندى لها الجبين عاراً ، ويعجز القلم عن وصفها ، أما وقد آن أوان كشف الأسرار .. فإليك بعضها .. منها : -
1- قتل المعاقين الفلسطينيين كما ذكر مراسل صحيفة ريبوبليكا الإيطالية وقال: إنها الفضاعة بعينها.
2- قتل عدد من الفلسطينيين في مستشفيات بيروت ، وقال مراسل صحيفة صندي تلغراف في 27/5/1985م إن مجموعة من الجثث الفلسطينية ذبح أصحابها من الأعناق .
3- نسفوا أحد الملاجئ يوم 26/5/1985م وكان يوجد به مئات الشيوخ والأطفال والنساء في عملية بربرية دنيئة .
4- ذبحوا ممرضة فلسطينية في مستشفى غزة ؛ لأنها احتجت على قتل جريح أمامها .
5- وذكرت وكالة ( إسوشيتدبرس) عن اثنين من الشهود أن ميلشيات أمل جمعت العشرات من الجرحى والمدنيين خلال ثمانية أيام من القتال في المخيمات الثلاثة وقتلتهم .
6- وقال الشاهدان أنهما رأيا أفراد أمل واللواء السادس يقتلون أكثر من 45 فلسطينياً بينهم جرحى في مستشفى غزة وحوله .
7- وتصيح سيدة فلسطينية وهي تتفحص صف الجثث الطويل ( اليهود أفضل منهم) ، وأخرى تغطي بعضاً من وجهها وتبحث في قافلة القتلى عن شقيقها .. تستدير فجأة وتصرخ : إنه هو ولكن الديدان تنخر في جسده .. وجثث وجثث يرتع فيها الذباب .
8- وذكرت وكالات الأنباء الكويتية في 4/6/1985م والوطن في 3/6/1985م أن قوات أمل اقترفت جريمة بشعة ، حيث قامت باغتصاب 25 فتاة فلسطينية من أهالي مخيم صبرا وعلى مرأى من أهالي المخيم .
9- وردد مقاتلوا أمل في شوارع بيروت الغربية في مسيرات 2/6/1985م احتفالاً بيوم النصر ، بعد سقوط مخيم صبراً : لا إله إلا الله العرب أعداء الله . وقال مسلح من أمل : إنه على استعداد للاستمرار في القتال مهما طال الزمن حتى يتم سحق الفلسطينين في لبنان .
نشوء حزب الله:
مع إطلالة عام 1982 م كانت حركة أمل الشيعية التي تأسست عام 1973 قد أدت الدور المطلوب منها، واستنفدت أغراضها، ولم تعد صالحة في عهد الخميني وثورته الإسلامية، ويعود ذلك لأسباب كثيرة أهمها:
1- ارتباط مؤسس هذه الحركة - موسى الصدر - بأنظمة مشبوهة: منها: نظام شاه إيران ومخابرات [السافاك]. ومن المعروف أن هذه المخابرات هي التي أرسلته عام 1958 إلى لبنان، لتجميع صفوف الشيعة، ومقاومة المد الناصري في لبنان وبقية الدول العربية. ومنها: ارتباطه مع نظام النهج في لبنان [فؤاد شهاب] الذي منحه الجنسية، كما منحه أيضاً ترخيصاً بإنشاء المجلس الشيعي الأعلى، وكان هدف الطرفين: النهج والصدر إضعاف شوكة أهل السنة في لبنان. ومنها: صلاته المتينة مع نظام القذافي الذي كان يقدم له مساعدات مالية مغرية، وكانت هذه المساعدات سبباً في إقدام القذافي على قتله، لأنه - أي القذافي - شعر أن الصدر تمرد عليه، ووقف في خندق المعادين للقوى الوطنية في لبنان.
2- لم تعد حركة أمل مقبولة خارج إطار معظم الشيعة في لبنان، وخاصة بعد تحالفها مع قوات النظام النصيري، وبعد أن تبيّن للجميع أنـها كانت تنسق مع القوات الغازية قبل دخولها إلى لبنان.
3- انتقال قيادة الحركة بعد غياب موسى الصدر إلى أشخاص، لا يعدون من علماء الشيعة مثل: حسين الحسيني، ونبيه بري، وزاد الطين بلة أن الأخير - بري - صار يدعو صراحة إلى علمانية الحركة، ويريد أن يكون الارتباط بإيران وآياتـها محدوداً، وليس فيه تبعية مطلقة.
إن حركة أمل، وإن كانت شيعية في شكلها ومضمونـها، وحققت للطائفة إنجازات كبيرة على جميع المستويات، وقدمت لثوار الخميني خدمات جلى.. مع كل هذه الاعتبارات فقد أصبحت مرفوضة عند أهل السنة وبعض الشيعة، وعند معظم الحركات الوطنية، وليس من مصلحة إيران أن تتبنى ورقة محروقة، لأن طموحاتـها في لبنان واسعة وتحتاج إلى ترتيب جديد.
هذه الطموحات الجديدة يحدثنا عنها حجة الإسلام فخر روحاني - سفير إيران في لبنان - في مقابلة أجرتـها معه صحيفة اطلاعات الإيرانية في نـهاية الشهر الأول من عام 1984، يقول روحاني عن لبنان:
"لبنان يشبه الآن إيران عام 1977، ولو نراقب ونعمل بدقة وصبر، فإنه إن شاء الله سيجيء إلى أحضاننا، وبسبب موقع لبنان وهو قلب المنطقة، وأحد أهم المراكز العالمية، فإنه عندما يأتي لبنان إلى أحضان الجمهورية الإسلامية، فسوف يتبعه الباقون".
ويضيف قائلاً: " لقد تمكنا عن طريق سفارتنا في بيروت من توحيد آراء السنة والشيعة حول الجمهورية الإسلامية والإمام الخميني، والآن غالبية خطباء السنة يمتدحون الإمام الخميني في خطبهم".
وسئل عن نبيه بري فقال: إنه عضو في السي، آي، إيه [المخابرات الأمريكية]، وكان انتخابه رئيساً لمنظمة أمل بحماية السفارة الأمريكية.
ويتابع حديثه عن أمل:
"أمريكا تدعم عملاءها مباشرة أو عن طريق التابعين لها، وإلا فكيف يمكن تفسير قيام الجزائر بدفع خمسين مليون دولار لمنظمة أمل؟ ما هي علاقة الجزائر؟ بلد سني في شمال أفريقيا يقوم بدعم الشيعة في لبنان، ظاهرة فريدة وحسنة.. ولكن أنا أعرف بأن أمريكا وراء دعم الجزائر للشيعة" اهـ.
ونقلت صحيفة النهار اللبنانية [11/1/1984] عن السفير نفسه - روحاني - قوله: "لبنان يشكل خير أمل لتصدير الثورة الإسلامية".
قلت: حجة الإسلام فخر روحاني من السفراء المعدودين في إيران، وقد أدلى بـهذه التصريحات بعد انتهاء عمله في لبنان، ولكنه كان يعني ما يقول، وعندما سألت إطلاعات رئيس الوزراء في تلك الفترة "مير حسين موسوي" عن هذه التصريحات أيدها، وأشاد بسعة معلومات روحاني، وعمق خبرته في الشأن اللبناني، أما وزارة الخارجية فكانت طبيعة عملها تقتضي مجاملة الحكومة اللبنانية وعدم الاصطدام معها، ومثل هذه التناقضات محسوبة وكثيرة بين أوساط المسؤولين الإيرانيين.
وإذا كان لبنان بوابة إيران إلى البلدان العربية.. وإذا كان هذا الحزب الجديد سيكلف بمهمات أكبر من حجم لبنان.. وإذا كان الحزب الجديد لن يتمكن من منافسة منظمة أمل إلا إذا كان مدعوماً دعماً قوياً من إيران.. إذن لابد وأن يتولى الخميني بالذات هذه المهمة، وهذا الذي حدث:
منذ الاجتياح الإسرائيلي للبنان 1982 بدأت قوات الحرس الثوري الإيراني تتسلل إلى لبنان عن طريق سورية وبالتنسيق معها، وأقامت هذه القوات مخيمين لتدريب الشيعة: الأول في الزبداني، وهي بلدة سورية على حدودها مع لبنان، والثاني في بعلبك اللبنانية، وكانت القوات السورية تشارك في التدريب، وفي تنظيم دخول قوات الحرس الثوري إلى لبنان بدون تأشيرة، وهل يستطيع الأمن اللبناني محاسبة السوريين عن مثل هذه الأمور؟!.
ولابد لنا هنا من تسجيل الملحوظات التالية:
كان المسلمون العرب من أهل فلسطين، والجزيرة العربية، ومصر، وبلاد الشام، والمغرب العربي يسعون من أجل دخول لبنان، والانضمام إلى القوات التي تدافع عن بيروت الغربية، وعن الجنوب المحتل.. كان هؤلاء الأحرار يطرقون جميع الأبواب، وهم لا يريدون غير إغاثة أطفال المسلمين ونسائهم، وغير الموت في ساحة الوغى، وكان النظام النصيري لا يسمح لأي من هؤلاء بمجرد المرور من سورية إلى لبنان.. أخبرونا بالله عليكم أيها المغفلون من أبناء قومنا: لماذا يغلق هذا النظام الخبيث الأبواب بوجه كل ما هو سني، ويفتحها على مصراعيها أمام كل ما هو شيعي؟!.. أجيبوا أيها المعجبون بحزب الله، وبكل ما هو شيعي خميني:
لماذا يرفض هذا النظام اللحية السنية ويقبلها إذا كانت شيعية؟!.
على هامش "المؤتمر الأول للمستضعفين" اجتمع الخميني بعدد من علماء ودعاة الشيعة الذين شاركوا في هذا المؤتمر، وكان من بينهم: محمد حسين فضل الله، صبحي الطفيلي، وممثل حركة أمل في طهران إبراهيم أمين، وتدارس معهم الخطوات الأولى اللازمة من أجل إنشاء هذا الحزب الجديد.
عاد الوفد إلى لبنان، وكثَّف من اتصالاته مع وجهاء وعلماء الطائفة الذين لم يشاركوا في لقاء طهران، ثم تكرر لقاؤهم بالخميني، ووضعوا وإياه الخطوط العريضة لحزب الله. يقول أحمد الموسوي في مقال له بمجلة الشراع: "من أنتم.. حزب الله"
ثم استكملت الخطوط التنظيمية الأولى باختيار هيئة قيادية للحزب ضمت 12 عضواً هم: عباس الموسوي، صبحي الطفيلي، حسين الموسوي، حسن نصر الله، حسين خليل، إبراهيم أمين، راغب حرب، محمد يزبك، نعيم قاسم، علي كوراني، محمد رعد، محمد فنيش.
