محور المصالح "الإسرائيلي الإيراني الأميركي"
علي حسين باكير- الغد 10/7/2008
في وقت تحتدم فيه الحرب الكلامية بين كل من واشنطن وتل أبيب وطهران، تطلّ علينا بعض الأخبار المتعلّقة بهذا المثلث بشكل مثير للاستغراب والعجب في آن، ليس لأنّ المضمون الذي تحتويه يناقض الجدل العلني والتهديدات المباشرة بالتدمير والتدمير المضاد والمحو عن الخريطة، وإنما لأنّ الاتجاه على ارض الواقع يوحي باجتماع المصالح الذي يجمع أطراف هذا المحور أو المثلّث.
وبغض النظر عن صحّة هذا التصور أو عدمه، فانّ أحدا لا يستطيع أن ينكر مثلا انّ السياسة الأمريكية منذ 11 أيلول 2001، جعلت من إيران دولة إقليمية كبرى. فإيران ما كانت تحلم بالوصول إلى وضع يؤهلها لما هي عليه الآن، لولا السياسة الأمريكية التي سمحت لها بذلك، بل وساعدتها و قدّمت لها ما قدّمت على طبق من ألماس.
وفي المقابل، فلا مؤشرات واقعية عملية حقيقية عن وجود عداء مستحكم بين إسرائيل وإيران، والمشكلة إنّ كل من إسرائيل وإيران تعرف هذا جيّدا، فيما تذهب الشعوب العربية البسيطة بأوهامها إلى أبعد من ذلك بكثير.
في الوقت الذي كانت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تكشف فيه خبرا أواخر الشهر الماضي مفاده أنّ "إسرائيل قامت بتدريبات عسكرية كبيرة هذا الشهر كاستعداد عملي لقصف محتمل لمنشآت نووية إيرانية"، قبل أن تردّ إيران بأنّها سترد على أي هجوم يطالها وستعتبره بمثابة إعلان حرب، مع ما يستتبع ذلك من تصريحات سابقة للأحمدي نجاد بمحو إسرائيل عن الخريطة، مرّ خبر مهم في وسائل الإعلام يفيد بانّ سفير الولايات المتحدة في إسرائيل، ريتشارد إتش-جونس، بعث برسالة رسمية ( حادّة اللهجة )، إلى وزير المالية الإسرائيلي روني بار أون، ونسخة طبق الأصل إلى رئيس الحكومة إيهود أولمرت، بالإضافة إلى وزيرين آخرين من حكومته، يتهم فيها إسرائيل بالاتجار سراً مع إيران وتحويل الأموال إليها، وخرق القانون الإسرائيلي الذي يمنع إقامة علاقات تجارية مع (دول العدو).
وكشفت الرسالة الأمريكية أنّ إسرائيل تقوم بشراء الفستق الإيراني، وهي تستورد ما قيمته حوالي 20 مليون دولار سنوياً، من الدولتين الأكثر إنتاجاً للفستق (الولايات المتحدة وإيران)، علما انّ ما تستورده من أمريكا يبلغ 5% فقط من احتياجات السوق لديها.
المثير في الموضوع أنّ صحيفة "يدعوت أحرنوت" الإسرائيلية استغربت لهجة الرسالة الأمريكية القاسية لإسرائيل معلّقة على ذلك بالقول: "بدلاً من أن تهتم بالملف النووي الإيراني أصبحت تهتم بموضوع الفستق الإيراني!!"، ولهذا دلالة كبيرة معناها أنّ الإسرائيلين لا يعتقدون بخطأ التجارة مع إيران في الوقت الذي يطالبون به بفرض المزيد من العقوبات عليها!
الأمر لا يقف عند حدود الفستق في العلاقات بين الدولتين، و بالرجوع إلى الذاكرة خاصة لدى المتابعين لخفايا العلاقات الإسرائيلية-الإيرانية، ستلاحظون أنّ التجارة الثنائية تجاوزت الفستق منذ زمن بعيد إبّان صفقات السلاح وما يعرف بفضيحة إيران-جيت ومن ثمّ الأسلحة الكيماوية في التسعينيات، ومختلف أنواع وأصناف الصناعات والزراعات فيما بعد.