ولم يكن هؤلاء وحدهم نواة التأسيس لحزب الله، إنما كان معهم عشرات من الكوادر والشخصيات الإسلامية الأخرى من حركة أمل، وحزب الدعوة، وقوى ومجموعات تبلورت شخصيتها الإسلامية السياسية مع الثورة الإسلامية وقائدها الإمام الخميني، وكوادر أمنية أخرى ما زالت أسماؤها طي الكتمان".
فمن هذه الشخصيات التي بقيت أسماؤها طي الكتمان، ولم يعلن عنها؟!، تقول كثير من المصادر المختصة: كان من بين هذه الأسماء رئيس المجلس الشيعي الأعلى محمد مهدي شمس الدين، ومحمد حسين فضل الله، ولقد جاء في كتاب الحروب السرية في لبنان: "يتولى الخميني أعلى المسؤوليات في لبنان، ونظراً لبعده عن لبنان، يفوض صلاحياته التشريعية والتنفيذية والقضائية إلى نائبه محمد مهدي شمس الدين الذي يرأس لجنة ولاية الفقيه"، وهناك أسماء أخرى يحافظون على سريتها، ويحرصون على عدم ارتباطها العلني بحزب الله، ومن الأمثلة على ذلك الأسماء التي كانت تحمّلها أجهزة المخابرات العربية والغربية مسؤولية الأعمال الإرهابية كخطف الرهائن والطائرات.
وهناك أنصار للحزب في أوساط أهل السنة مثل الشيخ سعيد شعبان وحركته - التوحيد - وتجمع العلماء، ومنظمة الجهاد الفلسطينية، حتى أن بعض هؤلاء كان يتهم بالتشيع.
ومركز قيادة الحزب الفعلية لا الشكلية هي السفارة الإيرانية، ومن الأطراف التي كانت تشارك في اجتماعات قيادة الحزب وفي اتخاذ القرارات، سفير إيران السابق في دمشق - محتشمي - وقائد الحرس الثوري في لبنان.
حزب الله اللبناني عضو في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، الذي تأسس في طهران عام 1981، أما بقية الأعضاء فهم: الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين، ومنظمة الثورة الإسلامية في شبه الجزيرة العربية، حزب الدعوة العراقي، وحركة العمل الإسلامي العراقية، وحركة أمل الإسلامية - حسين الموسوي - وهذه الحركة جزء من حزب الله، أما المحافظة على اسم آخر فكان من قبيل التقية.
ويجتمع أعضاء المجلس الأعلى للثورة الإسلامية اجتماعات دورية في طهران، وبحوزتـهم عدد من معسكرات التدريب موزعة بين إيران وسورية ولبنان، ففي إيران لهم أربعة معسكرات، وفي سورية اثنان: معسكر السيدة زينب، ومعسكر الزبداني، وفي لبنان: معسكر الشيخ عبد الله، ومعسكر الدركي، وكلاهما في بعلبك.
فنحن إذن أمام تنظيم عالمي يرعاه الخميني أو من يمثله، والمنظمات التي يتألف منها المجلس الأعلى للثورة الإسلامية تؤدي مهمة مزدوجة: الأولى محلية، والثانية عالمية، والقيادة طهران الآيات[3].
وخلال أشهر قليلة، وُلِدَ وترعرع في لبنان حزب يعتبر من أكبر وأغنى الأحزاب اللبنانية على الإطلاق بما فيها حزب الكتائب الذي مضى على تأسيسه أكثر من خمسين عاماً.. كيف حدث ذلك؟!.
الذين يثيرون مثل هذا السؤال يعرفون الجهود المضنية التي يبذلها كل من أراد أن يشكل حزباً سياسياً، فهو من جهة لابد له من صياغة مبادئ مقنعة لهذا الحزب، ومن جهة أخرى لابد له من إقناع الناس بجدوى هذه المبادئ، وقدرتـها على منافسة الأحزاب الأخرى، وقد يمر عقد أو عقدين، دون أن يتطور هذا الحزب، ويحتل مكان الصدارة في ميادين الأنشطة السياسية.
لكن هؤلاء الذين يثيرون مثل هذا السؤال يجهلون أن الإمامية - الاثني عشرية - هم أقرب ما يكونون إلى الحزب، فمراجعهم من الآيات يتولون مركز قيادة الطائفة، والمتمسكون بدينهم من أبناء الطائفة هم قاعدة هذا الحزب، وحتى غير المتمسكين بدينهم لبعضهم دور داخل هذا التنظيم، أما المناهج والأهداف، والتستر خلف شعارات براقة تستقطب الجماهير [التقية]، فللقوم باع طويل في هذا المجال، وخبرة عريقة عمرها هو عمر التاريخ الإسلامي.
وعندما جاءت الأوامر والتعليمات من آية الله روح الله الخميني، قال معظم شيعة لبنان سمعاً وطاعة للإمام وحكومته، فكم نتمنى أن يفهم المنظرون الفلاسفة من أصحابنا معلومات كافية عن عقائد الشيعة وآياتـهم وطبيعة تكوينهم.. وكم نتمنى أن يدركوا أهمية المرجعية في نشأة وتطور الطوائف والأحزاب والجماعات، ولو أدركوا ذلك لوفروا على أنفسهم هذه الأوقات والجهود التي يهدرونـها، وجعلوا القضية الأولى في مسيرتـهم الدعوية هي قضية المرجعية.
أما التمويل المادي لحزب الله فقد تكفلت به قيادتـهم في إيران، ويقول المختصون بالشأن الإيراني أن هذه المساعدات بلغت في بداية رئاسة رفسنجاني الثانية حوالي [280 مليون دولار]، وهذا غير السلاح والعتاد الحربي الذي كان يشحن لهم عن طريق سورية، ومن الأرقام الأخرى التي تذكر [12 مليون] في الشهر، ويقول علي نوري زاده: بلغت المساعدات عام 1993 [160 مليون]، وجاء في كتاب الحروب السرية:
بلغت الأجرة الشهرية للمقاتل خمسة آلاف ليرة لبنانية، وهي أعلى أجرة تقاضاها مقاتل في لبنان عام 1986، لدرجة أن مقاتلي أمل راحوا بـهدف الكسب يهجرون صفوف الحركة للانخراط في حزب الله، وهذا الأخير يجني موارده أيضاً من الزكاة ومن ابتزاز الأموال من التجار المسيحيين أو من الذين لا يلتزمون بالتعاليم الإسلامية [الحلاقون والخياطون وأصحاب الملاهي] وكذلك من خطف الرهائن، فضلاً عن ذلك جاء في تقرير دبلوماسي فرنسي أن حزب الله في البقاع قد استولى على الأراضي المسيحية فيها لنشر زراعة الخشخاش"
فعلى الذين يحلو لهم أن يقارنوا ما بين حزب الله والأحزاب السنية الإيرانية أن يضعوا في حسبانـهم تركيبة الطائفة الشيعية من جهة، وحجم الدعم الذي كانت إيران تقدمه لفرعهم في لبنان، ومن الأمثلة على ذلك أن عدد الخبراء والمدربين الإيرانيين الذين كانوا يتولون رعاية تنظيم شؤون حزب الله في لبنان يزيد عن الألفين.
أما أحزاب أهل السنة، فلا تلقى من الحكومات العربية إلا الكبت والاضطهاد والتنكيل، وحرمانـهم من الأنشطة الإعلامية والسياسية والاقتصادية والثقافية، والمساعدات التي تقدمها هذه الأنظمة تكون من نصيب الجهات التي تحاد الله ورسوله والذين آمنوا، فأين هذا من ذاك؟!.. إننا لو نظرنا إلى الجانبين: الاقتصادي والاجتماعي في حزب الله لوجدنا أنفسنا أمام دولة وليس أمام حزب: فمن المؤسسات التعليمية إلى المؤسسات الصحية، إلى مؤسسات البناء والتجارة، وغير ذلك كثير.
تأكد عندنا فيما مضى أن حزب الله مؤسسة إيرانية في ثوب لبناني، وهذا يعني أنه لابد لنا من استعراض الأوضاع العامة في إيران لنتعرف من خلالها على أهداف هذا الحزب في مرحلته الأولى.
كانت إيران في عام 1982 [وهو العام الذي تأسس فيه الحزب] تخوض حرباً شرسة مع العراق، وكانت الكفة قد بدأت تميل لمصلحة العراق، ولم يكن ذلك متوقعاً، لأن عدد سكان إيران ثلاثة أمثال عدد سكان العراق، ونسبة الشيعة العراقيين تتجاوز 40% قليلاً، وكثير من هؤلاء سيكونون "طابوراً خامساً" لمصلحة إيران، وكان شاه إيران قد ترك للآيات جيشاً قوياً، وأسلحة متطورة.
إيران كانت تعتقد أن العراق ما كان ليتفوق عليها لولا الدعم المادي الذي كان يتلقاه من دول الخليج، وبشكل خاص من السعودية والكويت، وهذا الاعتقاد صحيح لأن دول الخليج كانت مهددة من إيران التي رفعت شعار تصدير الثورة منذ تولي الآيات زمام الحكم، وكانت تدافع عن نفسها من خلال المساعدات التي تقدمها للعراق.
وكان العراق يتلقى الدعم العسكري - أعني الأسلحة وقطع الغيار - من فرنسا بالدرجة الأولى، ثم من أمريكا، وكان للسعودية دور في إقناع الأمريكان بتقديم هذا الدعم لأن الخليج مهدد بالسقوط إن انتصرت إيران على العراق.
الأمريكان والفرنسيون كانوا يدعون الحياد في هذه الحرب، وادعاؤهم هذا ليس صحيحاً، فقد كانوا معنيين باستمرار هذه الحرب، لأن في استمرارها: إنعاشاً لاقتصادهم، واستنـزافاً لثروات البلدين وبلدان دول الخليج، وضماناً لتفوق جيش ربيبتهم إسرائيل، لكنهم أيضاً معنيون - بدافع من مصالحهم - بحفظ أمن الخليج، وعدم سيطرة الإيرانيين عليه.
وإذن: فإن أهداف الحزب في مرحلته الأولى لن تتجاوز ما يلي:
1- قيام جمهورية إسلامية في لبنان، ولولا تصدير الثورة لما وقعت حرب إيران مع العراق، وإن ادعى الإيرانيون بأن العراق هي التي بدأت هذه الحرب.
2- توجيه ضربات موجعة لكل من الدول الآتية: أمريكا، فرنسا، السعودية، الكويت.
أما تصدير الثورة إلى لبنان، فلقد مر معنا فيما مضى مقابلة حجة الإسلام فخر روحاني سفير إيران في بيروت، وقوله الذي نقلته عنه النهار: "لبنان يشكل خير أمل لتصدير الثورة الإسلامية".
وما كان قادة الحزب يخفون هذا الهدف، ففي كانون الثاني من عام 1986 راحوا يعدون في طهران، دستور الجمهورية الإسلامية المقبلة [على كل لبنان أو على جزء منه]، وقد شارك في إعداده [63 شخصية] ومنهم من هو منسوب لأهل السنة، ومما جاء في هذا الدستور:
"ينبغي تأليف حكومة إسلامية في لبنان كشرط لازم لوضع حدٍ للحرب الداخلية فيه"، ومما هو جدير بالذكر أن الخميني هو المرجع لهذه الدولة، وهو عندهم ظل الله في الأرض كلها.