وقليل من القرّاء يعلم أيضا انّ السيد أحمدي نجاد رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية يتحصّن بمعدّات إسرائيلية الصنع!! فسيّارة السيد نجاد الحكومية مزودة بجهاز إنذار من صنع إسرائيلي، وهو واحد من الأجهزة البالغ عددها 20 ألفا التي كانت إيران اشترتها العام 2006 من معرض صيني كان يعرض الأجهزة الإسرائيلية الصنع للبيع، عندما ابلغ المسوّق الصيني الشركة الإسرائيلية "سونار" -و التي تقع في مدينة رمات هشارون شمال تل أبيب في وسط- و مديرها العام "يعقوب سلمان" بحجم الطلب الإيراني، أصاب الأخير الذهول قائلا: "لم اصدّق أنّ الإيرانيين يريدون شراء أجهزتنا"!!
من عجائب العلاقات بين هذا المثلث أيضا، أنّ أمريكا التي تلوم إسرائيل على الفستق الإيراني، تعتبر اكبر مصدّر للتبغ إلى إيران! وقد ازداد تصدير منتجات التبغ من الولايات المتحدة إلى إيران بصورة تدريجية ومستمرة ما بين عامي 2002 و2005. وبلغت ذروتها في عام 2005 وفقا لـ"تقرير واشنطن" لتصل إلى ما يقرب من (50,317,000) دولار، فيما صدرت في العام 2007 حوالي (17,840,000) دولار من منتجات التبغ إلى إيران.
وللعلم، فانّ الولايات المتّحدة، كانت قد باعت عبر البنتاغون أوائل العام 2007 وفق ما كشفه تقرير للكونجرس، حوالي 1000 قطعة غيار لمقاتلات اف-14 "توم كات" لإيران التي تعتبر الدول الوحيدة في العالم التي لازلت تشغّل هذه الطائرات الأمريكية، (والتي من المفترض أن تقوم بمواجهة الطائرات الإسرائيلية والأمريكية في حال قررت مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية) مبررين أنّ ذلك تمّ عن طريق الخطأ إلى جانب العديد من المواد والأسلحة الحسّاسة!. ألف قطعة غيار لمقاتلات ليست في الخدمة إلاّ في دولة واحدة في العالم هي إيران، ويقولون إنّ ذلك تم عن طريق الخطأ!
وكثير منّا لا يعلم انّه على الرغم من قانون العقوبات الأمريكي الشهير المفروض على إيران والذي يمنع المتاجرة مع إيران بأي شكل من الأشكال ويعاقب تعامل الشركات الأمريكية وحتى الغير أمريكية المتعاملة معها، وخاصة في القطاعات المهمة والتي يشكّل النفط إحداها، فانّ شركة "هاليبيرتون" النفطية الأمريكية الشهيرة التي يديرها نائب الرئيس الأمريكي "ديك تشيني" أحد أهم الصقور والمعروفين بالمحافظين الجدد الذين يديرون "الشيطان الأكبر" ظلّت تعمل في إيران حتى أوائل العام 2007 حين أصدرت بيانا أعلنت فيه أنها أنهت جميع التزاماتها الموقعة في إيران، بعد ان كانت تطوّر حتى حينه بعض الحقول النفطية والغازية في هذا البلد، وتصدّر إليه معدّات بقيمة 50 مليون دولار أمريكي سنويا!!
هذه بعض المعلومات القليلة المرصودة، وما خفي منها كان أعظم، ولا أعرف لماذا عندما يتم الحديث عن أمريكا وإيران، أو إسرائيل وإيران يتم التركيز في وسائل الإعلام على الكلام الفارغ، ويتم تجاهل المصالح الإستراتيجية التي يلتقي عليها هؤلاء الأطراف الثلاث والتي تتم غالبا على حساب غيرهم "العرب طبعا".
المشكلة لا تكمن في هذه الصورة المعروضة عن هذا المحور الثلاثي، إنما في الصورة النمطية الساذجة الموجودة في عقلية العربي الغير قادر على استيعاب الالتقاء الاستراتيجي الحاصل، وما زال يلهث خلف الشعارات والكلام الفارغ.
يقول "تريتا بارسي"، وهو أستاذ في العلاقات الدولية في جامعة "جون هوبكينز"، ولد في إيران ونشأ في السويد وحصل على شهادة الماجستير في العلاقات الدولية ثم على شهادة ماجستير ثانية في الاقتصاد من جامعة "ستكوهولم" لينال فيما بعد شهادة الدكتوراة في العلاقات الدولية من جامعة "جون هوبكينز" في رسالة عن العلاقات الإيرانية-الإسرائيلية، "انّ المراجعة المتأنية للعقود الثلاثة الأخيرة تظهر أن خطاب إيران العدائي ناتج عن الانتهازية أكثر من كونه نتاجا عن التعصب. فعلى الرغم من أيديولوجياتهما المتعارضة، كانت إيران وإسرائيل مستعدتين في بعض الأوقات للعمل معا بهدوء".
والسبب في رأيه واضح، فعندما تضطر طهران إلى الاختيار، فإنها تقدم دائما مصالحها الجيو-إستراتيجية على دوافعها الأيديولوجية، كما حدث في ثمانينيات القرن الماضي إبان الحرب العراقية – الإيرانية، حيث كانت الأولوية دائما لاهتمامات إيران الجيو-إستراتيجية. فقد طلبت إيران آنذاك مساعدة إسرائيل، عندما كانت تعاني من النقص الشديد في قطع غيار أسلحتها الأمريكية الصنع في مواجهة الجيش العراقي، فيما كانت إسرائيل بالمقابل شديدة الحرص على الحيلولة دون إحراز انتصار عراقي وعلى استعادة تعاونها الأمني السري التقليدي مع إيران، بغض النظر عن خطاب الملالي الملتهب ضد إسرائيل"."
وحتى تصريحات احمدي نجاد الأيديولوجية ضد إسرائيل باتت تحمل غرضا استراتيجيا، فاللعب بورقة معاداة إسرائيل يساعد إيران في تجاوز الانقسامات الفارسية - العربية والشيعية - السنية. فالخطاب الحاد ضد إسرائيل يلاقي قبولا طيبا في الشارع العربي. بمعنى آخر إنّ استهداف إيران لإسرائيل عبر الخطاب الإعلامي هدفه كسب مزيد من المؤيدين لها في المنطقة وهو مجرد ذريعة لتحقيق أهدافها.
بمعنى ابسط، يعتقد "بارسي" أنّ العلاقة بين المثلث الإسرائيلي- الإيراني – الأمريكي تقوم على المصالح والتنافس الإقليمي والجيو-استراتيجي وليس على الأيديولوجيا والخطابات والشعارات التعبوية الحماسية، وهو كلام سليم جدا وواقعي.
فإيران، والكلام لبارسي، ليست "خصما لا عقلانيا" للولايات المتّحدة وإسرائيل كما كان الحال بالنسبة للعراق بقيادة صدّام و أفغانستان بقيادة الطالبان. فطهران تعمد إلى تقليد "اللاعقلانيين" من خلال الشعارات والخطابات الاستهلاكية وذلك كرافعة سياسية وتموضع ديبلوماسي فقط. فهي تستخدم التصريحات الاستفزازية ولكنها لا تتصرف بناءاً عليها بأسلوب متهور وأرعن من شانه أن يزعزع نظامها. وعليه فيمكن توقع تحركات إيران و هي ضمن هذا المنظور "لا تشكّل "خطرا لا يمكن احتواؤه" عبر الطرق التقليدية الدبلوماسية."
وفي تفسيره لتفضيل إيران البراغماتية على الأيديولوجية عند تخييرها بين المصالح والمبادئ، يقول الدكتور "دايفد ميناشري": "ليس لدى إيران أي شيء تخسره من خلال الترويج بأنها عدوة لإسرائيل، طالما أن لا حدود مشتركة بين البلدين و لا حروب سابقة بينهما أيضا، خاصّة أنّ سياسة العداء لإسرائيل سياسة عملية و شعبوية. هذا هو الأمر الوحيد الذي يمكن لإيران أن تدّعي أنها حققت نجاحا فيه، وعندما يكون للدولة الكثير من المشاكل في الداخل، فمن الجيد أن يكون لديها عدو بعيد عن حدودها."
إذا ما تجاوزنا القشور السطحية التي تظهر من خلال المهاترات و التراشقات الإعلامية والدعائية بين إيران وإسرائيل، وإيران وأمريكا، فإننا سنرى أنّ ما يجمعهم من مصالح أكبر بكثير مما يفرقهم.
نقلاً عن شبكة الراصد الإسلامية: http://www.alrased.net