قيل لأحد قادة الحزب - إبراهيم الأمين -: أنتم جزء من إيران، فكان رده: "نحن لا نقول: إننا جزء من إيران؛ نحن إيران في لبنان، ولبنان في إيران" (جريدة النهار: 5 - 3/1987)
وبعد تفجير مقري المارينـز ووحدة المظليين الفرنسيين أُرسِلَتْ البرقيات التالية للخميني: "حزب الله وجه مع تجمع العلماء المسلمين في 29/10/1983 برقيات إلى الإمام الخميني ومجلس الدفاع الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، أشادوا فيها بالانتصارات التي يحققها المسلمون، ومما جاء في البرقيات:
"إن شعبكم المسلم في لبنان والمرتبط بولايتكم يرفع إلى مقامكم أسمى التبريكات والتهاني لمناسبة انتصار حماة الإسلام.. نرفع إليكم التهاني ببركة حركتكم الشعبية المتصاعدة في لبنان وفي بيروت حيث الضربة الحيدرية والخمينية لمقري قيادتي القوات الأمريكية والفرنسية"
فالحركة في لبنان للخميني، والشعب المسلم مرتبط بولايته، والضربة حيدرية وخمينية، وهذه هي العقلية التي كان يفكر بـها ما يسمى بتجمع العلماء، إذ لا حل عندهم وعند حزب الله إلا بقيام جمهورية لبنانية إسلامية على غرار إيران.
هذا عن تصدير الثورة، أما الحديث عن أهم العمليات فنوجزه فيما يلي:
1- اختطاف "دافيد دودج" رئيس الجامعة الأمريكية بالوكالة، في تموز 1982، وكان أول رهينة غربية، وقد نقل إلى دمشق، ومنها جرى نقله جواً إلى طهران حيث وضع بسجن انفرادي بالقرب من مطار مهراباد.
2- في 17/3/1983 أعلنت منظمة تطلق على نفسها اسم "الجهاد الإسلامي" عن هجومها على دوريتين: إيطالية وأمريكية، وأوقعت في صفوفهما ثلاثة عشر جريحاً.
3- وفي 18/4/1983 أعلنت المنظمة - الجهاد - مسؤوليتها عن الاعتداء على السفارة الأمريكية بواسطة سيارة مفخخة، وكانت محصلة هذا الاعتداء: 63 قتيلاً، والجدير بالذكر أن حزب الله كان قد أصدر عام 1986 طابعاً بريدياً بمناسبة تحقيق هذا النصر على "الشيطان الأكبر"، وجرى توزيعه عن طريق رسائلهم التي يرسلونـها من بيروت الغربية إلى كل مكان في العالم.
4- وفي 23/11/1983 اقتحمت سيارتان انتحاريتان مبنيين يضمان جنود القوة المتعددة الجنسية فسقط 241 قتيلاً من البحارة الأمريكيين و 58 مظلياً فرنسياً عدا عشرات الجرحى.
5- أعلنت منظمة الجهاد الإسلامي في كانون الثاني 1984 مصرع رئيس الجامعة الأمريكية في بيروت "مالكوم كير".
6- في 12/12/1983 هزت الكويت سبعة انفجارات: ثلاثة منها وقعت في مصالح أمريكية، وثلاثة أخرى في مؤسسات كويتية هي: الشعيبة الصناعية، ومبنى المراقبة والتحكم الآلي التابع لوزارة الكهرباء والماء، وبرج المراقبة في مطار الكويت الدولي، والانفجار السابع أمام مقر السفارة الفرنسية في حي الجابرية السكني.
7- وفي عام 1985 تعرض الأمير الشيخ جابر الأحمد لمحاولة اغتيال عندما اعترضت الموكب سيارة مفخخة في عملية انتحارية لم يكتب لها النجاح، ونجا الأمير من الموت بأعجوبة.
وفي هذه والتي قبلها ألقت السلطات الكويتية القبض على الجناة، وكانوا خليطاً من العراقيين والكويتيين واللبنانيين.
8- وفي 11/3/1983 اختطف الحزب طائرة كويتية وعلى متنها [500 راكباً]، وأجبروها على التوجه إلى مطار مشهد الإيراني، واحتجزوا في لبنان رهينتين وهما [جان لوي نورماندان، وروجيه أوك] من الجنسية الفرنسية.
9- ابتدعوا في حجهم ما أسموه "مسيرة الوحدة" والبراءة من الشيطان، والحج لا يحتمل مثل هذه المظاهرات الصاخبة، فما كان من السلطات السعودية إلا التصدي لهذه الفتنة التي افتعلها الشيعة وبلغت قمتها في عام 1987، ومما ضاعف من استعدادات السعودية اكتشافها أسلحة خفيفة أثناء تفتيش أمتعة الحجاج الإيرانيين، وهكذا حولوا موسم الحج إلى ساحة حرب، ففي عام 1987 سقط عشرات القتلى، وامتلأت مستشفيات ومستوصفات مكة بالجرحى.
هذه بعض الأعمال الإرهابية التي نفذها حزب الله في المرحلة الأولى التي أعقبت تأسيسه، وكانت البيانات التي تصدر بعد كل عملية تنسب إلى: منظمة الجهاد الإسلامي، أو منظمة العدالة الثورية، أو المقهورون في الأرض، وكلها أسماء وهمية ليس لها أصل، يقول صبحي الطفيلي الأمين العام الأسبق لحزب الله:
"تضم الجهاد الإسلامي كل الذين يريدون التستر خلف اسم ما دون الإعلان عن هويتهم"، ومن جهة أخرى فقد كان الغرب والشرق يعلم أن حزب الله هو الذي ينفذ هذه العمليات نيابة عن إيران، وكانت بعض الدول الغربية تضطر إلى التفاوض مع إيران بشكل سري، من أجل إطلاق سراح المخطوفين، ولعل كثير من المتابعين ما زالوا يذكرون فضيحة "إيران غيت" التي كشفها جناح آية الله حسين المنتظري عن طريق مجلة الشراع اللبنانية، وتعرض صاحبها لمحاولة اغتيال بسبب نشره لأسرار هذه الصفقة بين إيران - الثورة الإسلامية - وبين الشيطان الأكبر.
إيران كانت تدعي أن الأمريكان هم العدو رقم (1) للإسلام والمسلمين، وأنه لا مجال لأي لقاء أو تفاهم أو حوار بينهما، وأمريكا التي تتشدد في مقاطعة إيران زعيمة الإرهاب في العالم، ثم يكتشف العالم قضية الطائرة الأمريكية التي هبطت في مطار طهران، وهي محملة بقطع الغيار، وعلى متنها وفد من كبار المسؤولين في البيت الأبيض، أرسلهم الرئيس الأسبق "ريغان" للتفاوض مع نظرائهم من مساعدي الخميني.
استطاعت إيران أن تحل كثيراً من مشاكلها مع الغرب مستخدمة في ذلك قضية الرهائن، أما سورية، فلقد قدمت خدمات نادرة للأمريكيين والفرنسيين، وكان لها الفضل (!!) في إطلاق بعض الرهائن، ومما لا شك فيه أن الغربيين يحترمون مواطنيهم، ويحرصون على سلامتهم وكرامتهم، ولهذا السبب فقد اقتنع الأمريكان بأهمية عودة القوات السورية إلى بيروت، وقد عادت بالفعل، وأغلق ملف الرهائن.
ولسائل أن يسأل: ما هي علاقة حزب الله بالأعمال الإرهابية التي وقعت في الكويت وفي السعودية؟!.
الجواب: حزب الله العضو الأهم في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، وهذا المجلس هو الذي كان ينظم العمليات الإرهابية في الجزيرة وغيرها من بلدان العالم الإسلامي، وفي جميع هذه العمليات كان يجري اعتقال لبنانيين من أعضاء الحزب، ومن جهة ثانية (وهذا هو الأهم) فقد كان يجري تدريب المنظمات الشيعية الإرهابية في لبنان، وكان حزب الله ينظم عمليات تـهريب الأسلحة والمتفجرات إلى إخوانـهم في الجزيرة العربية، ففي عام 1987 اكتشف حكام الخليج (12) ألف قطعة سلاح بين بنادق كلاشينكوف، وقواذف صواريخ آر بي جي، ورشاشات ثقيلة ومتوسطة، واحتجت كل من السعودية والكويت والإمارات عند حافظ الأسد لأن بعض ضباط أمنه كانوا متورطين مع حزب الله في هذه العملية.. والذي أعلمه أن آخر عمليات تـهريب أسلحة من لبنان إلى المنظمات الشيعية في الخليج كان قبل عملية تفير القاعدة الأمريكية في الخبر "25/6/1996" بأيام قليلة.
ولسائل أن يسأل: ما هي علاقة حزب الله بالأعمال الإرهابية التي وقعت في الكويت وفي السعودية؟!
الجواب: حزب الله العضو الأهم في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، وهذا المجلس هو الذي كان ينظم العمليات الإرهابية في الجزيرة وغيرها من بلدان العالم الإسلامي، وفي جميع هذه العمليات كان يجري اعتقال لبنانيين من أعضاء الحزب، ومن جهة ثانية (وهذا هو الأهم) فقد كان يجري تدريب المنظمات الشيعية الإرهابية في لبنان، وكان حزب الله ينظم عمليات تـهريب الأسلحة والمتفجرات إلى إخوانـهم في الجزيرة العربية، ففي عام 1987 اكتشف حكام الخليج (12) ألف قطعة سلاح بين بنادق كلاشينكوف، وقواذف صواريخ آر بي جي، ورشاشات ثقيلة ومتوسطة، واحتجت كل من السعودية والكويت والإمارات عند حافظ الأسد لأن بعض ضباط أمنه كانوا متورطين مع حزب الله في هذه العملية.. والذي أعلمه أن آخر عمليات تـهريب أسلحة من لبنان إلى المنظمات الشيعية في الخليج كان قبل عملية تفير القاعدة الأمريكية في الخبر [25-6-1996] بأيام قليلة.
آخر عمليات تـهريب أسلحة من لبنان إلى المنظمات الشيعية في الخليج كان قبل عملية تفجير القاعدة الأمريكية في الخبر [25-6-1996] بأيام قليلة.
جدت أمور مهمة على الساحتين اللبنانية والعربية، من أهمها:
1- أنـهى المؤتمر اللبناني الذي عُقد في مدينة الطائف السعودية، حالة الفوضى، وعادت الدولة لتبسط نفوذها على الأرضي اللبنانية غير الخاضعة للاحتلال.
2- وافقت إيران الخميني على إنـهاء حربـها مع العراق، وهذا يعني خروجها من هذه الحرب مهزومة.
3- اجتاحت القوات العراقية دولة الكويت، واعتبرتـها محافظة من محافظات العراق، ووضع هذا الاحتلال العالم على حافة حرب لا يعلم نتائجها إلا الله سبحانه وتعالى.
احتلال النظام العراقي للكويت، وتـهديده لبقية دول الخليج حقق لإيران انتصارات ما كانت تحلم بـها، وكان من أفضلها تنازل صدام عن الانتصارات التي حققها والتي من أجلها قامت الحرب، وتقديمها طواعية لإيران، أما الأمريكان وحلفاؤهم، فقد باتوا يخشون من تحالف إيران مع العراق، ولا يرجون من إيران إلا وقوفها على الحياد.
ولم يكن حزب الله راضياً عن مؤتمر الطائف لأنه قطع الطريق على قيام جمهوريتهم الإسلامية في لبنان، ولهذا فلقد عمت مظاهراتـهم التي تـهاجم السعودية والوهابية مختلف المدن التي ينتشرون فيها، وإذا كانت السعودية قد ضغطت على الفرقاء اللبنانيين من أجل نجاح المؤتمر، فما علاقة الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ودعوته التوحيدية الإصلاحية؟!.
أجل، لابد أن يبرز الحقد الرافضي الباطني على ألسنة القوم، وعلى جميع مواقفهم وأفعالهم، وما تخفي صدورهم أعظم وأخطر.
إذن: لابد وأن يكون الهدف الجديد متناسباً مع ما جد من أمور مهمة، كما لابد وأن تشارك أطراف ثلاثة في رسمه: إيران وسورية والحزب.
فسورية التي تحتل معظم الأراضي اللبنانية من مصلحتها أن تحارب إسرائيل بقوات حزب الله، لتجبرها على الانسحاب من الجولان، وعقد معاهدة سلام معها، ومن مصلحتها أيضاً أن لا تعود قوات المجاهدين السنة إلى جنوب لبنان، لأن عودتـها تشكل خطراً على النظام النصيري في دمشق، وفضلاً عن هذا وذاك، فإن دعم حزب الله يضمن عودة القوات السورية إلى بيروت، التي أجبرت على الابتعاد عنها بعد اجتياح قوات الصهاينة لبيروت وجنوب لبنان.
وإيران لا تزال تصر على تصدير الثورة، لكنها سلكت طريقاً آخر يختلف عما كان عليه الحال بأيام الخميني، فأسلوب المواجهة الذي اتبعه إمامهم فشل وعاد عليهم بالويل والثبور وعظائم الأمور، أما الأسلوب الجديد الذي سلكه رفسنجاني فليس فيه أي استفزاز للعرب، وعلى العكس فإنه يعتمد على الشعارات التي يفتقدها جمهورنا، ومن هنا جاءت دعوتـهم إلى تحرير فلسطين والمقدسات الإسلامية، ورفع راية الجهاد في سبيل الله، ومساعدة الهيئات والجماعات السنية التي ترفع هذا الشعار، وبالتالي لا تستطيع الحكومات العربية والأجنبية تجاهل إيران ودورها في معاهدات السلام العربية الإسرائيلية، وسيبقى لبنان بوابة إيران إلى البلدان العربية، وسيبقى حزب الله الجهة الوحيدة المنتدبة من أجل تحقيق أهداف إيران وطموحاتـها.
حصر حزب الله جل اهتماماته بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان، وعادت سورية إلى بيروت كما كانت وأشد، ومن الصلاحيات الجديدة والمتعسفة التي مارسها النظام نزع سلاح الأحزاب والميليشيات إلا سلاح حزب الله، وإغلاق فضائيات الأحزاب إلا "تلفاز حزب الله"، ومنعت الجماعات الإسلامية السنية والأحزاب الوطنية من الجهاد في الجنوب اللبناني، وكانت هذه الجماعات قد أدت دوراً مهماً في مقاومة الاحتلال، وأوقعت خسائر فادحة في جيش العدو المحتل، وقدمت عدداً كبيراً من الشهداء، فلماذا يمنعون من الجهاد في سبيل الله؟! ألأنـهم من أهل السنة، ولكن نظام أسد يزعم بأنه غير طائفي، وقادة حزب الله وزعماؤهم في طهران يدعون أن ثورتـهم لجميع المسلمين، وكثير من الذين كانوا يجاهدون هم ممن يحسنون الظن بالآيات وحزبـهم المدلل. هل أدركوا تعصب أصحابـهم الطائفي، أم إن المحب لمن يحب مطيع؟!.
أجرت مجلة "فلسطين المسلمة" مقابلة مع نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، وكان مما سألته:
أعلنتم قبل فترة عن تأسيس السرايا اللبنانية لمواجهة الاحتلال لتوسيع المقاومة الشعبية للاحتلال، فما هو تقييمكم لنجاح هذه الفكرة؟.
فكان مما جاء في جوابه: "أطلقنا هذه الفكرة بعد جو إشاعة البعض في أننا نحتكر المقاومة، ولا نعطي فرصة للآخرين في الوقت الذي نعتبر فيه أن الساحة مفتوحة للمقاومة، فلسنا نمنع أحداً من الانتقال من موقع لموقع لمقاتلة الإسرائيليين، لكن بعض العاجزين أصبحوا يردون السبب لنا..".
مقابلة نعيم لفلسطين المسلمة كانت في شهر نيسان من عام 1999، وإعلان حزب الله عن تشكيل هذه السرايا كان في عام 1998، أي بعد سيطرتـهم التامة على مختلف مناطق ومدن الجنوب، ومن جهة أخرى فقد كان الحزب يتصرف وكأنه دولة، ولهذا فقد خصص جهازاً لتدريب المتطوعين، وبعد التدريب يحدد للمتطوع نطاق عمله، ومن هذا المنطلق فهو الذي يحدد قبول هذا ورفض ذاك.
هذه العملية الدعائية أعلن عنها الحزب قبل عامين فقط - 1998 - وكان المنع قائماً قبل هذا الوقت، ومنذ عدة سنين، وليسأل من شاء أصدقاء حزب الله من أهل السنة: كأعضاء جبهة العلماء، وحركة التوحيد، والجماعة الإسلامية، بل وليسأل من شاء منظمات ما يسمى بالمعارضة الفلسطينية التي انشقت عن عرفات، وتبعت أسد النصيرية بطل الصمود والتصدي.
وبلغ دعم إيران للحزب أوجه في هذه المرحلة، جاء في تقرير وجهه أحد الدبلوماسيين الأوربيين إلى حكومته في مطلع صيف 1986، وكشف فيه أبعاد اللعبة السورية، ما يلي:
"تقوم طائرات الشحن الإيرانية من طراز بوينغ 747 بالإقلاع والهبوط ثلاث مرات في الأسبوع، على طرف مدرج مطار دمشق، ناقلة حمولات غامضة، فالبضائع التي تفرغ عبارة عن أسلحة خفيفة مرسلة إلى [حراس الثورة] الذين يشرفون على تدريب أتباع حزب الله في معسكر زبداني بالقرب من دمشق، أو في المعسكرات الكائنة في منطقة بعلبك. أما البضائع المحملة فهي مدافع هاون وصواريخ مضادة للطيران من طراز سات. كذلك يحفل ميناء اللاذقية بنشاط من هذا النوع"[1].
وهذا الدعم الذي كان حزب الله يتلقاه من سورية وصنيعتها - الحكومة اللبنانية - ومن إيران، لا يمنعنا من القول: لقد قاتل الحزب قوات الاحتلال الصهيوني قتالاً ضارياً، وكان القادة نماذج حية لجنود الحزب، فالأمين العام الأسبق عباس الموسوي، قتل وهو يتفقد المواقع في فبراير 1992، والأمين العام الحالي حسن نصر الله فقد ابنه في إحدى المعارك، وأثبت الحزب أنه من حيث التدريب والإعداد في مستوى المهمة التي انتدب لها. ومما يجدر ذكره أن النجاحات التي حققها من أجل تحرير الجنوب جعلت الناس ينسون أو يتناسون أعماله الإرهابية التي كانت في وقتها حديث العالم كله، ومع تحسين صورته في أعين الناس فقد تحسنت صورة إيران.
شيعة لبنان وموقفهم من الاجتياح الاسرائيلي عـام 1982
في لقاء أجرته جريدة (الشرق الأوسط) في 7/2/2004 مع الأمين العام الأسبق لـ"حزب الله" الشيخ صبحي الطفيلي صرح قائلاً: (ما يؤلمني أن المقاومة التي عاهدني شبابها على الموت في سبيل تحرير الأراضي العربية المحتلة تقف الآن حارس حدود للمستوطنات الإسرائيلية. ومن يحاول القيام بأي عمل ضد الإسرائيليين يلقون القبض عليه ويسام أنواع العذاب في السجون… وأنا أوجه كلامي إلى أبنائي في المقاومة لأقول لهم: إن ما تفعلونه حرام وخدمة للعدو وخيانة للقضية. ألقوا سلاحكم وارحلوا أو تمردوا وأطلقوا النار على عدوكم. ولا تجعلوا أحداً يخدعكم تحت عنوان أي فتوى أو ولاية فقيه: فلا فقيه في الدنيا يأمرني بأن أخدم عدوي. أنا آسف كيف أن المقاومة التي صنعناها بدماء شهدائنا تختطف وتحول إلى خدمة أعدائنا).
ثم يصرح بمعلومة خطيرة خافية على الكثيرين -وأنا منهم- عن تاريخ الشيعة في جنوب لبنان يوم اجتاحته القوات الإسرائيلية فيقول في معرض حديثه عن الشارع الشيعي في العراق وتوقعاته عن تغيره في المستقبل من الموادعة إلى المواجهة كما حصل في جنوب لبنان: (الشارع الشيعي في العراق مثل أي شارع آخر تتحكم به عوامل كثيرة قبل أن يتحكم به عقله. القرى والمدن الشيعية في جنوب لبنان استقبلت الإسرائيلي بالورود والأرز جراء بعض الممارسات التي قامت بها فصائل فلسطينية(!!!). لكن هذه القرى نفسها بعد سنتين كانت في طليعة المقاومة).
وأيد وقوع هذا التصرف المخزي الأمين العام الحالي لـ "حزب الله" الشيخ حسن نصر الله بقوله: (… أن نفتح جراحنا يعني أن يقتل أحدنا الآخر ليأتي الإسرائيلي ليتنـزه في لبنان ولييأس الناس من كما يئسوا في اجتياح 1982، كان هناك عار أن هناك من رش الورد على الإسرائيليين عندما دخلوا. هل نقول إن هؤلاء الناس كلهم خبثاء أو عملاء؟ لا ولكن ما كان يحصل في الساحة اللبنانية أوصل الكثيرين من الناس إلى الحد الذي أصبحوا ينظرون فيه إلى العدو الإسرائيلي على أنه منقذ)[1]
من هذا أدركت أن استبشار الأمريكان أنفسهم قبل غزو العراق بأن العراقيين سيستقبلونهم بالورود ربما يكون قد بنوه على هذه السابقة الشائنة من شيعة لبنان على اعتبار أن الشيعة في العراق يمثلون الأغلبية كما أوهمهم بذلك كله عملاؤهم.
وهذا يؤيد ما أقوله وأعتقده من أن اختلاف الشيعة العقائديين مع ملل الكفر ليس اختلاف عقيدة -فإن عقيدتهم تغرس في نفوسهم تقبل المستعمر "المخلص الخارجي"- وإنما هو اختلاف مصالح . فإنه ما من قوم أو شعب على وجه الأرض -بصرف النظر عن دينهم وعقيدتهم- تغتصب أرضهم وتستباح ديارهم إلا ودافعوا الغاصب عنها، وقاتلوا لاسترجاعها ولو بعد حين. بل ذلك أمر فطري غرسه الله سبحانه حتى في الحيوان! فالدجاجة تدافع عن قُنِّها وتقوم بنقـر من يقتحمه عليهـا، وتهاجم دفاعاً عن فراخها.. والكلب يفعل ذلك أيضاً!
لقد هلل شيعة لبنان لليهود حين دخلوا أراضيهم أملاً بالخلاص على أيديهم. يسوقهم إلى ذلك علماؤهم الذين يعبئونهم نفسياً على الدوام بالحقد على شركائهم في الوطن، مستغلين معاناتهم المزمنة التي لا تزول من عقدة الشعور بالاضطهاد. وقد أعماهم ذلك عن رؤية المصير الأسود الذي صاروا ينساقون وهم ينحدرون إليه.
حتى إذا زالت عن عيونهم تلك الغشاوة، وصحوا على أنفسهم فإذا بهم يرون أراضيهم وديارهم نهباً بيد الغاصبين عند ذاك تحركوا يقاتلون عنها. حتى إذا استردت -أو غالبها- عادت الأمور إلى نصابها. بل حلت محلها المزايدات السياسية التي يتحدث عنها الطفيلي، مع النفخ والتطبيل والتزمير، وإظهار ما حدث بمظهر (الجهاد دفاعاً عن الأرض العربية والإسلامية)، و(تحرير فلسطين من البحر إلى النهر)… إلخ من الشعارات الطنانة الرنانة. التي يطلقونها وأيدي مليشياتهم لا زالت ملطخة بدماء أهل السنة من اللبنانيين والفلسطينيين في صبرا وشاتيلا وغيرها بالتعاون والتنسيق مع اليهود. ناهيك عن التهجير والتطهير العرقي الذي قاموا به ضد أهل السنة هناك!
أما تبريره لذلك الفعل الشنيع بأنه من جراء بعض الممارسات التي قامت بها فصائل فلسطينية ! فإنه ورقة التـوت التي يبحـث عنها -دائماً وأبداً- من يريدون أن يستروا بها سوءاتهم . وهو ما يوحي به على الدوام أولئك القادة من أجل جر الشعوب التي تعاني -كاليهود- من عقدة الحقد على الآخر، وعقدة الشعور بالنقص والضعف، وعقدة الشعور بالاضطهاد إلى ما يريدون تحت ذرائع شتى. كما فعلوا على عهد هولاكو قديماً، وعهد الأمريكان حديثاً. ولا يعدم المبطل أو المجرم من عذر يبرر به باطله أو جريمته، حتى إبليس في عصيانه! وحتى السامري في هذيانه!! وقديماً قال أسلافنا: لا تسأل صاحب البدعة عن بدعته فإنه قد أعد لكل بدعة جواباً، ولكن اسأله عن السنة فإنه لا يعرفها.
ولنفترض أن هناك فصائل فلسطينية مارست ضد شيعة لبنان نوعاً من الاعتداء أو الأذى -وليس العكس- أفيكون الحل بالاستنصار
باليهود ؟! واستقبالهم بالأرز والورود ؟!!
ولكن يظهر أنهم هكذا هم على مر التاريخ !
لقد هللوا لهولاكو حين دخوله بـغداد، وأطلقـوا عليـه لقـب (الفاتح)! كما استبشروا بالأمريكان حين دخولهم بغداد -وقد كانوا من قبل يستفتحون بهم علينا ويمنون أنفسهم بذلك!- وأطلقوا عليهم بعد الاجتياح -وبملء أفواه العمائم السود قبل البيض- لقب (المحررين)! وهذا ما سمعه منهم -وشاهده- القاصي والداني! .
كذلك استنصر ابن العلقمي الشيعي الفارسي بهولاكو الكافر التتري، واستبشر به شيعته طمعاً بالخلاص من حكم العباسيين (السنة) تحججاً (ببعض الممارسات التي قام بها) أحمد ابن الخليفة ضدهم! وعليه فلتسقط بغداد.. ولتذهب معها الخلافة الإسلامية إلى الجحيم.. ولتغرق المنطقة بطوفان الكافر المحتل من أي ملة كان وهو يجتاح ديار المسلمين!!!
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالته إلى السلطان الملك الناصر في شأن حرب التتار وحثه على البدء بقتالهم قبل أن يبدأوه : (إن غالب أهل البلاد قلوبهم مع المسلمين إلا الكفار من النصارى ونحوهم، وإلا الروافض ونحوهم من أهل البدع هواهم مع الكفار، فإنهم أظهروا السرور بانكسار عسكر المسلمين وأظهروا الشماتة بجمهور المسلمين. وهذا معروف لهم من نوبة بغداد وحلب، وهذه النوبة أيضاً كما فعل أهل الجرد والكسروان. ولهـذا خرجـنا في غـزوهم لما خـرج إليهم العسكر. وكان في ذلك خيرة عظيمة للمسلمين)[2]
وهذه -والله ثلاثاً- هي حالة عامة روافض عراقنا وموقفهم من غزاة بلادنا كأن شيخ الإسلام ينظر إليهم من وراء حجب الغيب! أو كأننا ننظر إلى روافض زمانه لا فرق ! ولا عجب ! فالمشرب والمصدر والعقيدة والعُقدة واحدة !
ترى .. !
لماذا نذبح على مر التأريخ بالحجة نفسها ؟!
وإلى متى يستمر هذا الزيف ؟!!
حزب الله واللعبة الكبرى:
في يوم 22/7/ 2006 صرح نائب وزير الخارجية السوري أنه مستعد للحوار مع أمريكا حول لبنان ؟! لماذا لا ينظر المغفلون السذّج إلى الأمر من جميع جوانبه ، فحزب الله لم يدن تحالف الشيعة في العراق مع العدو المحتل .
بالأساس لعبة وقواعد، لكن التغير الذي تحدث عنه نصر الله ليس على الإطلاق، فمصفاة حيفا وتل أبيب اللتان تقعان ضمن مدى صواريخ الحزب "حيّدتا" (اللفظ لحسن نصر الله) ولم تقصفا حتى هذه اللحظة.
وقد كانت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس قد طلبت من إيران الضغط على حزب الله بعدم قصف الهدفين، وهو الحلقة الأهم في هذا الصراع.
ما قاله الطفيلي وطالبت به رايس وسعت ما أجله طهران، شهدت به إسرائيل لحزب الله، فقد امتدحت جريدة هآرتز في 6/7/2006 الأمين العام للحزب بسبب عقلانيته وتحمله للمسؤولية، وأنه حافظ على الهدوء في الجليل الأعلى بشكل أفضل من جيش لبنان الجنوبي، وهو اليوم يتعقل فلا يضرب المنشات الحيوية لإسرائيل كما صرح بذلك.
أخذاً بالاعتبار ما قاله الطفيلي وأكدته صحيفة هآرتز، مضافاً إليه الضعف الأمني للدولة اللبناية، فإن الاستئصال الأمني الكامل لحزب الله لن يصب في المصلحة الأمنية لإسرائيل، فزوال الحزام الأمني العازل الذي يشكله الحزب بين إسرائيل وباقي لبنان، الذي حفظ السلام في الجليل الأعلى، يعني عودة التماس الجغرافي مع قطاعات الشعب اللبناني والفلسطينيين، التي تختلف مع مدرسة الحزب السياسية والمذهبية، ومع رؤيته إلى طبيعة الصراع مع إسرائيل، وهو الأمر الذي احتلت من أجله إسرائيل جنوب لبنان في عام 1982، وأوجدت جيش لبنان الجنوبي، ذو الأغلبية الشيعية، الذي لم يثبت فاعلية في حماية مناطقها الشمالية من عمليات المقاومة الوطنية اللبنانية والفلسطينية التي كانت تنشط قبل وصول حزب الله وتوقفت تماماً بمجيئه.
على المدى البعيد نسبياً، فإن زوال حزب الله بالكامل يعني ـ من المنظور الإسرائيلي ـ تحول لبنان إلى منطقة أمنية رخوة، وقبلة لفصائل المقاومة الإسلامية التي تجوب العالم بحثاً عن نقطة تماس مباشرة مع ما تعتبره العدو الحقيقي، وما تعده أيضاً تجسيداً لخطابها السياسي، الذي ينتقده خصومه على أنه ينشط بعيداً عن جغرافية المواجهة الحقيقية، وهو ما فعلته بعد سقوط العراق، وتواجه دوراً من قبل المليشيات الشيعية المحلية والوافدة شبيه بدور حزب الله الذي تحدثت عنه صحيفة هآرتز، وفي ذلك إضاءة أخرى على خلفيات موقف حسن نصر الله من المقاومة العراقية.
لا أدق في هذا السياق مما ذكره كاتب لبناني مسيحي عن طبيعة المدرستين بالقول: "نضال حزب الله قروي، ونضال الآخرين (السنة) قاري". بعبارة أخرى، ستبقى حاجة إسرائيل قائمة إلى حزام أمني طائفي يعزلها عن محيط الأغلبية ذات المنطلقات والرؤى المختلفة.
ألسنا في عالم ألف تعاضد قوى التحرر، وإن تباينت المنطلقات والغايات؟ فضلا عن قيم العرب والمسلمين في التعاضد والتآزر. فبما يفسر موقف حسن نصر الله المعلن والمناوئ للمقاومة العراقية، التي يفترض أنها تحارب عدواً مشتركاً هو أمريكا وإسرائيل؟ سوى أنها تحارب في نفس الوقت مشروعاً إيرانياً شعوبياً، يمثل حزبه نتوءه في بلاد الشام؟
شبكة من الخيوط المتداخلة تبدأ وتنتهي عند إيران. الطريق المختصر إلى هذه قلب هذه الشبكة، هو ما قاله إبراهيم الأمين، أحد مسؤولي حزب الله على إتهام: أنتم جزء من إيران، فأجاب: "نحن لا نقول إننا جزء من إيران، نحن إيران في لبنان، ولبنان في إيران" (جريدة النهار 5/3/1987)
الدكتور محمد علي الجودي مفتي جبل لبنان في مجلة فجر الإسلام العدد الأخير يشتكي إلى الله من ظلم وتجبر حزب الله في استيلائه على مساجد السنة ، فبعد أن تكلم عن انتصارات حزب الله في قرى الجنوب على الجيش الاسرائيلي.
يقول : ( هذا الانتصار على ما يبدو دفع بعض شباب حزب الله لمحاولة السيطرة على مساجد أهل السنة والجماعة في الجنوب وفي جبل لبنان ، فقد تكررت المحاولات ، وآخرها محاولة السيطرة على مسجد النبي يونس في الجية .
وفي بلدة الجية يتعاون حزب الله مع حركة أمل ، مع الشيخ عبد الأمير قبلان على اغتصاب أوقاف السنة ، حيث اصدر المجلس الشيعي الأعلى قراراً بتأليف لجنة لأوقاف الشيعة في الجية ، ثم ادعت هذه اللجنة على المديرية العامة للأوقاف الإسلامية السنية في بيروت بأنها صاحبة حق في أوقاف الجية ، وهي عبارة عن أربعة عشر ألف متر مربع تقع على شاطئ البحر ، وقد أقيم عليها مسجد النبي يونس ومدرسة رسمية تابعة لهذه الأوقاف ومدرسة ثانوية .. ومقابر ..
والقضية تعرض أمام القضاء اللبناني ، في الوقت الحاضر حيث وضعت إشارة على هذه العقارات ومن خلال هذه الإشارة يحاول المتعصبون من المنتمين الى اللجنة الشيعية إيذاء أهل السنة في أوقافهم وفي مسجدهم ، حيث كان أهل السنة يعملون على ترميم وبناء مسجدهم من جديد ، فرفع هؤلاء قضية بحجة تخريب المسجد ، وعملوا على إيقاف عمليات الترميم ...
وهكذا تحولت القضية الى قضية مذهبية لجأ فيها شيعة الجية الى استفزاز اهل السنة والجماعة بوضع مكبرات الصوت على سطح المسجد وإعلان الآذان الذي يتضمن كلمة (وأن علياً بالحق ولي الله) لأول مرة في تلك البلدة تجاوزوا حدود اللياقة والأدب في تناول مركز الإفتاء والأوقاف ، وأخذوا يكيلون الألفاظ البذيئة ويعبرون عن مشاعر الحقد والكراهية بأسلوب سوقي يعمل على إثارة الفتنة والضغينة بين المسلمين ..
هل كان انسحاب إسرائيل من الجنوب هزيمة؟
وأما انسحاب إسرائيل في عام 2000 م فقد أكدنا في بحث نشرناه في حينه بأن الانسحاب لم يكن هزيمة لإسرائيل [وإن كنا لا ننكر بأن حزب الله قاتل وقدم ضحايا، وكبد العدو خسائر بغض النظر عن حجمها]، وإنما جاء الانسحاب وفق حسابات إسرائيلية قصدت من ورائها حرمان سورية من استغلال مسألة احتلال الجنوب. أما لماذا جاءت الصفقة في هذا الوقت بالذات؟!.فلابد لنا للإجابة على هذا السؤال من الإشارة إلى الحلف الأمريكي الشيعي الذي ترسخ بعد سقوط بغداد، واحتلال أمريكا للعراق، وكثافة الوجود الإسرائيلي الإيراني في عراقنا المنكوب. أما الوجود الإسرائيلي فرغم التكتم الشديد الذي تمارسه القوات الأمريكية في العراق، فالعراقيون وغيرهم يعلمون بكثافة الوجود الإسرائيلي، وتعدد أوجه نشاطهم، فمن بينهم فرق المخابرات (الموساد) التي مضى على وجودها في شمالي العراق أكثر من ثلاثة عشر عاماً، وهؤلاء يتتبعون نشاط المجاهدين، ويزرعون الجواسيس، ويدربون الأمن العراقي، ويقدمون خبرتـهم لرجال المخابرات الأمريكية.
ومن بينهم خبراء عسكريون، يقومون بتدريب فرق القناصة الذين يتترسون فوق المنازل والدوائر الرسمية، كما يدربون القوات الخاصة ... ومن آثار الخبراء العسكريين الإسرائيليين السيئة إقناعهم للأمريكان بتطبيق الأسلوب الذي يتبعه الجيش الإسرائيلي مع الفلسطينيين: كهدم المنازل، وتشريد عائلات المشتبه بـهم.
ومن بينهم خبراء اقتصاديون يشرفون على التبادل التجاري بين العراق المحتل وإسرائيل، ويشترون الأراضي، ويؤسسون الشركات بالتعاون مع شخصيات في مجلس الحكم المحلي أو مجلس الوزراء.
ومن بينهم خبراء في الوزارات والمؤسسات العامة: كالصحة والتعليم وغير ذلك. ومن بينهم خبراء ومختصون بالآثار العامة، وآثار اليهود العراقيين بخاصة. ومما يجدر ذكره أنه كان لليهود وجود فعال في العراق قبل عام 1948 وقيام الكيان الصهيوني في فلسطين. وإلى جانب الوجود الإسرائيلي وجود إيراني، ومن الطبيعي أن يكون أشد كثافة وأكثر فاعلية من الوجود الإسرائيلي، فبالإضافة إلى (فيلق بدر) وهو فرع من فروع الحرس الثوري، فقد تسلل إلى العراق آلاف من قوات "القدس" ومن الاستخبارات الإيرانية في ثياب مدنية، وكرجال دين في النجف وكربلاء وبغداد، ومن بينهم خبراء ومستشارون لقوات مقتدى الصدر ... هذه القوات الإيرانية وإن كانت منتشرة في مختلف مناطق العراق، فأمرها في الجنوب العراقي لا يخفى على أحد، ويقول العراقيون: الأمريكان وحلفاؤهم يحكمون الجنوب العراقي في النهار، والإيرانيون يحكمونه في الليل. وهذا لا يعني أن الحكم في النهار للأمريكان وحدهم. فكيف يتسنى لعاقل الاعتقاد بأن هذا الوجود الإيراني (مع امتداداته الشيعية في العراق) الإسرائيلي جاء عفوياً ومن غير ترتيب وتنسيق مع القوات الأمريكية المحتلة؟! أو كيف يُظن أن أعضاء مجلس الحكم لا يعلمون شيئاً عن هذا الوجود الإسرائيلي، ولا يتعاملون معه مباشرة؟!.
لا يمكن أن يكون ذلك كذلك، ونكتفي فيما يلي بذكر المثالين التاليين:
المثال الأول: «نقلت وسائل الإعلام (26/2/2004) عن مصادر إسرائيلية أن شركة الوقود والمحروقات الإسرائيلية (سونول) تقوم منذ أكثر من عشرة أيام بتزويد وبيع النفط ومشتقاته للعراق. وقالت المصادر أنه تم توقيع الاتفاقية بين الشركة وهيئة إعمار العراق والتي تعرف باسم (السومو) قبل عدة أسابيع، وذلك بعد مفاوضات طويلة شارك فيها ممثلون عن الشركة الإسرائيلية ومسؤولون عراقيون).
المثال الثاني: مفكرة الإسلام [28/12/1414 الموافق 19/2/2004] أكد الأمين العام لهيئة علماء المسلمين السنة في العراق الشيخ حارث الضاري، صحة ما تردد عن شراء (إسرائيليين) أراضي في العراق بأسماء عربية، وجاء ذلك في مؤتمر صحفي عندما سئل الضاري عما تردد عن توجه (إسرائيليين) إلى العراق وشرائهم أراضي وعقارات، فأكد أن هذه المعلومات صحيحة، وقد اشترى (الإسرائيليون) أراضي في العراق بأسماء عربية وإسلامية، بحسب ما ذكرته صحيفة (الرأي العام)، وكانت مصادر تركمانية قد كشفت عن وجود مخطط أمريكي صهيوني في شمال العراق يهدف إلى إخضاع منطقة الشرق الأوسط لنفوذهما وتوطين الآلاف من العائلات اليهودية في شمال البلاد. وقالت المصادر التركمانية: إن (إسرائيل) فرضت وجوداً لها على أراض تصل مساحتها 200 كيلومتر مربع في منطقة تبدأ من الحدود السورية مع شمال العراق، وتمتد باتجاه الشرق إلى حدود إيران مروراً بمنطقة تلعفر والموصل، وأضافت المصادر: إن الهدف من الشراء هو توطين أكثر من 150 ألف يهودي في المنطقة التي تعتبر نفس حدود (الدولة الكردية) على حد وصف المصادر الكردية(.
إن التعاون بين هذه الأطراف الثلاثة قائم على قدم وساق في كافة المجالات: الأجنبية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والصحية وغير ذلك، ويسعون جميعاً إلى إخراج العراق من محيطه العربي، وإقامة دويلات طائفية وعرقية يربط فيما بينها كيان عراقي مركزي أوهى من بيت العنكبوت، لا هم له إلا فض الخلافات بين هذه الدويلات التي ستتحول إلى حروب دامية. ومن أجل ذلك فقد كان أول قرار اتخذوه تسريح أفراد الجيش ومعه قوات الأمن العراقية، ثم أصبحت البلاد فوضى يسرح ويمرح بـها المجرمون وقطاع الطرق، إن إيران وإسرائيل ومن ورائهما أمريكا يعرفون مكانة ودور الجيش العراقي في مختلف العهود، وأنه كان حقاً حارس البوابة العربية الشرقية بل والغربية، ومن ذا الذي ينسى دوره في حرب 1973، ومنعه لإسرائيل من احتلال دمشق؟ ومن ذا الذي ينسى مرابطته في الأردن منذ عام 1967؟
لقد انتقم الشعوبيون من هذا الجيش البطل بعد سقوط بغداد، ثم جاءوا بقوات بدر الإيرانية وقوات البشمركة الكردية العلمانية وقوات الاحتلال. ومن أجل ذلك فهم يريدون للعراقيين الخنوع والاستسلام للشعوبيين الجدد، ويحاولون بشتى الوسائل القضاء على كل مقاومة ضد طغيانـهم، ومما يعرفه العالم أجمع وبعد مرور عشرة أشهر أن أهل السنة وحدهم دون غيرهم هم الذين رفعوا راية الجهاد في سبيل الله ... صحيح أن قصب السبق كان للسنة العرب وهم مركز الثقل، ولكن لا بد من التأكيد على أن الجهاد جمع ما بين السنة العرب والأكراد والتركمان، وأنه شمل العراق كله، وليس مصطلح (المثلث السني) الذي ابتدعوه. ومن أجل القضاء على المقاومة فقد ارتكبوا مجازر بشعة، وصنعوا سجوناً أكبر وأضخم من سجون صدام حسين حشدوا بـها الآلاف من الأحرار، وبرع الإيرانيون وأنصارهم من العراقيين في الاغتيالات، وما من منطقة في الجنوب العراقي إلا وقد تعرض فيها دعاة من أهل السنة للاغتيال.
أطراف الصفقة: تقول المصادر الألمانية أن أطراف الصفقة هم: أمريكا، وإيران، وإسرائيل، وسورية، وحزب الله، وسنتحدث فيما يلي عن الوسيط الألماني، وعن أهم أطراف الصفقة:
الوسيط الألماني: تحتفظ ألمانيا بعلاقات قوية مع كل من إيران وإسرائيل، أما إسرائيل فتثمن لألمانيا مساندتـها إياها داخل الاتحاد الأوربي، ويندر أن تتخذ موقفاً إيجابياً لمصلحة الفلسطينيين كتلك المواقف التي تتخذها فرنسا وبريطانيا وبلجيكا، ودول أوربية أخرى. أما إيران فبينها وبين ألمانيا تعاون لا يشبهه أي تعاون بينها وبين بقية الدول الأوربية، وينفرد الألمان بخبرة ومعرفة واسعة بالطريقة التي يفكر بـها الإيرانيون لاسيما وأن الرئيس الإيراني خاتمي وعدد من المراجع الشيعية أقاموا في ألمانيا، وكانت لهم صلات قوية مع المسؤولين الألمان قبل ثورتـهم 1979 وبعدها. ومن أوجه التعاون العديدة بين البلدين مسألة الرهائن، فمنذ أواخر الثمانينيات عمد حزب الله إلى خطف السياح الغربيين الذين يتوافدون على لبنان ثم تختفي آثارهم في بلد كان الحكم فيه لرجال العصابات، وحزب الله لا يعترف بعمليات الخطف، وأمام هذا الوضع الدقيق المعقد كانت الدول الغربية تلجأ لألمانيا وتطلب منها العون والمساعدة.
وكان الألمان بعد قبولهم الوساطة يتحركون بسرية كاملة، ويجرون مفاوضات مع كل من سورية (أيام حافظ الأسد)، ومع إيران، ثم تقودهم هذه الاتصالات إلى الدخول بمفاوضات مع حزب الله، وبعد جهود مضنية يتم الإفراج عن الرهائن مقابل بديل تلتزم به دولة المخطوفين تجاه إيران، أما المخطوفون فيلتزمون بعد الإفراج عنهم بأن لا يدلوا بمعلومات عن الجهة التي سجنتهم، ولا عن التعذيب الذي تعرضوا له ... والأمم المتحدة ومعها الولايات المتحدة يباركون جهود الألمان بطريقة أو بأخرى على ما حققوه من إنجاز عظيم. في هذه المفاوضات بين حزب الله وإسرائيل شارك طاقم ألماني رفيع المستوى برئاسة رئيس الاستخبارات العامة الألماني «أوغست هانينغ»، وهذا له معنى بالغ الأهمية، فالمفاوضات لا تجري بين حكومة وحكومة أخرى، وإنما بين حكومة وحزب جرد حكومته من صلاحياتـها، وتركها تجري وراءه، وتبارك جهوده والعالم راض بذلك. ألمانيا التي تتوسط لدى حزب الله في لبنان، وتعلن في نـهاية المرحلة الأولى من هذه المفاوضات عن استعدادها لاستقبال قادة حزب الله في ألمانيا للاتفاق معهم على تشكيل اللجان المختصة من أجل استئناف مفاوضات المرحلة الثانية، والتي ستكون أشد صعوبة من المرحلة الأولى ... ألمانيا هذه تكيل بمكيالين، فهي مع حركات وأحزاب أهل السنة من أكثر الدول الأوربية تشدداً معهم، ولا تتردد في تسليم المشتبه بـهم لأمريكا، وهذا ما ترفضه بريطانيا حليفة أمريكا لأنـها تحترم أحكام قضاتـها. إيران: مما يعلمه القاصي والداني أن حزب الله بلبنان، والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية بالعراق مؤسستان إيرانيتان تتلقى من طهران التعليمات المختلفة كما تتلقى الدعم المالي الكامل، وهذا ما يميزها عن الحركات والأحزاب الشيعية في كل من لبنان والعراق، وهذا يعني أن ألمانيا لابد لها من استئذان إيران لتفاوض فرعها حزب الله، ومن غير هذا الاستئذان لا يمكن للحزب أن يفاوض أحداً، وهذا ما قاله حسن نصر الله في تصريح له:
)الإيرانيون لم يعقدوا العملية، وكان في مقدورهم أن يطلبوا منا عدم المضي بـها، لكنهم قالوا لنا: افعلوا ما ترونه مناسباً، وما يسهل عملية التفاوض».قالوا لهم: افعلوا ما ترونه مناسباً من أجل نجاح الصفقة، لأنـهم يريدون أن يحققوا نصراً يسترون به فضائحهم في العراق، وخيانتهم للإسلام والمسلمين، ولقد ساعدهم حلفاؤهم الأمريكان والصهاينة على تحقيق هذا النصر المزيف ... وقال قادة طهران: لم تتعرض إسرائيل في تاريخها لمثل هذا الإذلال؟!.
مرة ثانية وثالثة نقول: كيف يكون الأمريكان والإسرائيليون حلفاء في العراق، وأعداء في لبنان؟! وكيف يكون العرب السنة هم الأعداء الألداء للحلف الدنس، ثم تتغير الصورة في لبنان وفلسطين ويصبح الإسرائيليون والأمريكان هم العدو؟!.
يا هؤلاء لقد خدعتم العرب السنة أكثر من مرة، ولكن لن تستطيعوا ذلك في كل مرة، لقد عم غدركم، وانكشفت أكاذيبكم، وهتكت أستاركم، وجددتم لنا ذكرى خيانة الطوسي وابن العلقمي، وغيرهم من أعلامكم المعروفين بالخيانة والغدر في مختلف مراحل تاريخنا. يا هؤلاء: الناس في كل مكان يتابعون أخبار تعاونكم مع الأمريكان في واشنطن ولندن وجنيف من أجل تسهيل احتلالهم للعراق وتسليم الحكم فيه للشيعة. ولقد سمع هؤلاء الناس تصريح نائب الرئيس الإيراني للشؤون القانونية والبرلمانية محمد علي أبطحي الذي أدلى به في ختام مؤتمر الخليج وتحديات المستقبل الذي ينظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية سنوياً بإمارة أبو ظبي مساء الثلاثاء (15/1/2004).
قال الأبطحي: إن بلاده قدمت الكثير من العون للأمريكيين في حربيهم ضد أفغانستان والعراق، وأكد أنه لولا التعاون الإيراني لما سقطت كابول وبغداد بـهذه السهولة ... ثم استدرك قائلاً: لكننا بعد أفغانستان حصلنا على مكافأة وأصبحنا ضمن محور الشر، وبعد العراق نتعرض لهجمة إعلامية أمريكية شرسة»
وفي (9/2/2002) نقلت جريدة الشرق الأوسط عن رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام الرئيس الإيراني السابق، علي أكبر هاشمي رفسنجاني قوله في خطبته بجامعة طهران (8/2/2002):
إن القوات الإيرانية قاتلت طالبان، وساهمت في دحرها، وأنه لو لم تساعد قواتـهم في قتال طالبان لغرق الأمريكيون في المستنقع الأفغاني ... وتابع قائلاً: يجب على أمريكا أن تعلم أنه لولا الجيش الإيراني الشعبي ما استطاعت أمريكا أن تسقط طالبان»
وماذا بعد تصريحات القيادة العليا لحزب الله (حكام طهران)، عن تعاونـهم مع الشيطان الأكبر ضد المسلمين الأفغان، ثم عن تعاونـهم معه (أمريكا) من أجل احتلال العراق. وننتظر في وقت آخر أن يتحدث هؤلاء القادة عن تعاونـهم مع الهند ضد باكستان، ومع الروس [أثناء احتلالهم لأفغانستان] ضد المسلمين الأفغان. أما حلفهم الدنس مع اليهود والأمريكان ضد المسلمين السنة في العراق، فلن ننتظر حتى يتحدثوا عنه. لقد تحدثنا عن تعاونـهم مع الإسرائيليين إبان حربـهم مع العراق، وعن تعاونـهم المستمر مع الأمريكان منذ بداية ثورتـهم عام 1979، ومن المستغرب أن الأمريكان والأوربيين صاروا يصفونـهم بالباطنية أي يبطنون خلاف ما يظهرون، ويتعاملون معهم بـهذه الطريقة.
بين حزب الله والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية: يتمتع حزب الله بصلاحيات واسعة في لبنان لا يتمتع بـها أي حزب لبناني، فما سمي بتفاهم نيسان بين الحزب وإسرائيل عام 1996 كان يرعاه كل من أمريكا وفرنسا بالتعاون مع إيران وسورية. وفي هذا دليل على أن هذه الصلاحيات عالمية فضلاً عن كونـها محلية، فلبنان تحت الضغط السوري الإيراني تنازل عن سيادته، ولم يكن دوره في تفاهم نيسان 1996 أكثر من وسيط بين الحزب والدول الأجنبية.
ورئيس الوزراء الحالي رفيق الحريري هو الذي قام بـهذه الوساطة. ومن جهة أخرى فإن معظم قادة حزب الله (ومنهم حسن نصر الله) كانوا أعضاء بل مسؤولين في حركة أمل عندما ارتكبت مجزرة المخيمات الفلسطينية.
والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية كذلك يتمتع بصلاحيات واسعة في العراق، فهو من جهة مدعوم من قوات الحرس الثوري والمخابرات الإيرانية المنتشرة في العراق، ومن جهة أخرى فهو مدعوم أيضاً من قوات الاحتلال الأمريكي وحلفائها، ولا أدل على ذلك من كون فيلق بدر هو الكيان العسكري الوحيد المسموح له من قبل الأمريكان في غير كردستان العراق، فلماذا هو دون غيره مع أن الأمريكان يعلمون أنه من قوات الحرس الثوري الإيراني، وليس له من العراق إلا الاسم؟!
وفي الوقت الذي يطالب المحتلون ومجلس حكمهم العراقي دول العالم الدائنة للنظام السابق بشطب الديون، يطالب رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وعضو مجلس الحكم المحلي عبد العزيز الحكيم بإلزام العراق بدفع مئة مليار دولار لإيران مقابل ما لحقها من أضرار بسبب الحرب الذي شنها نظام صدام ضدها، ومن المفارقات أن هذا الطلب تقدم به الحكيم عندما كان رئيساً لمجلس الحكم المحلي. أما فيلق بدر فقد نفذ بعد انتقاله من إيران إلى العراق اغتيالات واسعة، استهدفت شيوخ قبائل، وبعثيين سابقين، ودعاة مؤثرين، ولكن أبرز من استهدفهم فيلق بدر الفلسطينيين في بغداد مع أنـهم سكنوا العراق واندمجوا مع مواطنيها منذ عام 1948م، ومن الملفت للنظر أن الحي الفلسطيني كان مستهدفاً من قبل إيران خلال حربـها مع العراق، فلقد تعرض لعدد من الغارات، وإن تجديد استهدافهم، وإخراجهم من المنازل التي يسكنونـها منذ عشرات السنين لأسباب تافهة لدليل على موقف شعوبي لئيم، وأنـهم في أعمالهم هذه يسيرون على خطى أبناء طائفتهم (حركة أمل) في لبنان، وجرائمها المعروفة ضد سكان مخيمي صبرا وشاتيلا، وأمام هذه الاعتداءات المتكررة من فيلق بدر، فلقد اضطر الأمريكان إلى اتخاذ الموقف التالي:
)القوات الأمريكية تحذر فيلق بدر من المساس بأمن الفلسطينيين في العراق ... كشفت التحقيقات التي أجرتـها القوات الأمريكية لمعرفة مصدر قذيفتي الهاون اللتين أطلقتا على منطقة البلديات شمال بغداد فجر عيد الأضحى الماضي، أنـهما أطلقتا من معسكر تابع لفيلق بدر الذي اعترف مسؤوله بأن مجنداً يعاني من أمراض نفسية وعصبية كان وراء هذه العملية، وقال مترجم عراقي يعمل لدى القوات الأمريكية أن القوات الأمريكية أجرت تحقيقاً موسعاً حول الحادث الذي وقع في منطقة البلديات التي تسكنها غالبية فلسطينية فجر عيد الأضحى وأودى بحياة 6 فلسطينيين وإصابة 52 بحروح. وأوضح أن القوات الأمريكية وجهت لوماً شديداً إلى فيلق بدر حيث أنكر في البداية مسؤوليته عن الحادث، إلا أن الأدلة الدامغة التي قدمتها القوات الأمريكية أرغمت المسؤولين في الفيلق على الاعتراف بـهذا العمل.
وهذا من الأمريكان تناقض مشين، فعند احتلالهم للعراق هددوا فيلق بدر إن دخل العراق كجيش، ثم أذنوا له بالدخول، كما أذنوا له بحمل السلاح، وتركوه يعيث في أرض العراق قتلاً ونـهباً، ثم ها هم يحذرونه إن تكرر عدوانه على الحي الفلسطيني، فلينـزعوا السلاح منه إن كانوا جادين، وليعاملوا المجلس الأعلى للثورة الإسلامية كغيره من الأحزاب المشاركة في الحكم.
الولايات المتحدة الأمريكية: من يتابع أخبار التهديدات الأمريكية المتتالية لسورية ولبنان يدرك بأن الحرب لا محالة واقعة، وأنـهم – كما وعدوا – سيوجهون ضربات قاضية لحزب الله في البقاع قرب الحدود السورية، ثم يستدرجون القوات السورية إلى معركة فاصلة، وأنه قد آن الأوان لمحاسبة حزب الله على سياسة خطف رعايا الدول الغربية التي مارسها خلال أكثر من عقد ونصف، ومحاسبة سورية على مراوغتها واحتضانـها للمنظمات الإرهابية العربية والعالمية خلال عدة عقود – على حد قول الأمريكان - ... لكن واقع الحال ليس كذلك، فالأمريكان مثل إيران يقولون شيئاً ويفعلون خلافه، وفيما يلي بعض الأمثلة نستعرضها على عجل:
-أمريكا هي من رتب احتلال سورية للبنان عام 1975 م، وكلفتها بوضع حدٍ للفوضى التي عصفت باستقراره، وتم ذلك بالتنسيق الكامل مع إسرائيل التي حددت خطاً أحمر للقوات السورية في لبنان لا يجوز لها تجاوزه [نـهر الأولي(.
وسورية هي من تحالفت مع الشيعة بقيادة إمامهم موسى الصدر، ومع الموارنة ضد القوات الوطنية والسنية من فلسطنيين ولبنانيين، وما زالوا يوجهون لهم الضربات القاتلة في معارك غير متكافئة حتى كسروا شوكتهم وأجبروهم على الخروج من لبنان ... ثم جاءت إيران بحزب صنعته على عجل ودربت عناصره قوات حرس الثورة الإيرانية، وصار من أهم مهماته منع أهل السنة من فلسطينيين ولبنانيين من القيام بعمليات فدائية، ولم تكن أمريكا بعيدة عن جميع هذه الترتيبات، وفي تصريحات ومذكرات المتقاعدين من مسؤوليهم أدلة مفحمة على أنـها كانت وراء كل ذلك.
- أمريكا فرضت حصاراً خانقاً على العراق مات بسببه أكثر من مليون من الأطفال والنساء والشيوخ، وفرضت حصاراً على ليبيا وأفغانستان، وعلى الحركات الجهادية السنية.. فلماذا لم تفرض حصاراً على سورية ولبنان وحزب الله مع أنه وكما قالت فيما مضى مارس سياسة الخطف والابتزاز لأكثر من عقد ونيف؟!، وعلى العكس فهي تحتفظ بعلاقات مباشرة وقوية مع سورية منذ انقلاب حافظ الأسد عام 1970، كما تحتفظ بعلاقات مميزة مع حزب الله، ولكنها على الأغلب عن طريق وسيط.
- شيعة إيران والعراق حلفاء لأمريكا في احتلالها لأفغانستان والعراق، وهذا ما صرح به زعماؤهم في البلدين، ولو علم الأمريكان بأن الشيعة لن يقفوا معهم لما استطاعوا احتلال العراق بمثل هذه السهولة ... وإذا كان هذا هو حال إيران مع أمريكا فحزب الله تابع وليس متبوعاً، وهو لا محالة يؤدي دوراً يخدم مصالح التحالف الدنس، ولكن هذا الدور لابد وأن يغلف بغلاف البطولة والنصر والفداء.
خلاصة القول: أمريكا وحلفاؤها يريدون إسلاماً شيعياً في دول ما يسمى بالشرق الأوسط، ويحذرون أشد التحذير من (الوهابية)، والوهابية في مصطلحها الحديث - أي بعد أحداث سبتمبر 2001 - تعني أهل السنة والجماعة على مختلف مذاهبهم وبلدانـهم، وهذا المصطلح بالذات تردده دوائر الشيعة.
- أمريكا تتباكى على الشيعة في السعودية ونسبتهم لا تتجاوز 2% وتسكت عن حقوق أهل السنة في إيران ونسبتهم لا تقل عن 20%.
- أمريكا تردد مقولة الشيعة بأن نسبة الشيعة في العراق 70%، وبريمر يصر على ذلك، ولقد حاول أحد أعضاء مجلس الحكم المحلي إقناعه بعدم صحة هذا القول وأن السنة أكثر عدداً من الشيعة فلم يقتنع وتمسك بموقفه.
- أمريكا تريد للطائفة النصيرية أن تستمر بحكم سورية، وفي هذا الاستمرار ضمان لمصالحها، ومصالح إسرائيل، ولا تريد أن يعود أهل السنة ولو كانوا علمانيين لأن هذه العودة تعني وقف ما يسمونه مسيرة السلام مع إسرائيل.
- أمريكا تريد استمرار مرابطة قوات حزب الله في جنوبي لبنان، لأن هذه المرابطة تعني عدم عودة العمليات الفدائية التي كانت تقلق إسرائيل ... ولكنهم يريدون من الحزب التخلي عن العلاقات التي تربطه بالمنظمات الفلسطينية ولو كانت شكلية، كما يريدون منه انضباطاً أكثر، وقد تكافؤهم إسرائيل مرة أخرى بالتخلي عن مزارع شبعا تمهيداً للسلام المنتظر.
- وأمريكا تريد من سورية أن تستجيب لمطالبها، ومن هذه المطالب المتعددة تغيير شكل الحكم مع بقاء سيطرة الطائفة، وسوف يستجيب النظام السوري لكل ما يريدون عندما يدرك بأنه لا سبيل إلى المراوغة.
حزب الله اللبناني وقمع انتفاضة الأحواز المضطهدين:
كشفت صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ 5 أغسطس 2006م عن دور هام لعبه حزب الله في مواجهة وقمع انتفاضة الأحواز مشيرة على لسان علي أكبر محتشمي بور سفير إيران الأسبق لدى سوريا ووزير الداخلية الإيراني السابق والأمين العام للمؤتمر الدولي لدعم الانتفاضة في فلسطين، مشيرة إلى أنّ علاقة حزب الله مع النظام الإيراني أبعد بكثير من علاقة نظام ثوري بحزب أو تنظيم ثوري خارج حدود بلاده، وأضاف محتشمي أنّ العلاقة تجعل الحزب يبدو وكأنه جزء من مؤسسة الحكم في إيران.
وخلال انتفاضة الطلبة في إيران عام 1999م ومن ثم المواجهات الدامية بين رجال الأمن والأهالي السنة في مدينة الأحواز عاصمة خوزستان الإيرانية تواجد مئات من العسكريين العرب بين صفوف وقوات الأمن ووحدات الحرس وأنّ لهجة هؤلاء كانت لهجة لبنانية وسورية، ولكن محتشمي وهو المؤسس لحزب الله سنة 1982م من رحم حركة أمل الشيعية اللبنانية كشف عن مشاركة مقاتلي حزب الله جنباً إلى جنب مع رجال الحرس الثوري الإيراني في الحرب الإيرانية- العراقية.
المفاجأة الكبرى ...
إنّ البدأة بالجهاد قبل خروج المهدي محرّم عند الشيعة وكل ما يقوم به حزب الله تجاه إسرائيل هو جهاد دفاع، إذ لا يجوز البدأة بالجهاد عندهم إلا بعد خروج المهدي.
يقول الخميني – مرشد الثورة الإيرانية والأب الروحي الأول لحزب الله - في كتابه تحرير الوسيلة 1/482: (في عصر غيبة ولي الأمر[3] وسلطان العصر – عجل الله فرجه – الشريف يقوم نوابه العامة وهم الفقهاء الجامعون لشرائط الفتوى والقضاء مقامه في إجراء السياسات وسائر ما للإمام عليه السلام إلا البدأة بالجهاد).
ولذلك لولا الأسرى اللبنانيين عند إسرائيل لما تجرأ حزب الله على أسر أو قتل أي جندي إسرائيلي!
ولولا القصف الجوي الإسرائيلي للبنان لما تحركت صواريخ حزب الله لضرب إسرائيل.
وهذا ما صرّح به حسن نصر الله نفسه في احدى بياناته أثناء الحرب إذ قال: إننا ندافع عن أنفسنا ولسنا من بدأ بالحرب.
[1] عراق بلا قيادة –عادل رؤوف ص266-267. نقل المؤلف هذه العبارات عن خطاب لحسن نصر الله منشور في كتاب باسم (سجل النور) ص227 صادر عن الوحدة الإعلامية في حزب الله.
[2] - رسالة إلى السلطان الملك الناصر في شأن التتار ص19 – شيخ الإسـلام ابن تيمية مكتب التراث العربي .
[3] أي المهدي.